"كنت خايفة جدًا من شخص قعدني قدامه ولازق فيا جدًا، وبيطلب مني أبص في عينه منزلش عيني، وبيقول كلام مش مفهوم، وكان عندي قرار إني أثبتلهم إنه دجال، بس اترعبت من الحالة طبعًا وكنت خايفة منه"، بهذه الكلمات تصف نهلة صابر* شعورها، وهي جالسة أمام "الشيخ" الذي عرضتها والدتها عليه، ليساعدها في "فك السحر" الذي اعتقدت أنه السبب في اختيارات ابنتها غير النمطية، والخروج عن المألوف في المجتمع.
بعد محاولات عديدة من النصح بالتقرب من الله عن طريق الصلاة وقراءة القرآن ورقيتها، تطور الأمر للإصرار على عرضها على أحد "الشيوخ بتوع السحر والحسد والحاجات دي"، بحسب وصفها، في مدينتها الأصلية بورسعيد، قبل أن تغادرها لتستقر في القاهرة، تفاديا للصراعات المستمرة مع أهلها.
الجنون من الجن
بدأت أعراض الاكتئاب في الظهور على نهلة، بعد خلافات متعددة مع الأسرة، على خلفية بعض الاختيارات التي اتخذتها في مسار حياتها. تقول للمنصة "أهلي اعتقدوا إن حد عاملي عمل لما بدأ يبان عليَّ أعراض اكتئاب بسببهم، مكانوش بيفهموا موضوع اكتئاب ده"، مضيفة "لما بدأت ما سمعش كلامهم في حاجات وأخد اختيارات تخصني زي خلع الحجاب أو الاستقلال، اعتقدوا إني مجنونة أو معمول لي عمل".
لا يختلف موقف أم نهلة كثيرًا عن الكثير من الأسر المصرية التي تلجأ إلى الأسباب "الما ورائية" لتفسير الحالات والظواهر المختلفة عن المألوف أو التي لا تقع في دائرة المسموح، الأمر الذي تعزوه نهلة للخوف من التفكير والهروب من مواجهة المنطق المختلف، فيصبح الأسهل هو تحميل الأمر لشيء خارج عن سيطرة الإنسان. "الناس أوقات لما مبتعرفش تفسر حالة أو ظاهرة معينة بيقرروا يحولوها لشيء غرائبي برا تحكمهم. سقط عشان اتحسد مش عشان بيمر بأزمة. خدت اختيارات غصب عننا عشان معمول لها عمل، مش عشان عندها وجهة نظر ومنطق مش عايزين نواجهه"، تقول نهلة، "زي ما كل التنويرين كان بيتم اتهامهم بالجنون تاريخيًا مثلًا".
في مقال نشره مؤخرًا مشروع حلول السياسات البديلة التابع للجامعة الأمريكية في القاهرة، حول "حقوق المرضى وتشريعات الصحة النفسية في مصر"، يشير استشاري الطب النفسي الدكتور ناصر لوزا، إلى أن الأسر العربية لطالما تعاملت مع المرض النفسي من موقع التقاليد الإسلامية، وفقًا لتعريف "الشخص المختل عقليًا" بأنه "مجنون"، أي الشخص الذي "تتقمصه الجن"، ما يضفي مكانة روحية على المريض/ ـة النفسي/ ـة.
ربما يفسر ذلك لجوء الكثير من الأسر الشرق أوسطية إلى التعاطي مع المرض النفسي، على أنه ضرب من المس أو السحر، لكنه عندما يتعلق الأمر بالنساء واختياراتهن، قد تساهم الأسرة نفسها في الإصابة بالاضطرابات النفسية، مثل حالة نهلة التي تعتقد أن أحد أسباب الاكتئاب هو الخلافات التي نشأت بينها وبين أسرتها على خلفية اختياراتها "غير المألوفة" من وجهة نظر المجتمع.
لذلك ترى نهلة أن الحل هو توفير مساحات للتفكير والنقد والتعلم، بعيدًا عن التعصب والخطابات الدينية المتطرفة، لأن الفهم والمعرفة، في رأيها، هي الأدوات التي تجعل الناس أكثر مرونة، بدلًا من "اللجوء للدجل والشعوذة"، لتفسير الاختلافات.
