حاولت يومًا أن تقول شيئًا ولم تجد صوتك؟ خرج متغيرًا مبحوحًا أو فقدته تمامًا وخذلتك حنجرتك؛ ذلك العضو الصغير المسؤول عن تواصلنا بالحديث مع من حولنا، الذي ينقل حروفنا ومشاعرنا للآخرين، ووجدت نفسك عاجزًا عن الكلام؟
كأي عضو من أعضاء الجسد، تتأثر الحنجرة أيضًا بأعراض الإنهاك والتعب والمرض سواء بسبب مرض أصابها أو أصاب عضوًا آخر في الجسم يرتبط بها، مما ينتج عنه تغيّر الصوت أو البحة الصوتية، الشكوى المهمة لدى الكثيرين التي تسبب لهم الضيق والحرج وأحيانًا العزلة عن الآخرين. تخيل أنك تريد التواصل ولكن هناك ما يكبل صوتك بداخلك وأنت لا تفهم ما الذي يحدث أو متى سينتهى لتعود إلى ممارسة حياتك مرة أخرى بشكل طبيعي.
وإلى جانب البحة يصاب البعض أيضًا بحالة من الإجهاد الصوتي تجعلهم يشعرون في نهاية اليوم أنهم لا يستطيعون إخراج أصواتهم، ويصاحب الإجهاد أعراض أخرى كالشعور بجفاف الحلق المستمر والحاجة الملحة لشرب الماء أو الشعور بأن هناك شيئًا ما عالقًا في الحلق، لا يخرج مع كل المحاولات المضنية.
قد تكون هذه الأعراض طارئةً بسبب الكلام طويلًا بلا راحة، غير أنها قد تكون مؤشرًا على ما هو أخطر، لذلك إذا أصبت بأحدها فعليك التوجه لعيادة أمراض التخاطب، للتشخيص والعلاج.
ولكن.. ما الذي يحدث بداخل جسدك عندما تعجز عن إيجاد صوتك؟
تنقسم أسباب البحة الصوتية إلى قسمين؛ بحة وظيفية وبحة عضوية. الأولى تعني أنه بالفحص الظاهري لا يوجد مسبب معين للمرض، ولكن السبب الأساسي يكمن في الاستخدام الخاطئ للصوت، كالكلام بشكل مستمر بلا راحة طوال اليوم وخصوصًا مع وظائف معينة كالتدريس أو التواصل مع الجماهير بشكل عام، أو الصراخ المستمر كصراخ الأم مع أولادها، أو السعال بشكل خاطئ ومتكرر نتيجة الشعور الزائف بوجود شيء ما عالق بالحلق ومحاولة المريض لإخراجه بلا جدوى.
و تشمل البحة الوظيفية أيضًا البالغين والأطفال خصوصًا دائمي الصراخ والشجار منهم في سن الاستكشاف واللعب مع الأقران.
عند التحدث بهذا الصدد لا يمكننا إغفال نوعين مهمين من أنواع البحة الوظيفية؛ البحة الوظيفية النفسية التي قد تصل في بعض الأحيان إلى فقدان كامل للصوت، من السهل تشخيصها عن طريق الفحص الحنجري الذي يبين خلو الحنجرة من أي سبب عضوي واستبعاد باقى العوامل المؤدية للبحة الوظيفية أو فقدان الصوت، مع وجود عامل نفسي قوي بالتزامن مع فترة تغير الصوت أو فقدانه.
والنوع الآخر هو البحة الوظيفية المصاحبة لفترة البلوغ عند الذكور، وتتميز بعَرَضٍ في غاية الأهمية، وهو أن يكون لصوت المراهق طابع أنثوي أو طفولي كصوته قبل البلوغ. يرجح أن السبب في ذلك هو المقاومة النفسية لعبور فترة الطفولة إلى المراهقة.
علاج البحة الوظيفية بشكل عام يكمن في المقام الأول في التوقف عن العادات السيئة في استخدام الصوت كأن يحاول المريض تقليل استخدام صوته على مدار اليوم والتحكم في الصراخ المتكرر والسعال المتكرر، بالإضافة إلى الإقلاع عن التدخين وتقليل العادات الغذائية الخاطئة. شرب الماء بكميات كبيرة على مدار اليوم يساعد بدوره في تخطي تلك الأزمة وعودة الصوت الطبيعي ثانيةً، كل ذلك بالإضافة لجلسات تحسين الصوت عند زيارة طبيب أمراض التخاطب المختص.
