لا قائد لهم أو كاهن أو قس، فجميعهم إخوة، ومتى اجتمعوا يمكن لأي واحدٍ أن يتولى مهمة الوعظ أو قراءة الكتاب المقدس، دون قيادة أو ترتيب، إذ يؤمنون أن الروح القدس هو صاحب الكلمة العليا في كنيسة الإخوة، الموجودة في قرية البرشا (مركز ملوي) بمحافظة المنيا، جنوبي مصر.
وليست تلك الكنيسة الوحيدة التي تتبع العادات نفسها، فهي جزء من طائفة أكبر تُدعى الإخوة البلاميث التي تأسست في مدينة بلايموث الإنجليزية عام 1831، ومنها أخذت اسمها، لكن جذورها تعود إلى دبلن، حيث اجتماعات كان يعقدها جون نيلسون ديربي، للصلاة والشركة عن المجيء الثاني للمسيح.
لكن، كيف وصلت من بلايموث إلى البرشا؟ يخبرنا يوسف رجائي، وهو أحد أعضاء تلك الكنيسة أن الطائفة دخلت مصر عن طريق الإرساليات التبشيرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبدأت من الصعيد، في المنيا، وتحديدًا من مدينة ملوي، فيما تأسست الكنيسة الأولى في القرية عام 1883 على يد جده الأكبر غطاس، بينما جده منير لبيب، هو المسؤول عن الكنيسة الآن.
مزيد من التفاصيل يعرفها عم منير "كنيسة الإخوة أول ما بدأت في مصر، كانت من هنا في ملوي، على يد قسيس إنجيلي من أسيوط اسمه روفائيل جرجس اتعرف على مذهب الإخوة واقتنع بيه، وكان معاه محامي شاب اسمه موسى صالح من ملوي، وكنيسة البرشا دي تعتبر من أول الكنائس لطائفة الإخوة في مصر كلها، واتبنت في القرية قبل الكنيسة الإنجيلية وكنيسة العذراء مريم الأرثوذكسية. وكانت بتخدم البلد كلها، ماكنش فيه كنايس خالص ولا نعرف شكلها".
كنيسة الإخوة في القرية، هي مجرد حجرة واسعة في مبنى متهالك، انهار جزء من سقف الدور العلوي به بفعل الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخرًا، تتراص داخلها مقاعد خشبية عتيقة تجمع أعضاء الكنيسة كل أحد للصلاة بجانب الوعظ ودراسة الكتاب المقدس، وبعدها يجتمع بعض الأطفال لحضور مدارس الأحد، التي يقول عم منير إن طائفته هي أول من أدخلها إلى مصر، وبعدها انتشرت في باقي الكنائس.
الجميع متساوون
"عندنا في دير البرشا 3 كنائس للإخوة، وعددنا في القرية أكتر من 500 أخ وأخت، وعندنا 180 اجتماع على مستوى الجمهورية"، يخبرنا زكريا ميخائيل، وهو "أخ" من أعضاء الكنيسة، ويشرح كيف تُدار الأمور بين الإخوة "يتم توزيع المهام حسب قدرة الشخص واستعداده، يتم ترشيح أخين للأمور المالية، واتنين غيرهم للإداريات، أو تنظيم الاجتماعات ومدارس الأحد. لكن في الصلاة وكسر الخبز يتساوى الجميع، حتى المرأة يمكنها كسر الخبز، إذا كانت أخت فاضلة وحسنة السمعة ومشهود لها، ولا ترتدي الذهب أو تتجمل".
وكسر الخبز هو تقليد تتبعه الطوائف المختلفة لتذكر عمل المسيح في ليلة العشاء الرباني، وفيما تؤمن الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية بتحول الخبز والخمر إلى جسد ودم يسوع المسيح، ترى الطوائف البروتستانتية أنه عمل شركة روحي للذكرى فحسب.
غير ذلك، فالمرأة في كنيسة الإخوة يجب عليها الصمت التام ولا تنطق بكلمة أو تقوم بالوعظ أو الترانيم، إلا في اجتماع مخصص للأخوات، استنادًا إلى الآية "قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة"، يقول الأخ زكريا.
