رافقت عبارات الترحيب الحذر التي استقبل بها سياسيون وقانونيون إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم أمس الاثنين عدم تجديد حالة الطوارئ المعلنة في مصر منذ عام 2017، تحذيرات من أن بعض الإجراءات الاستثنائية التي كانت ترافق إعلان حالة الطوارئ قننت في تشريعات أخرى صدرت خلال السنوات الماضية، وجدالات حول مصير القضايا التي أحيلت إلى محاكم أمن الدولة الاستثنائية التي لا تباشر عملها في الأحوال العادية.
وأعلنت حالة الطوارئ في مصر منذ أبريل/ نيسان 2017، بعد حادثي تفجير متزامنين استهدفا كنيسة مارجرجس بمدنية طنطا بمحافظة الغربية، والكنيسة المرقسية بمحافظة الإسكندرية، أثناء احتفال المسيحيين المصريين بأحد السعف (الشعانين)، وأسفرا عن مقتل أكثر من 40 شخصًا وإصابة العشرات.
ويعني إعلان حالة الطوارئ، تطبيق قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وهو قانون يسمح للسلطة التنفيذية باتخاذ عدد من الإجراءات الاستثنائية في حالات الحرب أو الاضطرابات الداخلية أو الكوارث العامة أو انتشار الأوبئة، تتعلق بحقوق المواطنين وتفتيشهم ومراقبتهم وحظر تجمعاتهم ومظاهراتهم، كما يطلق يد الأجهزة ا لأمنية في اتخاذ "ما يلزم" لمواجهة "أخطار الإرهاب".
وعاشت مصر حالة مستمرة من الطوارئ منذ اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1981 وحتى نهاية عصر خلفه حسني مبارك على وقع ثورة 25 يناير، ليعود العمل به مجددًا في عام 2017 وحتى إعلان السيسي قراره بعدم التجديد، وذلك لأن مصر، حسبما ذكر في بيانه "باتت واحة للأمن والاستقرار في المنطقة".
نهاية الاستثناء؟
سياسيون ومحامون تحدثت إليهم المنصة، رأوا في الإعلان الرئاسي نهاية لـ"استثناء" استمر لسنوات عديدة حتى صار أمرًا عاديًا، ولكنهم لفتوا إلى أن الأمر ليس على هذه الدرجة من الإيجابية، لأسباب تتعلق بمنظومة التشريعات وما طرأ عليها على مدار السنوات الماضية.
فالمحامي لدى المحكمة الجنائية ناصر أمين يوضح أن القرار "يقضي بالضرورة بعدم العمل بقانون الطوارئ، لأنه قانون مُرتبط وجودًا وعدمًا بحالة الطوارئ نفسها"، ولكنه سرعان ما يستدرك قائلًا إنه "في الحقيقة، هذا القرار ليس على ما يراه البعض من أهمية، لأنه في الواقع لم يعد هذا القانون هو الخطر أو التهديد للناس، بعد أن تم تفريغ مضمونه في قوانين أخرى مثل الإرهاب، والكيانات الإرهابية، والجرائم الإلكترونية".
وأضاف "وبهذا، لم يعد قانون الطوارئ كما كان في الماضي هو وحده ما يبيح الإجراءات الاستثنائية، فوجه الخطورة الآن هو أن ما كان يفرضه هذا القانون في ظل حالة استثنائية، أصبح ممثلاً وحاضرًا في قوانين طبيعية دائمة في تطبيقها. ولهذا، لا يوجد أمر إيجابي فيما حدث سوى نوع المحاكم التي ستنظر الجرائم والقضايا، إذ ستصبح من جديد محاكم الجنايات بدلاً من أمن الدولة العليا".
لكن، وفيما يخص هذه المحاكم، لفت أمين إلى أمر آخر بقوله "ورغم ذلك، ما تزال الخطورة قائمة، لأنه من الممكن أن يُحال المتهم إلى محكمة أخرى هي الإرهاب، بموجب قانوني الإرهاب والكيانات الإرهابية، اللذين يتضمنان تقريبًا نفس ما ورد في قانون الطوارئ من أحكام واستثناءات".
وكان أمين يشير إلى دوائر محكمة استئناف القاهرة التي خصصها قانون "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين" الصادر عام 2015 لنظر طلبات النيابة العامة إدراج الكيانات والأشخاص في "قوائم الإرهاب"، دون إتاحة الفرصة أمام الكيانات والأشخاص المدرجة أسماؤهم في هذه القوائم للدفاع عن أنفسهم أمام المحكمة، وتمكينهم فقط من الطعن على هذه القرارات أمام محكمة النقض التي تراقب فقط صحة تطبيق محكمة الموضوع للقانون ولا تتطرق في حكمها إلى تفاصيل القضية نفسها ولا تنظر في دفوع أطرافها.
