عاد الوضع الأمني المضطرب في ليبيا إلى الصورة بسبب المواجهات العسكرية الجارية بين الجيش التونسي ومسلحين في مدينة بن قردان الحدودية، إذ ألقى الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي باللوم على ليبيا لتصديرها المسلحين المتشددين الذين كانوا يسعون إلى إقامة ولاية إسلامية في المدينة، ولكن ليبيا نفت هذا الاتهام على لسان المتحدث باسم حكومتها.
ما زالت المواجهات الأمنية مستمرة في تونس لليوم الثالث على التوالي، تلك المواجهات التي وصفها السبسي في كلمته للشعب التونسي يوم الإثنين الماضي بأنها "هجوم منظم وغير مسبوق". فحسب تصريحات رئيس الوزراء التونسي الحبيب الصيد فإن نحو 50 من المتشددين شاركوا في العملية التي استهدفت معسكرًا للجيش ومراكز للشرطة، وهي الأولى من نوعها التي تستهدف منشأة عسكرية تونسية.
وهذه ليست السابقة الأولي التي تشير فيها تونس بأصابع الاتهام إلي جارتها الليبية، فبعد الهجمات التي قام بها متشددون على أماكن سياحية خلال العام الماضي، ذكر مسؤولون تونسيون أن المتهمين الذين نفذوا الهجوم على منتجع شاطيء سوسة، والذي أسفر عن مقتل 38 شخصًا، تدربوا في ليبيا.
ولكن ليبيا التي حمّلها الرئيس التونسي مسؤولية الهجمة التي يواجهها جيش بلاده، منغمسة منذ نهاية فبراير/شباط في عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة بنغازي، الواقعة شرق البلاد، وتخليصها من الجماعات المسلحة، ومنها تنظيم الدولة الإسلامية. ونجحت العملية التي تم التخطيط لها منذ عام، وفقًا لتصريحات القائد العام للجيش الليبي خليفة حفتر، في استعادة السيطرة على أماكن كثيرة، ولكنها لم تؤد للسيطرة على بنغازي بشكل كامل بعد.
كانت حكومة ليبيا - المعترف بها دوليا - رفضت مشاركة قوات أجنبية في عملية بنغازي، وذلك بعد إخفاق عدة محاولات دولية للم شمل الدولة التي انفرط عقدها بين حكومتين متصارعتين على السلطة منذ سقوط مقتل رئيس البلاد معمر القذافي في عام 2011.
وفي الوقت الذي اقتصر فيه تعليق دول عربية مثل مصر والكويت على بوادر الأزمة بين تونس وليبيا بتقديم خالص التعازي للضحايا من المدنيين والعسكريين التونسيين، ومؤازرة تونس في مواجهة الإرهاب، صرّحت فرنسا على لسان المتحدث باسم وزير خارجيتها بأن عملية بن قردان تزيد من الحاجة الطارئة لحل سياسي في ليبيا، مشيدة في الوقت نفسه بالانتقال الديمقراطي في تونس، قائلة إن "الانتقال الديمقراطي النموذجي الذي حققته تونس هو السبب الذي يجعلها هدفًا للإرهابيين".
والحل السياسي الذي أشارت إليه فرنسا، كان وصل إلى مرحلة متأزمة بعد أشهر من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية، وأدى ذلك لاستقالة الوسيط الدولي برناردينو ليون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من مهمته المتعلقة بالتفاوض بين الفرقاء الليبين. ولكن قبل أيام من هجوم بن قردان، سُربت أخبار عن عودة الحوار الليبي- الليبي باجتماع أعضاء من البرلمان الليبي مع ممثلين من المؤتمر الوطني المنتهية ولايتُه في طرابلس.
بالنسبة إلي المخاوف التونسية من تسلل المتشددين من ليبيا، فهي ليست وليدة هجوم بن قردان. فعلى مدار العام الماضي، استغل تنظيم الدولة الإسلامية الحرب الأهلية في ليبيا، ليس فقط لبسط نفوذه على الساحل حول مدينة سرت الليبية، ولكن أيضًا لإقامة قواعد بالقرب من الحدود التونسية. وتجددت هذه المخاوف مرة أخري بعد 18 فبراير/شباط عندما استهدفت ضربات جوية الأمريكية - للمرة الثانية في ثلاثة أشهر- معسكرًا للدولة الإسلامية في صبراتة، على بعد 60 ميلًا من الحدود مع تونس التي رفعت ساعتها حالة التأهب الأمني.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف تقرير لجنة العقوبات بالأمم المتحدة عن تنظيم القاعدة أن ليبيا أصبحت تستقطب المتشددين من كافة أنحاء العالم، بسبب الظروف السياسية والتدهور الأمني هناك. وفي الوقت الذي تنامى فيه نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية مقابل تنظيم القاعدة وجماعات مسلحة أخري، فإن جماعتي "المرابطون" و"أنصار الشريعة بتونس" ما زالتا تستخدمان الأراضي الليبية كقاعدة خلفية لشن هجمات على الدول المجاورة.
ومع تجدد الحديث عن تدخل عسكري دولي في ليبيا بعد هجوم بن قردان، أكد رئيس أركان سلاح الجو الفرنسي أنه "لا يوجد قرار سياسي للتدخل في ليبيا" في الوقت الراهن. وذكر أن الخطوة الوحيدة التي اتخذتها الجيوش الفرنسية هي المهمات الاستطلاعية لرصد الوضع في ليبيا، "لأن من الطبيعي أن تفعل ذلك عندما تصبح أي منطقة غير مستقرة". وقبلها بأيام، خرج رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، ليرد على ما نشرته صحف بلاده، باحتمال أن تتدخل قوات عسكرية إيطالية ليبيا، قائلًا: "يحتاج ذلك إلى الحصول أولًا على موافقة البرلمان"، مشيرًا إلى أن روما لن تقوم بأي تدخل بري.
إن كانت تونس، التي تعتبر نموذجًا عربيًا ناجحًا لانتقال السلطة بعد الانتفاضات الشعبية في عام 2011، تواجه تحديًا بتصاعد هجمات المتشددين، فإن ليبيا تقع على النقيض تمامًا، فبعد خمس سنوات من سقوط القذافي، لم تفلح المجهودات الدولية أن تجمع الفرقاء الليبيين على كلمة واحدة، ويظل الوضع العسكري هناك غير مستقر خاصة مع رفض مجلس الأمن رفع حظر تصدير السلاح إلى ليبيا، مما يجعل الجيش الليبي يدخل معاركه ضد المتشددين بإمكانيات محدودة.