تصميم: أحمد بلال - المنصة

نهاد أبو القمصان.. الوحيدة المهتمة بـ "كلام ربنا"

منشور الجمعة 16 سبتمبر 2022

(1)

"سألني شاب: إنت يا أستاذة قلت الأم ليست ملزمة برضاعة أولادها ولو أرضعت تتقاضى أجرًا؟ قلت يا ابني هذا ليس كلامي، هذا كلام ربنا، قال تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وهي عامَّةٌ في حقِّ الزَّوجة والمُطلَّقة وفقا لمذْهَبُ الشَّافعيَّة والحنابلة.

أين الاعتراض؟ الاعتراض على آيات القرآن؟  أم تفسير الأئمة؟ هل تريدون إلغاء هذه الآيات من القرآن ونكتفي بما يعجبكم؟".

هكذا قالت نهاد أبو القمصان في الفيديو الذي تحول إلى ترند لأسبوعين.

الست نهاد محجبة كملايين المصريات، تخاطبهم بنداء "يا ابني" في استدعاءٍ واضحٍ لصورة الأم، تستشهد بآيات قرآنية، وتستند إلى أقوال أئمة المذاهب.

ماشية على الكتالوج. تمام والله يا ست، والكلام مؤثر جدًا، لكنَّ أحدًا لم يتأثر.

(2)

الدكتورة هبة قطب استشاري العلاقات الأسرية أكدت عبر برنامج "الحكاية" المذاع بفضائية "إم بي سي مصر" أنه لا يوجد سند شرعي أو قانوني يجبر المرأة على الالتزام بالطهي لزوجها دون مشاركته.

قطب كانت تقصد أنَّ جمهور العلماء من الشافعية والحنابلة وبعض المالكية يرى أن خدمة الزوج لا تجب على الزوجة إلا من قبيل العادة وليس الشرع، وهو ما سبق أن قاله قبلها على جمعه مفتي الديار المصرية السابق شخصيًا، موضحًا أن الفقهاء الأربعة أجمعوا على أن خدمة المرأة في بيتها ليس واجبًا عليها.

الرد كان لافتًا.

(3)

‏"ما يُنشَرُ من حثِّ النساءِ على ترك مهامِّ الأسرة من تربيةٍ وإرضاعٍ وعملٍ في البيتِ إنَّما يُرادُ به زيادةُ نِسَبِ الطلاقِ وإزكاءُ الشحناء في البيوت وإبعادُ الأم عن دورِها في حياةِ أبنائها وإخراجُ جيلٍ لم يشعر بحنان الأمِّ ولا بدورِها في الحياة، ‏نحن أمام سوسٍ ينخر حياتنا لتخريبها".

هكذا كتب مولانا عبد الله رشدي صاحب الشعبية الجارفة بين كلٍّ من محبي التنظيمات الإسلامية والسرسجية على السواء.

هل لاحظت كلمةً واحدةً فيها سيرة "قال الله" أو "قال الرسول"؟ لا طبعًا، قال لك يريدون هدم الأسرة، وخلصنا.

ماذا عن آراء الشافعية والحنابلة؟ ألف لا بأس عليهم والله، أبلغهم هم والسيدة الفاضلة والدتهم وافر احترام عبد الله رشدي ومتابعيه.

(4)

أنت الآن مرتبك، فالسخرية كاسحة من سردية "أنا لست مُلزمة". مفاجئ لك هذا الاستهزاء؟ صح؟ حسنًا، إليك سلسلة أخرى من المفاجآت.

عقد النكاح الذي تسميه الآن زواجًا عرَّفه فقهاء الشافعيّة بأنّه "عقد إباحة وطء" وعرَّفه فقهاء المالكية بأنّه "عقدٌ على مُتعة التلذّذ بآدميّة غير موجبٍ قيمتها ببيّنة قبله".

جرب تقول لوالد خطيبتك إنك تنوى الاتفاق معه على عقد "إباحة وطء". حاول إقناعه بأنك بصدد عقد "التلذذ بآدمية"، صدقني ستزعل وسيأتي لك بناس تزعل لك.

