أدانت ثماني منظمات حقوقية التعديلات التي أدخلتها السلطات المصرية قبل أيام على القانون رقم 162 لسنة 1958، المعروف باسم قانون الطوارئ، واعتبرته "استغلالًا من الحكومة لجائحة كورونا كمبرر لتعديله، بما يعزيز سلطة أفراد القوات المسلحة على المدنيين".
وأكدت المنظمات، في بيان مشترك صدر عنها، اﻷحد 10 مايو/ أيار، أن قانون الطوارئ "المطبق بشكل شبه دائم منذ مايو 2017 لا يحتاج لأية تعديلات إضافية لمواجهة جائحة كورونا أو غيرها من حالات الطوارئ".
ما هي التعديلات؟
نشرت الجريدة الرسمية، في عددها الصادر الخميس الماضي، عددًا من التعديلات في مادتين تناولتا في بنودهما عدّة إجراءات متعلّقة بالأمور الحياتية والمعاملات المادية، في ظل جائحة كورونا، وقد دخلت هذه التعديلات حيّز التنفيذ بعد تصديق رئيس الجمهورية عليها.
وكان من أبرز التعديلات المُدخلة على القانون تعطيل الدراسة بدور الحضانة وكذلك أي تجمعات للطلبة، واتخاذ ما يلزم من تدابير بشأن امتحانات العام الدراسي، وكذلك تعطيل العمل لمدد محددة، جزئيًا أو كليًا، في الوزارات والهيئات الحكومية وشركات وهيئات القطاع العام، وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص.
وتقرر أيضًا "تقييد الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات والاحتفالات وغيرها من أشكال التجمعات، مع جواز تقييد الاجتماعات الخاصة"، وكذلك "إلزام القادمين للبلاد من الخارج بالخضوع لإجراءات الحجر الصحي، وفقًا للاشتراطات الصحية التي تقررها الجهات المختصة".
ونصّت التعديلات على "حظر تصدير بعض السلع والمنتجات إلى خارج البلاد، ووضع قيود على تداول بعض السلع والمنتجات أو نقلها أو بيعها أو حيازتها، وتحديد سعر بعض الخدمات أو السلع أو المنتجات".
شملت التعديلات جوانب تتعلق بالمعاملات المادية، من قبيل تأجيل سداد مقابل خدمات الكهرباء والغاز والمياه، جزئيًا أو كُليًَا، أو تقسيطها، ومد آجال تقديم الإقرارات الضريبية، أو مد آجال سداد كل أو بعض الضرائب المستحقة لمدة لا تجاوز ثلاثة أشهر قابلة للتجديد لمدة أخرى مماثلة، دون مقابل تأخير أو ضريبة إضافية، وتقسيط الرسوم ومقابل الانتفاع بأي من الخدمات التي تقدمها الدولة.
وفيما يتعلّق بالإعانات، أقرت التعديلات في ثلاثة بنود تحديد طريقة جمع التبرعات المالية والعينية لمواجهة الحالة الطارئة، وقواعد تخصيص هذه التبرعات والإنفاق منها، وتقرير مساعدات مالية أو عينية للأفراد والأسر، وتحديد القواعد الخاصة بالصرف منها، وتقرير الدعم اللازم للبحوث العلاجية.
وأخيرًا، بموجب التعديلات صار من الممكن "إلزام بعض أو كل المستشفيات الخاصة والمراكز الطبية التخصصية والمعامل، في حالات الطوارئ الصحية ولمدة محددة، بالعمل بكامل أطقمها الفنية وطاقتها التشغيلية لتقديم خدمات الرعاية الصحية بصفة عامة أو لحالات مرضية مشتبه في إصابتها بأمراض محددة، وذلك تحت الإشراف الكامل للجهة الإدارية التي يحددها رئيس الجمهورية".