على العكس من طوائف كثيرة، لا تُستخدم الموسيقى بكافة أشكالها في صلوات واجتماعات الإخوة. "احنا بنختلف عن الكنيسة الرسولية والإنجيلية فالمعازف والموسيقى ممنوعة. وكمان لا يمكن لغير الإخوة المشاركة في كسر الخبز، وعندما يسافر أخ من بلد لبلد أخرى، يأخذ معه خطاب من كنيسته، لكنيسة الإخوة في البلد المسافر إليها، حتى يمكن الاعتراف به كأخ ويشارك معهم في كسر الخبز"، يشرح زكريا.
نشأت كنيسة الإخوة البلاميث في مصر عام 1880 على يد مبشّر أمريكي يدعى إدوارد بنكرتن، كان يتنقل بين سوريا ومصر ولبنان. وأصدر مجلة اسمها المراعي الخضراء، لنشر أفكار الطائفة بين الأهالي. وتتركز الكنائس في حي شبرا بالقاهرة، وبصعيد مصر، حيث يصل عدد كنائس الإخوة اليوم في مصر إلى مائتي كنيسة، منها 75 كنيسة في المنيا وحدها.
وانشق عن "الإخوة" طائفتين جديدتين، هما الإخوة المرحبّين أو المنفتحين، والإخوة المنغلقين أو المنعزلين، والأخيرة تتبنى تقاليد محافظة صارمة كتعليم أبناءهم وتثقيفهم ثقافة دينية مكثفة في البيت، و الحشمة الزائدة في ملابس النساء، وعدم مشاهدة التلفزيون أو سماع الموسيقى فيما يسمح الإخوة المنفتحون بذلك، كذلك يرحبون بمشاركة أي مؤمن مسيحي مهما كان مذهبه في طقوسهم واجتماعاتهم.
"عقيدة الإخوة في الأساس قائمة على رفض السلطة الكهنوتية والرتب الكنسية، فلا يوجد أسقف أو قس، كلنا هنا إخوة، فلا رئيس غير المسيح، ولا كاهن غيره"، يشرح زكريا.
كذلك، لا يحتفل الإخوة البلاميث بأي مناسبات دينية، فلا عيد ميلاد أو قيامة، ولا توجد أصوام مرتبة بمواعيد محددة "بالنسبة لعقيدتنا اجتماع الإخوة كل أحد لكسر الخبز هو عيد، أما الصوم، فعلاقة فردية بين المؤمن والله، ممكن يصوم يوم أو أكثر، حسب قدرته، والصوم عندنا انقطاعي عن الطعام والشراب، وقد يصوم الشخص لطلب يرجوه من الله، أو تعبيرًا عن شكره لمكافأة أو نجاح".
تُجمع العشور في طائفة الإخوة عن طريق صناديق العطاء في الكنائس، ويوضح زكريا أن "صناديق العطاء تدور بين الإخوة في الكنيسة كل يوم أحد، وكل شهر تُجمع الصناديق وترسل للمركز في ملوي، الذي يرسلها بدوره لكنيسة الطائفة بالقاهرة، ومن ثم يتم توزيع هذه الأموال على الكنائس، كل واحدة حسب احتياجاتها، وكذلك توفير رواتب العاملين".
رغم الاختلافات الكثيرة بين طائفته وباقي الطوائف المسيحية في مصر، لا يجد يوسف رجائي أزمة في ذلك، "في اعتقادي أن هناك طرق عديدة للوصول إلى الله، وطائفة الإخوة هي الأنسب لي، ربما لا تناسب غيري، لكن عليه احترام اختياري"، مشيرًا إلى محاولات البعض السخرية من معتقداته.
ولأنها جزء من الطائفة الإنجيلية يقول يوسف إن ثمة تعاون بين كنيسته والطائفة، ويحدث تبادل للوعّاظ بين الكنيستين، وعقد اجتماعات روحية، "ولا نشجع أبنائنا على الانغلاق كمان يعتقد البعض".