الصورة: shutterstock

الابتزاز الإلكتروني يؤرق نساء مصر

منشور الثلاثاء 29 نوفمبر 2022

منتصف العام 2018 في إحدى قُرى مدينة بنها شمال العاصمة المصرية القاهرة، بدأت قصة حُب بين سارة (اسم مستعار)، ابنة الستة عشر ربيعًا في ذلك الوقت، وشاب يكبرها بثلاث سنوات من سكان المدينة ذاتها، من خلال برامج المحادثات النصية والاتصالات الهاتفية، لتتطور بعدها إلى الالتقاء وتبادل الصور الخاصة، وذلك بعد أن وعدها بالتقدم إلى أسرتها للزواج منها.

لكن كل تلك الوعود تبخرت بعد أشهر عندما بدأ يطلب منها الدخول في علاقة حميمة، ومع رفضها طلباته، بدأ بتهديدها، إما أن ترضخ، أو سيبعث الصور الخاصة بها وتسجيلات المكالمات إلى أهلها، "هبعت صورك وكلامك لأهلك، وهما هيتصرفوا معاكي". تقول سارة "الموضوع فجأة كبر وكل يوم مجموعة من صحابه يكلموني يهددوني عبر فيسبوك أو يتصلوا على رقم هاتفي، كنت أموت من الخوف لما أسمع صوت موبايل أمي، أظن أن حد من المُبتزين بعث إليها حاجة".

لم تخبر سارة أهلها بالمشكلة خوفًا من رد فعلهم، وأيضًا لم تتوجه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضد المبتزين، ولم تعرف كيف تتصرف مع قصة الابتزاز حتى الآن، الأمر الذي أثر سلبًا على حياتها الاجتماعية والتعليمية، وأصبحت خائفة من التعامل مع الناس، ولم تستطع الحصول على مجموع الثانوية العامة الذي طالما أرادت تحصيله.

ورغم دخولها الكلية وتغير حياتها بالكامل، فإن المُبتز وأصحابه لا يزالوا يلاحقونها في كل مكان تذهب إليه، ويسبُّونها حين تمر من أمامهم، ما جعلها تفكر بالانتحار للهروب من كل شيء، حسبما تقول.

أساليب جديدة للابتزاز

ليست سارة سوى واحدة من مئات الفتيات اللاتي يتعرضن للابتزاز الإلكتروني في مصر عبر السوشيال ميديا، فحسب استبيان أُعد على مدى أسبوعين لرصد أساليب الابتزاز المختلفة، بشكل خاص، واستهدف 37 فتاة عبر تطبيقي فيسبوك وواتساب، من خلال إرساله إليهن عبر المجموعات النسائية التي تضم المتعرضات للابتزاز الإلكتروني، ظهر أن حوالي 25 فتاة استجبن للاستبيان من أصل 37، بدأن بالتعرض للابتزاز من خلال مواقع السوشيال ميديا، بينما 7 حالات تعرضن لذلك من خلال واتساب، و5 من خلال الاتصالات الهاتفية.

في حين رفض عدد كبير من عضوات تلك المجموعات الحديث عن أي شيء تعرضن له، خوفًا من الوصم الاجتماعي.

يقول المحامي بالاستئناف جمال محمود، إن المبتز يبدأ ممارساته غير الأخلاقية بعدما يتمكن من الحصول على صور أو معلومات خاصة لشخص أو شركة، قائلًا إن أكثر المشاكل شيوعًا هي الابتزاز عن طريق الصور الشخصية أو المحادثات الخاصة التي تم الحصول عليها عن طريق اختراق حسابات مواقع السوشيال ميديا، أو عن طريق إرسال الصور إلى شخص غير موثوق بهدف التعارف، مؤكدًا أن معظم ضحايا هذا النوع من المراهقات.

وحسب الضحايا، فإن هناك أساليب مختلفة يتخذها المُبتزون للإيقاع بهن، فقد أوضح الاستبيان أن 19 فتاة من أصل 37 تعرضن للابتزاز من خلال الصور والفيديوهات والمعلومات الشخصية الحقيقية التي بحوزة المبتزين، بينما أجابت 13 فتاة أن المبتزين عمدوا إلى استخدام صور مفبركة للابتزاز.