ويتفق المحامي محمد عيسى مع ما ذهب إليه أمين إذ أوضح للمنصة "كنت دائمًا أرى أنه لا داعٍ لهذه الحالة (الطوارئ)، نظرًا لوجود قوانين كانت تؤدي الغرض، مثل قانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015، وقانون مكافحة الإرهاب 94 لسنة 2015".
وأمام هذه المخاطر، يشدد المحامي والسياسي أحمد فوزي وهو الأمين العام السابق للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، على أهمية اتخذا إجراءات يمكن معها الشعور بتبدّل الأحوال بالفعل، وتتمثل في "أن تنظر القضايا محاكم عادية وليست محاكم إرهاب، وأن يصدر عفو رئاسي عن أي ناشط سياسي صدرت بحقه أحكام من محكمة الطوارئ في ظل عدم وجود درجات تقاضي باستئناف ونقض، وأن يتم إخلاء سبيل المحبوسين احتياطيًا، وإلغاء العقوبات التكميلية من تدابير احترازية أو خضوع للمراقبة".
غير أن فوزي أكد في الوقت نفسه أن "القرار جيد، لأنه لا يُعقل أن نظل في حياة استثنائية طيلة عمرنا. والقرار ده كان دائمًا على أجندتنا كسياسيين وبنطالب به طول الوقت، خاصة وإننا مستمرين على هذا الحال منذ 1981، باستثناء فترات قصيرة".
بالمثل، اعتبر محمد أنور السادات، البرلماني السابق ومنسق مجموعة الحوار الدولي، أن هذا القرار "يعكس جدية الدولة في تنفيذ بنود الاستراتيجية الوطنية وتحقيق ما تحدثت عنه".
وأكد السادات أن تبعات هذا القرار "ستؤثر إيجابيًا على ملف المحبوسين وسجناء الرأي وتحقيق مزيد من الانفراجة، بالإضافة لخدمة العديد من الملفات الأخرى منها الاستثمار والسياحة والتنمية في مصر، وسيبعث برسالة طمأنينة بأن مصر دولة أمنة ومستقرة".
الترحيب جاء أيضًا من المحامي محمد فتحي، الذي قال للمنصة عن العودة للحالة الطبيعية "هذه بالأساس الحالة الدستورية العادية وفقًا للدستور الجديد، الذي يقضي بأن فرض مثل هذه الحالة الاستثنائية يكون لفترة واحدة، ومن الممكن أن يتم تكرارها مرّة واحدة عكس ما كان في الدستور السابق. لكن للأسف، كان يتم التحايل على الأمر بتفويت يوم واحد بعد انتهاء فترة الطوارئ، ثم إعلانها مجددًا".
وكان من بين ما نصّت عليه المادة 154 من الدستور المصري أن "يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه"، وأنه "في جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس".
مزايا قضائية
بإنهاء حالة الطوارئ؛ يقف سريان قرار رئيس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 بإحالة بعض أنواع الجرائم إلى محاكم الطوارئ، وتصبح هذه الجرائم المذكورة في قوانين أبرزها التجمهر والعقوبات، من جديد، ضمن اختصاصات محاكم الجنح والجنايات، ومن بينها "التظاهر والتجمهر، والترويع والتخويف والبلطجة، والتدليس والغش، والأسلحة والذخائر، وجرائم التموين، ومخالفات البناء، والاعتداء على الأراضي الزراعية".
كذلك من بين الجرائم التي لن تنظر أمام محاكم أمن الدولة "الاعتداء على حرمة أماكن العبادة، والاعتداء على حرية العمل، وتخريب المنشآت، القتل أو الإصابة الخطأ، وجرائم أمن الدولة من الداخل والخارج، وأخرى متعلقة بهيئة السكة الحديدية ومحرراتها وأموالها".
ويشرح المحامي محمد عيسى المزيد عن الحالة الاستثنائية التي كان يفرضها إعلان حالة الطوارئ قائلًا إنها "كانت تمنح مأمور الضبط القضائي صلاحيات كثيرة فيما يتعلق بالاشتباه وتفتيش المواطنين والمنازل بشكل أوسع مما ورد في قانون الإجراءات الجنائية"، مُضيفًا للمنصة و"كذلك لم تكن تلزم ممثلي السلطات بعرض المتهمين على النيابة خلال 24 ساعة، وكان من الممكن أن يبقى الشخص قيد الحبس دون تحقيق أو توجيه اتهامات لأسبوع أو أكثر.
