كانت الواقعة في ذلك العام مدوية؛ حد اعتبارها "فضيحة" وصلت مكتب النائب العام ببلاغ. فالسيدة التي ارتبط اسمها بإنجاز وسبق تقدّمي حُسب لنظام كان في سنوات شيخوخته حين اختارها رأسه، حسني مبارك، لتصبح أول قاضية وفي أرفع الجهات القضائية شأنًا؛ المحكمة الدستورية العليا، أصبحت في مرمى هجوم شرس بعد انهيار هذا النظام، بسبب مُخالفة مهنية اعترفت بها في حوار صحفي.
تهاني الجبالي، المحامية التي جعلتها تراتيب القدر تتولى عام 2003 منصب نائبة رئيس المحكمة الدستورية العليا، لتصبح أول سيدة تجلس على منصة القضاء، باتت في الوقت نفسه أداة لتجميل وجه نظام بلغ من الكهولة ومعاداة الديمقراطية حد إعداده للوريث.
لكنها، ومع إعلانها بعد ثورة 25 يناير عداءها لذلك النظام، إلا أنها ظلت موالية لما كان يتبناه من سياسات، واستخدمت نفس أدواته في تعطيل المسارات السياسية عبر منصات القضاء، للحيلولة دون أن يصبح الحكم في يد تيار "غير مرغوب فيه" بالنسبة لها ولمعسكر كانت تؤيده.
لم تجر الأمور كما أرادا؛ وأتى الخصوم، فانتهى مشوارها مع القضاء لتبدأ محاولاتها مع السياسة سواء بدعم صريح للنظام الجديد منذ بدأت محاولات الإطاحة بحُكام ما بعد يناير، أو بمحاولاتها تأسيس كيان سياسي وخوض انتخابات برلمانية لم تكن من بين فائزيها؛ فكان الاختفاء عن الساحة لأعوام، باستثناء مرّات ظهور قليل، حتى كانت الوفاة يوم الأحد الماضي، متأثرةً بفيروس كورونا.
نجاحات المحامية
في قرية بمحافظة الغربية، وُلدت تهاني محمد السيد حسب الله الجبالي يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1950. ومن هناك بدأت رحلتها مع التعليم الذي أبدت تفوقًا فيه بحصولها على المركز الخامس في شهادة الثانوية العامة.
ورغم ذلك الترتيب المتقدم الذي كان من الممكن أن يُمكّنها من الالتحاق بأي من الكُليات المسماة بـ "كُليات القمة"، فإن الجبالي قررت الانتقال من الثانوية إلى كلية الحقوق في جامعة لم تكن بالبعيدة عن بلدها، وهي المنصورة. ومنها حصلت على شهادة الليسانس عام 1973. لكنها لم تتوقف عن الدراسة، إذ حصلت على شهادة الدراسات العُليا في الشريعة الإسلامية والقانون الدستوري.
ولأن البداية كانت اختيار بإرادتها الحرّة لدراسة القانون، استمرت الجبالي في المسار نفسه، باختيارها العمل محامية، وهو ما استمرت فيه لثلاثة عقود، اكتسبت خلالها خبرة بالعمل أمام محاكم النقض والعُليا؛ فانتُخبت كأول سيدة عضوة في المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب منذ تأسيسه عام 1944. كما كانت السيدة الأولى أيضًا بين أعضاء مجلس نقابة المحامين المصريين منذ تأسيسها عام 1912.
النجاحات المهنية جلعت الجبالي لا تُقصر نشاطها على المحاماة، بل عملت كمستشارة لمؤسسات اقتصادية ومُحاضِرة للقانون في جامعات مصرية وعربية؛ فذاع صيتها داخل وخارج مصر؛ ليتم منحها لقب "خبير قانوني" في الأمم المتحدة، واختيارها لعضوية مجلس أمناء المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة. بل إنها حظيت بعضويات في هيئات لا علاقة لها بالقانون، مثل الهيئة الاستشارية لمكتبة الإسكندرية.
ولهذا؛ كان مفهومًا أن تنال الجبالي العديد من التكريمات المصرية والعربية والدولية، كان أبرزها درع الأمم المتحدة للعمل الاجتماعي عام 1990، ودرع المحكمة الدستورية الإيطالية عام 2005، ولما كان لتعيينها من أثر على قضايا المرأة، نالت في عام تعيينها نفسه 2003 درع الدفاع عن حقوق المرأة، من جمعية تنمية ونهوض المرأة.
