في عام 2012 وصلت نسبة المواطنين الأمريكيين الذين يتناولون فيتامين د إلى حوالي 20% من إجمالي السكان حسب إحصائية أجرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية عام 2016، وهو أربعة أضعاف العدد السابق في فترة لا تزيد عن عشر سنوات. وذلك أمر له مبرراته التسويقية، حيث تم الترويج له، على أنه قادر على الوقاية من العديد من الأمراض، بما فيها بعض أنواع السرطانات.
وبناء عليه أصبح من المتوقع أن يسأل المستهلك/ المريض عن أهمية تناول فيتامين د، ومدى تجارية هذا الأمر، وكون الشركات المصنِّعة تبالغ فيه، حيث يستشهد بعض الأطباء بالأبحاث التي تدل على عدم احتياج الجسم للأقراص التعويضية، والاكتفاء بالغذاء السليم، في حين يشكك الفريق الآخر في تلك الأبحاث، ويستشهد بالدراسات المختلفة التي تتحدث عن أهمية فيتامين د، وكونه ليس فقط مجرد فيتامين، بل هو أيضًا هرمون مهم لوظائف الجسم الحيوية.
ما هي إذًا أهمية فيتامين د؟ وما مدى خطورة نقصه؟ وكيف يمكن تجنب ذلك؟ ها هي القصة كاملة لغير المتخصصين.
ما أهمية فيتامين د؟
هو واحد من الفيتامينات المهمة لوظائف الجسم الحيوية، وأهمها:
1. بناء العظام:
يتحكم فيتامين د بمستوى الكالسيوم والفوسفور بالدم، ويساعد في ترسيبهم داخل العظام من أجل عمليات البناء، لذلك فإن نقصه يسبِّب ما يُعرف باسم لين العظام، مما يؤدي إلى تشوهات بالعظم بالنسبة للأطفال، وضعفها وسهولة تعرضها للكسر، مع التعرض لآلام عديدة بالجسم بالنسبة للكبار.
2. امتصاص الكالسيوم:
فيتامين د بصورته النشطة يساهم في امتصاص الكالسيوم من الجهاز الهضمي ليستخدم في عمليات البناء المختلفة، ويعد الكالسيوم من العناصر المهمة للجسم، فبخلاف أهميته في تكوين وبناء العظام، فإنه يلعب الدور الرئيسي في انقباض العضلات بما فيها عضلة القلب.
-
3. التحكم بمستوى الكالسيوم في الدم :
يتحكم فيتامين د بالإضافة إلى الهرمون الجار درقي بمستوى الكالسيوم في الدم من خلال امتصاص الكالسيوم من الجهاز الهضمي، والتحكم في إفرازات الكلى، ولفهم العلاقة بصورة أوضح فإن نقص الكالسيوم أو فيتامين د ينتج عنه تنشيط الهرمون الجار درقي لـ"استعارة" الكالسيوم من العظام للحفاظ على مستوى ثابت للكالسيوم في الدم، مما يسبب لين وهشاشة العظام.
ما العوامل الرئيسية المسببة لنقص فيتامين د؟
سوء التغذية وأمراض الجهاز الهضمي: حيث تؤثر بصورة مباشرة على امتصاص الفيتامينات وعمليات البناء الحيوي.
أمراض الكبد والكلى: نتيجة نقص الانزيمات الأساسية لعمليات التحويل والتنشيط الخاصة بفيتامين د.
العمليات الجراحية: الخاصة بتحويل مسار الجهاز الهضمي واستئصال أجزاءً منه.
بعض الأدوية مثل: الكورتيزن وخوافض الكوليسترول وبعض المضادات الحيوية.
لون البشرة: تؤثر صبغة الميلانين، المسؤولة عن لون العين والشعر والبشرة، على امتصاص الجلد لأشعة الشمس فوق البنفسجية وبالتالي على تصنيع فيتامين د، ولذلك فإن أصحاب البشرة السمراء أكثر عرضة لنقص فيتامين د.
العمر : تقل قدرة الجسم على تصنيع فيتامين د، من خلال التعرض لأشعة الشمس بحوالي 25 % بعد سن السبعين.
التعرض للشمس: سكان المناطق الاستوائية أقل عرضة لنقص فيتامين د، نظرًا لوجود أشعة الشمس معظم أوقات العام مقارنة بالمناطق الباردة البعيدة عن خط الاستواء.
السمنة: زيادة مؤشر كتلة الجسم (BMI) عن 30 يعرض صاحبه لخطورة نقص فيتامين د، والاحتياج التعويضي له.
ما أعراض نقص فيتامين د؟
نقص فيتامين د يسبب أعراضًا واضحة في الأطفال أشهرها لين العظام و تشوهات النمو، وبنسبة أقل يسبب آلامًا بالمفاصل والعضلات.
ولكن للبالغين، فإن نقص فيتامين د يسبب أعراضًا غير واضحة مثل الضعف العام وألم العظام والمفاصل وضعف العضلات، وربما يصل إلى الاكتئاب، لذلك قد يطلب الطبيب المختص تحليل فيتامين د (25-hydroxyvitamin D) للتأكد من نقص مستوى الفيتامين بالدم، وإعطاء المكمل العلاجي بصورة صحيحة دون فرط استخدام.
ما خطورة نقص فيتامين د لمدة طويلة؟
بخلاف أهميته للعظام، فإن لفيتامين أهمية في الوقاية من أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وبعض أنواع السرطانات مثل القولون والبروستاتا والثدي، وضعف جهاز المناعة، ومرض التصلب المتعدد.
