ساهمت تدفقات العملة الصعبة خلال الأيام الماضية، في إنعاش حركة الإفراج عن البضائع العالقة في المواني، لكن مراقبين لحركة الاستيراد يشيرون إلى أن العديد من طلبات الاستيراد لاتزال قيد التنفيذ ما يعطي انطباعًا عن استمرار الأزمة.
وتُجمع المصادر التي تحدث إليها المنصة، على أن الأولوية لاتزال لتوفير السلع الأساسية، خاصة الغذائية منها مع اقتراب موسم رمضان، وبينما لا يزال منتجو السلع الصناعية يعانون من صعوبات توفير مدخلات الإنتاج، يقول مراقبون إن سلع ترفية تتدفق إلى المواني.
ويساهم استمرار ندرة الدولار في خلق حالة من الجدل بين المستوردين حول طبيعة المنتج الذي يمكن اعتباره أساسيًا، ويستحق الأولوية في تدبير العملة الصعبة.
وأدى سماح البنك المركزي بارتفاع الدولار إلى قرب الـ 30 جنيهًا في بداية العام الجاري لاستعادة استثمارات الأجانب في الديون الحكومية قصيرة الأجل، ما حقق انتعاشة قصيرة المدى في تدفق العملات الصعبة، بينما تعلق بالمواني بضائع مستوردة تُقدر قيمتها بنحو 16% من احتياطي النقد الأجنبي في البلاد.
الأولوية للسلع الغذائية والخامات
"70% من إجمالي البضائع في ميناء الإسكندرية تم الإفراج عنها بدعم من توفير السيولة الدولارية للمستوردين، مع تحسن ملموس في مجال تدبير العملة الصعبة للمستوردين" وفقًا لتقديرات رئيس شعبة مستخلصي جمارك ميناء الإسكندرية، مدحت حبشي، للمنصة.
ويوضح حبشي أن البنوك تعطي الأولوية في تدبير الدولار للإفراج عن شحنات القمح والذرة والأعلاف، والمنتجات الغذائية والخامات وقطع الغيار كوْن السوق في أمسّ الحاجة لها.
ويطرح نقيب مستخلصي جمارك بورسعيد، ممدوح حافظ، تصورات مشابهة عن الوضع في ميناء بورسعيد، "تم الإفراج عن 75% من الخامات والسلع الغذائية الاستراتيجية من ميناء بورسعيد خلال الأسابيع الماضية، خاصة الأعلاف والذرة واللحوم ومستلزمات إنتاج المصانع".
ويشرح رئيس لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات المصرية، محمد البهي أن "أولويات الحكومة خلال المرحلة الماضية كانت الإفراج عن الأدوية والسلع الغذائية الاستراتيجية والمعرّضة للتلف خاصة مع قرب دخول شهر رمضان".
وبلغ إجمالي البضائع المُفرج عنها خلال الفترة من 18 إلى 23 يناير/ كانون الثاني الجاري أكثر من 1.5 مليار دولار، كما قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي الأسبوع الماضي، مقدرًا قيمة البضائع بالموانئ حينئذٍ بـ 5.3 مليار دولار.
مؤشرات عودة السلع الترفية
لكن المراقبين لحركة البضائع في المواني يشيرون أيضًا لحركة نشاط نسبي في استيراد التي يمكن اعتبارها أقل أهمية من القمح والدواء، حيث يقول نقيب مستخلصي جمارك بورسعيد للمنصة، إن بعض الشركات المنتجة للأجبان استوردت خامات من خلال طلبيات جديدة، كما أن إحدى العلامات التجارية العالمية المنتجة للملابس والأحذية الرياضية وردت 12 كونتينر إلى مصر الأيام الماضية، بعد توقف دخول منتجاتها سابقًا لعدة أشهر.
تساهم مشكلة البضائع العالقة في تكبيد المستوردين غرامات ضخمة يتم سدادها للمواني
ويعلق البهي على فكرة وضع أولويات لتدبير الدولار والتي كانت متبعة منذ بدء الأزمة في مارس/ آذار الماضي بقوله "ليس من المفترض أن تكون هناك سلع نعتبرها أساسية في عملية الإفراجات الجمركية، لأن كل منتج مهم لصاحبه، لارتباط كل مصنع بالتزامات تجاه العمالة والقروض بجانب غرامات التأخير والأرضيات التي تأكل من رصيد الأرباح".
وكان البنك المركزي كشف منتصف يناير الجاري عن أن القطاع المصرفي قام بتغطية طلبات للمستوردين بنحو ملياري دولار خلال 3 أيام، في إشارة للانتعاشة النسبية التي شهدتها طلبات الاستيراد مع عودة استثمارات الأجانب في الديون المصرية.
"الأجهزة الكهربائية" في مأزق
ولا تعيش كل الواردات غير الأساسية نفس حالة التيسير، حيث يقول رئيس شعبة المنتجات الكهربائية بغرفة الصناعات الهندسية، حسن مبروك، إن القطاع لا يزال يعاني من صعوبات بالغة لتدبير العملة لاستيراد مكونات تلك الأجهزة.
"من الممكن أن يتم الإفراج عن مدخلات إنتاج وتعطيل مدخلات أخرى تخص نفس المنتج،وبالتالي لا يساهم الإفراج في هذه الحالة في حل المشكلة، وذلك بخلاف الشركات التي لا تستطيع توفير أي مكوّنات على الإطلاق"، يتابع مبروك.
ويشير مبروك إلى أن وزارة التجارة والصناعة طلبت من الغرفة قبل 10 أيام إعداد قائمة بأولويات كل قطاع في عملية الإفراجات الجمركية عن الخامات ومستلزمات الإنتاج "وكان رد الشعبة أن كافة خامات المصانع مهمة ومن الأولويات".
وتساهم مشكلة البضائع العالقة في تكبيد المستوردين غرامات ضخمة يتم سدادها للمواني، وهو ما يساهم في زيادة السعر النهائي للسلعة، قد تصل قيمتها إلى ما يتجاوز قيمة الشحنة المستوردة ذاتها.
ويقول رئيس لجنة الضرائب والجمارك باتحاد الصناعات، محمد البهي، إن اللجنة تعتزم مخاطبة مصلحة الجمارك لإمدادهم بإحصائية تتضمن كميات البضائع التي تم الإفراج عنها والمتبقية بالمواني بحسب كل قطاع.
لكن البهي لا يتوقع انتهاء مشكلة التكدس في الأجل القريب، نظرا إلى أنها مشكلة متجددة مع دخول شحنات إضافية إلى البلاد "دخول المنتجات المكدّسة ليس معناه غلق الملف لأن هناك سلعًا ومنتجات جديدة تدخل للمواني في كل وقت" كما يقول للمنصة.