صفحة المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية
الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال خلال أعمال القمة العربية

نص كلمة السيسي خلال أعمال القمة العربية 2/11/2022

منشور الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 - آخر تحديث الثلاثاء 14 فبراير 2023

 

(...) أن أتواجد معكم اليوم في بلد المليون شهيد، وأتوجه بخالص الشكر والتقدير لفخامة الرئيس عبد المجيد تبون على حسن الاستقبال وكرم الضيافة.

وإنني إذ أعرب كذلك عن ثقتي في أن آليات العمل العربي المشترك ستشهد قوة دفع ملموسة في ظل رئاسته، فأجدد التأكيد بهذه المناسبة على أن مصر لن تدخر جهدا في سبيل دعم جامعتنا العربية، بيت العرب، بما يحقق مصالح شعوبنا الشقيقة. وأدعو الله عز وجل أن يسدد خطانا وأن يوفقنا لما فيه خير أمتنا.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

يلتئم هذا الجمع الكريم بعد غياب طال أعوامًا، ليحمل معه دلالة سياسية مهمة، تعكس تصميمنا على تطوير علاقاتنا والتصدي للتحديات المشتركة التي تواجه أوطاننا.

ولعل انعقاد قمتنا العربية هو في حد ذاته دعوة، دعوة لاستلهام روح القومية العربية، وتجديد عزيمة الصمود، من أجل الحفاظ على هويتنا وتحرير إرادتنا الوطنية، والدفاع عن حقوق شعوبنا وصون مقدراتها.

وما أحوجنا اليوم في ظل تتابع الأزمات العالمية والإقليمية إلى استذكار محطات التعاون المضيئة في تاريخنا، التي تجسدت فيها أسمى معاني العروبة والإخاء والتكاتف، لرفع رايات الحق والعدل، وبما يعيد الحقوق لأصحابها، ويحفظ الاستقرار ومستقبـ، ومستقبل الأجيال القادمة.

وإن تاريخ أمتنا العربية، وما شهدته دولنا من أحداث في الماضي القريب، يثبت لنا جميعا وبما لا يدع مجالًا للشك أن ما قد يؤلم أشقاءنا بالمغرب العربي، سيمتد إلى مصر والمشرق العربي ودول الخليج. وأن عدم الاستقرار في دو المشرق أو فلسطين إنما تمتد آثاره إلى المغرب العربي. وأن تهديد أمن الخليج هو تهديد لنا جميعًا.

إن أمننا القومي العربي هو كل لا يتجزأ، بينما نولي أنظارنا، نجد أن الأخطار التي تداهم دولنا واحدة، وترتبط في مجملها بتهديد مفهوم الدولة الوطنية، وتدخل قوى إقليمية أجنبية في شؤون المنطقة من خلال تغذية النزاعات، وصولا إلى الاعتداء العسكري المباشر على بعض الدول العربية.

وكلها عوامل أفضت إلى طول أمد الأزمات دون حل، في زمن تشتد فيه التحديات الاقتصادية والتنموية والبيئية عالميا وإقليميا، ويزيد فيه الاستقطاب الدولي الذي أصبح عنصرا ضاغطا سياسيا واقتصاديا على نحو بات يؤثر علينا جميعا.

لقد أثارت هذه التحديات العديد من الشواغل المشروعة لدى الشارع العربي، والذي بات يتساءل عن الأسباب التي تعيق تحقيق التكامل بين دول الإقليم العربي في مختلف المجالات، الأسباب التي تحول دون أن تلحق أمتنا ذات الموارد والإمكانات الهائلة بركب الأمم الأكثر تقدما.

بل صار يتساءل عن غياب التصور والإجراءات المطلوب اتخاذها لوقف نزيف الدم العربي، وردع تدخلات القوى الخارجية، والحد من إهدار ثروات المنطقة في غير مقاصدها الصحيحة، وبلورة تسويات نهائية للصراعات التي لن تحل بمعادلة صفرية يقصى فيها طرف أو يجار على حقوقه.

