اتصف عقد التسعينيات في مصر بالسيولة، بعد الطفرات السياسية والجغرافية التي حدثت في العالم، من تفكيك الاتحاد السوفيتي، وسقوط جدار برلين وغيرها، بالإضافة إلى تأثير حرب الخليج.
تكرر مصطلح" السيولة" كثيرًا، وأصبح شريكًا في أي نقاش، للمرة الأولى سمعته من أحد الكتاب المرابطين على مقهى البستان، لم أفهمه في بدايته، ولكن فحوى المصطلح، بشواهده المعلنة، يوحي بأن هناك عالم سائب يجري دون ضوابط، وهناك عالم جديد تمامًا يتشكل وسيأخذ وقته حتى يظهر.
انعكست هذه "السيولة" على الثقافة المصرية، أحدثت هزة في البناء الاجتماعي والثقافي الراكدين منذ السبعينيات، وانعكس هذا في ظهور أشكال وممارسات ثقافية عديدة، ومنها المجلات الثقافية "المستقلة" التي بدأت في الظهور في النصف الثاني من التسعينيات، بعد أن تم استيعاب حجم هذه الهزة الكونية، وكيفية التعامل مع حالة اللايقين التي سببتها، كل في مجاله.
ثقافة تبحث عن هوية
بدا ظهور "الثقافة المستقلة"، البعيدة عن سيطرة الدولة ودعمها، كهامش حرية تفتح صدفة، أتاحه هذا التحول العالمي، والخلخلة التي أصابت أي كيان مركزي، لم يعد هناك متن اجتماعي، أو ثقافي، فالكل أصبح هامشًا، وداخل هذا المركز المفترض، كان التحول يحدث وبقوة.
كانت فترة بحث عن هوية، لذا امتلأت ثقافة ذلك الوقت، بشكل عام، بالأسئلة الجذرية، الوجودية، اللايقينية. تم استخدام روح فلسفية متسائلة، أكثر من الركون للتفسير السياسي، وأيضًا تم اللجوء لأدوات البحث الأنثروبولوجية، للبحث في تلك "الهوية"، ولملء الفراغ الوجودي والاجتماعي الذي سببته الهزة.
العاديون جزء من الحقيقة
كانت هذه المجلات المستقلة، تجمع بين التخصص، والإتاحة في آن، لتجسد، أو تجيب، عن القلق الذي شغل العالم.
سار التخصص مع الانفتاح على سؤال الهوية، بعد أن أصبحت "الهوية" محل تهديد، أو في حالة " سيولة"، كما حدث مع أي "يقين"، فتأكدت الرغبة في البحث عنها وتأكيد حضورها، عبر إعادة تعريفها، والبحث عنها تاريخيًا. كانت أولى الوسائل، لهذا البحث، هو البحث عن تلك " الهوية" داخل ثقافة الغالبية التي تمثلها بدورها، هؤلاء "الناس العاديون" الذي يشكلون متنها الأساسي.
ربما هذا الانفتاح والتداخل بين دور المتخصص وغير المتخصص، جاء لاختلاف دور المتخصص/ المثقف القديم، فالتخصص، مهما كانت درجته، أصبح يبني نفسه، في لحظة السيولة، على مدى علاقته بالحياة، وتأثيره فيها، وتأثره بها. وأيضًا لأن طبيعة الأسئلة الثقافية نفسها تغيرت، وأصبحت تمس حياة وأفكار وخيال "الناس العاديين". أصبح هذا الإنسان العادي، وأحلامه، وثقافته، يقف وراء جميع التخصصات: الفن والعمارة، والأدب، والفلسفة، وعلم الاجتماع، لذا حدث تداخل بين كل هذه الأنواع التي تهتم به في تشكيل خطابه.
أصبح "الناس العاديون" جزءًا من"الحقيقة"، داخل تلك المجلات، باختلاف نوعها. كونهم، كما ذكرت، جزءًا جوهريًا من تلك "الهوية" التي يبحث عنها العصر.
