انتهت الأخبار العصيبة اليوم بسلام. بدأت الأخبار في الصباح بنبأ اختطاف طائرة مصرية قادمة من الدمام السعودية إلى القاهرة مرورًا بمطار برج العرب بالإسكندرية، وتغيير وجهتها إلى مطار لارناكا في قبرص. وانتهت عملية الاختطاف التي قام بها شخص واحد بخروج كل ركاب وطاقم الطائرة البالغ عددهم 63 شخصًا دون إصابات، واكتشفت السلطات القبرصية أن الخاطف لم يكن يرتدي حزامًا ناسفًا كما روجت الأخبار في بداية اليوم.
مطار لارناكا في قبرص الذي انتهت إليه أحداث الاختطاف اليوم، شهد قبل 38 عامًا يومًا دمويًا ويظل ذكرى رئيسية في حوادث اختطاف الطائرات، فبينما مر يومنا هذا بسلام، بل وكان مثار سخرية البعض لأن التهديد لم يكن خطيرًا جدًا، كانت واقعة الاختطاف السابقة التي انتهت في المطار نفسه في السبعينيات، واقعة مفزعةً ومؤثرة على الشعب المصري وثقافته وسياسته الخارجية.
في بداية عام 1978 وبعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس، كان وضع السياسة الخارجية المصرية شائكًا، هناك هجوم من الأطراف العربية وبعض الأطراف الدولية التي كانت متوافقة مع سياسة مصر في عهد عبد الناصر. وكان من المتوقع أن تجري عملية انتقامية فلسطينية للتعبير عن الغضب الفلسطيني من مبادرة السادات التي فهمها الفلسطينيون على أنها مبادرة مصرية-إسرائيلية منفردة، وتخلٍ عن القضية الفلسطينية.
أثناء حضور الكاتب المصري يوسف السباعي، رئيس مجلس إدارة وتحرير الأهرام في ذلك الوقت، مؤتمر لمنظمة التضامن الأفرو-آسيوية، استهدفه مسلحان فلسطينيان من تنظيم أبو نضال (مجلس فتح الثوري)، المنشق عن منظمة فتح بقيادة ياسر عرفات. قُتل السباعي الكاتب ووزير الثقافة السابق، وفوق كل ذلك الصديق المقرب من الرئيس السادات. واعتبرت مجلة "تايم" الأمريكية السباعي "أول ضحية لمبادرة السلام" التي سافر من أجلها السادات إلى الأراضي المحتلة خاطبًا في الكنيست الإسرائيلي. ووفقًا لمذكرات بطرس غالي وزير الشؤون الخارجية لمصري وقتها، فقد رأى السادات اغتيال السباعي مجرد بداية لاستهداف المسؤولين المصريين المشاركين في مبادرته للسلام.
استطاع المسلحان السيطرة على 11 رهينة من المشاركين العرب بالمؤتمر المقام بقبرص، وطلبوا من السلطات القبرصية طائرة للخروج من الجزيرة المتوسطية مع الرهائن المحتجزين، ولبت السلطات مطلبهم. وبينما كان المسلحان يحاولان إيجاد دولة عربية تسمح للطائرة بالهبوط على أراضيها؛ كانت السلطات المصرية تجهّز فرقة قوات خاصة (صاعقة) مصرية تم تشكيلها حديثًا، لقتل المسلحين وتحرير الرهائن. رفضت سوريا وليبيا هبوط الطائرة على أراضيها، وسمحت جيبوتي فقط بتزويدها بالوقود لتعود الطائرة إلى مطار لارناكا بقبرص، وهنا غيرت القوات الخاصة المصرية، التي كانت تنوي التوجه لجيبوتي، وجهتها لتنفذ عمليتها في قبرص.
ولكن أحداث يوم 19 فبراير/شباط عام 1978 لم تكن مرضية لجميع الأطراف. بداية لم يكن هناك تنسيق بين الجانبين المصري والقبرصي لدخول القوات المصرية الخاصة، حطت طائرتين مصريتين في مطار لارناكا، تضم قوات عسكرية كاملة التجهيز، وفي المقابل رفضت قبرص أن تنزل القوات من الطائرتين لتحرير الرهائن. كان الطرف المصري يرى أن قبرص تماطل، ربما دعمًا للإرهابيين. أما الطرف القبرصي فكان يرى أن دخول قوات مصرية للقيام بعملية عسكرية في أراضيه تعديًا على سيادة دولته. ولكن قبرص فوجئت بخروج القوات المصرية من الطائرتين، متجهة نحو الطائرة المختطفة، ولكنها لم تستطع الوصول إليها لأن السلطات القبرصية أطلقت النار على القوات المصرية.
قُتل في الحادث 15 جنديًا مصريًا وجُرِح مثلهم، وقيل إن المقاتلين الفلسطينيين اللذين أرسلهم ياسر عرفات لمساعدة القبارصة في تحرير الرهائن من مسلحي منظمة أبو نضال المنشقة، قد شاركت القبرصيين في قتال رجال القوات الخاصة المصرية.
انتهت المعركة باستسلام القوات المصرية الخاصة وتسليمها أسلحتها، ويروي بطرس غالي في كتابه "البحث عن القدس" كيف تفاوض حتى يعيد أفراد القوات الناجين المستسلمين إلى مصر بأسلحتهم، لأن عودتهم من غيرها كانت ستمثل إهانة لهم.
قبضت السلطات القبرصية على المسلحين اللذين قاما باختطاف الطائرة، وحاكمتهما على أراضيها، ولكنها لم تنفذ عليهما حكم الإعدام الذي أرادته مصر. وانتهى الحادث بقطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر وقبرص لمدة ثلاث سنوات، وشهدت شوارع القاهرة مظاهرات تهتف بـ "لا فلسطين بعد اليوم". وقارن الرأي العالمي بين الفشل المصري في تحرير الرهائن في قبرص، ونجاح القوات الخاصة الإسرائيلية في تحرير الرهائن الإسرائيليين الذين كانوا بداخل طائرة في مطار عنتيبي بأوغندا في يوليو/تموز عام 1976، وذلك رغم دعم عيدي أمين، رئيس أوغندا آنذاك، للخاطفين.
لا يبدو أن الحدث اليوم بنفس دقة وخطورة ما حدث في سبعينيات القرن العشرين في المطار القبرصي عينه، بل يبدو حدث اليوم متقزمًا وهزيلًا أمام حدث الماضي. ولكن رغم ذلك كان من الصعب متابعة أحداث الطائرة المختطفة اليوم، دون أن تستدعي أذهان المصريين الدماء التي سالت في قبرص قبل 38 عامًا.