ويشير عيسى إلى أهمية أن "تتوقف محاكم الطوارئ عن محاكمة المواطنين، حتى لو ارتكب متهمون جدد الاتهامات نفسها التي كانت تنظرها، ولهذا الأمر نتائجه الإيجابية، إذ سيصبح من حق المحامي وموكله تداول القضية أمام درجات تقاضي الاستئناف والنقض".
ترحيب المحامين بهذا القرار كان جماعيًا فيما يبدو إذ وصفه المحامي محمد فتحي بأنه "قرار ذو آثار عظيمة فيما يخص المحاكم وتشكيلها. فلن يصبح هناك محاكم أمن دولة طوارئ، إلا للقضايا التي تم إحالتها لها بالفعل قبل صدور هذا القرار، كما في حالة قضية علاء عبد الفتاح ويحيى حسين عبدالهادي وزملائهما. فما تم قد تم بالفعل، والقرار يسري على القضايا في المستقبل".
.. وجدل المحاكمات
ولكن مصير القضايا التي أحيلت بالفعل إلى محاكم أمن الدولة الاستثنائية ظل محل جدل من المحامين في ظل عدم وجود سابقة تتعلق بإنهاء حالة الطوارئ بالتزامن مع وجود إحالات قضائية لمثل هذه المحكمة.
فبينما يرى المحاميان فتحي وعيسى، ويتفق معهما المحامي خالد علي الذي أكد عبر فيسبوك أن "القضايا التي لم تصدر النيابة قرار بإحالتها للمحاكمة، عندما تحال بداية من الغد تكون المحاكمة أمام القضاء العادى وليس أمن الدولة طوارئ" وفقًا للمادة 19 من قانون الطوارئ التي تنص على "عند انتهاء حالة الطوارئ تظل محاكم أمن الدولة مختصة بنظر القضايا التي تكون محالة إليها وتتابع نظرها وفقًا للإجراءات المتبعة أمامها".
وأضاف علي "أما التي صدر بشأنها قرارات حتى تاريخ اليوم بإحالتها للمحاكمة أمام الطوارئ؛ تظل محاكم أمن الدولة طوارئ هي التي تنظرها، وينطبق عليها قانونها رغم إنهاء حالة الطوارىء اليوم".
وفي مقابل رأي المحامين الثلاثة، ذهب قانونيون آخرون إلى أن عدم الإحالة لمحكمة أمن الدولة طوارئ لا يكون فقط للقضايا التي مازالت قيد التحقيق، بل إنه حتى القضايا المحالة بالفعل إلى محكمة أمن الدولة طوارئ، يجب أن يتم إحالتها إلى المحاكمات العادية بعد صدور قرار اليوم، طالما لم يصدر فيه حكم حتى الآن، وذلك استنادًا إلى قاعدة وجوب تطبيق القانون الأصلح للمتهم.
هذا الرأي استند أصحابه إلى أن المقصود من نص المادة 19 من قانون الطوارئ، هو "القضايا المختصة بها محاكم أمن الدولة أصلًا، بينما تتحدث الثانية عن القضايا التي تمت إحالتها لهذه المحكمة حال فرض حالة الطوارئ رغم كونها ليست من اختصاصها، لكنها أحيلت لها بموجب القانون والحالة المفروضة".
من بين من يذهبون في تفسير المادة 19 بهذه الصورة المحامي سامح سمير، الذي طالب في حديثه إلى المنصة بمد الآثار القانونية المترتبة على القرار ليستفيد منها المتهمين الذين تجري محاكمتهم في الوقت الحالي أمام محاكم أمن الدولة العليا طوارئ، والذين لم تصدر ضدهم أحكام في هذه القضايا، وذلك "تطبيقًا للقاعدة القانونية الخاصة باللجوء إلى القانون الأصلح للمتهم".
ويوضح سمير أن "الأثر الأكيد المترتب على إلغاء حالة الطوارئ في الوقت الحالي هو عدم إحالة النيابة العامة لأية قضايا جديدة لنظرها والفصل فيها أمام تلك المحاكم"، مستدركًا "أما القضايا التي أحيلت فعليًا لمحاكم أمن الدولة طوارئ في ظل سريان حالة الطوارئ، فأظن أن يتم استمرار نظرها أمام تلك المحاكم استنادًا إلى أنها أحيلت في ظل العمل بحالة الطوارئ على أن يستمر ذلك حتى الفصل فيها".
