ساد اعتقاد لدى متابعي موجة الراب والمهرجانات في مصر، أن أبرز ما يميز نجومها ابتعادهم عن الغناء العاطفي التقليدي، وذهب آخرون في اعتقادهم إلى أن نجوم جيل الراب الصاعد قد لا يعرفون الحب على الإطلاق، أو أن علاقتهم به علاقة مرضية وذكورية وشائكة، قبل مفاجأة المغني أحمد علي الشهير بويجز بعمله الضارب الأخير البخت، الذي ينطلق تميزه من تقديمه جانبًا آخر لشخصية مغني الراب كان غائبًا من قبل، فالرابرز مثلنا، ينكسرون ويحبون من طرف واحد ويتوسلون لمن يحبون.
حظي مشهد الراب في العامين الماضيين بنجاح متصاعد في السوق المصري والعربي، سواء فنيًا أو اقتصاديًا، وأصبح وجود الرابرز في الحفلات والإعلانات وحتى الأعمال الدرامية معتادًا ومنطقيًا بعد نجاحهم الجماهيري الكبير، حتى أن صعود الراب كسر جمود الساحة الغنائية في السنوات الأخيرة، بتقديم أشكال موسيقية جديدة وتقديم خيار ثالث لثنائية المهرجانات أم البوب، إضافة إلى الموضوعات الغنائية الجديدة خاصة المحتويات الذاتية التي تتميز بها أعمال الراب.
وكذلك قدم مشهد الراب أو "الراب سين"، وفق مصطلحاته، شكلًا غير معتاد من العلاقات بين نجومه، سواء بالتنافس الفني الذي يصل إلى حد المناوشات والتراشق "البيفات وديس تراك"، بلغة الراب، أي الحروب الغنائية بينهما، أو بالصداقة القوية والتعاونات الفنية، والاشتراك في الحفلات بدون اعتبار لحساسية تفاوت مستوى النجومية بينهم.
وتجاوز الراب في فترة قصيرة مسألة كونه ظاهرة أو أندرجراوند، واستقر سريعًا لدرجة تكوين طبقات باتت معروفة للجمهور العادي، فهناك نجوم الصف الأول مثل ويجز ومروان موسى ومروان بابلو، والقدامى مثل شاهين وأبيوسف، والصاعدين من الصف الثاني مثل عفروتو وموسكو وباتستوتا وغيرهم، ومؤخرًا رابرز نساء مثل دارين وألماس وبيري وغيرهن.
لماذا تعاطفنا مع بخت ويجز؟
نال ويجز تعاطفًا كبيرًا من قطاعات مختلفة من الجمهور، بسبب أغنيته البخت. تعاطف شخصي سبق الإعجاب بمستوى الأغنية الفني، لاعتياد الجمهور على تقديم نجوم الراب، خاصة ويجز، لأعمال تعبر عن حياتهم الشخصية ومراحلهم الاجتماعية، على خلاف مغنيي البوب الذين يؤدون كلمات أعجبتهم ليس شرطًا أن ترتبط بحالتهم الحقيقة، مثل عمرو دياب وتامر حسني وغيرهم.
وفي البخت يحكي ويجز عن قصة حب من طرف واحد، بعدما رفضت الفتاة مبادلته المشاعر نفسها، ويبدو فيها مضطربًا بين جلد الذات، ومحاولات استيعاب أسباب رفضه من الطرف الآخر، هل بسبب طبيعته "غير المفهومة" أو بسبب علاقات سابقة سيئة مرت بها.
وزاد في انتشار الأغنية ربطها بشائعات عن قصة حب بممثلة شابة، مما حول الأغنية إلى موضوع ساخن في الصحف ومواقع التواصل، لتزيل الانطباع السائد قبل البخت أن نجوم الراب الشباب لا يهتمون سوى بالمال والنجاح المادي والصراعات الفنية والذكورية بينهم، وأنهم لا يجدون وقتًا للحب، أو كما يقول ويجز نفسه لحبيبته في تراكه السابق ساليني "مش فاضيلك.. نجم مش فاضيلك".
