تدهورت حالته الصحية لغياب الرعاية اللازمة له كمصاب بفيروس كبدي، يقبع في زنزانة بموجب حبس احتياطي تخطى المدة القانونية المقررة له وتجاوز ألف يومًا، قضى أغلبها بلا قرار إدانة أو تحقيقات، حتى ديسمبر/ كانون الأول 2015، حين أُحيل للمحاكمة بتهم تختلف عقوبات بينها الإعدام والسجن المُشدد.
هذا ما جناه مصور صحفي مصري اسمه محمود عبد الشكور أبو زيد، ويعرّفه زملاء المهنة باسم "شوكان"، لمشاركته في التغطية الإعلامية لفض اعتصام أنصار جماعة الإخوان المسلمين في حي مدينة نصر؛ إذ صار من يومها سجينًا يبدأ بعد ساعات عامه الخامس خلف الأسوار.
كان "شوكان" يتجول صباح 14 أغسطس/آب 2013، في محيط الاعتصام، حاملًا الكاميرا ومتأهبًا لالتقاط صورة مميزة لوكالة "ديموتكس" الفرنسية التي يتعامل معها، ولم يكن يتوقع أن تلك اللحظات ستكون الأخيرة في عهده مع الحرية، قبل أن يدخل نفق السجن المُظلم، بمجرد إلقاء القبض عليه عشوائيًا في شارع يوسف عباس، مع صحفيين آخرين.
قرر الأمن فيما بعد إخلاء سبيل الأجانب من المقبوض عليه، وإيداع الباقين في استاد القاهرة لمدة يوم، قبل ساعات من ترحيلهم لأقسام الشرطة والسجون المختلفة.
تحددت وجهة "شوكان"، إلى قسم القاهرة الجديدة، حيث كان الاستقبال وفقًا لما حكاه لمحاميه فيما بعد، بالسب والإهانة، قبل أن يجرى التحقيق معه دون حضور دفاع عنه، ودون إثبات رسمي في محضر التحقيق لشكوى "المُتهم" من تعرضه للتعذيب وسرقة مُعدّاته، ومنه انتقل إلى سجن أبو زعبل العسكري، "ليمان 2" تحديدًا، الذي وصله ممزق الملابس، وحافي القدمين.
على مدار أربعة أيام منذ فض الاعتصام، تعرض شوكان لسلسلة من الأحداث التي يستحيل معها وصفه بـ"المحظوظ"، إلا إذا كان هذا الوصف سيُطلق في سياق نجاته من الموت خلال ترحيله وعشرات المتهمين المُكدّسين في حر خانق داخل عربتيّ ترحيلات، شهدت إحداهما - التي لم يكن فيها المُصور السجين - وفاة 38 شخصًا، ونجا هو ليبدأ رحلة التجديدات التي بدأت بـ15 يومًا، بعد تحقيق في 27 أغسطس 2013 اقتصر على سؤال واحد "هل كنت في رابعة؟"، وذلك في غياب محاميه.
بينما دخل السجين احتياطيًا في دوامة من تأجيل جلسات محاكمته، "لدواعٍ أمنية" أو "لتعذر جلبه من محبسه"، طالبت العديد من الأصوات بإخلاء سبيل "شوكان"، باعتباره كان يؤدي عمله فقط، كما نظمت نقابة الصحفيين فعاليات تضامنية مع المصور السجين، كان منها مؤتمرًا صحفيًا في الذكرى الثانية لحبسه، وحفل إفطار مع أسرته في شهر رمضان الماضي. ولكن تلك الأصوات لم تجد صدى لدى السلطة التي اعتبرت شوكان متهمًا "جنائيًا" ضمن 738 آخرين في قضية تحمل رقم 15899 لسنة 2013 جنايات مدينة نصر أول، وعُرِفت إعلاميًا باسم "عمليات فض رابعة".
اعتبرت سلطات التحقيق المصور الصحفي متهمًا بـ" التجمهر، والتظاهر، والمشاركة في اعتصام رابعة العدوية، والانضمام لجماعة الإخوان بغرض تعطيل الدستور والقانون والإعتداء على حرية الأشخاص وممتلكاتهم، وتخريب المبانى العامة والمنشآت الخاصة بالقوة والعنف، واستعراض القوة والعنف وتكدير الأمن العام، واستعمال القوة والعنف ضد أفراد الشرطة، وحيازة مفرقعات وأسلحة نارية وذخائر دون تراخيص، وإضرام النيران بمسجد رابعة العدوية عمدًا، وتعطيل وسائل النقل".
"مشكلتي إني مصري"
لاقى "شوكان" تضامنًا حقوقيًا دوليًا، كان من ضمنه محاولات اللجنة الدولية لحماية الصحفيين مخاطبة النائب العام للإفراج عنه، ومساعي منظمة العفو الدولية للحيلولة بينه وبين "البدلة الحمراء" التي تهدده بسبب كل التهم السابقة، وذلك عبر إطلاق المنظمة عريضة مفتوحة للتوقيع، تطالب السلطات القضائية المصرية بإسقاط جميع التهم الموجهة له، والإفراج الفوري عنه، في إشارة إلى أن "شوكان" لم يرفع يوم القبض عليه سوى كاميرا.
لا يتوقف حديث المصورين عن زميلهم السجين، ولا تتراجع المنظمات الحقوقية عن التضامن معه، وأكدت إحداها وهي منظمة حرية الفكر والتعبير سقوط قرار الحبس الاحتياطي الصادر بحق "شوكان"، لتجاوزه المدة القانونية المقررة بنص المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي تكون أقصى مدة حبس فيها لعامين.
وفي المقابل، لم تتراجع السلطات المصرية عن موقفها، بإخلاء سبيله أو حتى بالاعتراف بصفته المهنية، كما بدا من تأكيدات وزير الخارجية سامح شكري خلال مقابلته نظيره الأمريكي جون كيري في أغسطس/ آب 2015 أنه "لا يوجد في مصر صحفي سجين بسبب عمله".
وسط كل هذا، وبمرور الأعوام، كان السجين الذي نال في 2016 جائزة اليونسكو لحرية الصحافة والإعلام، يخطّ بيديه رسائل ترسم من داخل محبسه صورة بلا رتوش تجميلية لطبيعة النظام الذي يواجه الكاميرا ويحاول تقييدها باتهاماته.
بين الأمل والرجاء، كتب "شوكان" الرسائل، التي قال في إحداها بصراحة ويأس، بعد إخلاء سبيل صحفيين سجناء مصريين مثله لكنهم يحملون جنسية أخرى، "مشكلتي مع بلدي أني مصري"، مبديًا استعداده للتنازل عن الجنسية، دون التنازل- كما يؤكد في رسالة أخرى- عن "سبب بلائه ومُصيبته" الكاميرا، التي لخص علاقته بها بأنها الشيء الذي به ومن خلاله يرى الحياة.