هذا الاتجاه الجديد في النظر للحياة، أصبح يتضمن الإنصات والتوجه لهم، لحكاياتهم، بيئتهم، ملابسهم، طعامهم، فنونهم، عمارتهم، وبالتالي أصبحت هذه المجلات لها مذاق أنثروبولوجي، بشكل عام، أي كان نوع تخصصها، وتحفز على الانفتاح على الأرشيف الجمالي للحياة اليومية، الذي كان محبوسًا داخل التصنيفات الثابتة للأنواع الأدبية والفنية لمفهوم المجلات قبل ذلك، كان جزءًا أساسيًا من وعي هذه المجلات، إعادة قراءة التاريخ من خلال عين وممارسات هولاء المهمشين، تاريخيًا.
"التنوير".. إلى الوراء
تزامنًا مع حالة "السيولة"، تراجعت فكرة "التنوير" التي شغلت عقد الثمانينيات، مع مفهومي "الأصالة والمعاصرة"، لم يعد لها القوة نفسها، فالتنوير استمد قوته من ثبات الإيديولوجيات التي كانت تحكم العالم من يمين ويسار وتفريعاتهما، وهي الاتجاهات التي كانت تشغل المركز.
لكن ورغم هذا التراجع، ظهرت عام 1992 إحدى المجلات المستقلة وهي الكتابة الأخرى، التي أصدرها الشاعر هشام قشطة، لتقوم ليس فقط بمهمة تنويرية، ولكن لتقف ضد "المتن" الثقافي/ السلطة الثقافية، الذي كان يمثله الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي رئيس تحرير مجلة إبداع، آنذاك، الذي كان يرفض كتابات حرافيش الثقافة كما كان يسميهم، وربما كانت تلك المعركة متأخرة لعقد من الزمن على الأقل.
هامش نوعي
كان هناك هامش ثقافي نوعي يتكون، وربما أيضًا نخبوي، ليس يساريًا، رغم تبنيه إصلاح الواقع، وهموم الإنسان العادي، ولكن عبر خطاب جديد ليس إيديولوجيا، بل خلطة جديدة تجمع بين أدوات ومفاهيم كل من الفن والتنمية والفلسفة والأنثروبولجيا.
تجسد ذلك الخطاب في مقالات واتجاهات تلك المجلات الثقافية باختلاف توجهاتها، بالإضافة لحضور "الصورة" الفوتوغرافية، التي أصبحت جزءًا من ثقافة الفترة وحتى الآن، في هذا المناخ السائل، أصدرنا مجلة أمكنة، التي تعنى بثقافة المكان، وصدر العدد الأول منها سبتمبر/ أيلول عام 1999.
كان هناك العديد من المجلات الهامة التي أثرت فيّ بشكل شخصي: مجلة عين، أحوال مصرية، مدينة، وأخيرًا مجلة راوي، التي جاءت لتسد تلك الفجوات، وتملأ الفراغ الناتج عن غياب ثقافة مركزية تقليدية، وعدم تنوعها.
بعض هذه المجلات كانت ثنائية اللغة، مثل مدينة وراوي وعين، كأن قارئًا جديدًا ظهر فجأة، أملاه التحول الذي يحدث في نظام العالم، في تلك اللحظة الزمنية الفارقة، ربما كان ذلك القاري، يعيش بيننا، ولم نكتشفه بعد.
ساحت الحدود، داخل هذه اللحظة، وحدث انفتاح في المجال الثقافي العام الذي تعيش فيه الأفكار. أصبحت كل ثقافة خاصة محاطة ومتداخلة بالعديد من الثقافات الأخرى، مكانيًا ومجازيًا. أتاحت، السيولة، هذا التداخل، الذي سيزيد ويتوطد ويتعقد، مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وسيطرة العولمة على حياتنا، في القرن الجديد.
.. وآخر دون متن
المفارقة أن ذلك الهامش تكون في لحظة تفكك المجتمع، فاضطر لاستحضار المتن داخله. فمهما كانت درجة تمثيله، هو في النهاية غير ممثل إلا لقوة وصدق أحلامه الخاصة، ووعيه في تأصيل نفسه، بجانب نزوعه للتخصص، والانفتاح على الثقافات الأخرى، كي يضمن تعددًا في الرؤية، ربما هذا التناقض في الدور المزدوج الذي يقوم به الهامش، جعل نجاح تلك الهوامش مشروطًا داخل أوساط محدودة ونخبوية، لذا تذبذبت بوصلة تلك المجلات، صعودًا وهبوطًا، في تمثيل هذا "المتن الضائع"، وهامشيتها في آن. ربما هذه النقطة لها مكان آخر لمناقشتها.
