"فكرة رائعة، مش هنحتاج للوظيفة تاني، هنأسس ستارت-أب، ومش هنلاحق على الفلوس.. يلا بينا!".
كم مرة سمعت حديثًا كهذا؟ يمكنني الجزم بأنه عشرات المرات، بعدما وصل هوس تأسيس الشركات الناشئة إلى ذروته لدى الحالمين ببريق عالم ريادة الأعمال بعيدًا عن رتابة الوظيفة، رغم توارد العديد من قصص الستارت-أب الفاشلة بين الحين والآخر، وأحدثها أزمة شركة كابيتر المصرية الناشئة، فلماذا لا يكون طريق الشركات الناشئة مفروشًا بالورود كما يتخيل البعض؟
تنانين مجنحة
رائد الأعمال في قطاع النشر العلمي، والرئيس التنفيذي لشركة سايكوم إكس، سعد لطفي، يرى أن ثمة نقصًا في المعلومات يعاني منه مجتمع رواد الأعمال في مصر والمنطقة العربية، "يقتصر المحتوى العربي المنشور حول ريادة الأعمال في المنطقة على أخبار الجوالات التمويلية فقط، مع الافتقار لوجود محتوى استقصائي معمق، يتابع ويحلل بدقة مصير شركات الستارت-أب، التي نجحت في الحصول على تمويل، ثم اختفت فجأة خلال العشر سنوات الماضية بلا أسباب معروفة".
بالتالي، يتابع لطفي في حديثه للمنصة، "لا توجد تجارب معلنة يمكن القياس عليها لمعرفة أسباب نجاح أو فشل الشركات الناشئة داخل بيئة تشغيل الأعمال العربية".
استشاري إدارة الأعمال، مهند حامد شادي، قال للمنصة إنه على النقيض مما يظنه البعض، فالخاسرون في قطاع الشركات الناشئة أكثر من الرابحين، حدث يحدث مثله لما يزيد عن 60% تقريبًا من الشركات الناشئة التي تتلقى تمويلًا، طبقًا لدراسة أعدتها شركة CB Insights المتخصصة في بحوث السوق.
وليس بعيدًا عن الأذهان ما حدث لشركة كابيتر، إذ عُزل الأخَوان أحمد ومحمد نوح من منصبيهما القياديين بالشركة التي أسساها للتجارة الإلكترونية، مع تناثر أخبار عن ضغوط مالية بالغة تواجهها، كذا شائعات عن هروب الشقيقين إلى الخارج بمنحة تمويلية ضخمة.
مستشار ريادة الأعمال، ومؤلف كتاب رائد الأعمال Inside Out محمد حسام خضر، يرى أن عوامل عدة تقف وراء فشل الشركات الناشئة ولا تقتصر على المؤسسين فقط، إذ يعود جانب مهم منها إلى المستثمرين أنفسهم، أصحاب شركات استثمار رأس المال المُخاطر (venture capital)، التي تستثمر في الشركات الناشئة.
ويلفت خضر النظر، في حديثه مع المنصة، إلى خطورة ما يسميه تضخيم الذات ووهم المعرفة لدى رائد الأعمال المبتدئ، "بينما لا تهتم شركات استثمار رأس المال المُخاطر بالتواجد الفعال داخل مجالس إدارات الشركات الناشئة، لا تتورع أبدًا عن تلميع أسماء رواد الأعمال وتقديمهم لوسائل الإعلام، ليصبحوا فجأة أصحاب أسماء براقة ملء السمع والبصر".
وذلك تمهيدًا لدفعهم إلى جولات تمويل أخرى، بجانب تدليلهم بشكل يفوق الحد، وتضخيم ذواتهم بما لا يتناسب مع خبراتهم وإمكانياتهم، على النحو الذي يُشعر رواد الأعمال المبتدئين وكأنهم "تنانين مجنحة"، تقوى على فعل أي وكل شيء، بما يتسبب في ارتكابهم أخطاء جسيمة نتيجة أدائهم الإداري الضعيف والغرور الناتج عن تضخيم شعورهم بذواتهم، يشرح خضر.
حرق التمويل
وكانت وزارة الاستثمار والتعاون الدولي (قبل إلغائها) أشارت ضمن إحدى فعاليتها في عام 2018، إلى أن أسباب فشل الشركات الناشئة تكمن في نقص خبرة رواد الأعمال المؤسسين في المقام الأول وأخطاء التسعير.
السعي لتحقيق معدلات نمو متسارعة عبر تخفيض الأسعار، يعرف اصطلاحًا داخل مجتمع ريادة الأعمال بسياسة "حرق التمويل مقابل النمو"، دون النظر لعامل الربحية، بهدف تحقيق أرقام مبيعات ضخمة، تساعدهم على الدخول في جولات تمويلية جديدة.
