"يد العدالة الناجزة مغلولة بالقوانين. إحنا هنعدل القوانين اللي هتخلينا ننفذ العدالة في أسرع وقت ممكن". انقضى عام إلا بضعة أيام على ذلك التصريح الغاضب الذي نقله التلفزيون الرسمي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في معرض حديثه عن ملاحقة المتورطين في اغتيال المستشار هشام بركات النائب العام السابق.
واليوم، تعقد أولى جلسات محاكمة 67 شخصًا وجه إليهم الاتهام بالتورط في اغتيال النائب العام السابق، منهم 51 قيد الاحتجاز، والباقين هاربين. وسمح المستشار حسن فريد رئيس محكمة جنايات القاهرة، لوسائل الإعلام المصرية والأجنبية بحضور الجلسة الإجرائية المنعقدة في أكاديمية الشرطة بالقاهرة. وخلالهاطالبت فيها النيابة العامة بتوقيع أقصى العقوبة على المتهمين الذين أنكروا الاتهامات المنسوبة إليهم.
خلال عام مر على اغتيال المستشار، الذي تولى منصبه عقب عزل سلفه المستشار طلعت ابراهيم؛ تعددت الوقائع التي أعلنت فيها وزارة الداخلية القبض على المتورطين في قتله، أثناء خروجه من منزله في مصر الجديدة متوجهًا لمقر عمله قبل يوم واحد من الذكري الثانية لمظاهرات 30 يونيو، التى طالبت بإجراء انتخابات رئاسية جديدة، ينتهي بموجبها حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي. وبينما كانت الدولة تستعد لتنظيم احتفالات بهذه المناسبة، استيقظت القاهرة على انفجار سيارة ملغومة أودى بحياة بركات.
جرى نقل النائب العام الأسبق إلى مستشفي النزهة الدولي، بالقاهرة، وسط أنباء متضاربة حول مدى إصابته. وبحلول مساء اليوم نفسه، أكدت وسائل الإعلام الرسمية وفاته عن 64 عامًا، متأثرا بتهتك في الرئتين جراء الانفجار. وفي اليوم التالي، استمرت التغطية الإعلامية المكثفة لمراسم تشييع جثمان بركات، من مسجد المشير طنطاوي، أعقبتها جنازة عسكرية تقدمها السيسي ورئيس الوزراء إبراهيم محلب، وعدد كبير من الوزراء والقضاة والشخصيات العامة.
ثم جاء تصريح السيسي الغاضب الذي أثار وقتها جدلاً، والذي أعرب خلاله عن ضيقه من بطء عملية التقاضي في مصر في جرائم الإرهاب. مطالبًا باختصار المدة الزمنية التي تستغرقها محاكمات الآلاف من قيادات وأعضاء ومؤيدي الإخوان والمنتمين للجماعات المتشددة، في قضايا تتصل بجرائم عنف وإرهاب.
"خلال أيام تتعرض القوانين.. قوانين الإجراءات الجنائية.. المظبوطة اللي تجابه التطور اللي احنا بنقابله.. احنا بنقابل إرهاب يبقى في قوانين تجابه". بعد ساعات من تصريحات السيسي نفذت الداخلية عملية "تصفية" لمجموعة من قيل أنها تورطت بقتل هشام بركات بمنطقة 6 أكتوبر. "ثأر" أجهزة الدولة لم يتوقف عند هذه الواقعة؛ حيث أعلنت وزارة الداخلية بعدها في مناسبتين مختلفتين عن عمليتين أخريين جرى فيهما اغتيال لمواطنين دون اعتقال أو محاكمة. وفي كل مرة أعلنت الوزارة أنها ثأرت من قتلة هشام بركات.
بحلول شهر أغسطس/آب نُفِّذَت أوامر السيسي، الذي صدّق رسميا على قانون مكافحة الإرهاب. وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية مصرية "ترسيخًا لحالة الطوارئ غير المعلنة، الجاري تكريسها بذريعة حماية المجتمع والوحدة الوطنية، ومنع ترويج أفكار داعية للعنف".
من عليه دم بركات؟
لم تعلن أيّة جهة مسؤوليتها عن الحادث فور وقوعه، وإن توجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم ولاية سيناء الذي أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية. لكن جماعة غير معروفة تدعى "كتائب المقاومة الشعبية بالجيزة" أعلنت مسؤوليتها عن التفجير من خلال صفحة لها على فيسبوك، لكنها حذفت المنشور بعدما تناقلته وسائل الإعلام. أما جماعة الإخوان المسلمين، التي سارعت الدولة لاتهامها واغتيال عدد من قياداتها؛ فعلقت على الحادث على لسان المتحدث باسمها عبر فيسبوك، مؤكدة رفضها القتل. لكنهم ألقوا بالمسؤولية عن مقتله على السلطات التي قال إنها "أسست للعنف" وأهدرت "تجربة ديمقراطية واعدة."
جاء اغتيال بركات في وقت أعلنت فيه ولاية سيناء، ذراع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر، عن استهدافها للقضاة. ونشر التنظيم تسجيلاً بعنوان "تصفية القضاة" يصور الهجوم الذي قتل فيه القضاة الثلاثة في مدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء.
الداخلية تتهم حماس
في السادس من مارس/آذار الماضي؛ استبقت وكالة رويترز مؤتمرًا صحفيًا لوزير الداخلية المصري، ونقلت عن مصدر قضائي أن السلطات ألقت القبض على ستة أشخاص على صلة باغتيال بركات، وأمرت النيابة بحبسهم 15 يوما على ذمة التحقيقات. فيما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية عن النيابة العامة أن المتهمين ينتمون لجماعة الإخوان التي باتت محظورة حاليا. وأسند للمتهمين عدة تهم من بينها القتل العمد، وحيازة متفجرات واستخدامها والانضمام إلى "جماعة إرهابية".
وأعلن وزير الداخلية في المؤتمر الصحفي إلقاء وزارته القبض على 14 شخصًا قالوا إنهم متورطين في قتل هشام بركات. وتابع وزير الداخلية أن المقبوض عليهم، هم أفراد ضمن خلية تتكون من 48 شخصًا، جرى القبض على 6 منهم. كما اتهم "مسؤولين من جماعة الإخوان المسلمين المحظورة يعيشون في الخارج" بالتآمر مع متشددين من حركة حماس الفلسطينية لاغتيال بركات.
ونشرت الوزارة اعترافات المقبوض عليه في تسجيلات مصورة، ومن ضمنهم طلاب في جامعة الأزهر، قامت بفصلهم في وقت لاحق. فيما نشرت تصريحات صحفية على لسان أهل أحد المتهمين ينفى علاقتهم بالإخوان.
أما حماس فرفضت الاتهامات المنسوبة إليها على لسان الناطق باسمها سامي أبو زهري قائلا "تلك التصريحات غير صحيحة ولا تنسجم مع الجهود المبذولة لتطوير العلاقات بين حماس والقاهرة". وأهاب بمن أسماهم بـ"الغيورين في مصر" بتحمل مسؤولياتهم لعدم الزج باسم الفصائل الفلسطينية في الخلافات المصرية الداخلية. وفي شهر يونيو/حزيران الجاري، دعت حماس القاهرة إلى إعادة النظر في اتهامات وزارة الداخلية المصرية للحركة بالتورط في اغتيال النائب العام السابق هشام بركات.
وقال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية إن اتهامات القاهرة للحركة "لا أساس لها من الصحة"، مؤكدًا أن الحركة "لا تمارس الاغتيالات السياسية مطلقا".