عين
في عام 1996 ظهرت مجلة عين التي أصدرها الفنان عادل السيوي، بمساعدة العديد من الفنانين الذين تحمسوا لظهور مجلة تعنى بالفنون التشكيلية. كانت من أولى المجلات المتخصصة في تلك الفترة، التي تتوجه في الوقت نفسه لجمهور أوسع من الفنانين، عبر تحويل الفن التشكيلي، وقضاياه، إلى "حكاية"، مع الانفتاح على قضايا مدينة القاهرة، بتراثها، بناسها، بحياتها اليومية، بعمارتها. بدأ الفن التشكيلي، وقضاياه، في دخول "المجال العام".
كانت المجلة في عددها الوحيد الذي صدر، لا تزال في منطقة تأرجح وتساؤل، حول مكان ممارسة الفن: داخل المراسم، وقاعات العرض المغلقة، أم في الخارج داخل الحياة ومع الناس؟
في مقال مهم في ذلك العدد، بعنوان "الطريق اإلى كوم غراب"، نرى محاولة لرصد دور الفن التشكيلي داخل المجتمع، وتوثيق وتأمل في التجربة التي قام بها مجموعة من الفنانين في تزيين وتجميل بيوت منطقة تل كوم غراب في مصر القديمة، التي يسكنها البسطاء، وكيف أصبح هذا الحي ممثلًا لشيء أكبر منه في ثقافة المدينة.
كتب عادل السيوي في تقديمه لذلك المشروع الفني "رغم هامشيته، كحي، إلا أنه يتسع لفكرة تتجاوز حدود المدينة ذاتها، ليصبح مساحة لإبداع مختلف ومغامرة في البحث عن قناة جديدة للابتكار، ولخلق ردود أخرى عن الأسئلة التي طالما تردت أمامنا.. الهوية المعاصرة؟ الطليعة؟ موقعنا من تاريخ الفن؟ علاقة إبداعنا الراهن بتاريخ الفن المصري الحديث؟".
ويستطرد في مكان آخر مشكل الفن وانغلاقه على نفسه، وأن جزء من خلاصه مرتبط بدخوله في حياة الناس "بعد عناء وجهد في إنتاج الفن دوم نلقي اي ردود فعل حقيقية، وبعد عمر من اتهام الناس بالجهل والواقع المتخلف، أدركنا ان هناك محاولة ممكنة لم تستنفدها بعد، وهي محاولة الدخول للناس في حياتهم والاشتباك معهم". عين- ص 126.
بدأت المجلة أيضًا في مخاطبة وتحديد هوية مجتمع الفنانين، وطريقة عمله، وما يؤثر فيه. هذا التحديد سيتضح أكثر، بوجهه السياسي، في الألفية الجديدة، فالفنانون لم يعودوا هم الفنانون السابقون، أصبحوا يستخدمون خطابًا اجتماعيًا/ سياسيًا نقديًا، وبالتالي تحولوا إلى ما يشبه الكتل المسيسة.
داخل لحظة السيولة ومن بعدها العولمة، دخلت السياسة مرة أخرى من خلال التجمعات الفنية أو الأدبية، أو الثقافية بشكل ما، فالكل كان يصارع على الواقع/ الهامش، سواء بنقده، أو تحسينه، أو تثقيفه، أو إيجاد الحلول العملية له.
ربما كان ظهور "الواقع" بهذا الوضوح السبب في ذلك البعد التنموي /الاجتماعي الذي وسم غالبية الفنون البصرية في عقد التسعينيات وما بعدها. سعت أعمال الفنانين، المفاهيميين بالتحديد، لأن تشغل الهامش السياسي الذي أصبح فجأة فارغًا في ذلك الوقت، وحتى الآن، والذي بدأ يُملأ بالمجلات وجمعيات المجتمع المدني المستقلة، والمعارض، وأشكال جديدة من الممارسات الفنية. وتحول المجتمع الفني التشكيلي لمرآة تتجمع فيها صراعات أيديولجية تتنازع ذلك "الهامش".
