في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء الموافق 4 أكتوبر/ تشرين أول 2016، أعلنت وزارة الداخلية المصرية "تصفية" قياديين بجماعة الإخوان المسلمين، وهما محمد كمال المنسوب إليه المسؤولية عن العمليات النوعية "التفجيرات" بالجماعة ووزميله ياسر شحاتة.
أعلن بيان التصفية بعد ساعات قليلة من نشر صحيفتي الشروق واليوم السابع خبرًا يفيد بالقبض على القيادي الإخواني، قبل أن يعلن بيان وزارة الداخلية تصفيته وزميله بعدها بساعات.
ليست هذه المرة الأولى التي تعلن فيها وزارة الداخلية "تصفية" مواطنين لاتهامهم بالمسؤولية عن اغتيال النائب العام السابق هشام بركات أو محاولة اغتيال الشيخ علي جمعة، أو عمليات "إرهابية" أخرى.
ففي يوم السبت الموافق 2 أبريل/نيسان الماضي، أصدرت الوزارة بيانًا مشابهًا أعلنت فيه عن تصفية أحد المتهمين بالانتماء لتنظيم أجناد مصر، وإصابة ضابطين، في تبادل إطلاق نار بمنطقة الوراق بمحافظة الجيزة. وقبلها وفي يوم الخميس الموافق 26 مارس/آذار ، أعلنت الداخلية تصفية "خلية إجرامية" مسؤولة عن مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني، في تبادل لإطلاق النار، أثناء مداهمة شقة شقيقة أحد أعضاء الخلية التي تقع بمنطقة التجمع الأول في ضاحية القاهرة الجديدة.
من جانبها رفضت السلطات الإيطالية رواية الداخلية المصرية التي ذكرت العثور على مقتنيات وجواز سفر ريجيني في الشقة المُداهَمة. واعترفت السلطات المصرية لاحقًا بأن هناك شكوك قوية حول حقيقة علاقة المقتولين الخمسة بمقتل طالب الدكتوراة الإيطالي.
قبل شهر، في 2 فبراير/شباط، نقلت وسائل الإعلام المصرية وقائع عملية قتل أخرى على يد قوات الأمن تحت اسم "تصفية". فأسفرت عملية تبادل لإطلاق النار استمرت نحو 6 ساعات عن مقتل شخصين وإلقاء القبض على ثالث، بينما أصيب شرطيان في مداهمة أمنية لشقة سكنية في منطقة حدائق المعادى.
وبالتزامن مع الذكرى الخامسة للثورة المصرية، خلفت حالة الاستنفار الأمني التي عاشتها البلاد، واقعتيّ "تصفية"، دوهمت خلالهما شقة في مدينة 6 أكتوبر، وأخرى في كرداسة، وقُتِل خلالها محمد عبد الحميد عبد العزيز ، في تبادل لإطلاق النيران. ودائما ما تختم الوزارة البيان الرسمي بالإشارة إلى "إتخاذ الإجراءات القانونية حيال الواقعة وإخطار النيابة العامة لمباشرة التحقيقات". وأعلنت النيابة بعد مباشرتها للتحقيقات في واقعة أكتوبر أن القتيلين وراء تنفيذ عدد من عمليات استهداف ضباط الشرطة في بني سويف، حسب المنشور في مواقع صحفية مصرية.
ينتمي قتلى عمليات "التصفية" التي تقع في إطار الملاحقات الأمنية خارج منطقة شمال سيناء المضطربة أمنيا، إلى تنظيمات متشددة مثل أنصار بيت المقدس و أجناد مصر، ولكن كثير ممن أعلن عن تصفيتهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين الذين تتهمهم وزارة الداخلية بالمشاركة أو التخطيط في عمليات إرهابية، وهو الأمر الذي تنكره الجماعة التي يحاكم معظم قياداتها بعد الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.
في الوقت الذي تحرص فيه بعض وسائل الإعلام المصرية على الالتزام بنشر الرواية الرسمية للداخلية، من خلال وصف القتلى بالإرهابيين، مع إضافة بعض الأوصاف الحماسية لأجواء المواجهات المسلحة، مثل "الداخلية تواصل اصطياد الإرهابيين"، كانت منظمة حقوقية دولية تحذر من أن العمليات تمثل "قتل خارج إطار القانون".
محافظة أكتوبر، كانت مسرحًا لعمليتي"تصفية" في يوليو 2015، ويناير/كانون الأول 2016. وفي تقريرها عن عملية التصفية الأولى التي خلفت 10 قتلى من أعضاء الجماعة، منهم ناصر الحافي البرلماني السابق، قالت هيومان رايتس ووتش إنها تحدثت مع 11 من أقارب المتوفين وشهود آخرين على دراية بالواقعة، وأفادوا أن قوات الأمن قامت باعتقال القتلى واستجوبتهم وحصلت على بصماتهم قبل قتلهم مما ينفي ما قاله بيان وزارة الداخلية حول مقتله خلال عملية تبادل إطلاق نيران.
https://www.facebook.com/MoiEgy/photos/a.922527107790953.1073745938.181662475210757/922527114457619/?type=3&theater
غياب الرصد
رغم استمرار عمليات الملاحقة والتصفية على مدار العام الماضي، لا يوجد رصد تبع هذه الحالات سوى من مبادرة "دفتر أحوال" التي رصدت بشكل إحصائي عدد تلك العمليات ومواقعها الجغرافية. وبلغ عددها 21 واقعة، ضد 45 مواطنًا في الفترة الزمنية 1 يناير 2015 حتى 11 أكتوبر/تشرين أول 2015. ولكن التقرير الإحصائي اشتمل على عمليات القتل نتيجة المداهمات والملاحقة، الموت نتيجة انفجار المواد المستخدمة في التخطيط للعملية الإرهابية، ولم يضم العمليات التي وقعت في محافظتي شمال وجنوب سيناء، بسبب "عدم توفر معلومات كافية ولاختلاف طبيعة ونوعية الوقائع والأحداث هناك".