خذ الثقيلة؛ جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة (أقول لك جمهور الفقهاء من المذاهب الأربعة) ذهب إلى أن الزوج لا تجب عليه نفقة العلاج والدواء لزوجته، فالشافعي في "الأم" (8/337) يقول "وليس على رجل أن يضحي لامرأته ولا يؤدي عنها أجر طبيب ولا حجام" ويقول في "شرح منتهى الإرادات" (3/227) "ولا يلزمه دواء ولا أجرة طبيب إن مرضت لأنَّ ذلك ليس من حاجتها الضرورية المعتادة بل لعارض فلا يلزمه".

فكر، مجرد تفكير، في أن تخبر عائلتك نفسها بأنك غير ملزم بعلاج زوجتك المريضة لأنك لست ملتزمًا نحوها سوى بأحكام الشرع. صدقني لن يفيد الشافعي كرامتك المبعثرة.

كلامك يستند إلى أقوال الفقهاء؟ آسف يا صاحبي، لا أحد يهتم.

 عندك نص؟ احتفظ به لنفسك؟ عندك فتوى؟ قدامك أسفلت ومعك ربنا. حاول، الله معك

 (5)

عزيزتي نهاد، لا أحد يهتم، بما في ذلك دار الإفتاء شخصيًا.

وفقًا لكتاب "فتاوى دار الإفتاء المصرية" فالفتوى بيان حكم الشرع في الواقعة المسؤول عنها، وليس فيها قوة الإلزام.

بيانٌ ليس فيه إلزام، والأهم أننا جميعًا نعرف هذا مهما قلنا عن احترام العلماء و الرموز، العلماء الذين نختارهم، والرموز الدينية التي تتوافق مع أجندتنا التي حددناها مسبقًا.

إن كان هواك صوفيًا وأخبرتك أنَّ عبد العزيز بن باز المفتي العام للسعودية في التسعينيات فتواه كذا ستلقيه بكلامه وفتواه في أقرب قمامة. الإسلاميون يعتبرون كلام علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق أو آراء سعد الدين الهلالي ليست محل نقاش من الأساس، يسمونهم "علماء سلطة" ويتقربون الى الله بشتيمتهم.

مؤيدو "الدولة المصرية" يعتبرون فتاوى القرضاوي رئيس الاتحاد السابق للعلماء المسلمين أو عبد الرحمن البر أستاذ علم الحديث في  جامعة الأزهر مجرد "هبل إخواني"، وكلنا نعتبر فتاوى عمر عبد الرحمن أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر بتكفير كل خلق ربنا واستباحة دمائهم مجرد ورق مناديل.

ما يقولون إنه الدين نعرف أنه رأيهم، وكلها فاهمة بعضها يا صاحبي.

(6)

هل الفتاوى تغير أيَّ شيء على الأرض؟ هل هذا ما تتصورينه يا نهاد؟ والله انت طيبة.

إليك أنت ونهاد هذه التجربة السهلة؛ ما رأيك في قضية ميراث المرأة؟

أعلم أنك الآن متحمس وتنتفض عروقك تحفزًا، تتصور أني سأغني لك مع سعاد حسني "البنت زى الولد"، تستعد لتضرب المكتب بقبضتك وأنت تصرخ كله إلا شرع الله. أنت تحب شرع الله جدًا، أعرف أعرف.

طيب، صلي على من سيشفع فيك، بص يا حبيبي، وفقًا للجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة العامة 10% من النساء في محافظات صعيد مصر تحصلن على ميراثهن، والمحاكم المصرية تنظر سنويًا 144 قضية تنازل عن الميراث، 95% منها لنساء وفتيات يحرمن من الميراث بمحافظتي قنا وسوهاج، بحسب الجهاز نفسه.

هل تعرف أين تقع محافظتي قنا وسوهاج؟ اركب أول ميكروباص وادخل أول بيت وكلمهم عن توريث بنات عائلتهم، أنت لديك نصوص صريحة وتحب شرع الله، أليس كذلك؟ روح قل لهم، اتفضل.

توضح دراسة للباحثة الأكاديمية سلوى محمد المهدي، أنَّ العائلات بصعيد مصر تستخدم ما يسمى بـ "عرف الرضوى" بدلاً من الميراث؛ إذ تجري ترضية الأنثى بمبلغ مادي عوضًا عن الميراث.

تسألني ما هو أهم من الفتاوى والأحكام؟ سأجيبك ببساطة: الفلوس.

