بخلاف العلاقات التقليدية المبنية على الحب والتفاهم وانجذاب الطرفين لبعضيهما، بغض النظر عن جنسية كل منهما، كثيرًا ما نسمع عن لجوء العديد من الشباب المصريين للزواج بأجنبيات، لأسباب تتعلق بتسهيل إمكانية السفر لدولة أخرى أو الحصول على جنسية أخرى وغيرها. لكن بالمقابل، تقبل الكثير من الفتيات المصريات على الارتباط أو الزواج من رجل أجنبي لأسباب أخرى مختلفة.
في علاقتها مع شريكها المصري السابق، مرت ماريا فؤاد (طالبة ماجستير)، بتجربة وصفتها بأنها مؤذية جدًا، حيث كان الشاب "مهووسًا" بالتحكم بها وبكل مقاليد حياتها، بل وامتدت غيرته حد الشك فيها.
الشعور بانعدام الأمان والذكورة الهشة كانت قوام هذه العلاقة التي دامت لسنتين، عانت فيهما ماريا كافة أشكال التعنيف اللفظي و"انتهاك الحدود الشخصية" كما وصفتها، بالإضافة إلى عدم إمكانية التمتع بحياة مستقلة بعيدًا عنه، "مش فاهم يعني إيه المفروض يبقى عندي حياة برة العلاقة. كل يوم عايز يشوفني، مكانش بيستوعب إني مثلًا عايزة أشوف صحابي أو أقعد مع ماما في البيت أو آخد وقت لنفسي".
بعد انتهاء العلاقة، تعرفت ماريا إلى زوجها الإنجليزي، عبر أحد تطبيقات المواعدة، لترتبط به عدة أشهر قبل أن يقررا إعلان زواجهما منذ سنة ونصف تقريبًا، لتجد في شريكها الحالي صورة مختلفة تمامًا عن التي عاشتها مع الشاب المصري السابق؛ "مفيش حاجة منه موجودة في شريكي الحالي"، تقول ماريا.
"بيحترم حدودي ومش غيور وبيحترمني وبيحترم أفكاري، ومش بيحاول يغيرني، وبيحترم اللايف ستايل بتاعي وبيحترم إني بني آدمة طبيعية عندي حياة مستقلة عنه، ومتفهم جدًا مش بيتعامل بطفولة زي العلاقة القديمة"، تضيف الشابة، مؤكدة أن شريكها الحالي لا يشعر بامتلاكها، ولا يحاول التحكم فيها بأي شكل من الأشكال، "مش حاسس إني بتاعته".
يشير مصطلح الرجولة الهشة إلى القلق الذي يساور الرجال حيال القصور عن تلبية المعايير الثقافية للرجولة، بحسب ورقة بحثية للباحثة سارة ديموشيو، والباحث إريك نوليز، تحت عنوان "الدلالة السياسية للرجولة الهشة". كما تشير الورقة إلى أن الرجولة الهشة، من شأنها أن تعزز المواقف أو السلوكيات التعويضية التي تهدف إلى استعادة الوضع المهدد للرجولة الحقيقية.
في البداية لم تكن ماريا متخذة قرارًا حاسمًا بالارتباط بأجنبي، لكنها كانت تبحث عن أصدقاء جدد عن طريق التطبيق الذي استخدمته. ومع ذلك، كانت حاسمة قرارها في أنها تبحث عن أصدقاء أجانب وليسوا مصريين، تجنبًا لـ"عقلية الرجل المصري"، الذي قد ينظر إليها كامرأة "سيئة السلوك"، كونها تستخدم هذا التطبيق، فقررت أن توفّر على نفسها عناء الدخول في هذه المتاهة من البداية واختارت أن تتعرف إلى أجانب، دون أن تعرف أن زوجها الحالي سيكون أحدهم.
في دراسة تجميعية عن إحصاءات الهجرة في مصر عام 2019، أشار الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى ارتفاع عدد النساء المصريات اللاتي تزوجن برجال أجانب خلال الفترة (2013-2017) بنسبة حوالي 0.3 %. كما بينت الدراسة أن هناك 10 آلاف و257 إمرأة مصرية، تزوجن من رجال عرب وأجانب خلال نفس الفترة، حيث بلغ عدد حالات زواج المصرية من زوج جنسيته عربي (غير مصري) 7772 حالة، وذلك خلال الفترة من 2013- 2017، بنسبة 0.2% من إجمالى عدد حالات زواج المصريات فى هذه الفترة. بينما بلغت حالات زواج المصرية من زوج جنسيته أجنبي (غير عربي) 2485 حالة زواج بنسبة 0.1% من إجمالي عدد حالات زواج المصريات خلال نفس الفترة المشار إليها.
