تصوير: حي مالك

الريجيم يواجه المحفظة: كيف تمنعنا قرارات الرئيس من الاستجابة لنصائحه؟

منشور الأربعاء 11 أغسطس 2021

 

كنا في عام 2013 حين تخطى وزني الحدود المسموحة، فصار لزامًا عليَّ اتّباع نظام غذائي صحي لمدة تجاوزت سنتين، وجباته تتضمن القليل من النشويات والكربوهيدرات، والكثير من الخضروات والفواكه والبروتينات ومنتجات الألبان خالية الدسم.

حينها، لم يكن الرئيس عبد الفتاح السيسي بدأ يوجه ملاحظاته بشأن زيادة أوزان المصريين، التي يتبعها عادة بنصائح اتباع الأنظمة الغذائية الصحية لفقدان الوزن. وحينها أيضًا، كان سعر الدولار حوالي سبعة جنيهات، قبل قرار التعويم في أواخر 2016.

أما الآن، وقد تخطى سعر الدولار 15 جنيهًا بعد التعويم؛ وانعكست قفزته على أسعار كل السلع ومن بينها الغذائية بطبيعة الحال، أصبح اتباع نظام غذائي صحي (ريجيم) ليس مجرد قرار يحتاج إرادة وعزيمة للصبر على الحرمان من ممنوعات الطعام فحسب كما كان في السابق، بل صار يتطلب ما هو أصعب وأبعد؛ خططًا دقيقة تتعلق بالأساس بالحسابات المادية سواءً فيما يخص استمرارية توفير وجبات الطعام الصحية أو الالتزام بممارسة الرياضة.

فاتورة الريجيم 

قبل ثماني سنوات، كنت أكافح في سبيل خسارة بعض الكيلوجرامات، وهو ما كلفني بضع مئات من الجنيهات مما كنت أحصل عليه كدخل شهري كان لابد وأن أقتطع منه ما أخصصه لمستلزمات الحياة اليومية وما تحتاجه متابعة الطبيب الأسبوعية ومتطلباته، والبقية القليلة كانت تكفي مصروفاتي الشخصية.

في 2018، صرت أحن إلى أيام الحياة الصحية. وبالفعل، اتخذت قرار العودة للريجيم. كانت البداية مع دوكان، الريجيم الذي نصحتني به صديقاتي بعد أن نجحن في فقدان أوزانهن بفضله. وهذا الريجيم يعتمد بنسبة 90% على البروتينات الحيوانية (لحوم، ودواجن، ومختلف الأسماك)، لاسيما في أيامه العشرة الأولى.

لاحظ أصدقائي ما بدا عليّ من نتائج إيجابية، فسألوني عمّا اتبع، وحين كنت أشرح لهم دوكان، كنت أواجه بنظرات دهشة بل وعبارات سخرية من أغلبهم، بسبب ما يُكلّفه الأمر، فأن يكون سد نوبات جوعك باستخدام قطع من الكابوريا، بين وجبات من اللحوم والدواجن والأسماك، ليس بالأمر العادي في مجتمع يعتبر مثل هذه النوعية من الأطعمة وجبة استثنائية على موائدهم يسندها الخبز أو الأرز وغيرهما من النشويات.

والنشويات، هي المادة الأساسية للفقراء في مصر، إذ "يحصلون على 60% من سعراتهم الحرارية من النشويات مثل الحبوب، والدرنيات مثل البطاطس"، وفقًا لما ذكره مركز حلول للدراسات البديلة في تقرير عام 2019، كشف فيه أنه "رغم توسيع قائمة السلع التي يمكن شراؤها بالبطاقات التموينية، لكن الفقراء ما زالوا يشترون الزيت والسكر والأرز، التي تشكل نسبة كبيرة من غذائهم".

التموين قد يكون أحد دعامات أرباب الأسر، تحديدًا الفقراء، الذين تحدّثت عنهم في مايو/ أيار 2013، دراسة دولية بعنوان حالة الفقر والأمن الغذائي في مصر، قالت إن فقراء البلد "ينفقون أكثر من 50% من إجمالي دخلهم على الغذاء؛ بما يجعلهم أكثر عرضة لتقلبات أسعار المواد الغذائية بالرغم من اعتمادهم على الأطعمة الأقل تكلفة وقيمة غذائية".