لا تورث المرأة خوفًا من استيلاء زوجها وأبنائها على الميراث، وبالتالي ينتقل الميراث إلى أشخاص أغراب عن العائلة.

 عندك نص؟ احتفظ به لنفسك؟ عندك فتوى؟ قدامك أسفلت ومعك ربنا. حاول، الله معك.

حين يتم استدعاء أحكام أو فتاوى غير عقلانية ليست في صالحنا تعال نتكلم بالعقل والمنطق، ما عدا هذا سنأتي بأكثر التفسيرات غباءً وعدم منطقية ثم نسأل: هل أنت ضد شرع الله؟

(7)

هل سمعت عن فتوى الترابي بالسماح بزواج المرأة المسلمة من اليهودي أو المسيحي؟ الترابي كان رئيس البرلمان السوداني، رئيس الجبهة الإسلامية أكبر حزب إسلامي نافذ، ورسميًا الرجل الثاني في السودان لسنين.

طيب هل يمكن لسودانية الآن أن تتزوج من مسيحي رغم الفتوى؟ لا طبعًا، فالفتوى ضد التراتبية الاجتماعية، والرجل مهم؛ لكنَّ التراتبية الاجتماعية أهم.

في مصر قال وزير الأوقاف إن أحاديث الرسول كانت في زمن مختلف، وعلينا أن نأخذ منها ما يناسب عصرنا.

وزير الأوقاف شخصيًا، كلامه مفهوم، وكلنا حين نتعامل مع النصوص، نفهم هذا. حاول تسييد هذا الخطاب؟ عندها إن شاء الله.

دار الإفتاء أفتت عام 2016 بتحريم ذبح الأضحية في الشوارع أمام المارة، مطالبةً المصريين بضرورة الالتزام بأماكن الذبح المخصصة لمراعاة شعور الناس وما ينفعهم، ولعدم تكدير عيش الناس أو إيذاء أحاسيسهم وأبدانهم.

الفتوى ها هي أمامك، والعقل يقول إن مشاهد الذبح مؤذية، كل حاجه موجودة لكن حتى اللحظة لا توجد سلطة فرضت الأمر بالفعل في الشارع، والنتيجة؟ بلغ سلامى للفتوى وللدار.

(8)

المرأة تسجد لزوجها، الطاعة واجبة، يمكن للزوج ضرب زوجته.

 ماذا؟ شيخ الأزهر شخصيًا طالب بقوانين تجرم الضرب؟ ربنا يوفق شيخ الأزهر، مع نفسه، المهم الحفاظ على تراتبية اجتماعية تضع المسلم فوق غير المسلم والرجل فوق المرأة. المهم النفوذ، الفلوس.

حين يتم استدعاء أحكام أو فتاوى غير عقلانية ليست في صالحنا تعال نتكلم بالعقل والمنطق، وبالحب بالحب. نحن الآن مثال للنضج والعلاقات التي تقوم على المودة والرحمة، ما عدا هذا سنأتي بأكثر التفسيرات غباءً وعدم منطقية، فالسرسجة في سبيل الله طريقنا، الوصفة سهلة، استعن بأول آية تحفظها ثم اسأله هل أنت ضد شرع الله؟ بسيطة جدًا.

عزيزتي نهاد، ليس هناك أسهل من استخراج خزعبلات من التراث، كلنا فاهمين ما فيها، حتى هذا المراهق الإسلامي المتحمس، ألم تلاحظي أنه لا يطالب بأي شيء محدد رغم مناداته ليل نهار بتطبيق الشريعة؟ ليس لديه أي طرح أصلًا، كل ما يريده إخراسك.

التراشق بنصٍّ هنا وفتوى هناك لن يفيد، من يريد شيئًا فليفعله، إن نجحت ستخرج الفتاوى تعضد كلامك، وإن فشلت لن تجديك وجود الأحكام نفعًا.

انتصر في معركتك بقوانين نافذة وخناقات على الأرض، وتحمّل اتهامات الكفر والدياثة، أسس واقعًا في معارك منطقية حول حق النساء في الميراث والحق في السير في الشارع دون اعتداءات وضد العنف الأسري، بدلًا من لهاث مضحك لإثبات أن فلانًا قال كذا منذ قرون.