انحيازات القاضية
رغم غضب قطاع من القُضاة في 2003 من تواجد سيدة على منصّة لطالما كانت حكرًا على الرجال، سرى قرار مبارك، وأصبح إنجازًا للمرأة لاسيما في نظر المنظمات النسوية، ومن بينها مؤسسة قضايا المرأة، التي ذكرت بينما تنعي الجبالي أنها كانت من داعمي حملتها عام 2009، التي انطلقت للمطالبة بتولي النساء منصب القضاء في مجلس الدولة، وكيف كان للقاضية موقف مُفنّد لكل ما سيق من حجج لرفض تعيينات السيدات في هذا الكيان.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Fnewwomanfoundation%2Fposts%2F293145322854235&show_text=true&width=500في نعيها، تطرقت المؤسسة أيضًا لدور تهاني الجبالي "البارز"، فيما يخص "الدفاع عن الدستور ومدنية الدولة في السنوات الأولى بعد عام 2011"، وهذه حقيقة بدت في مواقفها خلال عام الحكم الإخواني الذي كانت بين صفوف معارضته، وهو خليفة النظام الذي منحها المنصب القضائي في نفس شهر الثورة ضده، يناير/ كانون الثاني، لكن مع فارق زمني ثماني سنوات.
منذ 25 يناير 2011؛ كان للجبالي أحكامًا مختلفة بشأن الثورة. فمبارك وإن كان الرئيس الذي صارت في عهده قاضية، إلا أنه الحاكم الذي رأته بعد أن صارت سياسية تقود كيانًا يحمل اسم التحالف الجمهوري، "نظامه هو ما ساعد الإخوان على الوصول للحكم، وسمح بالدولة الموازية، التي كانت تنمو خلال فترة حكمه".
وهي أيضًا مّن شددت في الذكرى الخامسة للثورة على أنها كانت "إرادة شعبية واجب احترامها، كانت تهدف للتغيير نظام مبارك ومشروع التوريث الذي تبناه". ورغم ذلك، أشارت إلى وجود "مؤامرة" شابت هذه الثورة "الشعبية الحقيقية" على حد وصفها. فقالت "لكن استغلال أعدائنا للثورة وقتها، لا يعنى أنها كانت الممر الوحيد لمدبري المؤامرة، أو أنها قامت بفعل مؤامرة، لأن المؤامرة كانت قائمة بالفعل".
لم تعادِ القاضية 25 يناير، لكنها غضبت مما تلاها، فكانت بين الواقفين ضد الإخوان، الذين وصفتهم بـ"الأعداء"، وهو ما لم يكن بالوصف المختلف عمّا رآه الطرف الآخر في الجبالي منذ تولوا حكمهم؛ فكان كل منهما بالنسبة للآخر هدفًا لخطط بدأت منذ كانت مصر تحت حكم المجلس العسكري.
الخصومة بدت واضحة منذ وصفت تهاني الجبالي رجلهم، محمد مرسي، بعد أن صار رئيسًا نال المنصب بعد خلافته في الانتخابات للشخصية الأبرز، خيرت الشاطر، بأنه "ليست له خبرات في إدارة الدولة ومؤسسة الرئاسة"، بل وطالبت بـ"الحذر" حيال هذا الأمر لما كانت تشهده البلاد من "قضايا أمن القومي حساسة للغاية" جعلتها منذ وقت الثورة تطالب بوضع الدستور قبل بناء المؤسسات سواء التشريعية أو التنفيذية.
طالبت الجبالي بذلك، كما انتقدت إجراء انتخابات مبكرة في ظل "اختلال الموازين" بين القوى الاجتماعية، و"عدم فتح مسام الوطن بالحريات العامة". كما كان لها تحفظّات على أداء مرسي، الذي أكدت أنه "لا يستطيع إلغاء الإعلان الدستوري"، وهو ما فسّرته بالمنطق كقاضية وقالت "لأنه لا يمكن للرئيس أن يأتي بشرعية دستورية ثم ينقلب عليها".