صلاحيات للعسكريين
لم تخل النصوص الجديدة من أمور تتعلق بالمؤسسة العسكرية، إذ تصدّرت التعديلات، في أول موادها (4 فقرة 1) التي منحتها عددًا من الصلاحيات، كان أولها أن "تتولى قوات الأمن أو القوات المسلحة تنفيذ الأوامر الصادرة من رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه. فإذا تولت القوات المسلحة هذا التنفيذ يكون لضباطها ولضباط الصف بها اختصاصات مأموري الضبط القضائي".
ونصّ التعديل أيضًا على أن "تختص النيابة العسكرية بالتحقيق في الوقائع والجرائم التي يتم ضبطها بمعرفة القوات المسلحة"، وعلى أنه كذلك "يجوز لرئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه أن يسند الاختصاص بالتحقيق الابتدائي في الجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام هذا القانون إلى النيابة العسكرية".
واختتمت التعديلات الصلاحيات الممنوحة للعسكريين، بالنصّ على أنه "مع عدم الإخلال باختصاصات النيابة العسكرية، تختص النيابة العامة في جميع الأحوال دون غيرها بالتصرف النهائي في التحقيق".
"تخريب" العدالة
في بيانها المشترك، أدانت المنظمات ومنها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير التعديلات، واعتبرت أن من شأنها "التوسع في التحقيق ومحاكمة المديين أمام القضاء العسكري"، مُعربة عن استيائها من "استمرار تغاضي وصمت مجلس القضاء الأعلى والهيئات القضائية على هذه التعديلات التي تعصف باستقلال القضاء".
حدد قانون الإجراءات الجنائية، فئات لها صفة مأموري الضبط القضائي، وتحدّث عن مهامهم وواجباتهم، ونص على منح وزير العدل وبالاتفاق مع الوزير المختص، حق تخويل بعض الموظفين صفة مأموري الضبط القضائي بالنسبة إلى الجرائم التي تقع في دائرة اختصاصهم وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم، وفي هذه الحالة "يحق لهم البحث عن الجرائم ومرتكبيها، وجمع الاستدلالات التي تلزم للتحقيق والدعوى".
ورأت المنظمات في تعديلات قانون الطوارئ أنها "جاءت بالأساس لتعزيز سلطة أفراد القوات المسلحة على المدنيين بمنحهم سلطة الضبطية القضائية"، وكذلك بما منحته لرئيس الجمهورية والنيابة العسكرية من صلاحيات "تُهدر حق المواطن الدستوري في المحاكمة أمام قاضيه الطبيعي".
وشددت المنظمات الحقوقية على أن "هذه التعديلات على قانون الطوارئ المطبق بشكل شبه دائم منذ 2017، خطوة أخرى في سبيل التخريب المنهجي لمؤسسة العدالة منذ عام 2013 وحتى الآن، بداية بإصدار قانون بتشكيل دوائر الإرهاب 94 لسنة 2015، وتعيين قضاتها والتحكم في اختصاصها، وصولاً إلى توظيف الملاحقات والأحكام القضائية في الانتقام من الخصوم السياسيين والتنكيل بهم".
وفقًا لما وثّقته المنظمات، شهدت الأعوام الماضية إجراءات أخرى تعزز الصلاحيات العسكرية، ومنها "صدور قانون حماية المنشآت العامة 136 لسنة 2014 الذي أباح التوسع في محاكمة المدنيين عسكريًا، والقانون 77 لسنة 2019 الذي أجاز لرئيس الجمهورية التدخل في اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وتحصين هذا الاختيار في التعديلات الدستورية الأخيرة".
"بوّلسة الدولة"
يعلّق المحامي جمال عيد، مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، على التعديلات الاخيرة بقوله إنها "من الناحية القانونية لها جانب سلبي، يتمثّل في أن يؤثر الوضع الاستثنائي متمثلًا في حالة الطوارئ وقانونها وإجراءاتها على الوضع والمسار الطبيعي؛ وتتراجع إمكانية المثول واللجوء للمحاكم الطبيعية باعتبارها حَكَم بين المواطنين بعضهم بعضًا وبينهم وبين سلطات الدولة الأخرى لصالح القضاء الاستثنائي وقوانينه".