ولمعرفة كيفية وصول الصور أو المعلومات الشخصية إلى المُبتز، أجابت 20 من الضحايا أنهن كنّ على معرفة سابقة بالمُبتزين، بينما 11 من الضحايا أجبن بأن معلوماتهن الخاصة والصور تم تسريبها للمبتزين من خلال اختراق الهواتف أو حسابات السوشيال ميديا، و5 من الضحايا تم التقاط صور لهن من دون علمهن، وأجابت فتاة واحدة أن المعلومات الشخصية والصور تسربت من خلال أشخاص يقدمون خدمات الهاتف صيانة الموبايل.

الوعي القانوني وضحايا الابتزاز

يعرّف جمال محمود الابتزاز الإلكتروني بأنه جريمة إلكترونية يقوم بها شخص عبر الاحتفاظ بملفات إلكترونية خاصة بشخص آخر بغرض الحصول على مقابل مادي أو تنفيذ أمر غير أخلاقي، مُشيرًا إلى أن عملية الابتزاز الإلكتروني قد تستهدف شخصًا أو مجموعة أو شركات، لكن هذا المصطلح ارتبط بالأشخاص، لأن النوع الموجه للشركات يسمى "الفدية".

لم تكن سارة  تعرف بقانون الابتزاز وماذا يجب أن تفعل في ذلك الوقت لصغر سنها وخوفها "كنت خايفة أعمل محضر أو أتصرف مكنتش عاوزة حد من أهلي يعرف" حسب ما تضيف سارة.

يرى محمود أن قلة الوعي القانوني لدى المجتمع، خصوصًا المواد القانونية الخاصة بالابتزاز، هي ما تفاقم من مشكلة الابتزاز الإلكتروني، كما أن الخوف هو من أكبر أسباب انتشار هذه الظاهرة في المجتمع المصري. أما عقوبة الابتزاز، وفق قانون العقوبات في مصر، فهي حسب المادة 327 أن "كل من هدد غيره كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس أو المال معاقب عليها بالقتل أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة أو بإفشاء أمور أو نسبة أمور تخدش الشرف، يعاقب بالسجن، وتنخفض إلى الحبس إذا لم يكن التهديد مصحوبًا بطلب مادي".

أغلب الضحايا اللائي التقينا بهن  كن لا يعرفن شيئًا عن قانون العقوبات المصري، ولا يعلمن بوجود قانون خاص بالابتزاز، وبعض الضحايا تعرف أن هناك طرقًا قانونية للإبلاغ عن تعرضهن للابتزاز إلى مباحث الإنترنت، لكن العادات والتقاليد والخوف من المجتمع، جعلتهن يتعاملن مع المُبتزين شخصيًا أو من خلال وسطاء، كيلا تنتشر القصة، إذ تعتبرها بعض الأسر "فضيحة".

وعند السؤال عن مصير الابتزاز وكيف تم حل المشكلة، أجابت 26 ضحية أن المشكلة حُلَّت وديًّا مع المُبتزين، وانتهت دون خسائر، بينما 9 ضحايا قلن إن المشكلة لا تزال قائمة ولم تنتهِ حتى اللحظة، وأجابت ضحيتان أن المشكلة انتهت بإلقاء الشرطة القبض على المُبتز، وهذه النسبة تدل على جهل الضحايا والمُبتزين بالجانب القانوني لقضايا الابتزاز الإلكتروني.

من جهتها، ترى استشارية الطب النفسي والأسري الدكتورة إيمان عبد الله أن "الابتزاز الإلكتروني جريمة في حق كل إنسان يُجبر على فعل معين"، مشيرة إلى أن بعض المبتزين لا يشعرون بأن فعلهم "جريمة"، ويعتقدون أنهم لن يقعوا تحت طائلة القانون، موضحة أن على الضحية التي تتعرض للابتزاز، ألا ترضخ للمبتز أو تقوم بتنفيذ ما يطلب منها، وأن عليها اللجوء إلى مباحث الإنترنت، أو الاستعانة بمحامٍ لمتابعة القضية والإسراع في تأمين الحساب من خلال بعض التطبيقات المتاحة.