تلك الدراسة التي صدرت آنذاك بالتشارك بين برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، واستندت على تحليل بيانات بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك لدى الأسر الذي أجراه عام 2011 الشريك الثالث في الدراسة وهو الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء؛ انتهت إلى أن أحد توابع سوء التغذية الناتج عن ارتفاع الأسعار هو "ارتفاع نسبة التقزم بين الأطفال المصريين تحت سن الخامسة إلى 31% عام 2011، مقارنة بـ 23% عام 2005".

ما كان صادمًا أيضًا في تلك الدراسة، إعلانها أن "حوالي 15% من سكان مصر انضموا إلى شريحة الفقراء بين عامي 2009 و2011، مقابل خروج 7% فقط من هذه الشريحة"؛ ما يجعل من جداول الريجيم التي تفرض الكثير من الأطعمة البروتينية حلمًا مستحيلًا بالنسبة لكثير من المصريين.

وعلى الجانب الآخر، فهناك ما يجب أن يُصاحب الريجيم حتى يأتي مفعوله، وأقصد هنا هو الرياضة، التي لا تتسع لها شوارع العشوائيات المصرية. أعتبر أنني محظوظة لوجود مساحات خضراء هادئة في محيط بيتي أستطيع المشي فيها بين جيران أتعشم في حمايتهم لي من متحرشين ينتشرون في شوارع القاهرة التي صنّفت عام 2017 كأكثر المدن الكبرى في العالم خطرًا على النساء.

وبعيدًا عن الشوارع والمساحات العامة، فإن متوسط الاشتراك في صالة رياضية (جيم) في حي شعبي تبلغ 250 جنيهًا كل شهر، قليلون من يستطيعون التضحية بها من الفئات الأكثر فقرًا.    

سد خانة 

حين بدأت ذلك النظام دوكان، كانت اختياراتي محدودة، كوني لست من مُحبي الأكلات البحرية أو مُفضلي اللحوم والدواجن، ما جعل من الخضروات والفواكه ومنتجات الألبان ملاذي، وهذه لم تكن بالحل الأفضل، لما حدث لجسدي من تأثيرات سلبية جرّاء عدم احتماله ذلك النظام.

 

فاتورة أطعمة صحية

لم تُكمل علاقتي بدوكان أسابيع، حتى قررت الإقلاع عنه ولم أفكر في تجربته مرّة أخرى، لأسباب من بينها ما يتعلق بحالتي الصحية وما يتعلق بشهيتي وبالتأكيد ما يتعلق بظروف مادية؛ وبالفعل توقفت عن أية أنظمة غذائية لفترة طويلة.

ثم، بعد أعوام قررت العودة للريجيم من جديد، لكن باتباع النظام الأول الذي كنت أتابعه مع طبيب، ويتضمن كافة العناصر الغذائية، حتى ولو بقليل من الخبز وملاعق معدودة من الأرز، بتكلفة مادية أقل من دوكان. فالمواءمات صارت مطلوبة.

لكن ورغم ذلك، سرعان ما ظهرت أمامي حساباته الجديدة، التي لم تكن بأفضل أو أبسط من ذلك النظام.

فمختلف أنواع الريجيم صارت سواء، فيما بعد المستجدات الاقتصادية، خاصة المتعلقة بارتفاع الأسعار، سواء فيما يتعلق بالفواتير وتكاليف الحياة اليومية بكل ما بها من التزامات واجبة عليَّ، أو فيما يتعلق بالريجيم ومتطلباته وتكاليفه التي كان يحددها الجدول المختار طبقًا لاستجابة جسدي لريجيم الأسبوع السابق واحتياجاته الأسبوع الحالي.

العمود الفقري لأغلب جداول النظام لا يختلف كثيرًا عن دوكان، فالأساس هو البروتين الحيواني، لحوم بلدية كنت في أول مرات الريجيم اشتريها بـ65 جنيهًا للكيلوجرام، أو دجاج سأحتاج منه اثنتين في الأسبوع بسعر يقارب سعر كيلوجرام من اللحم.

