يتأثر المشاهدون بشخصية البطل في السينما، مساحة قليلة تحمل آلام الأبطال بداخل عقل المشاهد قد تكفي لتنشطر إلى مشاعر عديد تجاه العمل السينمائي، وهنا نحن لسنا أمام شخصية واحدة، ولكن ثلاث شخصيات سينمائية صنعها "محمد خان"، تحمل في ما بينها على تشابه واضح وألم واحد وشغف بشيء ما.
الثلاثة أبطال متشابهون، أراهم كالتالي: أحمد زكي وعادل إمام ومحمود حميدة معًا، باعتبار كل منهم "فارس" في "طائر على الطريق" و"الحريف" و"فارس المدينة"، يأكلون من أمام عربة كبدة مثلًا أو مطعم بسيط. هم وحكاياتهم أصدقاء جيدون لمحمد خان، هو يحبهم ويقدّرهم، ويبعث برسائل للعالم عن طريقهم.
الثلاثة فرسان؛ الفارس الذي يبحث عن الحب عن طريق التاكسي، والفارس الذي نسى نفسه في مباريات الكرة الشراب، والفارس الأخير الذي وجد الحب أثناء البحث عن تسديد الديون.
تعلق محمد خان باسم "فارس" ، الثلاثة فرسان ويكاد يكون الألم واحدًا، أحَب خان الإسم ووضع المشاهد في حيرة من تشابه الشخصيات. كان يبدو أن خان يبحث عن بطل خارق، ولكن بطل خارق بحكم السينما الواقعية التي تبناها خان وجيله من المخرجين، لقد صنعوا أبطالًا يحاربون المجتمع وأشياء أخرى، ويبحثون عن النجاة بالحب أو الموهبة، ولا تكون نهايتهم وردية في أغلب الأحوال.
فارس الذي يطير فيصطاده الحُب..
صنع خان في تجربة "طائر على الطريق" من سائق التاكسي طائرًا، "فارس" - أحمد زكي - لا يحب القوالب، يرفض كل الأشياء التي تصنفه بشكل ما، مجرد سائق تاكسي دائم الحركة، كثير المشاهدة دون الدخول في "خنقة" القوالب والإكليشيهات. في بداية الفيلم يقف "فارس" ويعلن لسيدة جذابة رفضه للعلاقة بحجة إنه يرفض الدخول في مشاكل لأنها متزوجة ولكن من الواضح أنه لا يحب أن يربط نفسه بأحد، حتى العلاقة العميقة مع "عصمت" الفتاة البسيطة يتركها دون معيار واضح بينما هى تنتظره أن يحسم أمره .
"فارس" يقابل الحُب مصادفةً فيصطاده، يصطاد طائرًا على الطريق، تعوّد على الخروج عن المألوف، سينما خان لن تترك النهاية وردية كما ذكرنا سابقًا، سينما خان في نسخة فارس الأولى وضعت الحُب والرغبة والشغف أمام قسوة الحياة .
فارس - أحمد زكي- عندما تضيق به الدنيا يذهب إلى شخص يراه الجميع مجنون ولكن ثمة رسالة قالها هذا السائق المجنون الجالس على الطريق الزراعي بين القاهرة والأسكندرية بجانب ركام سيارة كان يملكها ودُمرت في حادثة طريق، أثرت في فارس بشكل كبير، الرسالة تقول: "حبها، تحبك، وتديك كل حاجة".
في لحظة من لحظات حيرة فارس، يصنع محمد خان مشهدًا يكثف معاناة أحمد زكي في الجري وراء السراب.
أحمد زكي يطير عبر "التاكسي" للسفر لإنقاذ حبه، والنهاية لن تكون حالمة، فالشاطر حسن لن ينقذ حبيبته ويأخذها على حصانه الأبيض ولا على التاكسي ذو اللونين الأبيض والأسود.
فارس الذي أخذته الكرة الشراب بعيدًا عن أندية القمة..
"وبعدهالك يا فارس".. فارس لا يتوقف عن اللا مبالاة بكل ما لا يعجبه، لا يعبأ بكل سخافات الشخصيات العملية التي تريد له حياة نمطية، مُستعد أن يترك زوجته التي يحبها لأنه لا يقبل أن يترك الكرة الشراب ورهاناتها التي تكسبه المال والثقة بالنفس أيضًا.
هناك أيضًا شخصية مهمشة في الفيلم ولكنها ترسل الرسالات لفارس وهو كابتن كرة القدم العجوز الذي يظل يحكي عن أمجاده الماضية مع الرياضيين القدامى ويتحسر عليها، ويمنعه كبرياؤه من الإفصاح عن حاجته للمال لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة، ويبدو أن هذا الكابتن العجوز هو من ساعد فارس على الرضوخ لأكل العيش وأن يترك الشيء الوحيد الذي يشعره بقيمته، فالكرة الشراب بالنسبة لفارس هي الشيء الذي يشعره أنه أكبر من عامل في مصنع أحذية.
فارس يترك الكرة الشراب، يقبل بالمهنة التقليدية و"أكل العيش" ولكنه يلعب مباراة الوداع، المواجهة الأخيرة، ليرضي غروره ويقول لنفسه "انسحبت والكل يهتف فارس". ليرسل لنا بإشارة مهمة للغاية وهى اختيار توقيت الاعتزال عن أي شيء.
فارس الذي وجد الحب أثناء تسديد الديون..
فارس التسعينيات مختلف عن سابقيه، رغم التشابه في أشياء أخرى، كأنك تجد تطور ما في الشخصية؛ فارس الذي ترك الكرة الشراب أصبح بعد 10 سنين رجل أعمال، يحارب طواحين الهواء وحيدًا ليسدد ديون ضخمة ولا يجد من يساعده.
يقابل فارس شخص يدعى "عبد العظيم" - حسن حسني - مدرس تاريخ متقاعد، يقوم بالوعظ في المأتم وفي نفس الوقت يحترف النصب عن طريق رمي نفسه أمام السيارات ليقضي وقتًا ممتعًا بالنسبة له في إحدى المستشفيات الاستثمارية.
علاقة "فارس" بـ"عبد العظيم" علاقة ذات أبعاد إنسانية ونفسية شديدة العمق، وكيف أن حسن حسني تحول مع الوقت إلى الصديق الذي يلجأ له فارس في الشدة والذي يبعث له بإشارات مهمة، مثله مثل السائق الذي فقد عقله في طائر على الطريق وكابتن كرة القدم المتقاعد في الحريف.
يقابل فارس هنا حبه هو أيضًا، عبدالعظيم هو السبب في ذلك، يهرب به بعيدًا عن الضغوط ولكنه في لحظة ما سيعود لتصفية الحسابات مع الجانب السيء في حياته في تلك الفترة وسينتصر ويتزوج حبيبته في النهاية، ولكن تذكر، خان لا يحب النهايات الحالمة.