"بفضلكم، وصلنا إلى حدث هام جداً. فهذه المرة الأولى في تاريخ بلادنا التي ستصبح فيها امرأة مرشحة لحزب كبير في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية". عبارة تناقلتها وسائل الإعلام في الساعات الأولى من صباح اليوم عن لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة، التى فازت في الجولة الأخيرة من المرحلة التمهيدية للانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ولاية نيو جيرسي. وبهذه الجولة أنهت كلينتون أشهرًا من الحملات الانتخابية والجولات بين الولايات، والمناظرات مع منافسيها الساعين للحصول على ترشح الحزب الديمقراطي، وآخرهم عضو الكونجرس عن ولاية فيرمونت، السيناتور المحسوب على اليسار؛ بيرني ساندرز.
وبذلك ودعت كلينتون لقب "المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطي"، لتحوز لقب "أول سيدة تترشح لرئاسة أمريكا عن حزب كبير"، الذي سيظل يصاحبها حتى لم تخط إلى البيت الأبيض مجددا، بعد أن أقامت فيه تحت لقب "السيدة الأولى"، أثناء تولى زوجها بيل كلينتون، رئاسة البلاد لمدتين رئاسيتين متتاليتين في 1993 و1997.
خطاب الفوز
كان التاريخ حاضرًا في خطاب الفوز الذي ألقته كلينتون أمام تجمع لمؤيديها في حي بروكلين بمدينة نيويورك، التي نابت عنها كلينتون في الكونجرس، حتى اختيرت وزيرة للخارجية في حكومة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
حيث أعادت كلينتون الفضل "لأجيال كاملة من النساء والرجال الذين كافحوا وضحوا لجعل هذه اللحظة ممكنة". مضيفة: "في بلادنا، بدأ ذلك هنا في نيويورك، في مكان يدعى سينيكا فولز عام 1848، حيث كان هناك مجموعة صغيرة من النساء والرجال، قليلون، ولكن مصممون على فكرة أن النساء يستحقن المساواة. وعبروا عن ذلك بوثيقة تدعى (إعلان المشاعر)، وكانت أول مرة في تاريخ البشرية يحدث إعلان كهذا. لذا جميعنا ندين لمن سبقنا، واليوم هو لكم جميعا".
ولكن ما هو" سنيكا فولز"، و"إعلان المشاعر" التى خصتهم كلينتون بالذكر في تلك "اللحظة الفارقة"من تاريخ الولايات المتحدة؟
حتى منتصف القرن التاسع عشر، لم يكن يُسمح للنساء في الولايات المتحدة بالتصويت، أو شغل منصب في مكتب انتخابي، أو الالتحاق بالكليات العليا. وإذا تزوجت؛ لا يمكنها إبرام عقود قانونية، أو الحصول على الطلاق من الزوج الذي يسئ معاملتها، أو الحصول على حضانة أطفالها. وبناء عليه، دعت الزعيمتان النسائيتان إليزابيث كادي ستانتون ولوكريشيا موت إلى عقد مؤتمر لمناقشة الظروف والحقوق الاجتماعية، المدنية والدينية للمرأة، لتنطلق بفضلهما حركة حقوق المرأة في الولايات المتحدة في مدينة سنيكا فولز، بولاية نيويورك في تموز/يوليو 1848. وأصبح المؤتمر الذي حضره نحو 300 مشارك، 40 رجلا و250 وخمسون سيدة، هو منشأ حركة حقوق المرأة باعتباره أول مؤتمر يقعد في هذا المضمار في الولايات المتحدة، وظل يعقد سنويا حتى نشوب الحرب الأهلية عام 1861.
على مدار يومين توصل المشاركون إلى صياغة أول إعلان لحقوق المرأة الأمريكية، ما يعرف بإعلان "سنيكا فولز" أو "إعلان المشاعر". واستند في بنوده إلى إعلان الاستقلال الأميركي، مطالبا بحقوق مساوية للنساء، ومنها حق الانتخاب. وقع إعلان المشاعر 100 شخصا، 68 امرأة و32 رجلا، وبذلك يزيد عددهم على الموقعين على إعلان الاستقلال نفسه، والبالغ 56 شخصا.
اقرأ أيضا..النساء العازبات.. الرقم الصعب في انتخابات الرئاسة الأمريكية
ارتبط مؤتمر "سنيكا فولز" بحركة تحرير العبيد والمساواة بين البشر في الحقوق الواجبات. البداية تعود إلي مشاركة الرائدتين النسائيتين كيدي ستانتون وموت في لندن عام 1840 كمندوبتين أمريكيتين إلى المؤتمر العالمي لمكافحة الاستعباد. ولكن عندما مُنِعتا من احتلال مقعديهما في القاعة مع بقية المندوبات، غادرت ستانتون وموت القاعة وبدأتا تتحدثان عن غياب حقوق المرأة بوجه عام. وقررتا أنه من الضروري عقد مؤتمر للنساء لمناقشة كيفية تأمين نفس الحقوق لهن، كالتي يتمتع بها الرجال. وانقضت ثماني سنوات تقريباً قبل أن تتقابل المرأتان من جديد للدعوة إلى عقد مثل هذا المؤتمر في سنيكا فولز بنيويورك.
ومن بين البنود التي خرج بهاالمؤتمر الأول في وثيقته التاريخية هو النص على ضرورة اعتماد "حق النساء في التصويت"، في البند التاسع في الوثيقة. هذا البند تحديدًا استدعى إدراجه في الوثيقة مناقشة حامية بين المجتمعين امتدت على مدار اليومين اللذين اجتمعوا فيهما في "سنيكا فولز". حيث خالفت موت رأي زميلتها ستانون، ورأت أن إقرار هذه المادة ينتقص من أهمية باقي بنود الوثيقة. في احتفالها وسط مؤيديها؛ كان النضال من أجل منح المرأة الحق في التصويت، هو الموضوع الرئيس لفيلم قصير عرضته الحملة المعاونة لهيلاري كلينتون. وهذا يعود إلى مكانتة الرمزية في حركة حقوق المرأة الأمريكية، حيث تطلب إقراره كحق دستوري نضالاً امتد نحو سبعين عاما منذ النص عليه لأول مرة في "إعلان المشاعر".
منذ انعقاد مؤتمر "سنيكا فولز" وحتى عام 1969، لم يتحقق أي مكسب قانوني في منح النساء حق التصويت؛ حتى وقّع الحاكم جون كامبل قانوناً أقرّه المجلس التشريعي الإقليمي لمقاطعة وايومينج، وافق فيه على منح حق التصويت الكامل للنساء. وانضمت إليها في السنوات التالية سلطات ولايات أخرى: يوتا وكولورادو وأيداهو وواشنطن وكاليفورنيا.
وفي 4 يونيو 1919، اقتُرح التعديل التاسع عشر للدستور، الذي ينصّ على منح المرأة في سن الـ21 حق الانتخاب. وتمت المصادقة عليه في 18 أغسطس 1920. وينص على أنه لا يجوز للولايات المتحدة ولا لأي ولاية فيها، حرمان مواطني الولايات المتحدة من حق الانتخاب أو الانتقاص لهم من هذا الحق بسبب الجنس.
بدورها، خلدت البلدة الواقعة في ولاية نيويورك ذلك الحدث التاريخي، من خلال إنشاء الحديقة الوطنية لحقوق النساء، ومتحف النساء الوطنى، فيما صاحب اسم إليزابيث كادي ستانتون لقب "أم حملة حق النساء في التصويت" في تاريخ الحركة النسوية.