مدينة
في عام 1998 ظهرت مجلة مدينة، وهي مجلة فصلية مستقلة، أصدرها المهندس المعماري عمرو عبد القوي بمشاركة مع مهندسين معماريين وفنانين ومصممين، وتهتم "بالهندسة المعمارية، والتصميمات الداخلية، والفنون الجميلة". وكما تصرح المجلة في التعريف بها، أن لها اتجاه نقدي تجعل القارئ/ ابن المدينة مشاركًا وطرفًا أساسيًا في اختيار شكل البيئة والعمارة التي يريد أن يعيش فيها.
قامت المجلة أيضًا بتقديم مشاريع معمارية وتصميمية وفنية كجزء من ثورة التصميم التي كانت تحدث في مصر، في ذلك الوقت، ونُظمت مسابقات وورشًا لطلبة الفنون الجميلة. وربما ذلك الخط الأهم في تاريخ المجلة، وهو ارتباط المجتمع الأكاديمي من طلاب أقسام العمارة والفنون بها، كقراء مستديمين، بل ومشاركين فيها.
من اسم المجلة يتضح أن "المدينة"، بناسها، وعمارتها، ومجالها العام، وبعالمها المرئي؛ أصبحت المكان الأساسي للرصد. المكان الذي يتحرك فيه "الناس"، ومن حقهم تحسين شروط العيش به. بجانب تقديم تفسيرات للمساحات، داخل المدينة، وكيف يتفاعل الناس معها.
تكرر مصطلح "الناس" أو" الرجل العادي"، في هذه الحقبة السائلة من التسعينيات، يكتب أحدهم بتعاطف، في أحد أعداد المجلة في مقالًا بعنوان "شوارع المشاة"، وتحت صورة يجلس فيها الناس على كراس خشبية في الشارع "الناس في حاجة إلى أماكن للراحة والجلوس والاستمتاع".
خطاب جديد، كان يتكون في خط هذه المجلة، يصر على جودة العيش في البيئة المعمارية المحيطة بالإنسان، وعلى فتح مجال التخصص أمام مجتمع أوسع، بالإضافة لتمثيل صوت الناس وحياتهم، وحكاياتهم الشفهية، وممارساتهم اليومية، وأمنياتهم في الحياة.
أحوال مصرية
رغم صدور المجلة عن مؤسسة أكاديمية بحثية؛ مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، وهو ما لا يجعلها مستقلة، لكن المجلة التي أصدرها الدكتور محمد السيد سعيد عام 1998، ورأس تحريرها حتى عام 2003، كانت لها روح منفلتة، وجريئة، تشكل شارعًا جانبيًا في الدراسات البحثية المتحفظة، وتحاول أن ترصد آثار هذه السيولة على الحياة اليومية للناس.
كانت المجلة تجمع بين التخصص في التناول البحثي لظواهر اجتماعية، وبين ارتجال وتوثيق هموم الحياة اليومية، بلغة جديدة تحاول أن تتحرر، وخاصة تلك المقدمات التي كان يكتبها الدكتور محمد السيد سعيد لها.
كانت هناك روح خفيفة داخل ثوب أكاديمي. كان الدكتور محمد السيد سعيد، يملك هذه الحساسية الجديدة تجاه التحول، ونظرته للواقع، وأهمية تجويد حياة الناس، وأيضًا أهمية انفتاح الثقافة بشكل عام، وتأثير أنواعها على حياتهم، وهمومهم اليومية.
ربما انحيازه للناس يأتي بسبب تكوينه اليساري، ولكنه يسار ذاتي، مخلوط بنزاهته وأوهامه، وإيمانه الحقيقي بالناس، فانعكس هذا على اختياراته لموضوعات المجلة، وانعكس أيضًا على حرارة أسلوبه.
استهدفت المجلة تشجيع البحث في مجالات السياسية العامة كافة، مثل السياسات التعليمية والصحية والحضرية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية، بجانب"صياغة مشروع جديد للنهوض الوطني في مصر". هذه المصلحات "الكبيرة"، كانت تجد لها حلولا وأسليب تجسدها ماديا داخل المجلة.