أخفت شجاعة ويجز في التعبير عن انكساره العاطفي، ارتباك تجربته الفنية الجديدة، الحائرة بين اندفاع الراب وتقليدية البوب في بعض الأجزاء. حاول ويجز تقديم مفهوم فني جديد لأغنية البوب المتزاوجة مع الراب، كعادته في خوض تجارب فنية مختلفة إلى حد ما عن زملائه، فهو يحظى بمكانة خاصة لكونه أكثرهم تنوعًا في شعبيته، بمتابعة قطاعات من خارج جمهور الراب له، ولاختلاطه الأكبر بالوسط الفني المعروف وسيطرته على الإعلانات، مما جعله أكثر انفتاحًا على تقديم ألوان موسيقية مختلفة عن زملائه المقيدين بالراب.
برر ويجز تجربته الجديدة بأنه يحاول اختبار أنواع قد تخدم شرائح جديدة من الجمهور، واعتبرها بمثابة "بحث" لمعرفة ماذا يسمع الجمهور في الوقت الحالي. وفي وقت سابق رفض ويجز تصنيفه كمغني راب فقط، وقال إنه يفضل لقب "فنان" لأنه يريد تجربة كل الأنواع الموسيقية.
وبالعودة للارتباك في الأغنية، ربما يكون ذلك الإحساس ناتجًا من عدم ارتياح ويجز التام مع تقليدية موضوعات البوب العاطفية، لذلك استخدم أحيانًا جملًا ساذجة ومكررة مثل "أخلى الجاي ورود وشموع.. يتغنالها وبصوت مسموع.. بعيد عن عيني ويا عيني مع غيري ومش مبسوط"، وأحيانًا جملًا متسقة مع موقفه كنجم راب مثل "ياخى كنت ع الثبات وهزتني.. واللي فات ده كان سحري"، إلى الارتباك في مشاعر ويجز نفسها تجاه حبيبته وتساؤلاته "ولا إيه القصة حبيبي فيدني؟ سحرتني ولا سحرتلي؟ ملاك بريء ولا أنا مخدوع؟".
بذل ويجز جهدًا في التعبير عن كل تلك الحيرة والمشاعر بتغيير طريقة أدائه الصوتي، ومحاولة إضفاء المزيد من العاطفية على صوته، كمحاولة للتقرب أكثر إلى البوب والانسجام مع موضوعه العاطفي، ولكنه أعطى إشارات معاكسة للمستمعين، عززت من حالة الارتباك وعدم استيعاب البعض للأغنية من الأساس، بسبب استخدامه إيقاعًا إفريقيًا راقصًا، مما جعل وقع كلماته المؤثرة منقوصًا في بعض الأجزاء مثل "ولا ايه القصة حبيبي فيدني.. واللي أذوك ياما حبيبي سيبني"، وكأنها قالب واحد يؤكد بها شيئًا ما، على عكس محتواها الذي يحمل سؤالًا يسبق وعدًا منه، وربما يكون السبب هو تجاوز ويجز المتعمد لهذه المعادلات في صنع أغنيته العاطفية باعتبارها مقاييس فنية تقليدية ومتوقعة دائمًا.
التزم ويجز في أعمال سابقة له بالمقاييس التقليدية في صنع الأغاني العاطفية المتعارف عليه، مثل تراك كان نفسي، وبها قدم أداءً صوتيًا عاطفيًا مع موسيقى وإيقاع ملائمين لنفس الحالة، وكلمات مباشرة "عايزاني احكي ومداريش وانا مداري سراديب.. كان نفسي ساعتي متمشيش، كان نفسك مسبكيش، كان نفسي متبكيش".
أما البخت فقد خرجت عن مألوف الراب في الحب، وحاولت الاندماج مع مفردات غنائية جديدة، حتى لو لم تكن جديدة بالكامل، إذ سبق وخاض ويجز التجربة اللغوية نفسها في أغنية الشهيرة دورك جاي، التي قدم بها تراكيب لغوية غنائية مختلفة ومبتكرة تماماً، كواحدة من مزاياه.