عمل سفلي
المس الشيطاني أو السحر وغيرهما، هي تفسيرات يراها العديد من الأفراد في مجتمعاتنا، سببًا لخروج النساء والفتيات عن الأطر التقليدية المخطوطة من قبل المنظومة المجتمعية الأبوية. كذلك إن اختارت إحداهن مسارًا غير نمطي في حياتها، أو غير معترف به من قبل المجتمع، حتى لو كان ذلك الاختيار هو الخروج من علاقة مؤذية، كما في حالة سناء صبحي*، التي أدركت استحالة المعيشة مع زوجها السابق بعد شهرين فقط من الزواج.
بمجرد بلوغ السن القانوني للزواج، نظمت أسرة سناء، زواجها من ابن خالتها. "صعب نقول طفلة عندها 18 سنة ما تعرفش يعني إيه جواز أصلا إنها اتجوزت برضاها"، تقول سناء للمنصة. لكن عائلتها، المقيمة في محافظة البحيرة، تعتبر الطلاق نوعًا من الخزي والعار، لذلك كانت الرغبة في الطلاق وقتها تعني "مسًا من الشيطان"، ولابد من اللجوء إلى أحد "الشيوخ" المتخصصين في فك الأعمال للتخلص من "الجن" الذي يسيطر على ابنتهم، ويجعلها ترغب في الانفصال عن زوجها.
ومع ارتفاع وتيرة المشاكل مع زوجها السابق، ورفض أهلها الطلاق، أصيبت سناء بـ"انهيار عصبي" كما وصفته، حيث ظلت نوبات الهلع والبكاء الشديدة تواتيها بانتظام، وكلما زادت شدتها، ازدادت عائلتها تمسكا بفكرة الجن والأعمال، حتى أتوا لها بأحد هؤلاء "الشيوخ"، ليقرأ عليها آيات من القرآن مؤكدًا أن "البنت معمولها عمل سفلي" للطلاق من زوجها.
الدجل والشعوذة في أسرة سناء، هو أشبه بنسق منتظم، تلجأ إليه الأسرة عند خروج أي فتاة عن الصور النمطية للمرأة، فبعد الطلاق، وتحديدًا عندما قرر والداها منح طفلتها لأبيها وإبعادها عن أمها، خرجت سناء من المنزل في محاولة لإنقاذ نفسها وابنتها من براثن السيطرة الأبوية المطلقة. فما كان من الأهل حين علموا بمكانها، إلا اللجوء لنفس الطريقة في حل الأزمات، فجاءوا لها بـ"شيخ" آخر، ليؤكد أن "جنًا مسيحيًا متلبسها"، يتسبب هروبها من المنزل.
عليها عفريت
"فضل ماسك دماغي جامد لدرجة إني دوخت وكان بيقرا قرآن و عمال يقول فتحي عينك وأنا مش قادرة أفتح عيني من كتر الضغط على دماغي، بقى يقولهم بصوا مش عارفة تفتح الجن اللي عليها هو اللي مخليها كده"، تروي سناء تفاصيل ما حدث لها، مع الرجل الذي أكد أن "الجن بياخدها ويمشي"، حتى بدأ الأهل في وضع أدوية منومة في المشروبات كي لا تتمكن من الخروج من المنزل. بالإضافة إلى ذلك، أجبرها على تجرع لترين من الماء "المقروء عليه"، ولما تقيأت قال "بصوا العمل اللي معمولها مخليها ترجع".
اضطرت إلى الانصياع لأهلها في المرتين الأوليين، حيث كان سنها صغيرًا نسبيًا ومعتمدة عليهم بالكامل، "كنت عيلة ومليش رأي. اللي إحنا عايزينه هيتعمل وأنتِ ما تتكلميش. أنا كنت عايزة أطلق بعد الفرح بشهرين قعدت معاه سنة و8 شهور غصب عني"، تضيف سناء، "نفسيتي كانت متدمرة وكان بيجيلي panic attack (نوبة هلع) عنيفة جدًا، كانوا بيفسروا ده بالعفريت. فكنت بستسلم".