أما سارة فلم تبح بسرِّها لأسرتها أو حتى أصدقائها حتى الآن، خوفًا من الفضيحة التي تلحق بها، وخوفًا من أهلها، فقررت الصمت، ومواجهة هذا الشاب وأصدقائه بمفردها، وتضيف "مش عارفة أتعافى لحد دلوقتي وأقل موقف بيفكرني بيه بنهار ومش بعرف أتكلم مع  حد".

لا تزال سارة تعيش في كابوس ملاحقته حتى الآن الأمر الذي تسبب لها ببعض المشاكل النفسية "آثاره كبيرة عليا مبقتش أثق في حد  بخاف وعلطول عندي رعب من أنه يأذيني قدام لو حصل خطوبة.. عندي رعب أنه يرجع يهددني تاني بخاف أتعامل مع ناس أصلًا".

ينص قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في المادة 25 على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تتجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري، أو انتهك حرمة الحياة الخاصة أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته".

shutterstock

ضوء في نهاية النفق

في الآونة الأخيرة، برزت مبادرات إلكترونية يديرها مجموعة من الشباب للتعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني والتحرش، ولعبت مبادرة  مثل "قاوم" دورًا كبيرًا في التوسط بين الضحايا والمبتزين في حل معظم قضايا الابتزاز الإلكتروني، وذلك حسب ما أظهره الاستبيان، ولجأت 15 منهن إلى هذه المنصات، بينما لجأت 12 من الضحايا إلى الأمن والشرطة المتخصصة، و 10 منهن تعاملن مع المبتزين شخصيًّا أو من خلال الأهل. لكن سارة لم تعرف بهذه المبادرة في ذلك الحين، كون مبادرة قاوم حديثة العهد تأسست قبل عامين.

يقول محمود اليماني، مؤسس مبادرة "قاوم"، التي تُعد من أكبر وأشهر المنصات الإلكترونية المعنية بالتعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني في مصر "حينما ظهرت مبادرة "قاوم"، وجدتها الكثير من الضحايا ملجًا لهن للتخفيف من مخاوفهن ومحاولة وقف نزيف "الابتزاز" الذي يتعرضن له، حيث تستقبل المبادرة أكثر من 500 رسالة يوميًّا من ضحايا الابتزاز الإلكتروني.

ويؤكد اليماني أن فريقًا من السيدات يتلقى شكاوى الحالات التي ترد إلى الصفحة الرسمية للمبادرة، موضحًا أن الخطوة التالية بعد تلقي رسائل الحالات، تتمثل في البحث عن أنسب الحلول للضحايا، وآليات الحصول على حقوقهن ومتابعة المشكلة للنهاية".

وتسلك المبادرة طرق عدة لحل المشكلة، إحداها التواصل المباشر مع "المبتز" لإنهاء الأزمة بشكل ودّي، وأيضًا عبر إقناع أهل الضحية بضرورة مساعدتها وحمايتها وفتح مجال للحوار بين الضحية والعائلة.

ويقول اليماني: هناك نوعية من "المبتزين" يتم التعامل معهم بشكل قانوني منذ البداية، ولا يقتصر دور "قاوم" على مساعدة ضحايا الابتزاز الإلكتروني والتحرش فقط، بل تقوم المبادرة بدور توعوي في تثقيف الأفراد حول حقوقهم القانونية وإكسابهم الشجاعة لمواجهة من يحاول ابتزازهم دون خوف من نظرة المجتمع.

وحسب مؤسس مبادرة "قاوم"، فإنهم يسلكون الطريقة القانونية، سواء تم التواصل مع "المبتز" لإنهاء الأزمة بشكل ودي أم لا وذلك لضمان حق الضحية، مؤكدًا أن حوالي 70% من "المبتزين" يجهلون عقوبة هذه الجريمة.

الدور المجتمعي تجاه قضايا الابتزاز الإلكتروني

ترى استشارية الطب النفسي والأسري الدكتورة إيمان عبد الله، أن الضحية تعتقد أن هذا الشخص الذي تربطها علاقة معه، هو شخص موثوق فيه وأنه أصبح صديقًا، الذي لا يشترط بالضرورة أن يكون من نفس الجنس، فقد يكون بين ذكر وذكر، أو أنثى وأنثى، فتتبادل معه الصور ومعلومات دقيقة حول حياتها، وتقول ناصحةً "على الجميع الحذر من الأسئلة التي تقتحم الخصوصية، والحذر من نشر المعلومات الخاصة على الخاص والعام، فما لا ترضاه على العام، لا ترسله لأي شخص في الخاص".

