كان اليوم هو العاشر من ديسمبر/ كانون أول لعام 1999، حين نقلت كاميرا تليفزيونية صورة للعالم الأكاديمي أحمد زويل، وهو يتوسط جمعًا علميًا في قاعة الأكاديمية الملكية في ستوكهولم، استعدادًا لتسلم جائزة نوبل في الكيمياء من ملك السويد، بعد تطويره مع فريق بحثي، عدسات قادرة على توليد شعاع ليزر فائق الدقة، قادر على التقاط الجزيئات في زمن بالغ الدقة سُمي "الفيمتو ثانية". هذا الاسم الذي صنع شهرة زويل وارتبط به حتى وفاته مساء أمس الثلاثاء، في الولايات المتحدة الأمريكية عن عُمر ناهز السبعين.
لقى فوز زويل بالجائزة حفاوة في بلده الأم مصر، التي فشل فيها الباحثون في نضالهم للوصول بنسبة الإنفاق على البحث العلمي إلى 2% من الناتج القومي، ومنحه رئيسها الأسبق حسني مبارك -في عام "نوبل" نفسه- قلادة النيل 1999، ودعاه للإشراف على كيان أكاديمي علمي في مصر، ليُوضَع بالفعل حجر أساس مشروع سُمّي وقتها "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا" في 1 يناير/ كانون ثان 2000، بحضور رئيس الحكومة وقتها الدكتور عاطف عبيد، قبل أن تتوقف أعمالها بسبب معوقات، لم يوضح طبيعتها الموقع الرسمي للمدينة.
كانت عودة زويل عام 1999 لمصر بعد 17 عامًا من حصوله على الجنسية الأمريكية، بعد حصوله على الدكتوراه في الولايات المتحدة من جامعة بنسلفانيا عام 1974. ومن وقتها وحتى حصوله على نوبل في الكيمياء؛ ظل زويل مجهولاً لمواطنيه. لكن عودته حملت له مجدًا استثنائيًا باعتباره أول مصري وعربي يحصل على تلك الجائزة الرفيعة في مجال العلوم التطبيقية، بعد أن كان قد بلغ من العمر 54 عامًا، قضى معظمها في الولايات المتحدة.
تشير السيرة الذاتية لزويل المنشورة على الموقع الرسمي للأكاديمية الملكية السويدية المانحة لجائزة نوبل، إلى مولده في فبراير/شباط 1946 بمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ. وبعدها توالى تحقيقه لنجاحات عديدة، كانت بذرتها تشجيع الأسرة لطفلها الذكر الوحيد بين ثلاث شقيقات، الشغوف بالعلوم حد تأسيس معمل صغير في غرفته ببضع زجاجات و"سبرتاية" قهوة.
كان ذلك الشغف بالعلوم هو ما دفع زويل للتخصص في الكيمياء، التي حصل على شهادة فيها من جامعة الإسكندرية عام 1967، ثم الماجستير عام 1969، وهو كذلك ما دفعه للقتال من أجل استكمال دراسته في الخارج، متغلبًا على عراقيل ما بعد الهزيمة من إسرائيل. ليحصل على درجة الدكتوراه في علوم الليزر من جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1974.
أبى زويل بعد انتهاء سنوات المنحة العودة إلى مصر، وقرر التنقل خلال السبعينات بين جامعتي بنسلفانيا وكاليفورنيا، ومعهد "كالتك" للتكنولوجيا في باسادينا- كاليفورنيا، وشغل فيهم جميعًا مناصبًا علمية مهمة كان أبرزها أستاذ رئيسي لعلم الكيمياء في كالتك، إلى جانب عضويته في مجلسين علميين استشاريين للرئيس الأمريكي باراك أوباما بين عامي 2009 و2013، وللأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون منذ العام 2013.
المتهم بالتطبيع ودعم "الانقلاب"
حين كان في العاشرة من عمره، راسل الطفل أحمد زويل الرئيس المصري جمال عبدالناصر انبهارًا به، وفرح بردّه عليه الذي يشجعه فيه على تحصيل العلم، وهو ما التزم به الصغير، فنال العديد من ألقاب ودرجات الأستاذية، وحصد التكريمات التي كان منها: جائزة وولف في الكيمياء عام 1993 التي تمنحها إسرائيل، ألد أعداء بطل طفولته "عبدالناصر"، لكنها تعد أرفع الجوائز العلمية دوليًا بعد جائزة نوبل.
جلّب التكريم الإسرائيلي من "مؤسسة وولف" عام 1993، على عالم الكيمياء هجومًا، باعتباره "يُطبِّع مع إسرائيل" التي -للمفارقة- استخدم القائمون على الدعاية لمدينة زويل العلمية اسمها، باعتبار تقدمها العلمي خطرًا على مصر في حال عدم اهتمام الأخيرة بالبحث العلمي.
وواجه زويل اتهامات بدعم جامعات إسرائيلية، وهو ما نفاه في خطاب أرسله لصحيفة "الدستور" عام 2009، إلا أنه رغم ذلك كان أحسن حظًا من زميله في حيازة نوبل: محمد البرادعي، الذي وقف عقب ثورة 25 يناير في مرمى اتهامات الموالين للنظام الأسبق بـ"العمالة والخيانة"، وهو ما نجا منه زويل، الذي التقى مع البرادعي في إعلان دعمه للثورة ومطالبته لمبارك بالتنحي.