ذكورية حتى من المغنيات
لدى معظم نجوم الراب قاموس غنائي متشابه، وربما محتوى رئيسي واحد، يتم توظيفه بصور مختلفة، فهم مشتركون في "تأكيد تفوقهم الفني والمادي وتفاخرهم بجدول أعمالهم المزدحم وسفرهم إلى الجونة ودبي للترفيه"، ويستخدمون في سبيل ذلك تشبيهات واحدة مثل التشبه بنجوم الكرة أو استخدام صيغ مناداة موحدة "صاحبي.. زميلي.. برو"، والملفت أن حتى الأصوات النسائية في الراب تستقي من نفس القاموس والتشبيهات التي قد تكون أحياناً ذكورية مثل ما تقول بيري في تراك الساعة 9 "جيم زي صلاح ملعوبة right..انا زي شيكو محبوبة type.. محمد علي بفوز الـ fight"، وفي تراك أناكوندا "في شوال أسمر هجيبُه.. هجمة بتيجي جون.. إدارة زي بيبو".
لا تختلف موضوعات الحب لدى نجمات الراب القليلات عن الذكور، فهن أيضًا لا يمتلكن وقتًا للحب واهتمامًا به، ولا بالمعجبين حولهن بقدر اهتمامهن بأمجادهن وأموالهن أيضًا، أو كما تصف بيري "فيديو جيم انا ألعب بيك.. آخرك بتصيح زي الديك.. غور أنت سيبلي محفظتك"، وتكشف نظرتها للزواج والارتباط في تراك كازابلانكا الذي يبدو مضطربًا بين النسوية والذكورية "اتجوز بس فحالي اتساب بتخنق م الحصار.. اقلبها لينينجراد من غير مقوله يحاسب.. حتى لو معايا الكاش بالعافية هو يحاسب"، وقدمت زميلتها ألماس تجارب شبيهه مثل تراك وعود شر، وكانت حول نفس الحالة العاطفية المعقدة التي يمر بها جميع زملائها "أنا مش هينفع اتحب ف هون.. خليتك تكرهني خليتني ف صمتي.. كلامي هيبوظ هيلخبط هيدمر هيكسر..".
وغناء فتيات الراب بلسان الذكور قد يكون مبررًا بسبب سيطرة الذكور على مجال الراب، سواء كفنانين أو جمهور، ومحاولتهن لكسب هذه الفئة وإثبات أنهن يمتلكن نفس القوة، وخرجت محاولات قليلة خارج هذا التأثير، والحديث حول واقع الفتيات في مجال الراب، ولخصت ألماس هذه الحالة في تراك سم فالكاندي "فان مثالي أول ع التوالي، ال عشان Male مسيطر مفيش مواهب غير رجالي.. الراب دا Game محتاج خشونة بس مش نسائي.. ازاي تكوني حرمة أحسن مني و دا مجالي ..".
المهرجانات تسبق الراب
على العكس من ذلك، يأتي نجوم المهرجانات، الذين يمتلكون نظرة أبسط للحب في أعمالهم، ولا توجد أزمات نفسية أو تعقيدات في العلاقات العاطفية في معظم المهرجانات، فهي إما رومانسية خالصة أو شكوى صريحة من عدم وجوده، ويختلفوا أيضًا في جرأتهم في استخدام الأوصاف الحسية والجسدية في الغزل والرومانسية "كلو يدوس نجمة وشباك لام شفايف وردى وبينك.. يا سبايسي جاى بصبح وأمسي أنا فيكى بجد نفسي.. أنا نفسي فى بوسة واحدة م الخدود.."، من المهرجان الرومانسي الشهير يا سبايسي لعمر كروان وسيف مجدي، وكذلك في التجارب السابقة لها مثل مهرجان "عود البطل- بنت الجيران" وغيرها.
بجانب النظرة الأبسط للحب في المهرجانات، فهم قدموا محتويات عاطفية أكثر ملائمة لما تحبه السوشيال ميديا، بتحويل الغزل والكلام عن الحب لإيفيهات، أو تشبيهات غنائية قادرة على التحول لجمل ساخرة أو تدوينات خفيفة الظل، وليس بالضرورة التماهي والتعاطف معها، أو أن تشعرك بالحب بشكل جدي، فغالباً لن تجد من يتغزل بحبيبته بجدية بوصفها: "كتكوته يا كريمة على بسكوتة جرينوڤ ومش مقروطة، قمر چيلي وقطوطة يا عسلية"، كما يقول حسن شاكوش في مهرجان "افتحي شباكك" مثلاً.