وإن ضمان قوة ووحدة الصف العربي هي خطوة أساسية على صعيد تأسيس علاقات جوار إقليمي مستقيمة

ومن و.. ومن واقع الترابط الفعلي الذي يجعلنا جميعا أعضاءً لجسد واحد، ومن واقع حجم التحديات والضغوط الراهنة، الذي يفوق قدرة أي دولة على التصدي لها منفردة؛ فإنه يتعين علينا تبني مقاربة مشتركة وشاملة، تهدف إلى تعزيز قدراتنا الجماعية على مواجهة مختلف الأزمات، استنادا على أسس واضحة تقوم على تكريس مفهوم الوطن العربي الجامع من ناحية، والدولة الوطنية ودعم دور مؤسساتها الدستورية من ناحية أخرى، بما يسهم في حفظ السلم الاجتماعي، وترسيخ ركا.. ركائز الحكم الرشيد، والمواطنة، وحقوق الإنسان، ونبذ الطائفية والتعصب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية والمليشيات المسلحة، وقطع الطريق أمام أي محاولات لدعمهم أو منحهم غطاء سياسيا، أو توظيفهم من قبل بعض القوى، سواء الإقليمية، أو الدولية لإنشاء مناطق نفوذ لها في العالم العربي.

وإن ضمان قوة ووحدة الصف العربي هي خطوة أساسية على صعيد تأسيس علاقات جوار إقليمي مستقيمة، تستند إلى مبادئ غير قابلة للمساومة، وملزمة للجميع، وهي احترام استقلال وسيادة وعروبة دولنا، وتحقيق المنفعة المتبادلة، وحسن الجوار، والامتناع الكامل عن التدخل في الشؤون العربية.

وتظل مصر طامحة وراغبة في تحقيق شراكة فعلية في ما بين دولنا على أرضية ما يجمعنا من تاريخ مشترك، والتطلع نحو مستقبل أكثر ازدهارا يتشكل من خلال اطلاع كل دول، كل دولة بمسؤولياتها على النطاق الوطني، في سياق أوسع من العمل الجماعي على تعزيز قدراتنا العربية سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

فتكامل القدرات المتباينة، المتباينة، إنما ينشئ منظومة صلبة، قادرة على مواجهة التحديات المشتركة والأزمات الدولية المستجدة، بما في ذلك أزمتي الطاقة والغذاء. بل أنها ستوفر الحماية الرئيسية لنا جميعا من الاستقطاب الدولي الآخذ في التصاعد في الفترة الأخيرة. هذا الاستقطاب الذي بات له تبعات سلبية على التناول الدولي لأزمات منطقتنا العربية، وأعاد للأذهان مظاهر حقبة تاريخية عانى فيها العالم بأسره.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

إن المضي قدما على طريق اللحاق بركب التقدم والتنمية، يتطلب العمل الجاد على تسوية مختلف أزمات عالمنا العربي، وعلى رأسها دوما وأبدا القضية الفلسطينية، وأود هنا الإشارة إلى أن قدرتنا عل العمل الجماعي لتسوية و، لتسوية القضية، واسترجاع الحقوق الفلسطينية، كانت تاريخيا، وستظل المعيار الحقيقي لمدى تماسكنا.

كما تظل المبادرة العربية للسلام تجسيدا لهذا التماسك، ولرؤيتنا المشتركة إزاء الحل العادل والشامل، على أساس حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وبما يكفل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. تعيد للفلسطينيين وطنهم وتسمح بعودة اللاجئين، بما يتسق مع مبادئ القانون الدولي والشرعية الدولية.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

ما زلنا نحتاج لمزيد من العمل العربي الجماعي حتى في التعامل مع الأزمات الجديدة، التي جاءت لاحقة على القضية الفلسطينية، في ليبيا وسوريا واليمن والعراق والسودان، وإلا سيظل أمن وسلم الشعوب الشقيقة في تلك الدول مهددين بتجدد ويلات تلك الأزمات، وستظل الأخيرة كغارات في المنظومة العربية، ومراكز لعدم الاستقرار، وهو ما يؤثر علينا جميعا، ويعرقل جهودنا في التنمية والتكامل.