وأوضحت عبد الله أن زيادة أعداد ضحايا الابتزاز الإلكتروني تأتي نتيجة لقلة الوعي والثقافة، وقالت إن "العلاقات والصداقات في العالم الافتراضي تعتبر مجهولة؛ لأنها غير متكاملة الأركان، فهنا تدخل علاقة مع شخص مُبهم ووهمي"، وتنصح ضحايا الابتزاز بضرورة التقرب من الأهل والأصدقاء الحقيقيين الذين يقدمون النصح والإرشاد، بالإضافة إلى طلب الدعم النفسي والاجتماعي عند الحاجة.

هذا ما يؤكده المحامي جمال محمود "يجب عدم التفاوض أو دفع أموال للمبتز، لأن ذلك قد يجعله يتمادى أكثر في طلب المزيد من الأموال، ويجب على ضحايا الابتزاز التوجه إلى مباحث الإنترنت وتحرير محضر بالواقعة.

أسلوب للكسب والتربح

تحولت ظاهرة الابتزاز الإلكتروني من جريمة فردية إلى جماعات منظمة، تقوم بابتزاز الأشخاص من الجنسين بهدف الجنس أو الكسب المادي. يقول اليماني "هناك حالات تعتمد على الابتزاز بدافع الكسب المادي أو الجنسي، وخصوصًا العصابات والنصابين وعصابات تجارة النيودز، ودي حاجات انتشرت بشكل مرعب وبتكون ممولة، علشان كده، الجهات الأمنية هي اللي تتولى هذه الحالات".

معلوم أنه في الآونة الأخيرة، ارتفعت مطالبات شعبية بتعديل قانون العقوبات المصري، خاصة المواد المتعلقة بخصوصية الأفراد، وذلك للحد من انتشار جرائم الابتزاز الإلكتروني.

وتقول النائبة في مجلس النواب، وعضوة لجنة حقوق الإنسان، الدكتورة أمل سلامة "أنا طالبت بتغليظ العقوبة على من يبتز أي مواطن أو يخترق حياته الخاصة عبر المواقع الإلكترونية، أو وضع الصور في غير أماكنها الصحيحة، وتعديل المادتين 25 و26 لتصبح العقوبة الحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، وإن شاء الله عند اكتمال النصاب القانوني للتصويت على التعديل، سيتم إدراجه في التشريعات الجديدة".

حتى اللحظة، مرت 5 سنوات، ولا يزال سيناريو الابتزاز يتكرر كل يوم، الأمر الذي جعل سارة تعيش حبيسة دوامة من الخوف والقلق، لأن الأمر لم يقتصر على ابتزاز الشخص الذي أحبته ذات يوم، بل أصبح هناك أشخاص آخرون من أصدقائه يهددونها، بعد أن قام بمشاركة صورها الخاصة معهم، لتكون بعد ذلك ضحية ابتزازٍ جماعي.

الاستبيان أوضح أيضًا أن 15 شخصًا من المُبتزين كان هدفهم إرغام الضحايا على الدخول معهم بعلاقات خاصة، بينما 16 من المُبتزين كان هدفهم الانتقام من الضحايا، و6 منهم كان هدفهم الكسب المادي، وطلبوا من الضحايا تقديم أموال أو أغراض شخصية.

وأظهر الاستبيان أن أغلب المبتزين كانوا في الفئة العمرية من 25 إلى 40 سنة، فيما أجابت 13 فتاة بأن عمر المبتز كان من 16 إلى 25، بينما أجابت 7 ضحايا ممن تعرضن للابتزاز أنهن لا يعرفن عمر المبتز.

تعيش سارة حاليًا داخل غرفتها الصغيرة في حالة من القلق المستمر، لا تعلم متى سينتهي الكابوس الذي سيطر على حياتها، ومدى تطوره مع مرور الأيام، لكنها متمسكة بالأمل الذي يقودها نحو حياة أفضل دون أي تعقيدات. تركز حياتها على الكلية التي التحقت بها وتحلم بأن تصبح مهندسة ديكور.


تنشر المنصة هذا التحقيق بالتزامن مع “إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية” (أريج) في إطار اتفاق شراكة.