لكن كل شيء اختلف منذ ديسمبر/ كانون الأول 2016، فسرعان ما أعلنت آثار التعويم عن نفسها، بارتفاعات في أسعار الأغذية منذ الشهر الأول، بجانب ما تلا ذلك من ارتفاعات كان بعضها "قياسيًا" في نسب التضخم.

هذا، والحديث يدور فقط عن البروتين، دون التفكير في أسعار الألبان والأسماك، وبالطبع الخضروات والفواكه التي تساهم في الإحساس بالشبع، تعويضًا عن النشويات التي تعد الركيزة الأساسية في غذاء الحصول عليه ليس أمرًا سهلًا للجميع، فالجوع حاضر وبنسبة ليست بالقليلة. إذ احتلت مصر المرتبة 61 من بين 117 دولة على مؤشر الجوع العالمي لعام 2019، ثم أصبحت في المرتبة 54 في عام 2020.

بخلاف مؤشر الجوع، أعلن تقرير التنمية البشرية الصادر عن وزارة المالية لعام 2016، أن "21.7 مليون مصري تحت خط الفقر الوطني"، وفيما يتعلق بالغذاء، وفي عام 2019، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء "وصول متوسط قيمة خط الفقر للفرد في مصر شهريًا لعام 2019-2020 إلى 857 جنيهًا".

دوليًا، ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، تظل القدرة على تحمل تكاليف الغذاء ونوعيته وسلامته "من أكثر التحديات إلحاحًا" في دولة مثل مصر التي بلغت نسبة الفقراء بين مواطنيها 32.5%".

وبحسب البرنامج الأممي "تواصل مصر الاعتماد على الأسواق العالمية لتوفير أكثر من نصف سلعها الأساسية. كما يُعد سوء التغذية أحد المخاوف الأخرى المتزايدة على الصحة العامة بها؛ إذ سجلت معدلات زيادة الوزن والسمنة 16%، ونقص الوزن بين الأطفال دون سن الخامسة 5.5%".


اقرأ أيضًا: أكثر من مجرد سلعة: مخاطر تفكيك الوظائف الاجتماعية للخبز

 

طفل يبيع الخبز. الصورة لـ Lauras Eye من فليكر - برخصة المشاع الإبداعي

يجوع البعض ويعاني البعض الآخر من التقزم، أما أنا، وما قد أفعله الآن مع تضاعف أسعار المواد الغذائية التي تأكل راتبي قبل أن يستقر في حافظة نقودي، ليكون موزعًا بين فواتير ارتفعت أكثر من مرّة، وبين مصروفات شخصية ومهنية، ما يجعل من دخلي الآن وإن كان أكبر مما كنت أحصل عليه خلال ريجيم 2013، لكنه وبسبب ما طرأ من تعويم وارتفاع أسعار سلع غذائية، أصبح رقمًا هزيلًا أمام تكاليف ضخمة، ليست سوى تكلفة أطعمة صحية، لابد من الالتزام بها وإلا فالعودة إلى نقطة الصفر أيًا كان ما تم بذله من مجهود.

في بلد أقرّت وزارة ماليته، في تقرير أصدرته قبل سنوات شهدت ارتفاعات متتالية حتى اليوم أن "خط الفقر المدقع الغذائي، أي الذي يمثّل كلفة البقاء على قيد الحياة، يقدّر بنحو 2570 جنيهًا في عام 2013/2012، إذ يُعدّ الشخص فقيرًا فقرًا مدقعًا على المستوى الغذائي إذا قل إنفاقه عن ذلك الخط"، يصبح اتخاذ قرار الريجيم أمرًا يحتاج للدراسة والتأني.

ولهذا، رأيت في النهاية أن قليلًا من النشويات لن يضر، واللجوء في الشبع للخضروات، مع محاولات متكررة فاشلة في منع السكر، وهذا في محاولة منّي لخسارة الوزن من خلال حل وسط، إرضاءً للضمير أو "سدًا للخانة".