قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنها استطاعت توثيق قتل 14 شخصًا خارج نطاق القانون في تسع حوادث تبادل إطلاق نار مزعومة في الفترة اللاحقة على فض اعتصام رابعة العدوية، وذلك في تقرير أصدرته صباح اليوم الثلاثاء.
وأشار التقرير إلى أن وزارة الداخلية أعلنت مقتل 755 شخصًا على الأقل في 143 حادثة إطلاق نار، واعتقال مشتبه بهم في 19 محافظة، وذلك في الفترة بين يناير/ كانون الثاني 2015، وديسمبر/ كانون أول 2020، ولكن "بيانات الوزارة حددت هوية 141 قتيلاً فقط، واستخدمت عبارات مكررة وجاهزة مسبقا تقدّم تفاصيل شحيحة".
وزعم التقرير أن وزارة الداخلية المصرية قتلت أفرادًا خارج نطاق القانون، فيما وصفته بأنه "عمليات ترقى إلى القتل المتعمد وغير القانوني"، كما أشار إلى "الإفلات شبه المطلق من العقاب على الانتهاكات الجسيمة، ما تسبب في واحدة من أسوأ وأطول أزمات حقوق الإنسان في مصر".
وذكرت المنظمة إنها وثقت حالات لأفراد كانوا رهن الاحتجاز قبل قتلهم في حوادث قالت عنها وزارة الداخلية إنها اشتباكات، وذلك بعد إخفاء بعضهم قسرًا على يد قوات قطاع الأمن الوطني، وقدّم التقرير توصيات إلى أكثر من جهة ومسؤول أبرزها "تشكيل لجنة قضائية مستقلة للتحقيق الشامل في هذه العمليات".
في المقابل؛ شهدت مصر ارتفاعًا حادًا في الأعمال الإرهابية من جانب جماعات إسلامية مسلحة ضد قوات إنفاذ القانون من الجيش والشرطة، والمدنيين، والمنشآت الحكومية والدينية والمصالح الأجنبية عقب إزاحة الرئيس الأسبق محمد مرسي من السلطة.
وزعم التقرير أن هذا النمط من الحوادث شهد ارتفاعًا بعد دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيو/ حزيران 2015 إلى "عدالة ناجزة" في أعقاب هجمات إرهابية كبرى، بجانب تصريحات عديدة من مسؤولين تتضمن عبارات من قبيل "الثأر" و"الانتقام".
ونوهت المنظمة الحقوقية إلى خطاب ألقاه السيسي في 1 فبراير/ شباط عام 2015، مخاطبًا كبار قادة الجيش والشرطة، بالقول "أنا لم أكبّل أيديكم للثأر لشهداء مصر. أنتم فاهمين الكلمة دي معناها إيه؟ معناها إن انتم إللي هتاخدوا ثأر مصر. أنا قلت إن أيديكم مش مكبّلة من الأول، ومش حتكون مكبّلة".
وبحسب "رايتس ووتش" فإن التصريحات جاءت بعد يومين من هجمات نفذها تنظيم ما يسمى بولاية سيناء قتل فيها العشرات من عناصر الشرطة والجنود والضباط في شمال سيناء.
لفت التقرير إلى أن العديد من عمليات تبادل إطلاق النار المزعومة أعلنت عنها وزارة الداخلية بعد أيام قليلة من هجمات تسببت في مقتل أو إصابة قوات أمنية، وهو ما قالت إنها "وثّقت منه في تقريرها ست عمليات على الأقل".
كلمة الرئيس السيسي في لقاء مع قادة القوات المسلحة ورجال الشرطة 1 فبراير 2015
قالت المنظمة إن بيانات وزارة الداخلية عن هذه الوقائع لا تقدم أي معلومات ذات مغزى عن الملابسات، وتكتفي أحيانا بتقديم الأسماء أو صور القتلى، وإنه من بين 755 شخصا قتلوا؛ قدّمت الوزارة أسماء 141 فقط، في الفترة التي رصدها التقرير، وأن الوزارة كانت دائما تبرّر عمليات القتل بأنها "حصلت في إطار تعامل قوات الأمن مع مصدر إطلاق النار، ما يؤدي دائمًا إلى مقتل جميع الإرهابيين".
وذكرت هيومن رايتس ووتش أنها رصدت منذ يوليو/ تموز 2015 مصطلحات محددة استخدمتها وزارة الداخلية في بياناتها، قائلة "أصدرت وزارة الداخلية أكثر من 123 بيانًا زعمت فيها أن قواتها قتلت إرهابيين، وإخوان، وأعضاء في الإخوان المسلمين، ومشتبها بهم، ومقاتلين في أوكار". في مقابل ذلك ذكرت "العديد من عائلات القتلى، للصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان إنّ أقاربهم تعرضوا للاعتقال والاختفاء القسري".
وأضاف تقرير المنظمة "في بعض الحالات، زعمت وزارة الداخلية أن الذين قتلوا في تبادل إطلاق النار، كانوا مسؤولين عن هجوم مسلح محدد، لكن بعد أسابيع أو أشهر أعلنت عن اعتقالات أو حالات وفاة ناتجة عن تبادل إطلاق نار مع مجموعة أخرى من المسلحين المزعومين، وادّعت أنهم كانوا مسؤولين عن نفس الهجوم".