هناك عدد من الاضطرابات النفسية التي قد يفسرها بعض الأشخاص على أنها مس من الجن أو الشياطين، بحسب أخصائية الطب النفسي والمعالجة نهال زين، ولعل من أشهرها مثلا ما كان يعرف سابقا بـ"الهيستيريا"، التي تغيرت تسميتها فيما بعد إلى الاضطرابات التحولية ثم مؤخرًا باتت معروفة بالاضطراب العصبي الوظيفي، حيث تظهر بعض الأعراض على المريض/ ـة وظيفيا دون أن يكون لها منشأ عضوي، وفي نفس الوقت تتشابه مع أعراض عصبية أخرى. منها على سبيل المثال، حالات فقدان النطق أو عدم القدرة على تحريك الأطراف، أو مثلًا حالات الإغماء والنوبات التي تشبه الصرع، لكن دون مشاكل في المخ أو الأعصاب. كذلك بعض الأعراض الذهانية، التي تتضمن بعض الهلاوس والضلالات، مثل الاعتقاد بترقب الأذى من شخص ما. هذه الأعراض عند حدوثها قد يفسرها البعض بالأعمال والجن، التي تحتاج إلى العرض على "الشيوخ أو الكهنة" لحلها.
من ضمن هذه الاضطرابات أيضا، نوبات الهوس (manic episodes)، التي يصاحبها فرط في الطاقة أو القوة البدنية، التي لا تتميز بها الفتاة في حالتها العادية، مما قد يفسر بأن هذه القوة الهائلة مصدرها "الجن".
وتضيف د. نهال للمنصة، أن الوسواس القهري (OCD)، هو أحد الاضطرابات التي يفسرها البعض بالمس، خاصة إذا كانت وساوس دينية يصاحبها بعض التشكك حول المعتقدات الدينية للعائلة أو اتهامات بالإلحاد، فالكثير يعتقد حينها أن هذا "الوسواس هو وسواس شيطاني" وليس اضطرابًا نفسيًا. كذلك الأعراض النفسجسدية (Psychosomatic)، وهي أعراض جسدية منشأها نفسي، مثل التهاب المعدة الناتج عن اضطراب القلق، الذي قد يفترض البعض أن السبب فيه هو تناول شراب يحمل "عملًا" على سبيل المثال، ويتسبب في هذا الألم. أيضا قد تلجأ بعض الأسر إلى هذه الممارسات في حالة الأفكار الانتحارية الناتجة عن الاكتئاب الشديد، "فيقعدوها مع رجل الدين عشان يتكلم معاها ان الانتحار حرام بدل ما يقعدوها مع طبيب عشان تتعالج"، بحسبها.
"أنا بسمع قصص يندى لها الجبين بتوصل لدرجة ان في ناس ممكن يكهربوها وحاجات في منتهى الأذى" تقول الطبيبة، "من قوة الإيحاء الناس بتبقى فاكرة ان ده حقيقي"، مشيرة إلى هذه الممارسات قد تعرض بعض الناجيات للإيذاء أو الضرب أو العنف "باعتبار إن احنا هنطلع الجن أو الشبح اللي لابسك"، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى التحرش الجنسي أو الاغتصاب. وتضيف أن بعض الأسر تتعامل مع اختيارات بناتها المختلفة أو التي تخرج عن القيم أو التصور الديني للأسرة، باللجوء إلى تفسيرات بوجود خلل ما، فتلجأ الأسرة إلى عرضها على طبيب نفسي في اعتقاد أن الفتاة تحتاج إلى تعديل سلوك، في حين أنها "مش محتاجة حاجة هي شخص له توجهات مختلفة عن العائلة وده مش مرض ولا حاجة."
الجن كحماية من العنف الأسري
في المرة الثالثة، كانت "تعلمت اللعبة"، فسايرت أهلها في الذهاب إلى "الشيخ"، خوفًا من الأذى الذي سيحل بها إن لم يكن هناك "جن يسيطر عليها". كان العنف في انتظار سناء، إذا تبين أنها قد اختارت حريتها بإرادتها الكاملة، وهي في كامل قواها العقلية، أو بمعنى أدق، دون سيطرة قوة خارجية أكبر منها.
"لو طلعت معلييش عفريت فأنا بالنسبة لهم عملت فضيحة فدي كانت الحاجة الوحيدة اللي تشفعلي إنهم ما يأذونيش"، وتضيف "اللي عايزة تطلق دي فضيحة وكارثة. لو بنت قالت أنا عايزة أطلق أبوها يقولها أنتِ عايزة تفضحيني ويقولوا بنتي اتطلقت".
