توفى د. علي مبروك أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة، أحد أهم المفكرين المنشغلين بالتراث الإسلامي والفكر العربي المعاصر في السنوات الأخيرة. ولد مبروك عام 1961، وحصل على الماجستير عام 1988 والدكتوراة عام 1995، وإلى جانب عمله بجامعة القاهرة، عمل لفترة أستاذًا مساعدًا بجامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا.
منذ بدايته البحثية كان مبروك حريصًا على أن يقدم رؤية مختلفة للتراث وللفكر العربي، وفي مقدمة أول كتبه "النبوة.. من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ"، عاب على من يعتبرون أن البحث في الإسلاميات هو مجرد شرح للمتون بأفضل طريقة ممكنة، ولم ير في هذا اختلافًا عمن يكتفون بشرح نصوص فلاسفة غربيين مثل ماركس أو سارتر. مبروك كان يسعى إلى قراءة واعية للنصوص تستهدف نقدها وتجاوزها.
هذه الرغبة في النقد هي ما حرص مبروك على زرعه في طلابه في مدرجات كلية الآداب بجامعة القاهرة، ويذكر طلابه كيف كانت محاضراته تتحول إلى مساحة للجدل وتبادل النقاشات.
كان مبروك ينتقد الكثير من القناعات الراسخة في الفكر العربي، كان ينتقد سردية التنوير العربي وأنها كانت عملية متحققة قبل أن تخفق في لحظة ما. يكتب في أحد مقالاته بالأهرام عن تحول التنوير في الثقافة العربية إلى "مجرد تعبير بلاغي لطيف يثرثر به سدنة هذا التنوير والمتاجرين به، ومن دون أن تؤثر هذه الثرثرة في الواقع كثيرًا".
وبينما كان ينتقد ذوي الفكر الإسلامي "الاتباعي" الذين يصرّون على تطبيق أفكار قديمة على الواقع المعاصر، مستعينين بآلية التفكير "الأشعرية"، ينتقد أيضًا التنويريين الذين يحاولون تطبيق نظام بعينه "ليكن غربيًا" على ثقافتنا. ولا يجد فارقًا بين هذا التنوير وبين محاولة تطبيق مشروع إسلامي قديم.
في العموم رأى مبروك أن الحداثة التي مرت بها الثقافة العربية، حتى مع المفكرين التاريخيين الذين روّجوا لها هي مجرد حداثة "برّانية" ظاهرية، محاولًا أن يشير إلى ضرورة وجود الحداثة "الجوّانية" التي تتمسك بجوهر الحداثة والاعتماد على العقل.
بالتالي بدا علي مبروك منتقدًا للجميع. وبينما تشير كتبه إلى أنه يواجه خصمًا واحدًا، فهي تشير أيضًا إلى أن تبديات هذا الخصم عديدة حتى يبدو أنها متعادية. وربما يكون هذا أحد أسباب شكوته على صفحته الشخصية بـ "فيسبوك" أنه ليس من حوله "ألتراس" يروّجون لكتبه، وربما هو أحد أسباب صعوبة حصوله على الترقية في قسم الفلسفة بجامعة القاهرة.
من جهة المواقف السياسية كان مبروك حاضرًا في ميدان التحرير طوال الأسابيع الأولى من الثورة المصرية، كان يمارس على أرصفة الميدان ما كان يمارسه في مدرج الجامعة، مع أكثر الناس ثقافة ومع أبسطهم، يجلس في الدوائر البشرية، ويستمع جيدًا لكل ما يقال، قبل أن يعبّر عن رأيه، هذا المشهد الذي ندر أن تجد أستاذًا للفلسفة يقوم به.
كان مبروك منتقدًا حادًا لحكم الإخوان المسلمين، واستقبل 30 يونيو و3 يوليو بترحيب كبير، وظل متمسكًا بهذا الترحيب، وكان من المنتقدين لمحاولة منع وجود قوات أمنية بداخل الجامعة. وعارض مبروك في ذلك من يعتقد أنه يروّج الآن إلى أفكار "الجنرال" العسكري، في إشارة إلى كتابه "لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا"، مشيرًا على صفحته بـ "فيسبوك" أن الصراع الآن في مصر هو بين الدولة واللا دولة.
بدت هناك إمكانية أن يفقد مبروك قاعدة من المتحمسين الشباب الذين شاركهم أيام الميدان، الذين انتقدوا الإخوان ولكنهم ينتقدون السلطة الحالية أيضًا، ولكن لم يكن علي مبروك مهتمًا بأن يصنع أتباعًا أو تلاميذ، أو أن يضفي صورة معينة عن نفسه، كان مهتمًا بأن يعبر عن آرائه بغض النظر عن الخسارة التي يمكن أن يتلقاها.
كان علي مبروك شخصًا مستقلًا إلى النهاية، وعلّم طلبته الجامعيين ألا يكونوا تابعين، سيفتقد طلبته أستاذًا يندر وجوده في الجامعة، وسيفتقد الثوريون المفكر الذي كان يجلس وسطهم، وسيفتقد الفكر العربي حياة أحد من أسهموا فيه، ولكن كتب مبروك وأفكاره ستوضعان بعناية في مكتبة الفكر العربي.