تعمل أميرة مساعدة منزلية، وتحصل على إجازة لمدة يوم واحد أسبوعيًا تقضيه غالبًا صحبة أسرتها، لكنها في أغسطس/ آب من كل عام، تختار واحدًا من تلك الأيام الأربعة لتسافر إلى الإسكندرية؛ فسحة لمدة يوم.
في الليلة السابقة على الفسحة، تبذل أميرة جهدًا مضافًا بعد أن تنتهي من ساعات عملها، تعود إلى المنزل فترتب نفسها: تحضر سندوتشات جبن رومي، وتضع زجاجة مياه في الفريزر، ثم تكوي عباءة وما سترتديه أسفلها من ملابس البحر، جينز وتيشيرت نصف كم، وقبل أن تنام تطلي أظافرها بالمانكير ابتهاجًا بالفسحة السنوية.
لا تملك أميرة وزوجها الذي يعمل في مصنع للملابس وقتًا كافيًا أو قدرة مادية لقضاء مصيف تطول أيامه عن الذي يختاراه في أغسطس في كل عام، لذلك ترتدي ملابس البحر أسفل عباءتها ولا تتسع الحقيبة التي تحملها معها إلا للسندوتشات وزجاجة المياه، تقول للمنصة "إجازة جوزي يوم واحد، وحتى لو كانت أكتر مكناش هنعرف نأجر ولا نبات أكتر من ليلة علشان الأسعار غالية، بعمل الساندوتشات وأحط ميه في الفريز علشان منتكلفش غير حق المواصلات بس، إسكندرية هواها يرد الروح، بحس إني في اليوم ده بنسى هموم السنة كلها، وبستناه من السنة للسنة".
ما تفعله أميرة مع زوجها منذ 8 سنوات تسير على خطاه كثيرات يبحثن مثلها عن "فسحة ترد الروح" في نهاية عام طويل من الشغل وهربًا من قيظ الصيف إلى براح البحر، لكن الطريف في قصتها أن ملابسها التي تخصصها للبحر، غير منشغلة بالجدل السنوي عن الألبسة المناسبة للسباحة، تظل طول العام هي الأخرى حبيسة الدولاب ولا ترى النور في غير تلك الفسحة.
وعلى العكس من أميرة تدخر شادية طوال العام لشراء ملابس جديدة لها وأولادها قبل أن ينطلقوا إلى الفسحة ذات الأربع وعشرين ساعة التي يقضونها في رأس البر، تقول للمنصة " كل سنة لازم نشتري بناطيل جديدة وتيشرتات ليا وللعيال، والبنات تجيب توك جديدة، أه بتكلف شوية مصاريف، بس أي حاجة نغير بيها جو، هو يوم صد رد، نروح نقضيه على البحر ونجيب فطير حادق ناكله، ونرجع بليل".
تستطيع شادية التوفير لشراء الملابس ربما لأنها لا تتكبد تكلفة المواصلات إلى رأس البر، فزوجها يعمل سائق تاكسي، يصطحبها والأولاد من مدينة المنصورة لرأس البر لقضاء ذلك اليوم، "بنروح أي يوم غير خميس أو جمعة وسبت، علشان البلد بتكون زحمة أوي والبنات مش بتعرف تنزل الميه، وكل الكافيهات بتكون زحمة ومش بيعرفوا يغيروا، فبنشوف أي يوم تاني في الأسبوع ونسافر".
تملك شادية بوركيني لكنها لا تفضل ارتداءه "صاحبة الحضانة اللي بشتغل فيها ادتني واحد من عندها كانت مش محتاجة لقيته ضيق وبيبين الجسم، بنزل بالعباية وتحتها البنطلون أريح لي"، لكنها تعرف أيضًا ما يثار سنويًا حوله من نقاش عابر للطبقات، غير أنها تقول للمنصة إن "الخناقة دي بعيدة عننا أوي، بتحصل في الساحل والفلل والقرى اللي سكانها مش بيدخلوا حد غيرهم، لكن في رأس البر أو جمصة ده مش بيحصل، إحنا بنروح يوم واحد ننبسط، ده اليوم اللي بنطلع بيه من السنة، ولأن أسعار الكافيهات والأكل والشرب رخيص فبنسافر رأس البر، البنات نفسهم يروحوا إسكندرية مرة بس أكيد هتكون أسعارها أغلى".
تبدو خناقة ألبسة السباحة السنوية هامشية في قصتي أميرة وشادية اللتان تحرصان على نزول البحر، لكنها تختفي تمامًا من بال أخريات يبحثن في البحر عن نسيمه والكورنيش، مثل شيرين أحمد ومريم زعيم ونادية الخولي، الجارات في منطقة شبرا، اللائي يذهبن سنويًا للإسكندرية بعد أن يستأجرن بيجو 7 راكب لحسابهن الخاص، فقط يحملن خططًا كثيرة للاستمتاع ليس من بينها السباحة.