واستدرك المحامي بقوله "إلا أنني أرى أن الأصل القانوني الحاكم لتلك المسألة هو إعمال قاعدة القانون الأصلح للمتهم، والتي يفترض معها عند صدور قانون جديد حتى ولو لم يكن ناسخًا للقانون السابق عليه، أن يتم تطبيق الأصلح للمتهم، والذي يعدّ في هذه القضايا هو محاكمتهم أمام قاضيهم الطبيعي، خاصة وأن قضاة محاكم أمن الدولة عليا طوارئ لديهم سلطة مطلقة في إصدار أحكام عقابية لا يجوز الطعن فيها بأي شكل".
وأكد سمير أنه سيدفع في القضايا التي ترافع فيها عن متهمين في هذا النوع من القضايا بـ"عدم اختصاص القاضي بنظرها"، وذلك "استنادًا إلى أنه لا يعد القاضي الأصلح للمتهم في ظل إلغاء سريان حالة الطوارئ".
ترقّب سياسي
على الصعيد السياسي، كان اختلاف وجهات النظر حاضرًا أيضًا، بين متفائل بالقادم ومن يرى أن الأوضاع لن تتغير كثيرًا عما هي عليه الآن.
لا يعتقد المحامي أحمد فوزي "أنه سيكون هناك براح بالقدر الكافي لممارسة الحياة السياسية في صورة تظاهرات أو احتجاجات ميدانية ضد أوضاع لا تروق للمواطن"، مضيفًا "لكن المهم والمطلوب هو خلق مساحات فعلية للأحزاب والقوى السياسية للظهور في الإعلام دون خوف أو ترهيب من نشر أو إذاعة شيء يتسبب في مطاردتهم باتهامات مثل نشر أخبار كاذبة، وخلق مساحة لها للتواصل مع الجمهور وعرض برامجها وممارسة أنشطتها السلمية، مع فتح الباب للمواطنين للانضمام إليها، وكذلك مشاركتهم في انتخابات المحليات وغيرها. في النهاية، ضمان حرية الرأي والتعبير للجميع".
ما يدعو إليه فوزي هو نفسه ما يتمناه ويتفاءل بقربه السادات، البرلماني السابق الذي يرى في هذا القرار أنه "سيفتح الباب ويهيئ المناخ للممارسة السياسية خلال الأيام المقبلة، وأيضًا الحريات النقابية، والحق في التعبير"، معتبرًا أن الوقت الحالي يحمل في طياته "فرصة ذهبية يجب البناء عليها وتوقع المزيد في ظل ما تتحدث عنه الدولة حول الاستقرار واستعادة عافيتها، والتنحي عن لغة الخطاب التي تعرقل المزيد من القرارات الإيجابية في ملفات عدة".
وأشار السياسي إلى إنه يتابع حاليًا ردود الفعل محليًا ودوليًا، ويتوقع "مزيدًا من الانفتاح ومزيدًا من قرارات إخلاء السبيل في قضايا سياسية وإفراجات في محاكمات"، مطالبًا بـ"الانتظار، من أجل تحقيق المزيد من المكتسبات، والوصول في النهاية لدولة مدنية ديمقراطية حديثة، يسودها العدل وسيادة القانون".
ما يتحدث عنه السادات بسعادة وتفاؤل، هو الأمر الذي نفى للمنصّة أن يكون سببه "رسائل سلبية" عن مصر عاد بها من واشنطن خلال زيارته لها قبل أسابيع، مؤكدًا أن الزيارة "كانت ناجحة جدًا، وعاد منها برسائل طمأنينة حملها جميعها للإدارة المصرية المتمثلة في كافة مؤسساتها".
وأشار إلى أن الزيارة التي استمرت 15 يومًا "شملت الحديث عن الاستراتيجية الجديدة والتحسن في ملف حقوق الإنسان، والذي قدّره الأمريكيون".
واختتم السياسي بقوله عن تلك الزيارة إن الرسائل التي خرجت منها "جاءت بانتظار لرؤية بنود الاستراتيجية تتحقق على أرض الواقع، ولرؤية المزيد من التحسن في مجال الحقوق والحريات، وحول ما يجب أن يتم من إصلاحات في الفترة المقبلة، وهو الجزء المتعلق بتعليق 130 مليون دولار من المعونة الأمريكية، والمرهون بهذا التحسن الذي تسعى الولايات الأمريكية الشعور به على أرض الواقع".