لكن زويل، الذي نال رضا القطاع الثوري المعارض لمبارك، لم يفلت من براثن هجوم أنصار النظام الإخواني ولا المعارضين لأحداث 30 يونيو، بدعوى أنه "أيَّد الانقلاب العسكري". وهو ما رد عليه زويل بوصفه إزاحة الإخوان المسلمين عن الحكم بـ"الإرادة الشعبية".
"النيل".. قضية زويل الخاسرة
عقب ثورة 25 يناير، انفرجت أزمة مشروع المدينة العلمية، التي في سبيل خروجها للنور؛ ظهر زويل بنفسه في حملات دعائية تتحدث عن "المجد والجينات المصرية". وصدر قرار في 11 مايو/ آيار 2011 من حكومة عصام شرف بتأسيس المشروع القومي للنهضة العلمية، وتسميته "مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا"، التي افتتحت رسميًا في 1 نوفمبر 2011 على مبنيين بمدينة الشيخ زايد، وصفهما موقع المدينة بأنهما "حكوميين"، لتطفو إلى السطح أزمة جديدة بالدخول في صراع قضائي على الأرض والمباني مع جامعة النيل الأهلية.
وتحكي مدونة باسم "جامعة النيل" جذور مشكلتها، وعن أحقيتها بالمباني التي حولتها الحكومة لمشروع زويل، وكيف صدر قرارٌ جمهوري عام 2006 بإنشائها، كأول جامعة أهلية مصرية غير هادفة للربح "تخضع جميع أموالها وما تحصل عليه من تبرعات لسلطة الجهات الرقابية"، وذكرت أن الحكومة خصصت لها أرض في مدينة الشيخ زايد بمساحة 127 فدان، على أن تُمنح الجامعة حق الانتفاع بها لمدة 30 عامًا.
تشير المُدونة نفسها إلى أن العملية الدراسية طيلة فترة الإنشاءات- التي بدأت عام 2008- مُنتظمة بشكل مؤقت في القرية الذكية، ثم انتقل طلابها بانتهاء البناء عام 2010 إلى موقع الجامعة، وظلوا فيه إلى أن طالبهم رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق -بعد تنحي مبارك بأيام- بالعودة مرة أخرى إلى القرية الذكية "لدواعٍ أمنية". وفوجئوا في 17 فبراير 2011 بقرار من "شفيق" بنقل كل أصول جامعة النيل إلى صندوق تطوير التعليم التابع لرئاسة الوزراء، وأعلن عن إحياء مشروع زويل.
سلك طلاب وأكاديميو الجامعة الدرب القضائي، في وقت واصل فيه زويل الإدلاء بتصريحات يؤكد فيها أن مشروع مدينته "وليد ثورة يناير"، وأن الحكومة منحته في سبيل تحقيقه مبانٍ خالية عليها "مخالفات قانونية جسيمة"، ولم يتردد في اتهام الإعلام بـ"تزييف الحقائق فيما يتعلق بنزاعه مع جامعة النيل التي وصف طلابها بأنهم "ضحية الإدارة".
انتهى النزاع بحكم صادر عن القضاء الإداري في أبريل/ نيسان 2013، لصالح جامعة النيل الأهلية، التي لم يجد طلابها سبيلاً للمقاومة -في ظل تضامن العديد من الأصوات الإعلامية مع أحمد زويل- سوى تنظيم الفعاليات الاحتجاجية ضد قرارات الحكومة ومدينة زويل. لكن العالم المصري لم يستسلم للحكم، وقرر مواصلة دفاعه المستميت بتقديم استشكال ضد الحكم، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارها في مارس/ آذار 2014 برفضه.
وفي الشهر التالي على الحكم، أبريل/ نيسان 2014، أصدر الرئيس المصري السابق، عدلي منصور، قرارًا جمهوريًّا برقم 115، بتخصيص 198 فدانًا؛ لبناء المقر الجديد لمدينة زويل في منطقة حدائق أكتوبر بمدينة السادس من أكتوبر، وأسند خليفته عبدالفتاح السيسي، أعمال بناء وتشييد الموقع الجديد للمدينة إلى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
كان التاريخ هو نوفمبر/ تشرين ثان 2014، بفاصل زمني 15 عامًا عن لحظة نوبل، حين نُشر فيديو للحظة تكريم أخرى من جامعة سايمون فرازر الكندية، بعد أن عُرِف اسم زويل بين العامة والبسطاء، وواصل أبحاثه الناجحة وخاض معركته الخاسرة. وظهر فيه بين أعضاء تلك الجامعة الكندية وكأن عمرًا أضيف إلى عمره، فبدا بملامح شاحبة وجسد مُنهك، يؤكد تردي حالته الصحيّة؛ إثر إصابته بسرطان النخاع الشوكي منذ عام 2013، ليمتد الصراع لثلاث أعوام انتهت بلحظة وفاته التي سبقتها وصية بدفنه في مصر، واستكمال حلم مدينة العلوم.