ومع ضم واقعتين أخريين لم يشملهم التقرير بسبب عدم توافر معلومات عن أسماء القتلى، ورواية أخري لها غير بيان وزارة الداخلية، يصبح إجمالي عمليات التصفية 23 واقعة.
وبلغ عدد العمليات التي تمت فقط تحت مسمي "مداهمة وملاحقة ومطاردة" 18 عملية، وقعت خلالها حالات وفاة نتيجة الإصابة بأعيرة نارية، عدا حالة واحدة؛ لقى خلالها مواطن مصرعه أثناء محاولته الهروب من النافذة. وقال تقرير مبادرة دفتر أحوال؛ أن الحالات الثلاث الأخرى تضاربت فيها روايات وفاة المواطنين، بين رواية الداخلية، وأسر القتلى.
شمل النطاق الجغرافي لعمليات التصفية 8 محافظات مختلفة، وترتيبها حسب عدد الوقائع هو: القاهرة، الجيزة، الفيوم، الإسكندرية، بني سويف، الشرقية، البحيرة، ودمياط. أما عن أماكن وقوع العمليات، فتنوعت بين الشقق السكنية التي قُتِل فيها 27 شخصًا، والأراضي الزراعية التي قتل فيها 5 آخرين، وحالة واحدة لقي فيها شخص مصرعه بالطريق العام.
كما حدثت الوقائع كلها في عهد وزير الداخلية الحالي مجدي عبد الغفار الذي تولى منصبه في مارس/ آذار 2015، عدا واقعتين فقط؛ لقى خلالهما 3 مواطنين مصرعهم في عهد وزير الداخلية السابق محمد إبراهيم. وكان شهر سبتمبر/أيلول هو الأعلى في عدد وقائع القتل دون محاكمة، يليه شهر أغسطس/آب من عام 2015، بعدد بلغ 5 و 4 حالات تصفية على التوالي. وجاء فبراير أقل اشهر فترة الرصد مسجلا واقعة واحدة.
في الفترة الزمنية اللاحقة لما رصده تقرير "دفتر أحوال"، 12 أكتوبر 2015 حتى 3 أبريل/نيسان 2016، بلغ عدد عمليات القتل دون محاكمة، نحو 13 واقعة حسب البيانات الرسمية. وتنوعت الكيانات التي ينتمي إليها القتلى ما بين جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمي أجناد مصر وأنصار بيت المقدس، ومتهمين بقتل ضباط مصريين.
من أبرز الوقائع التي شهدها العام الماضي: مقتل المتورط في محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، في مطاردة بالأسلحة النارية في منطقة المرج بالقاهرة، وهو أشرف علي علي حسنين الغرابلي، مسؤول تنظيم أنصار بيت المقدس الإرهابى بالمنطقة المركزية ومنطقة الواحات البحرية.
وبدأ العام الجديد بعملية تصفية جديدة لثلاثة مواطنين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، علي خلفية اتهامهم بمحاولة اغتيال رئيس جامعة الزقازيق. ولقي الثلاثة حتفهم في تبادل إطلاق النيران، حسب البيان الرسمي لوزارة الداخلية، الذي تناقض مع رواية الأهالي التي أكدت تعرضهم للتعذيب قبل إطلاق النار عليهم.
وبعد أيام قليلة من مداهمة شقة المعادي، وتحديدا في 7 فبراير/شباط، قامت أجهزة الأمن المصرية ب"تصفية" 4 أشخاص تابعين لـما يعرف بتنظيم "أجناد مصر"، بعد تبادل إطلاق نار في منطقة أطفيح الريفية في محافظة الجيزة.
وفي شهر مارس/آذار، بلغت عدد عمليات التصفية، أربعة، إذ قتلت قوات الأمن كلًا من محمد جودة، ومساعده الشهير بكوريا؛ المتهمين بقتل المقدم مصطفى لطفي، رئيس مباحث شبرا الخيمة أثناء تبادل إطلاق النار عند اختبائهما في أحد الأوكار بالقاهرة، في منطقة شبين القناطر، بمحافظة القليوبية. كما صفت أجهزة الأمن، عماد الصعيدي، أحد المتهمين الهاربين في واقعة قتل ضباط مركز كرداسة، في مداهمة لشقته في منطقة الهرم بمحافظة الجيزة.
وقعت تلك العمليات في نطاق جغرافي شمل 5 محافظات، ترتيبهم حسب عدد العمليات: الجيزة (5)، القاهرة (4)، الإسماعيلية (1)، بني سويف (1)، الشرقية (1)، والقليوبية (1). وكانت شهور أكتوبر ويناير ومارس الأعلى من حيث عدد العمليات.