بديهيات المشاركة
زوج ماريا يفهم جيدًا أن "الحياة شراكة"، لذلك فهما يتشاركان في كل مناحي الحياة بما فيها "شغل البيت والأكل والتنضيف وهكذا". كما أنه، ونظرًا لانشغالها بدراسة الماجستير ، في الوقت الذي يعمل زوجها عدد ساعات أقل "أونلاين"، فهو في أحيان كثيرة يتحمل كافة الأعباء المنزلية التي تخص الطرفين.
في هذه النقطة، تتفق سارة سلام* مع ماريا، حيث تتشارك أيضًا مع زوجها الأجنبي كل شيء، ليس فقط فيما يخص الأعمال المنزلية، لكن أيضًا كل ما يتعلق بالقرارات الحياتية التي تخص الأسرة.
رغم أنها لا تعتقد أن الشريك الأجنبي لا بد أن يكون بالضرورة أفضل من المصري، "مش معنى إن حد من جنسية أو ثقافة معينة إنه هيكون شريك كويس أو مناسب ليا"، فإن هناك جوانب إيجابية لمستها سارة من خلال تجربتها الشخصية مع شريكها الحالي، حيث تقول "لو انتي شريكك كويس هيبقى قاطع أشواط كبيرة أوي في بيديهيات زي إن الجواز ده شركة مثلًا فأنا بعمل حاجات وأنت بتعمل وبنساعد بعض، سواء بنتكلم على شغل البيت أو التزاماتنا في الحياة سواء مادية أو أي حاجة. فكرة إننا متشاركين في اتخاذ القرارات في كل حاجة".
هذه الشراكة هي أكثر ما تتميز به علاقة سارة بشريكها، خاصة وأن المشاركة هنا لا تكون مصحوبة بنوع من التذمر أو الفخر على سبيل المثال، "بنعمل كل حاجة سوا، ما بيجيش يقول الله أنا تقدمي عشان بغسل المواعين"، فمن البديهي أن يتعلم الإنسان بعض المهارات الحياتية مثل الطبخ والتنظيف، كي يتمكن من معايشة الحياة اليومية والبقاء، "مش لما أعملها أبقى حد بيتنازل عن رجولتي ويقعد بقى يكتب مقال عن إن مراتي كانت بتموت بس أنا قمت غسلت المواعين، أو أمي كانت عندها أزمة قلبية فقمت عملتلنا بطاطس".
ترى سارة أن من حسن حظها أن شريكها لا يحمل مثل هذه الأفكار في قاموسه، "لأنه متعود إن ده الطبيعي"، وهو ما تعتقد أنه أكبر قاسم مشترك بين الرجال الأجانب، لكن لا يمكن تعميم العلاقات مع شخص أجنبي بأنها علاقات صحية في المطلق كذلك.
الرجال المصريون.. ماذا دهاهم؟
في الوقت نفسه، تتعجب سارة من كم الأسئلة التي توجهها إليها النساء في المناسبات الاجتماعية وتجمعات الأصدقاء والعائلة، أو حتى أثناء السفر مع شريكها داخل مصر، التي تتركز حول "هل الجواز من أجنبي أحسن؟ طب ازاي؟ لو أنا عايزة أعمل كده؟"، وغيرها من الأسئلة التي تثير دهشتها حول الرجال المصريين. "في حاجة غريبة جدًا إن في ستات كتير أوي حابة إنها تبقى مع شريك أجنبي فاحنا محتاجين نسأل السؤال بتاع إيه مشكلة الرجالة المصريين؟" تتساءل، مضيفة أن هناك نظرة رومانسية للأمر، وكأنه عند الزواج من أجنبي "هتبقى حياتنا زي الأفلام مثلًا، وهيبقى جميل وحلو، وده مش بالضرورة حقيقي".
لذلك تدعو سارة النساء في مصر، إلى تحديد ما يبحثن عنه في العلاقة، مشددة على ضرورة اهتمام النساء بأنفسهن ورغباتهن، بالإضافة إلى القراءة عن العلاقات الصحية ليتمكّن من اختيار شريك الحياة بناء على ذلك، أيًا كانت جنسيته.
تحت عنوان مفهوم الرجولة، نشرت مؤسسة بروموندو بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة دراسة استقصائية بشأن المساواة بين الجنسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، شملت أربعة بلدان عربية، هي مصر ولبنان والمغرب وفلسطين.
وتشير الدراسة إلى أن معظم الرجال الذين شملتهم في البلدان الأربعة يدعمون "مصفوفة واسعة من السلوكيات التقليدية غير المنصفة"، بينما يظهر حوالي ربع عدد الرجال الذين شملتهم الدراسة في كل بلد أو أكثر "دعمًا لبعض أبعاد تمكين المرأة والمساواة على الأقل".