كانت دوافع السيدة في ذلك الوقت هو القلق على مدنية الدولة من جماعات ذات أيديولوجيات لا تعترف بمثل هذه المدنية وما تكسبه من حقوق لمختلف المواطنين من مختلف الفئات، دون استثناء أو شروط أن تكون من الفئة المُفضّلة لديها وهي "ذكر سُنّي مُسلم".
لكن القلق على هذه المدنية كان من القطاع الديني فقط دون العسكري، وهو ما جعل القاضية تذهب بعداوتها إلى ما هو أبعد من آراء تنتقدهم، بل إلى ارتكاب ما صار فضيحة قانونية كان لها ضجة في البلاد.
.. ومخالفة مهنية
"قاضية تساعد الجيش المصري على تعزيز سلطاته".. هكذا خرجت صحيفة نيويورك الأمريكية بعنوان لحوارها مع تهاني الجبالي، بتاريخ 3 يوليو/ تموز 2012، وقبل عام واحد فقط من إزاحة الإخوان عن حكم مصر؛ لتثار بعده الضجة حد تقديم نائب إخواني هو محمد العمدة، بلاغًا ضدها.
ففي الحوار، كشفت السيدة والتي كانت ما تزال قاضية أنها "نصحت المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعدم إجراء الانتخابات البرلمانية قبل وضع الدستور، لأنها ستأتي بأغلبية من تيار الإسلام السياسي"، كما كشفت أن "المجلس العسكري استعان بالمحكمة الدستورية لحل مجلس الشعب واستعادة سيطرته على السلطة في مصر".
انتهى بلاغ العمدة إلى الحفظ "لعدم وجود شبهة نشر أخبار كاذبة بالأوراق"، لكن لم تنته خصومة تهاني الجبالي مع الإخوان، الفصيل الذي كان باديًا أنه سيخلف مبارك؛ فاتخذت هي إجراءات تتعارض مع دورها كقاضية بـ"اتصالات مباشرة مع الجنرالات" بدأت في مايو/ أيار 2011، بعد مظاهرة نظمها نشطاء ليبراليون وعلمانيون للمطالبة بدستور قبل الانتخابات.
قالت القاضية إنها "ساعدت الحكومة التي يقودها الجيش على صياغة مجموعة من القواعد الأساسية الدستورية الملزمة.. والتي تمنح الجيش استقلالا ذاتيًا عسكريًا من أي إشراف، فضلًا عن سلطة دائمة للتدخل في السياسة؛ وهو ما قبله المجلس العسكري ووافق على إصدار إعلان دستوري به".
وأمام كل ما قيل؛ لم يقتصر ردّ الفعل بعد ذلك الحوار على البلاغ، إذ أنه وبعد ما أثير ضد القاضية من هجوم وانتقادات، تبادلت هي والصحيفة الاتهامات، إذ وصفت الجبالي المنشور بـ"الكذب" وأكدت أن الإعلام الأمريكي "يسعى لتشويه صورتها بعد ردها على وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون جراء تدخلها في الشؤون الداخلية المصرية".
في المقابل، قال مراسل الصحيفة والذي أجرى الحوار إنه "موثق ودقيق"، وأكد أن الصحيفة ملتزمة بما نشرته، وأنهم "ليسوا مجانين حتى ينشروا حوارًا مفبركًا مع قاضية بأعلى سلطة قضائية وفي صحيفة بحجم نيويورك تايمز"؛ لينتهي الأمر بعدها ولا تُقدم السيدة على مقاضاة الصحيفة التي كانت ترى فيما نشرته جزءًا من "حملة" ضدها، اتهمت "دوائر سي آي إيه" بالوقوف ورائها.
لكن ظلت الخصومة في النفس، كما بدا في حوار بعد سنوات من رحيل الإخوان قالت فيه الجبالي عن الصحيفة نفسها إنها "رهينة في يد الحركة الصهيونية".
خصوم الجبالي
ربما استخدام الجبالي لـ"الصهيونية" كمصطلح لوصم الصحيفة أمر يتفق مع أيديولوجيتها، فهي واحدة ممن عادوا إسرائيل والصهيونية، منذ كانت محامية شابة انضمت في أوائل التسعينيات إلى فريق محامين بقيادة نبيل الهلالي للدفاع أمام المحكمة العسكرية عن العسكري أيمن حسن.