ولعله من الملائم أن أشارككم هنا رغبتنا في دعمكم لمساعينا الحالية في ليبيا الشقيقة، للتوصل في أسرع وقت إلى تسوية سياسية، بقيادة وملكية ليبية خالصة، دون إملاءات خارجية، وصولا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، واحترام مؤسسات الدولة وصلاحياتها بمقتضى الاتفاقات المبرمة. وتنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتقزة، والمقاتلين الأجانب، في مدى زمني محدد، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية، وحل المليشيات، بما يحول دون تجدد المواجهات العسكرية، ويعيد للبلاد وحدتها وسيادتها واستقرارها.

أصحاب الجلالة والفخامة والسمو،

قبل أن أختتم كلمتي، وفي نفس سياق وحدة الأمن القومي العربي، أود أن أوجه عنايتكم إلى معضلة الأمن المائي التي تؤثر على عدد من الدول العربية، وتنذر بعواقب وخيمة إذا تم تجاهلها؛ وفي هذا السياق، نجدد التأكيد على أهمية الاستمرار في حث أثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية، وحسن النوايا اللازمين للتوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة الأثيوبي، تنفيذا للبيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن في سبتمبر 2021، والأخذ بأي من الحلول الكثيرة التي طرحت عبر العديد من جولات المفاوضات، والتي تؤمن مصالح الشعب الأثيوبي الاقتصادية، الآن ومستقبلا، وتصون في الوقت ذاته حياة الشعبين المصري والسوداني.

ولننظر حولنا، لقد سبقتنا تكتلات أخرى نحو التكامل، رغم أن من أطرافها من عانوا من تناحر حقيقي

ولا ينفصل تحدي الأمن المائي عن تحديات أخرى تواجهها المنطقة، وفي مقدمتها تغير المناخ، الذي أصبح واقعا مفروضا على العالم، وأغتنم هذه المناسبة للإعراب عن تطلعي لاستقبالكم في مصر يومي 7 و 8 نوفمبر 2022 بقمة شرم الشيخ لتنفيذ تعهدات المناخ، لتحويل هذا التحدي إلى فرصة حقيقية للتنمية والانتقال إلى أنماط اقتصادية أكثر استدامة لصالحنا جميعا.

الأشقاء الأعزاء،

إن تسوية الأزمات العربية والتعاطي مع التحديات الدولية ينطلق أساسا من إيماننا بوحدة أهدافنا ومصيرنا، وتفعيلا لتعاوننا وإمكاناتنا وأدواتنا في مسائل الأمن الجماعي، وذلك بالتوازي مع جهودنا في التكامل على المسارات الأخرى.

ولننظر حولنا، لقد سبقتنا تكتلات أخرى نحو التكامل، رغم أن من أطرافها من عانوا من تناحر حقيقي، بل وحروب فيما بينهم، فما بالكم بنا ونحن لدينا من المشتركات في الثقافة والأديان والتاريخ، والوجهة السياسية، ما يحتم علينا توحيد رؤانا وتجاوز اختلافات وجهات نظرنا.

ختاما،  أتوجه برسالة إلى شعوبنا، فأقول: ثقوا في أمتنا العربية، فهي صاحبة تاريخ عريق وإسهام حضاري ثري وممتد، وما زالت تلك الأمة تمتلك المقومات اللازمة لمستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، وعلى رأسها عزيمتكم وعقولكم وسواعدكم، وثقوا في أن مصر ستضع دوما نصب أعينها تماسك الكيان العربي وصونه وحمايته، وستظل دائما حاضرة دعما لكم، وستبقي على أبوابها مفتوحة أمام كل أبناء العرب في سبيل الدفاع عن حاضرهم ومستقبل الأجيال القادمة.

شكرا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. (تصفيق)

...

ألقيت الكلمة في الجزائر، بحضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وعدد من الملوك والرؤساء والقادة العرب.

...