ومن واقع عملي كطبيب عظام أشاهد العديد من الكسور الناتجة من ضعف وهشاشة العظام خاصة في كبار السن والأطفال، التي تنتج من صدمات بسيطة تؤدي إلى كسر بالحوض أو الرسغ تستدعي تدخلًا جراحيًا.
سمية* صاحبة الـ 55 سنة، تعاني من هشاشة العظام لمدة طويلة، حيث تعمل بوظيفة مكتبية، وطبيعة حياتها لا تمكّنها من التعرض لأشعة الشمس بصورة مستمرة، وتعرضت للسقوط على جانبها مما أدى إلى كسر بعنق الفخذ يستدعي تغيير جراحي للمفصل.
سمية من بين الحالات التي قابلتها بحكم عملي، وتمثل العديد من الأشخاص الذين قد يتعرضون للكسور الناتجة عن هشاشة العظام، الذي يعد نقص فيتامين د أحد العوامل المسببة له، مع العلم أن سمية تعد صغيرة بالسن لإجراء مثل تلك الجراحة والتي تستدعي العديد من الاحتياطات اللازمة والكثير من العلاج الطبيعي وكل ذلك يستهلك من أموال سمية وغيرها.
لذلك فإن نقص فيتامين د بصورة مستمرة لفترات طويلة يحرم العظام من قوتها، وكذلك جهاز المناعة من وسيلة دفاعية للوقاية من العديد من الأمراض.
كيف نتجنَّب نقص فيتامين د؟
الحصول على فيتامين د يحتاج إلى العوامل التالية:
التعرض لأشعة الشمس:
التعرض بصورة مستمرة لأشعة الشمس لمدة تتراوح من 15 إلى 20 دقيقة لثلاث أيام بالأسبوع على الأقل يكون كافيًا لتحويل فيتامين د، المصنَّع عن طريق الجلد، من الصورة غير النشطة إلى الصورة النشطة، وهو المركّب الذي يحتاجه الجسم لجميع الوظائف الحيوية.
لذلك فإن نقص فيتامين د يلاحظ بصورة أساسية في الدول والمدن التي لا توجد بها أشعة الشمس لفترات زمنية طويلة، كدول شمال أوروبا التي تختفي عنها أشعة الشمس لمدة قد تصل إلى ستة أشهر.
يوصى بالتعرض لأشعة الشمس (خصوصًا للأطفال) في الفترات التي يمكن تحملها مثل أوقات شروق الشمس وغروبها.
اﻷغذية التي تحتوي على فيتامين د:
الأطعمة الغنية بمصدر فيتامين د (كالأسماك الدهنية وصفار البيض والكبدة واللحوم والألبان بكامل منتجاتها) تساهم بصورة أساسية على الحفاظ على مستوى فيتامين د بصورة طبيعية، ويساهم تناولها بصورة مستمرة في تجنب نقص فيتامين د، أو اللجوء إلى أقراص تعويضية.
لذلك يوصى بقراءة المكونات الغذائية عند شرائها لمعرفة تركيز فيتامين د، حيث يمكن بكل سهولة حساب الكمية التي يحتاجها الجسم، فالأطفال حتى عمر 12 شهرًا يحتاجون على الأقل 400 وحدة، ويزيد الاحتياج إلى 600 وحدة من عمر سنة حتى سبعين، ويصل إلى 800 وحدة لمن يناهز السبعين، وهو ما يمكن الحصول عليه بطريقة طبيعية من خلال تناول الأطعمة الصحية بصورة يومية.
الوقاية العلاجية التعويضية:
بعد العديد من الأبحاث أصدرت الجمعية الأمريكية لطب الأطفال نصائحها المتعلقة بفيتامين د، وقد أوصت بأهمية تناول الأطفال بداية من عمر الشهرين ما لا يقل عن 400 وحدة من فيتامين د ، ولصعوبة توفير تلك الكمية بالرضاعة الطبيعية أو المكملة فإنه يوصى بالحصول على فيتامين د بطريقة تعويضية في صورته السائلة وحتى عمر السنتين.
وقياسًا عليه تأتي أهمية العلاج التعويضي لفيتامين د لكل الأعمار المختلفة بهدف الوقاية من النقص، إذا تعذر الحصول عليه عن طريق الغذاء.
ويوجد نوعان من الأقراص التعويضية، هما فيتامين D3 النشط وفيتامين D2 غير النشط، وقد يروج مندوبو شركات اﻷدوية واﻹعلانات التجارية إلى فيتامين د النشط، وهو الأغلى سعرًا، على أنه الأفضل والبديل المناسب، ويمكن بعد تناوله الاستغناء عن التعرض لأشعة الشمس، وذلك الكلام هو ما أوجد حالة الجدل المطروحة حول أهمية فيتامين د، لكن المرجع في هذا الأمر هو الأبحاث الطبية والكتب العلمية التي توصي مع معظم الأطباء، وأنا منهم، بتناول فيتامين د غير النشط مع التعرض لأشعة الشمس بصورة مستمرة، حيث يعد أكثر أمانًا وأكثر فاعلية، أما الفيتامين بصورته النشطة فله استخدامات محدودة في المجال الطبي، ولا يجب أن يؤخذ بدون استشارة الطبيب المختص.
إنّ الهدف من علاج نقص فيتامين د هو الوصول للمستوى الطبيعي للفيتامين بالدم مع الحفاظ عليه، واستمرار التعرض لأشعة الشمس بصورة منتظمة وزيادة تناول الأطعمة الغنية بفيتامين د كمصدر بديل للعلاج، حيث تسبب زيادته عن المعدلات الطبيعية الشعور بالغثيان والضعف العام وآلام المفاصل، التي تشبه أعراض نقص فيتامين د.
* اسم مستعار لحماية خصوصية المريضة