وأضاف عيد للمنصّة "أما البُعد الحقوقي، فهو أن هذه التعديلات تؤثر سلبيًا على الوضع العام، إذ يؤدي مع الوقت إلى بوّلسة الدولة بخطوات وإجراءات متتابعة، تتمثل في منح حقوق وصلاحيات وامتيازات قضائية وشُرطية لفئات مختلفة من المجتمع وبصورة تتحول معها الدولة البوليسية من مصطلح يُستخدم في معرض انتقاد الانتهاكات الحقوقية إلى أمر واقع بوجود مخبر لكل مواطن في مختلف مناحي الحياة".
العسكريون ليسوا الفئة الوحيدة التي مُنحت صفة الضبطية القضائية، إذ سبقهم فئات أخرى تقرر منحها الحق نفسه على مدار اﻷعوام الماضية، وكان منهم بعض العاملين شاغلي الإدارة العُليا بشركات توزيع الكهرباء التابعة للشركة القابضة لكهرباء مصر، وذلك بموجب القرار 5485 لسنة 2019، والصادر عن وزارة العدل في 29 سبتمبر/ أيلول 2019.
وفي العام الجاري، سبق العسكريين أيضًا في الحصول على صفة مأموري الضبط القضائي، بعض العاملين في شركة الشرب والصرف الصحي بمحافظة الدقهلية، وكان ذلك بالنسبة للجرائم المتعلقة بعملهم من قبيل "تنظيم الموارد العامة للمياه، وقواعد صرف المخلفات السائلة"، وقبلهم بثماني أعوام مُنح الحق نفسه لعاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات.
يُعقّب مدير الشبكة العربية على هذا اﻷمر بقوله "بينما تتجه الدول التي تحترم حقوق الإنسان لتقليل حالات القبض والاعتقال، نجد أن عقلية تأديب الشعب التي تتعامل بها السُلطات هنا تدفعها إلى زيادة مساحة الرقابة عليه، بمنح هذه الصفة ذات الامتيازات الشُرطية إلى فئات أخرى بموجب القانون، فيصبح لصالح فئات وظيفية عادية صلاحيات بوليسية واسعة بدون أي التزامات أو رقابة عليها؛ ستؤدي إلى تجاوزات قد تصل إلى أن يتم القبض على مواطن لمجرد التنكيل أو الانتقام، وليس دون دوافع وأدلة قانونية واضحة".
بالمثل، لفت بيان المؤسسات الحقوقية إلى تزامن تعديلات قانون الطوارئ مع قرارات اقتصادية "قد يعزز من احتمالية توظيف هذه التعديلات في إطار الطوارئ لمواجهة أية مساعٍ مشروعة أو انتقادات محتملة لهذه القرارات، وإحكام القبضة الأمنية لكبح جماح أية اعتراضات عليها".
وأشار البيان إلى أن مجلس النواب أقر في 4 مايو قانونًا يفرض "رسم تنمية دولة" 30 قرشًا على كل لتر بنزين، و25 قرشًا على كل لتر سولار. كما أعدت الحكومة مسودة قانون جاهز للعرض على البرلمان يقضي باقتطاع 1% من رواتب موظفي الدولة لمدة 12 شهرًا، لتنمية قطاع الصحة ورفع ميزانيته في مواجهة وباء كورونا.
واختتمت المنظمات بيانها بتأكيد أن قانون الطوارئ "لا يحتاج أية تعديلات إضافية لمواجهة جائحة كورونا أو غيرها من حالات الطوارئ والضرورة، بل أن التعديلات الوحيدة التي يتعين إدخالها عليه يفترض أن تمنع التلاعب به، حتى لا يتم تطبيقه لسنوات دون توقف، وأن تتمحور حول ضمانات حماية المواطنين من بطش السلطات الأمنية وتعدياتها بحجّة الطوارئ".