تسلل تأثير المهرجانات إلى أغاني البوب، كما تسلل إلى الراب، بمحاولات رموز الأغاني العاطفية استخدام نفس التوليفة في الغزل، ومنهم بالطبع عمرو دياب الذي غير قليلاً من طريقته وأصبح أكثر جرأة وهزلاً في كلماته العاطفية كأغنيته الأخيرة إنت الحظ، أو في أغانيه السابقة التي استخدم بها أوصاف جسدية غير معتادة عليه مثل أغاني يوم تلات ومحسود وسهران وغيرها.
البخت ليست الأخيرة
بالعودة للراب، هناك زيادة في نسب موضوعات الحب والجنس الآخر في أعمال الفنانين الرجال في الفترة الأخيرة، بالتزامن مع تجربة ويجز في البخت، والتي قد تشجع الآخرين في التطرق للحب وكشف موقفهم منه في الأغاني وحياتهم الواقعية، وقد نشهد في سبيل ذلك تحررًا من القيود التي يفرضها هؤلاء على تصوراتهم عن أنفسهم في كلماتهم.
التحول الذي حدث لمروان موسى مثال واضح، فهو من أكثر الرابرز ذكرًا للمرأة في أعماله، وأطلق في عيد الحب الماضي عدة أغانٍ تناولت موضوعات عاطفية لأول مرة بهذه الكثافة، مثل فاهمك، قدم بها موضوعًا عاطفيًا بسيطًا حول تذكره لعلاقة عاطفية سابقة "فاكره لما سيبنا أيدينا في ليله وعدت.. ناسي اللي أنا قولته، لسه فاكر شكلك.. فاكرة إني لعبت ب قلبك بصرة وقشت.."، كذلك في بيني وبينك يحاول وصف حالته في عدم قدرته على نسيان حبيبته "أنا حلمت بيكي قبل ما نتقابل بيني وبينك حالة مش بنساها.. بيني وبينك حاجز أنا عارف..".
تحول كبير في نظرة مروان موسى للحب، بعدما كانت المرأة في معظم أعماله شيء هامشي مثل بقية الممتلكات التي يتباهى بها، وعلاقات عابرة ضمن حياة الرفاهية، وكانت عبارة عن "دلوعة وصوتها مبحوح، أمورة اديتها مصروف، تنورة وضهر مفتوح..، باليل هجيب بنوتة رايقة وهنلعب رياضة مزة شقية بتجبلي هدية تغلفلي سيجارة..، معايا المزة لابسة كوكو لافة رقبتها في لؤلؤ..، اديها بوسة لو الدنيا ضلمة معايا ست ستات أشرف عبد الباقي..".
وفي عيد الحب أيضًا، أطلق أبيوسف أعمالًا عاطفية، ولا يختلف عن الآخرين فهو مشترك معهم في المشكلات العميقة مع الحب، لدرجة طرحه تراكًا بعنوان الحب ابن وسخة، وسبقه مروان بابلو في لعن الحب والبحث عنه في تراك الحب فين "الحب فين اللي بتسهروا له الليل، وبعدين لحد إمتى هدور عليه.. بقيت أفكر بالساعات هو أنا كبرت ووقتي فات ولا مشاعري خلصت وقلبي مات"، وفي نفس الألبوم كان أكثر قسوة في تراك كنترول"خدي الفيزا العبي بيها بس قلبي مش هتخديه".
أمام شباب الراب فرصة كبيرة في كسب المزيد من الجماهيرية بموضوعات الحب في أعمالهم، والتي قد تكسر سيطرة نجوم البوب حول هذا الموضوع الرائج، خاصة بعد "بخت" ويجز، وإثبات قدرته على كسب التعاطف مع فئات جماهيرية متنوعة، أو فئات لا تتأثر بموضوعات الراب، خاصة مع تميزهم بمساحة الحرية في اختيار الكلمات والإيقاعات على عكس أغاني البوب التقليدية، واستغلال حالة تداخل أعمالهم الفنية مع حياتهم الواقعية، وقد نشهد على تجارب أخرى أكثر نضجًا مع أصحابها وعبورهم مرحلة المراهقة سواء الحقيقة أو الفنية.