في النهاية، استسلمت للجلوس مع "الشيخ" الثالث، الذي شدد على ضرورة شربها 4 لترات من الماء يوميا لمدة ثلاث أسابيع، وقراءة بعض الأذكار، من أجل "فك العمل". بالإضافة إلى دهان جسمها بالكامل بزيت الزيتون، حتى لا يقترب منها الجن مرة أخرى، الذي، بحسب روايته، "يكره زيت الزيتون".
تقول سناء "خلال الأسابيع دي أنا كنت منهارة مش مستحملة كل اللي بيحصل، كل ما أعيط يفتكروا أن اللي عليا هو اللي بيخليني أعمل كده"، مشيرة إلى قناعة أهلها الكاملة بأن البكاء الذي تبكيه "سببه العفريت اللي متضايق من القرآن، وأنا مش مستحملة صوت جنبي فبعيط أكتر وهما يقروا قرآن أكتر".
التربح على هامش "الجن"
ولأن أسرة سناء اعتادت أن تعزو خروج كل النساء عن المألوف، إلى "الجن والعفاريت"، تكرر الأمر مع أمها كذلك، عندما أفصحت عن رغبتها في الانفصال عن زوجها منذ سبع سنوات تقريبًا. في ذلك الوقت، عرضتها العائلة على أحد الدجالين المعروفين لـ"فك الأعمال وإبطال السحر"، الذي طلب مبلغًا من المال قدره 300 جنيه مصري. وبالرغم من أن هذا الرقم كان يعتبر في ذلك الوقت مبلغًا كبيرًا نسبيًا بالنسبة للأسرة، لكن إنفاق الأموال كان أمرًا أهون على العائلة من "فضيحة الطلاق".
هناك طريقتان يمكن للدجال من خلالهما كسب المال، الأولى عن طريق طلبه مباشرة، كما في حالة أم سناء، والأخرى، وهي الأكثر انتشارًا، هي التظاهر بعدم تلقي الأموال، والعمل "لوجه الله" بشكل خالص، لكن من ناحية أخرى يفرض على "الزبائن" شراء المنتجات المستخدمة لإتمام المهمة من عنده، باعتبار أنها الأضمن والأفضل و"الأكثر بركة".
"لما كل حد يروحله يشتري حاجات بـ150 ولا 200 جنيه فطبعا بيكسب"، توضح سناء، مشيرة إلى أنها حاولت مرارًا إقناع أفراد العائلة بأن هؤلاء الأشخاص ما هم إلا مجموعة من "النصابين" ولا يجب تشجيع مثل هذه الممارسات، لكن لم تجد أحاديثها صدى إلا بعد مرور سنوات مليئة بالمشاكل الحياتية التي لم تجد معها تفسيرات "الجن" نفعًا.
تعزو الطبيبة النفسية نهال زين، هذه الممارسات المؤذية للنساء إلى الثقافة التي تفتقد إلى الوعي بالصحة النفسية، بالإضافة إلى "الوصمة" المصاحبة للاضطرابات النفسية، مشيرة إلى أن هذا الوصم المجتمعي منتشر في كل مكان حول العالم وليس في مصر فقط. وكون الاضطرابات النفسية قد تتأثر أحيانا ببعض العوامل البيئية والروحانية، لذلك يلجأ البعض إلى ممارسات الدجل والشعوذة، نتيجة لغياب الوعي والتثقيف النفسي. كما تشتهر هذه الممارسات في أوقات الخلافات الزوجية، فإذا كانت الأسرة رافضة للطلاق"يقولولها انك محسودة أو معمولكو عمل بالشقاق الزوجي ويقنعوها تروح للشيخ بدل ما يقترحوا مثلا انهم يروحوا لـ couple therapy". أحد المفاهيم الشائعة أيضا، بحسب د. نهال، هي "العمل بالربط"، والتي تلجأ فيها الأسرة الدجل والشعوذة لحل المشاكل الجنسية، على سبيل المثال حالات التشنج المهبلي، في اعتقاد "أنها مربوطة وإن أكيد في حد حاسدهم أو عاملهم عمل، أو الجن العاشق بيحبها فمش مخلي جوزها يقربلها فيروحوا للشيخ أو الكاهن، وده ساعات بيعرضلها لتحرش واعتداءات جنسية للأسف".