في حين يرى شادي أن سياسة حرق التمويل تعد جزءًا من التحديات التي يواجهها رواد الأعمال، لكن هناك مشكلة تتعلق بالخبرة الإدارية، "انتشرت في القطاع ممارسات خاطئة مثلما حدث مع أحد الشركات العاملة في التجارة الإليكترونية، عندما حرقت التمويل الكبير الذي حصلت عليه في تخفيضات أسعار مبالغ فيها، ما أدى إلى عودة الموردين لشراء ما باعوه للشركة بتخفيض، أي استعادوا بضاعتهم وكسبوا فارق السعر، ما أدى لانهيار الشركة في ظرف أشهر قليلة، وغيرها من الأمثلة الدالة على ضعف الخبرة من ناحية، أو اتخاذ قرارات خاطئة نتيجة سيادة نموذج خاطئ للنمو بأي ثمن".
هوس التأسيس
مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة Creatova، محمد كمال، يلفت الانتباه إلى نقطة أخرى، هي خطورة المحتوى الترويجي الزائف لعالم ريادة الأعمال.
ويقول كمال للمنصة، إن ظهور الإنفلونسرز غير المؤهلين في فعاليات ترويج ريادة الأعمال، أحد أهم أسباب انتشار هوس تأسيس الشركات الناشئة، فالغالبية منهم يسعى إلى الشهرة ويفتقر إلى العلم أو التجربة الحقيقية داخل القطاع.
"يتحدثون بطريقة جلسات التنمية البشرية، ويقللون من شأن الباحث عن وظيفة في سوق العمل، بالتالي يحصرون مفهوم النجاح في تأسيس شركة، ويشجعون الشباب على الاقتحام غير المدروس لعالم الستارت-أب، والركض وراء أحلام الثراء السريع، حتى ولو كانت أفكار شركاتهم خيالية ولا تتواكب مع متطلبات السوق أو بعيدة عن التقنية السائدة"، يوضح كمال.
كان عضو مجلس إدارة شركة دومتي محمد الدماطي، حذر الشباب عبر فيسبوك، قبل أيام قليلة من تفجر أزمة شركة كابيتر الناشئة، من خطورة الانسياق وراء أوهام الدخول إلى عالم ريادة الأعمال، لافتًا النظر إلى ضرورة التفكير في الانضمام إلى سوق الوظائف التقليدية.
حركة تصحيح
أمّا عن مدى تأثر نماذج الأعمال السائدة في الشركات الناشئة بما حدث في أزمة كابيتر ، يجزم خضر بأن ما حدث سيرشد المستثمرين إلى ضرورة إجراء المزيد من الفحص والدراسة، لبيان مدى جدوى نموذج العمل الخاص بشركات B2B Marketplace المتخصصة في مجال الأغذية والسلع سريعة الدوران على وجه الخصوص، وتحديد مدى تناسب نسبة العمولة التي تفرضها المنصات الرقمية.
فمن المعروف إنه كلما زادت العمولة على المبيعات، أي الربح، زادت قدرة الشركة على توليد دخل مباشر يساعدها على الاستمرارية، فنجد شركات مثل طلبات أو أوبر تصل العمولة فيها من 25% إلى 30%، ومن ثم على رواد الأعمال الانتباه لمراجعة نماذج الأعمال الخاصة بهم ومراقبة حالة السوق، وتطوير مهاراتهم الإدارية والاستعانة بالمتخصصين.
وهنا يرى شادي أن تغيير آليات تقييم المستثمرين للشركات الناشئة، يأتي كخطوة جادة لغربلة القطاع، "هناك تغيير بالفعل يحدث في عملية التقييم وخلافه منذ بداية العام، لكنه غير مرتبط بكابيتر أو بمصر والمنطقة العربية".
"هي حركة تصحيح، بدأت من أمريكا لظروف تتعلق بوضع الاقتصاد الأمريكي وقطاع التكنولوجيا تحديدًا منذ بداية 2022. ومن ثمَّ، فما حدث في أزمة شركة كابيتر غير مؤثر على القطاع، فقط ستكون دراسة حالة مهمة يرجع لها عند ذكر أمثلة، وأتمنى لها النجاح حتى تكون ضمن أمثلة الشركات التي نهضت بعد كبوة"، يوضح شادي.
هكذا، بقدر ما يبدو عالم الستارت-أب مغريًا ولقب "رائد أعمال" مثيرًا، لكن وراء النجاح الحقيقي تكمن دراسات الجدوى وليست الأحلام، فلا لابتوب أبل ولا قهوة ستاربكس قادرة على خلق شركة ناجحة.