كانت هناك ملفات عن الفن التشكيلي، عن التعليم، والصحة، بجانب تكرار رصد وعي الناس داخل المدينة وطريقة تسيير حياتهم. أتذكر في إحدى مقدماته لعدد من أعداد المجلة أنه حكى تجربة سكنه، ونموذج الإدارة الذاتي الغائب. كانت العمارة، برمزيتها، بمثابة رؤية للمدينة وللمجتمع بكامله، وغياب العمل الأهلي، ومؤسساته.
كان الدكتورمحمد السيد سعيد من أوائل من كتبوا عن مجلة أمكنة في عددها الأول الذي صدر سبتمبر 1999، في مقاله الأسبوعي بملحق أهرام الجمعة، كان مرحبًا بلا تحفظ تجاه تلك "المطبوعة الجديدة"، وقفزه بالسؤال مباشرة للمستقبل ومخاوفه منه، وتأكيده أهمية أن يحافظ كتابها على هذه الموهبة في الرصد، حتى لا ينجرفوا بعدها في التيار السائد، ويقضي عليهم، كان هذا المقال بداية تعرفي بالدكتور سيد سعيد، ودعاني بعدها لأكون أحد كتاب جريدة البديل التي رأس تحريرها لمدة سنة تقريبًا حتى سبتمبر 2008، قبل وفاته في أكتوبر/تشرين ثان 2009.
راوي
قامت ياسمين الضرغامي، بإصدارها في نوفمبر 2010، وتعمل مدرس ثقافة بصرية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
تعرف المجلة نفسها كالآتي: "راوي" مجلة تراث مصرية تصدر سنويًا، تُعنى بالتاريخ والتراث المصري- في كافة فروعه وعصوره. تتيح للقارئ معلومات موثقة من خلال مقالات مصورة يقوم على كتابتها محررون متخصصون في التاريخ والآثار والعمارة والفن ومجالات أخرى.
راوي من المجلات المهمة، التي تنتمي لفكر فترة التسعينيات، والتي تنظر بعين مباشرة على "الهوية" المصرية من خلال تخصصها في التراث، كما هو مكتوب على غلافها. يضم هذا التراث كما يظهر في أعدادها الإحدى عشر: الملابس، والطعام، والحلي، والسينما، والعمارة القديمة في المدينة، والتراث القبطي، والنساء المصريات الملهمات على مر التاريخ.، وغيرها وغيرها.
ربما لاتهتم كالمجلات السابقة بالحاضر المباشر. ولكن هناك دائمًا خط رجعة، في أعدادها ومقالاتها، بداية من عصور مصر القديمة حتى الآن، ربط الماضي بالحاضر، ورصد فكرة "الاستمرار". بالطبع التصور الأنثرولوبجي له مكانه في الدراسة، وقراءة التاريخ ورصد تنوع الهوية، من خلال الممارسات اليومية لها. وبالطبع أيضًا هناك مكان مخصص في هذا التاريخ، للناس العاديين، الذين يمثلون الشعب، ويحتلون هذا الهامش التاريخي، وطريقة صياغتهم لحياتهم اليومية، ومدى إبداعهم فيها.
من الاسم نستنتح فكرة الحكي، ونتخيل ذلك الراوي الجوال الذي كان يدور بالربابة، وبالحكايات وينقل حكم وعظى وحكايات الماضي للحاضر. فالحكاية جزء من أشكال المجلة بكل تنوعاتها.
يتسم كل عدد من راوي بنظرة موسوعية حول موضوع محدد من تاريخ، أو تراث، مصر. بدءًا من الفن التشكيلي، الحلي، التراث القبطي، السينما، والمطبخ، الأزياء، وغيرها، وغيرها.
هناك ثلاث أعداد بمثابة أطالس للحياة اليومية للمصريين. العدد السابع "الزينة والحلي المصرية عبر خمسة آلاف سنة"، والعدد العاشر "تاريخ المطبخ المصري"، الذي يتضمن وصفات لأطعمة، وكيفية تحضيرها، ويعتبر مرجعًا من مراجع الطبخ. بجانب العدد الأخير الحادي عشر" تاريخ الأزياء المصرية".
ربما في هذه الأعداد الثلاثة، وضحت أكثر شخصية المجلة، ودورها في إحياء التراث والمحافظة على استمرارية الماضي داخل الحاضر.