في الوقت نفسه، أظهرت الدراسة أن الكثير من الرجال في المنطقة لا يزالون متمسكين "بمعايير تشجع على العنف ضد المرأة أو تحصر النساء في الأدوار التقليدية، وهم يتصرفون بناء على هذه السلوكيات بطرق تلحق الأذى بالنساء والأطفال وبأنفسهم".
في مصر ، حيث تضمنت الدراسة بحثًا نوعيًا أجري على خمس محافظات مختلفة شمل 1380 رجلًا و1402 امرأة تتراوح أعمارهم/ن ما بين 18 و59 سنة، تبين أن هناك مقاومة من قبل الرجال المصريين تجاه عمل المرأة خارج المنزل، بل ومشاركتها في جوانب الحياة السياسية والعامة كذلك. كما أشارت الدراسة إلى أن الرجال في مصر يدعمون بقوة فكرة أن يكون الرجل هو المعيل الأساسي، وفي الوقت نفسه "إذ أيّد معظم المشاركين الذكور أيضًا الهيمنة الاقتصادية للرجل والدور التقليدي كمعيل".
وفيما يتعلق باتخاذ القرارات داخل الأسرة، بيّنت الدراسة أن النصيب الأكبر منها كان للرجال في مقابل نسبة أقل للنساء، أو للنساء والرجال بالتساوي.
في المقابل جاء النصيب الأكبر للنساء فيما يتعلق بالأعمال المنزلية مثل الطبخ والتنظيف وغيرها.
وفيما يتعلق بالتحكم، كانت نتائج الدراسة أيضًا تفيد بأن الرجال يتحكمون في النساء وحيواتهن كما يلي:
تطرف أيديولوجي
فضلت سارة نبيل (باحثة)، الارتباط بشريك أجنبي على الرجل المصري أو حتى العربي الذي وصفته بأنه "متشبع بالأفكار الداعشية والمتطرفة"، ولكن التطرف هنا لا يقصد به الديني أو التطرف الفكري والأيدويولجي، في رأيها، حيث تعتقد أن الرجل الأجنبي أكثر احتراما للمرأة وأكثر تفهما للعديد من الأمور الحياتية، "ممكن تكون قِلة قليلة عندها تقبل الاختلاف والمشاركة في المعيشة لكن إجمالًا الأجنبي أفضل".
قبل الارتباط بالشريك الأجنبي، كانت سارة حسمت قرارها بعدم الارتباط بالرجل المصري، "كنت محددة موقفي من الرجل المصري إنه ما ينفعش لأن العيشة معاهم والتعامل معاهم صعب والارتباط بيهم أصعب".
أهم ما يميز الرجل الأجنبي عن المصري في نظر سارة هو "التقبل"، الذي يشمل تقبل الشكل والاختلاف وأسلوب الحياة وغيرها، "بيديكي مساحة أكبر إنك تكوني نفسك من غير أي مقارنات وأي تجميل ومن غير ما يضغطك نفسيًا من الناحية الجسدية". بالإضافة إلى ذلك أيضًا، فإن الأجنبي لديه مساحة لتقبل الآراء والأفكار المختلفة، وشخصية الأنثى المستقلة، بحسب سارة، حتى لو كان مختلفًا عنها فكريًا وأيديولوجيًا، "لكنه بيديكي مساحة إنك تكوني شخصك ولا تضطري تتصنعي أو تكوني أي حاجة غير نفسك".
كذلك تشير إلى أن الرجل المصري على سبيل المثال، لا يقبل أن يرتبط بامرأة منفتحة على العلاقات نظرًا لشعوره بالاستحقاق وملكية المرأة وجسدها، في حين أن الرجل الأجنبي "مش هيشوف غير إنك حرة وبتعيشي حياتك زي ما انتي مختارة فبيشيل من عليكي عبء إنك تضطري تدوري على مبررات وتفسيرات لسلوكياتك والكلام ده".
شريك سارة في الوقت الحالي من أصل عربي، لكنه يعيش بالخارج منذ سنوات. ورغم أنها التقت به عن طريق الصدفة، لكنها كانت حاسمة لقرارها من قبل، بعدم الارتباط برجل مصري بأي حال من الأحوال. "كنت مقررة إني مش هدي مجال للرجالة المصريين تاني يدخلوا حياتي أيا كان خلفياتهم الثقافية ايه لأن الارتباط بيهم مقرف". تضيف سارة.
* اسم مستعار بناء على طلب المصدر.