تزايدت حدة الهجوم الإيراني ضد المملكة العربية السعودية، بالتزامن مع حلول موسم الحج، والذي غاب عنه هذا العام الحجاج الإيرانيين، لما اعتبرته بلادهم "تقصيرًا" من السعودية إزاء زوار البيت الحرام.
وشن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، اليوم هجومًا على السعودية، في خطاب وجهه للعالم الإسلامي، تزامن مع هجوم شنه المرجع الشيعي الشیخ ناصر مكارم شیرازي للنظام السعودي، بقوله إن "الوهابية تشكل أكبر خطر على الإسلام، ولا تُمَثل المذهب السني".
وسبق الهجومين اتهام وجهه، السبت الماضي، أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران، اللواء محسن رضائي، للسعودية بأنها تسعى إلى إقحام المنطقة في حرب جديدة، وألقى عليها باللوم في المستوى المتردي الذي وصلت له العلاقات بين البلدين بسبب سياسات السعودية "العدائية" ضد بلاده.
ويعكس الهجوم السياسي الإيراني المتزايد الآن على المملكة، تصاعد في الأزمة بين البلدين، والتي كان من عواقبها- حتى الآن- قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما.
أزمة الحج.. كرة لهب يتقاذفها البلدان
طالب القائد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، آية الله علي خامنئي، العالم الإسلامي بالتفكير الجاد في حلّ لإدارة الحرمين الشريفين وقضية الحج، بسبب سلوك الحكام السعوديين "الظالم" ضد الحجيج، محذرًا من أن "التقصير" في هذا الواجب سيُعرّض الأمة الإسلامية مستقبلاً لمشكلات أكبر، مسترجعًا حادثي سقوط رافعة بالحرم المكي، وتدافع منى.
وصدرت دعوة "خامنئي"، في إطار نداءٍ وجهه اليوم، إلى الحجاج والمسلمين في كل العالم، تضمن هجومًا صريحًا على السعودية بقوله إن حُكّامها "سدّوا طريق الحجاج الإيرانيين"، وقال إن من "الأبواق الإعلامية" السعودية مَن يسعى إلى اتهام إيران بحرمان مواطنيها من الحج.
ووصف محمد محسن أبو النور، الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، على خطاب "خامنئي"، بأنه رسالة غير مسبوقة، تتضمن تصعيدًا على أعلى مستوى من الدولة، في إطار ما سماها "حرب العلاقات العامة" الدائرة بين طهران والرياض على خلفية الازمات المتراكمة منذ مطلع العام الجاري.
وقال "أبو النور" لـ"المنصّة" إن هناك اختلاف في الهجوم الإيراني هذه المرّة، يتمثل في صدوره عن الرجل "الذي لا يتحدث كثيرا" (خامنئي)، ويترك تسيير العلاقات الخارجية إلى من هم دونه في تراتبية النظام في طهران، وإنه جاء في توقيت مهم ويستهدف الخَصم من الرصيد السعودي، مع تصاعد المحور الروسي- الصيني المناويء للولايات المتحدة، والذي تتحالف معه إيران، ويستهدف كذلك "استغلال" المشاعر الدينية للمسلمين قبيل موسم الحج.
وأعلن وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي الإيراني، علي جنتي، في 29 مايو/ آيار الماضي، عدم إمكانية إيفاد بعثة من مواطنيه لأداء مناسك الحج لهذا العام بسبب "سلوك وحديث" المسؤولين السعوديين مع وفد بلاده، ووضعهم "عقبات وعراقيل" أمام الحجاج الإيرانيين، خلال جولتي مفاوضات انعقدتا بهذا الشأن.
واستبقت وزارة الحج والعمرة السعودية، تصريحات "جنتي"، ببيان في 27 مايو/ آيار الماضي، حمّلت فيه منظمة الحج والزيارة الإيرانية، مسؤولية عدم قدرة الإيرانيين على أداء الفريضة هذا العام، بعد رفض وفدها التوقيع على محضر إنهاء ترتيبات حجاجهم، مؤكدة رفض المملكة لـ"تسييس الحج أو المتاجرة بالدين".
وانتقد "خامنئي"، في خطاب اليوم، "تملّص" السعودية من تشكيل هيئة تقصّي حقائق دولية إسلامية في حادثي "الحرم" و"منى"، كما اتهم السعودية بـ"توريط العالم الإسلامي في حروب داخلية، عن طريق تأسيس وتجهيز الجماعات التكفيرية الشريرة، وإغراق اليمن والعراق والشام وليبيا وبلدان أخرى في الدماء".