ذلك الرجل هو مَن نفّذ عملية على الحدود المصرية ضد جنود إسرائيليين عام 1990 فقتل 21 شخصًا وأصاب 20 آخرين، وذلك"ثأرًا منهم لما رآه من إهانة أحدهم للعلم المصري، بجانب ارتكاب جيشهم مذبحة الأقصى الأولى". وهذه القضية كانت محل فخرها حتى ما قبل الرحيل، وقالت عنها في حوار عام 2020 "عندما قُدم للمحاكمة العسكرية صدر الحكم ضده بالإعدام 3 مرات، لكني نجحت في تخفيف الحكم إلى 12 سنة قضى منها 6 ثم أفُرج عنه لاحقًا".
تهاني الجبالي، وهي التي تولّت رئاسة لجنة مناهضة العنصرية والصهيونية، تعادي تلك الأخيرة أيديولوجيًا وسياسيًا مثل معاداتها لإسرائيل، حد أنها طالبت بإسقاط الجنسية المصرية عمن اتهمتهم بارتكاب "جريمة" تمثلت في تكريم اسم جولدا مائير، رئيسة وزراء ذلك البلد الذي عادته الجبالي على المستوى الدولي.
أما محليًا، فكان الخصوم واضحين، على حد وصفها الصريح لهم "الأعداء"، وهم الإخوان والسلفيين، الذين كانت بالنسبة لهم هم أيضًا "عدوة"، وحدث أن رددوا ضدها هذا الهتاف "صوّتي يا تهاني، الشرع راجع تاني"، حين كانوا مُحاصرين المحكمة الدستورية العُليا لأيام عديدة عام 2012، كوسيلة للضغط من أجل عدم القضاء ببطلان انتخابات مجلس الشورى وتشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور.
كان هذان المطلبان من الإخوان وحلفائهم السلفيين الذي شاركوهم هتافهم "صوتي يا تهاني، السلفي مع الإخواني"، قاصدين نائبة رئيس المحكمة التي وقفت بصلابة أمام هذه الهجمة التي رأت أنها جريمة، وأكدت أن مرتكبيها "لن يمنعوا القضاة من مزاولة ومباشرة أعمالهم".
بعدها، لم يمر الكثير من الوقت حتى تحول استهداف تهاني من هتاف باسم "شرع" يرى مُرددوه عدم أحقية اعتلاء المرأة لمنصّة القضاء، إلى إجراءات عملية بإقرار نظام الإخوان دستور محتويًا مادة استهدفت عزلها، وذلك بالنصّ على "تحديد أعضاء المحكمة الدستورية العليا بـ11 قاضيًا فقط وفقا لمعيار الأقدمية، بدلًا من 19 قاضيًا. على أن يعود الآخرون إلى مناصبهم القضائية السابقة".
من هنا، ولأنها لم تكن ذات منصب قضائي سابق؛ خرجت تهاني الجبالي من سلك القضاء، وهو ما حاولت مقاومته باللجوء إلى القضاء، حتى انتهى الأمر عام 2018 برفض الطعن الذي قدّمته "كون دستور 2012 معطلًا منذ عام 2013 قبل إقرار دستور جديد في 2014"، وإن قضت المحكمة بأحقيتها في معاش نائب رئيس المحكمة الدستورية، الكيان القضائي الأعلى الذي أعلنت بعد سنوات أنها "تتمنى العودة إليه ولو ليوم واحد".
دعم "النبي"
"يكفى هذا الرجل نجاحه في إنقاذ مصر من براثن تنظيم الإخوان، وانتشالها من مخطط جهنمي كان يستهدف إعادة تشكيل المنطقة العربية"، هكذا تحدثت تهاني الجبالي في إحدى الحوارات عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي وقفت في صفوف داعميه منذ 30 يونيو، كما أكدت في حوار آخر أنه "تم تحميله ما لا طاقة له به، لأنه مطلوب أن يدير كل شيء وأن يبدع في كل شيء، وأن يرد على جميع الحملات ويتحمل وحده النتائج".