الجن لا دين له
في حين أن "الجن المسيحي" كان تفسير أهل سناء لاختيارها حريتها، كانت مريم نشأت* تتساءل حول تعاليم الكتاب المقدس التي لم تشمل التمييز ضد النساء، الذي عانت منه شخصيًا في كنيستها. وتزامنت هذه الأفكار مع ظهور أعراض الاكتئاب عليها، التي زادت حدتها على خلفية بعض الأدوية التي تناولتها أثناء فترة علاجها من مرض جلدي ما، لكنها كانت تؤثر على الحالة المزاجية لها، فأصابتها بـ"نوبات من الغضب الشديد والبكاء الهستيري، والرغبة في الموت في بعض الأحيان"، ما لم تحتمله على الإطلاق.
بالرغم من أن علاقة مريم بأهلها ظلت مستقرة لسنوات طويلة، كونها طفلة مطيعة لكل قرارات أسرتها "كنت بنت مثالية من البيت للكنيسة"، لكن راحتها لم تكن جزءًا من هذه العلاقة المستقرة، "مكنتش حاسة بأي حرية كنت دايمًا حاسة إن فيه حد منتظرني أغلط عشان يديني على دماغي، على الرغم إني متعرضتش لعنف جسدي في البيت". بالإضافة إلى أن التغير الذي طرأ على أفكارها لاحقًا خلق حالة من الارتباك وعدم الراحة بين أفراد العائلة، التي أخذت في نصحها بالصلاة والتقرب إلى الله، أو اللجوء إلى أحد الكهنة للصلاة من أجلها.
التصريح بالرغبة في العلاج النفسي كان بمثابة نقطة تحول عكرت صفو علاقة مريم بأهلها، عندما بدأت الاتهامات بالجنون، خاصة مع بداية اهتمامها بدراسة السينما، والجدال حول حقوق النساء والدفاع عن حرياتهن. "كان في دايمًا تهمة بإني خلاص لسعت أو القراية الكتير لحست مخي أو متسأليش كتير كده"، تقول مريم للمنصة، مضيفة أن أحد أشكال المضايقات التي تعرضت لها من قبل أسرتها، كان التلاعب العاطفي الذي جعلها "تتشكك في نفسها"، فضلًا عن التهديد بالمنع من الخروج من المنزل، بالإضافة إلى الإلحاح، والتهديد في بعض الأحيان، في اللجوء إلى "أبونا فلان ده راجل بركة"، الأمر الذي تقاومه أحيانًا ويثير غضبها أحيانًا أخرى " كنت بثور وأقولهم هيعمل إيه هيصليلي طب ما اصلي لنفسي ، وكنت أحيانًا بتعصب وأقول لو أجبرتوني على حاجة هروح أضربه وأطلب الشرطة".
كوكبان منفصلان
دائًما ما يثير موقف أهل مريم دهشتها، خاصة أنهم من سكان محافظة القاهرة وعلى درجة مرتفعة من التعليم، في حين أنها كانت تعتقد أن هذه الممارسات قد تحدث فقط في الأقاليم خارج العاصمة، ما جعلها تتشكك في أحيان كثيرة، "أحيانا بتلخبط وأقول ماذا لو كانوا صح، وأرجع أفوق نفسي بأن ربنا فوق كل إرادة ومشيئة وإنه اهانة كبيرة ليه إننا نقول إن حد يقدر بسحر يخترق مشيئته. ده استخفاف بيه ولعمله الخلاصي كله".
تشعر مريم أنها تعيش وأهلها في "كوكبين منفصلين مش هيتلاقوا"، لأنها تقدر حرية التفكير في الوقت الذي يقدس أهلها "الأغلال وتأليه رجال الدين". في الوقت نفسه تشفق على أسرتها التي عاشت أغلب عمرها في قناعات يصعب تغييرها إن لم توجد الرغبة في ذلك، "الحرية عمومًا بتخوف بصراحة وده قادرة أفهمه في موقف عيلتي يعني إيه تخرج بره السرب وتغرد وحدك فين لذة ودفا القطيع؟ صعبان عليا أوي رؤيتهم الضيقة جدًا للحياة ومفاهيمهم عن الله والعالم".
* الأسماء مستعارة للحفاظ على خصوصية المصادر.