على الجانب الآخر، أقر التقرير الحقوقي بأن مصر شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الهجمات على قوات الأمن والمنشآت الحكومية والمدنيين من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة، بما فيها تلك التابعة لتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وجماعات مسلحة إسلامية أخرى أصغر تبنّت هجمات إرهابية في الدلتا والمحافظات، أبرزها العقاب الثوري، وحسم، ولواء الثورة.
في ذات السياق؛ تبنت مجموعات تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين وتنظيمات إسلامية أصغر، عمليات إرهابية تسببت في سقوط قتلى ومصابين من الجيش والشرطة والمدنيين، وتدمير ممتلكات عامة وأماكن عبادة مسيحية وإسلامية وسفارات أو قنصليات، كما تورط عدد من قيادات جماعة الإخوان وجماعات سلفية وإسلامية في التحريض العلني على تنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر.
تهمة الإخوان
قال التقرير إن الحكومة استخدمت اتهامات الإرهاب لاعتقال واحتجاز وإخفاء وتعذيب نشطاء ومعارضين من كل الأطياف السياسية، بما في ذلك الصحفيين والأكاديميين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ولفت إلى ما ورد في الأقسام الخاصة بمصر في التقارير السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان من أحاديث عن "عمليات إعدام خارج نطاق القانون منذ 2017 على الأقل".
وذكر التقرير أن المجلس القومي لحقوق الإنسان، التابع للحكومة المصرية، ذكر في تقاريره السنوية منذ عام 2016 أنه استلم مئات الشكاوى المتعلقة بالاختفاء القسري، مثل تقرير لعام 2017- 2018، في الصفحة رقم 32 ، الذي قال فيه إن "اتصالات المجلس مع وزارة الداخلية كشفت صحة الادعاءات في القسم الأكبر من الحالات".
أضافت المنظمة الحقوقية الدولية أن المجلس الحكومي لم يحدد عمليات قتل خارج نطاق القضاء، لكنه أعلن في تقريره لعام 2018- 2019، في الصفحة 58، استلام شكوى عن شخص مشتبه في ارتكابه جريمة في محافظة الغربية اعتقلته الشرطة بمنزله يوم 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018، لكنه قتل في وقت لاحق في منطقة صحراوية. موضحة أن "وكلاء النيابة كانوا يحققون في الحادثة، لكن حتى كتابة هذا التقرير، لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من إيجاد أي معلومة عن نتائج التحقيق".
أوضح تقرير المنظمة أن المواد الأساسية في الدستور المصري تحظر عمليات القتل خارج نطاق القانون، بما في ذلك المادة 55، والمادتان 51 و59 اللتان تطالبان الدولة بضمان وحماية كرامة الإنسان والسلامة الجسدية لجميع الأفراد.
وأكدت "رايتس ووتش" أن حالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية "تنتهك المادة 54، من الدستور المصري"، لكنها ذكرت أيضًا أن "القوانين المصرية لا تُعرّف الاختفاء القسري صراحة، ولا تعرّف أو تجرّم أو تعاقب التعذيب بالقدر الكافي".
وعن الخلفيات المتعلقة بهذه الممارسات، ذكر التقرير أن "قوات الأمن المصرية ما زالت تمارس أعمالها في ظل حالة الطوارئ والتي تمنحها صلاحيات غير خاضعة للرقابة"، مشيرًا إلى أن "قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 يقوّض الحقوق والحماية الأساسية، ويمنح أفراد الأمن السلطة التقديرية الكاملة، دون إشراف قضائي، لاستخدام القوة، ويحصنهم من أي تحقيق في الحالات التي يستخدمون فيها القوة القاتلة".
وأشارت المنظمة إلى أن "مبادئ الأمم المتحدة واضحة في أنه لا يجوز التذرع بالأحداث السياسية أو الاضطرابات أو عدم الاستقرار السياسي أو حالة الطوارئ العامة لتبرير أي خروج عن هذه المبادئ الأساسية"، زاعمة أن "الحوادث الموثقة في هذا التقرير تدل على التجاهل المطلق لقوات الأمن المصرية لمثل هذه المبادئ".
توصيات متعددة
قدمت المنظمة في تقريرها مجموعة من التوصيات لرئيس الجمهورية والنائب العام ووزير الداخلية والبرلمان أهمها إنشاء لجنة قضائية تحقق في جميع عمليات القتل التي ارتكبتها وزارة الداخلية، وتعويض المضارين، ومطالبة البرلمان بالتصديق على الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، ووضع حد فوري للاحتجاز في مرافق قطاع الأمن الوطني.
وطالبت هيومن رايتس ووتش الدول الكبرى بفرض عقوبات على مسؤولين وتعليق مبيعات أسلحة وأدوات مكافحة الإرهاب، وربط استئناف هذه المبيعات بتبني السلطات تدابير ملموسة يمكن التحقق منها لإنهاء انتهاكات القوات الأمنية الخطيرة التي قال التقرير إنه وثقها في هذا التقرير والتقارير السابقة ومحاسبة مرتكبيها.
وقالت المنظمة إنها أرسلت أسئلة تفصيلية إلى وزير الداخلية محمود توفيق والنائب العام حمادة الصاوي، في 27 أبريل/ نيسان ومايو/أيار 2021، ونسخًا من الرسائل إلى الهيئة العامة للاستعلامات، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، والمتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، دون أن تتلقى أي رد.