ولهذا؛ دعمت الجبالي السيسي منذ كان في مرحلة الترشح للرئاسة، حد مهاجمتها منافسه حمدين صباحي الذي يُفترض أنه ينتمي لنفس فريقها من مُحبي عبد الناصر، بل واتهامه بما لا يُعقل بحسابات المنطق، بالقول عنه وهو الناصري أن "التنظيم الدولي لجماعة الإخوان عقد اجتماعًا في لندن، وقرر التصويت له في الانتخابات الرئاسية"، بل ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك بذكر معلومات "غير مؤكدة" لديها عن "زيارة صباحي لمنزل خيرت الشاطر".
لم تدعم السيدة الرئيس فحسب، بل إنها وعندما صارت لها نشاط سياسي، شبّهته بنبي حين قالت إنه "يشبه سيدنا يوسف الذي أثّر فيمن حوله بالسجن"، وذلك بأنه "أنقذ مصر من الخطر".
ولهذا، كانت من بين داعمي ما أجراه من تعديلات دستورية رغم أنها كانت محل انتقادات سياسية وحقوقية. لكن الجبالي استنكرت الانتقادات أو رفض التعديلات، كما رفضت أن "يتم اختزالها في المادة المتعلقة بمدّة الرئاسة"، ودافعت عن التعديلات باعتبار أنها "أمر طبيعي"، لأنه "بعد الثورات لا توضع دساتير دائمة".
الدعم من القاضية السابقة والتي حدث وأن رفضت مظاهرات الإخوان أمام المحكمة قبل أعوام، بلغ حد أنها طالبت بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي لمدة عام، كما جاء ذلك الدعم على الرغم من أن بين التعديلات ما كان محلّ علامات استفهام بشأن السلطة القضائية واستقلالها، خاصة فيما يتعلق بمادة اختيار الرئيس لقضاة بعد أن كان دوره في هذا الصدد يقتصر على التصديق على الاختيارات التي يطرحها القضاة فقط.
لكن كان مبرر تهاني لهذه التعديلات موجودًا، إذ قالت في حوار إنه "مثلما ترى الجمعية العمومية للقضاة أن من حقها ترشيح 3 أسماء من بين الأقدم، فمن حق رئيس الدولة الاختيار"، وهو ما بررته بأنه "يقضي على الاستقطاب"، كما أشارت بامتنان إلى أنه "من حق الرئيس عدم التوقيع على قرارات تعيين لا تشمل أسماء قاضيات وهذا حقه الدستوري، ولكنه لا يفعل ذلك".
.. والجمهورية الجديدة
في 19 أكتوبر/ تشرين أول 2019، أدت 98 قاضية اليمين القانونية للعمل في مجلس الدولة، حيث تواجد الرئيس عبد الفتاح السيسي في ذلك اليوم للترحيب بهن، بعد أن حل بقرار أصدره مشكلتهن في العمل داخل هذا الكيان، الذي كان مرفوضًا قبل أعوام.
وكقاضية، سبقت الثمانية وتسعين سيدة في دخول سلك القضاء وفي الإحساس بمشاعر الانتصار والبهجة نفسها؛ كان من الطبيعي أن تخرج تهاني الجبالي بتصريحات مادحة للرئيس الذي ردّت له الفضل في "تصحيح عوار" امتد لسنوات، وذلك بوقفه تعليق انضمام المرأة إلى مجلس الدولة، والذي قالت إنه كان "بلا مبرر" لما نصّ عليه دستور 2014 صراحة من حق المرأة في تولي القضاء بكل الهيئات والجهات.
أما على الصعيد السياسي، فالسيدة التي قررت عام 2013 وقبل أيام من 30 يونيو/ حزيران، تأسيس حزب "لمواجهة الفاشية الدينية التي تحكم مصر"، كانت من بين مَن ساندوا خطوات استكمال خارطة الطريق التي تم الإعلان عنها في 3 يوليو 2013، بعد رحيل الإخوان، وهي من رأت في الرئيس عبد الفتاح السيسي "منقذًا لمصر من مخطط لإسقاطها".
ورغم هذه الإشادات المتتابعة والدعم المستمر للرئيس، فإن السيدة كانت من بين المعارضين للاتفاقية التي وقّعها نظامه مع السعودية وبموجبها آلت ملكية جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، فهي مَن أعربت في إحدى البرامج خلال إثارة قضية الجزيرتين عن "فزعها على مستوى ضميرها القانوني" من حديث الرئيس عن هذا الأمر.