ورأى الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية أن هذا الهجوم "سابقة" يمكن أن تغير من شكل المعادلة كليًا، لأنه "يُجهض أي محاولة للتهدئة من خلال الوسطاء الإقليميين، ويزيد حدة الاستقطاب المذهبي بين السنة والشيعة العرب على وجه الخصوص، في ظل التعاطف الشيعي العربي مع خط الدولة الإيرانية، في محاولتها رسم صورة لمظلومية الإيرانيين، فيما يتعلق بفشل التسوية حول شروط الحج بعد أن قطعت المملكة كليًا العلاقات معها".
"النمر" وسوريا.. عوامل تصعيد تأجيج الصراع
العداء الجلي بين المملكة والجمهورية الإسلاميتين، له عوامل تتخذ بُعدًا دينيًا، لاختلاف مذهبيهما بين السني والشيعي، وآخر سياسي تبدو أبرز تأثيراته في وقوف كليهما من الأزمة السورية في معسكرين متضادين.
أما الصراع الطائفي بين البلدين، فتأجج في أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي، بإعلان السعودية إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وآخرين لإدانتهم بـ"اعتناق المنهج التكفيري ونشره والترويج له بأساليب مضللة، والانتماء لتنظيمات إرهابية، وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية".
وسارعت إيران إلى إدانة إعدام "النمر"، إذ اعتبره عضو مجلس خبراء القيادة بها، آية الله أحمد خاتمي، "سيُسقط آل سعود"، بينما سبقته وزارة الخارجية الإيرانية بالتنديد والقول إن المملكة "ستدفع ثمنًا غاليًا جرّاء هذا الفعل.
وخلال 24 ساعة فقط، تدهورت العلاقات بين البلدين، إذ هاجمت حشود إيرانية غاضبة من إعدام "النمر"، السفارة السعودية في العاصمة طهران بعد ساعات من تنفيذه؛ لتردّ وزارة الخارجية السعودية بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران وإمهال البعثة الدبلوماسية الإيرانية 48 ساعة لمغادرة المملكة.
واعتبر "أبو النور" إعدام نمر باقر النمر ثم الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران وواقعة وفاة الحجاج العام الماضي، عوامل شنت إيران استنادًا لها "واحدة من أعنف الحملات الدعائية" ضد النظام السعودي، وهو ما رجح أن يدفع السعودية الآن للرد عن طريق "أسطولها الإعلامي"، واتهام إيران بـ"اصطناع المشكلات لإثارة أزمات على أساس مذهبي"، على الرغم من أن القضية هي خلاف سياسي بحث لا علاقة للدين به، وفقًا لقوله.
على الصعيد السياسي، تعد الأزمة السورية عاملاً رئيسيًا في تدهور علاقات البلدين خلال الأعوام الأخيرة، إذ اختارت السعودية الوقوف ضد النظام البعثي السوري، ودعم المعارضة السورية سياسيًا وميدانيًا.
في المقابل، اصطفت إيران بجانب الرئيس بشّار الأسد، وهو ما تطور مؤخرًا لدرجة إطلاق روسيا- الداعمة للنظام- غاراته على سوريا من قاعدة نوجه العسكرية في محافظة همدان، وهو ما رأى فيه "أبو النور" عودة بالتفاهم الإيراني ـ الروسي بخصوص الأزمة السورية إلى مرحلة ما قبل التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، ويحول إيران إلى "شريك" في صناعة القرار العسكري وليست مجرد حليف لروسيا في الأزمة.
وعن سيناريوهات نهاية الأزمة، استبعد "أبو النور" وقوع ما يروجه من البعض من اندلاع حربًا بين البلدين، قائلًا إن الأجواء الإقليمية والدولية غير مهيأة لذلك، ولن تسمح بها القوى الكبرى كما أنها أيضًا لن تسمح بالتهدئة، في ظل الحاجة الأمريكية إلى الخروج من الإقليم والتوجه بكل ثقلها تجاه إقليم جنوب شرقي آسيا، ما يجعلها تستهدف الإبقاء على إسرائيل بمنأى عن أي مشكلات، وتحويل الصراع العربي ـ الإسرائيلي بكامل طاقته إلى إسلامي- إسلامي.