في ليلة الفسحة تذهب شيرين للكوافير "بعمل شعري وماسكات لوشي، بكون فرحانة أوي ومبعرفش أنام من الفرحة إني هشوف إسكندرية وشوارعها"، ثم تعود للمنزل لتتصل بمريم لتطمئن أنها أعدت طعام الرحلة: البيتزا، وأودعت زجاجات العصير في الفريزر، أما نادية فتشتري لوازم الطريق: بسكويت وشيكولاتة ومقرمشات، ولا تنسى قبل أن تذهب للسرير أن تتفقد حقيبتها وتضع فيها أدوات الزينة كاملة.
تتكلف السيارة اللائي يستأجرنها في اليوم 600 جنيه للذهاب ومثلها للعودة، يتقاسمنها بالتساوي، ويدخرون من أجلها وباقي المصروفات نحو 3 أشهر تبدأ من يونيو/ حزيران حتى سبتمبر/ أيلول. تقول مريم للمنصة "بنحوش للسفرية من شهر 6 مثلًا، وبنطلعها دايمًا في 9، بيكون الجو حلو، بنبدأ بالبحر نفطر عليه ونشرب الشاي، ونبل رجلينا بالميه ونتصور، وبعدين لما الشمس تغيب نتمشى في شوارع إسكندرية وعلى الكورنيش، وناكل أيس كريم بليل قبل مانروح، وساعات لو حوشنا أكتر ناكل سمك، أو نروح محطة الرمل نشتري هدوم وشنط".
هذا العام هو الثالث الذي يواظبن فيه على رحلتهن بعد محاولات كثيرة لإقناع الأهل بتركهن يذهبن في تلك الفسحة بمفردهن، تقول مريم للمنصة "أهلنا مكانوش بيوافقوا يخلونا نسافر يوم كامل لوحدنا، وهما أصلًا مش بيسافروا أو بيروحوا في حته، فضلنا كتير لحد مأقنعناهم نسافر ولحد ملقينا سواق معرفة يطمنوا علينا واحنا معاه، والسواق كمان بيجي يتمشى معانا وبنعمل حسابه في الفطار والأكل، وبنحسه عاوز يقضي نفس اليوم معانا".
لا تحتاج الفتيات أي ملابس للبحر "مبننزلش الميه نعوم يعني، بنرفع البنطلوب شوية أو الفستان ونبل رجلينا"، لكن مريم التي تبلغ من العمر 29 سنة، لا يعجبها رغم ذلك ما يثار من نقاشات سنوية حول ملابس البحر، وترى أن فيها بعدًا طبقيًا تمقته، تقول "مش بيعجبني خالص الناس اللي بتنتقد حد نازل الميه بمايوه شرعي أو بكيني أو حتى بهدوم عادية، ويقولوا إن شكله مش لايق ومنظر مش حضاري، الجمل دي بتوجع أوي، وبتحسسنا إن في فجوة كبيرة، وعالمين جوه بعض، إحنا عارفين إننا مش هنعرف نروح الساحل ولا السخنة، مش بس علشان الفلوس لكن علشان الناس هناك هتقول لنا الجمل دي".
أما منة ومنار، ابنتا موظف في نقابة التجاريين، تحظيان بأسبوع كامل للمصيف في مرسى مطروح، فتذهبان مع أمهما لشراء لباس مخصص للبحر قبل فسحة كل عام، ويذهب أخوهما صحبة والده لشراء تي شيرت وشورت، ليستمتع الثلاثة بالسباحة في البحر بينما يستمتع والدهم بالفرجة على مياهه ومتابعتهم يلهون من على الشاطئ.
في عام 2004 ظهر البوركيني لأول مرة، صممته عاهدة زناتي الأسترالية من أصل لبناني، لتستطيع ابنه شقيقها المحجبة السباحة دون الحاجة لارتداء ملابس السباحة وأسفلها ملابس أخرى تغطي جسدها، لكن ابتهال أم منار ومنة تفضل ما نشأت عليه باعتباره اللباس المناسب للبحر: بادي وجيز، الذين ترى أنهما "أغلى من البوركيني اللي في منه أنواع بأسعار كتير، بس هي مش مسألة فلوس هما مرتاحين كده، زي مانا زمان كنت مع أهلي بنزل بشورت وتي شيرت قبل الحجاب وساعتها كان في محجبات برضه بينزلوا ببناطيل، وأنا لما اتحجبت بدلت الشوت ببنطلون"، حسب حديثها للمنصة.
وتحافظ ابتهال أيضًا على عادتها التي ورثتها من الماضي عن رحلة المصيف، تقضي النهار الأخير من الأسبوع في تنظيف الشقة وترتيبها للوافد الجديد الذي سيزورها من بعدهم ، فيما تحرص شادية على شراء حلوى وأقراص المشبك كهدايا لشقيقتها، ويدخر زوج أميرة دعابتها لنهاية اليوم فيقول لها "اسمريتي من الشمس" وترد بدورها "تان زي اللي بيصيفوا" فيما تدخل بنات شبرا الثلاث في نوم عميق في طريق العودة يحلمن بالزيارة نفسها في العام القادم.