وتساءلت، ضمن التصريحات نفسها "كيف أجمعت كل هذه الأجهزة على التشكيك في ملكيتنا للجزيرتين لأن هناك خلاف حقيقي في التقييم والتقدير في الأوراق التي قدمت للفصل في هذا الأمر على مستوى الجغرافيا والتاريخ والتزامات مصر"، لافتة بخبرة القاضية التي تتعامل مع أوراق ومستندات، إلى "عدم ورود أي ذكر للسعودية في التفاوض مع إسرائيل حول هذه الجُزر".
رغم هذا الموقف وانتقادها للحكومة التي أرسلت اتفاقية تيران وصنافير للبرلمان، كإقرار وفرض لأمر واقع، قبل حكم المحكمة بشأنها، واعتبرته "مخالفة دستورية صارخة"، لأن "الحكومة بهذا لم تنتظر حكم المحكمة". ورغم أنها بعد حُكم "الإدارية العُليا" بمصرية الجزيرتين طالبت الحكومة باحترامه لأنه "نهائي وبات وله حجية". فإن السياسية تهاني الجبالي، عادت بعد حين لتنضم للقائلين بـ"سعودية" الجزيرتين.
مغامرة واختفاء
في إطار "الجمهورية الجديدة"، سعت السيدة إلى دخول حلبة السياسية، في البداية بمؤتمرات وظهور إعلامي متكرر لدعمه وقت الانتخابات، ثم بمحاولتها تأسيس حزب تحت اسم التحالف الجمهوري، قالت إنها تهدف به إلى "تمثيل الطبقة الوسطى والعمَّال الذين يجب أن يكون لديهم حزب سياسي يُعبِّر عنهم بشكل حقيقي ويدافع عن مطالبهم وحقوقهم المشروعة".
وكذلك عملت السياسية على تحويل هذا الكيان إلى حزب، عبر جمع توكيلات من مختلف المحافظات، لكن بقي الحال على ما هو عليه وظل "تحالف" حاولت أن تخوض به الانتخابات البرلمانية.
وآنذاك، لم تخل الأجواء من تبادل اتهامات بينها وبين منافسين اتهمتهم بـ"الخيانة ومحاولة إعادة الإخوان للحياة السياسية"، فيما وصفوها هم بـ"أم الفلول" في إشارة لداعمي مبارك؛ لينتهي الأمر بفشل في هذه التجربة التي أكدت في حوار أنها "غير نادمة عليها".
عقب تلك المغامرة التي قالت عنها الجبالي في الحوار سالف الذكر أنها كانت "محاولة للتبشير بميلاد كيان جديد"، أصبحت مُقلّة في الظهور الإعلامي، إلى أن اختفت من الساحة لسنوات، ثم ظهرت عام 2018 إذ أسست مكتبًا للاستشارات القانوني، لتحكي عن هذا الاختفاء في حوار.
وقالت الجبالي إنها "أصبحت مهتمة بالبعد الثقافي والتنموي"، وتترأس منظمة لها برامج تتعلق بهذا الشأن، وإن لامت أيضًا على الإعلام بقولها عن الغياب "الإعلاميين هما المسؤولين عن غيابي ولما بيطلبوني باروح".
اختفت تهاني عن الإعلام، لتعلن بعد ظهورها تحضيرها لكتابة مذكراتها الشخصية، تلك التي لو خرجت للنور لكانت سجّلت مسيرة حافلة بالتناقضات، بدأت من قرية في محافظة الغربية، وشملت تطوعًا للدفاع مع حقوقي بارز عن جندي سجين وعداوة لإسرائيل، ودفاع عن مدنية الدولة ضد جماعة دينية مع دعم للمؤسسة العسكرية، وبين إخلاص للفكر الناصري ثم مهاجمة لزميلها في المعسكر الناصري نفسه.
تناقضات بين محاولاتها ممارسة النشاط السياسي، وصمت منها كقاضية سابقة وسياسية حيال قوانين وإجراءات تبقي مئات الشباب خلف أسوار الحبس الاحتياطي، وغيرها من مواقف سجلتها الجبالي في دفتر كانت أولى صفحاته دفاع حقوقي عن جندي قتل إسرائيليًا أهان علم مصر، وختامًا بمحاولات كسياسية مبتدئة في عهد الجمهورية الجديدة.