البحة الوظيفية: الأسباب والوقاية
إذا أهمل المريض علاج البحة الوظيفية واستمر في عاداته السيئة في استخدام الصوت، حينئذ يصبح عرضة للإصابة بالبحة العضوية، والتي يمكن تشخيصها عن طريق الأعراض والفحص الحنجري بالمنظار، وتتراوح أسبابها التي سنستعرضها بشيء من التفصيل، بين البسيطة كالتهابات وارتجاع المريء والنتوءات واللحميات والتكيسات، والخبيثة كالأورام السرطانية.
يؤدي ارتجاع أحماض المعدة عن طريق المريء إلى إصابة أنسجة الحنجرة بالالتهاب والتآكل، وبالتالي حدوث البحة الصوتية، وهو أحد أشهر أسباب الالتهاب الحنجري وأكثرها شيوعًا بين المصريين نتيجة العادات الغذائية الخاطئة كالإكثار من تناول الدهون والطعام "المسبّك" والكافيين في الشاي والقهوة والمشروبات الغازية، والنوم بعد الأكل مباشرة.
هنا، لا يتطلب الأمر أكثر من إصلاح العادات الغذائية والصوتية ومتابعة العلاج الخاص بارتجاع المريء مع طبيب الجهاز الهضمي المختص وجلسات تحسين الصوت مع طبيب أمراض التخاطب.
أما نتوءات الأحبال الصوتية فهي من أشهر أسباب تغير الصوت لدى السيدات وخاصة من تتطلب أعمالهن الاستخدام المستمر والمجهد للصوت كالمدرسات مثلًا. (هل نتوءات الأحبال الصوتية لا تصيب الرجال عادةً لو أعمالهم تتطلب استخدام الصوت بشكل مستمر؟)
يتراوح علاج نتوءات الأحبال الصوتية بين اتباع التعليمات الصوتية الصحيحة وتدريبات تحسين الصوت أو التدخل الجراحي في حالة عدم الاستجابة لجلسات تحسين الصوت طبقًا لمقارنة المنظار الحنجري الخاص بالمريض قبل التدريبات وبعدها وملاحظة ما إذا كان هناك تحسن أو اختفاء تدريجى للنتوءات أو لا.
التكيسات واللحميات هي أيضًا من الأمراض الحميدة التي تصيب الأحبال الصوتية نتيجة الإهمال والاستخدام الخاطئ للصوت، والعلاج في معظم الأحيان يكون عن طريق إزالتها جراحيًا والحفاظ على الصوت وجلسات تحسينه بعد التدخل الجراحي.
ولكن قد تصاب الحنجرة أيضًا بالأورام السرطانية الخبيثة، ويساعد على ذلك التدخين وشرب الكحوليات بشراهة، بالإضافة إلى بعض العوامل الوراثية. وهنا، تتزايد شدة الأعراض خلال فترة قصيرة يفقد خلالها المريض صوته تدريجيًا والكثير من وزنه، وقد يعاني أيضًا من أعراض أخرى كصعوبة البلع أو الألم أثناءه مع ضيق التنفس، وقد تظهر بعض العقد الليمفاوية في العنق.
يتم التشخيص عند طريق الأعراض والتاريخ المرضي بالاضافة لعمل المنظار الحنجري والأشعة المقطعية على العنق، وأخذ العينات التي تحدد طبيعة الورم وكيفية التعامل معه، ثم يتم العلاج وفقًا لنوع الورم وشدته وتمكنه من الحنجرة والأنسجة حولها، إما بالتدخل الجراحي لإزالة الورم أو الحنجرة بأكملها، أو عن طريق العلاج الكيماوي والإشعاعي إذا لم تكن الجراحة ممكنة، لتبدأ بعدها إعادة تأهيل المريض من أجل استعادة الوظائف التي كانت تقوم بها الحنجرة، والاستعاضة عن وجودها، في حال استئصالها، بأجهزة حديثة يتم تركيبها داخليًا أثناء الجراحة، أو يتحكم بها المريض خارجيا ويتم تدريبه على استخدامها جيدًا مع طبيب أمراض التخاطب المختص.
وفي النهاية، فإن الحفاظ على نمط حياة صحي؛ يتضمن نظامًا غذائيًا متوازنًا ويتجنب التدخين والإفراط في تناول الكحوليات، يجنّب الإنسان الكثير من الأعراض المرضية المزعجة وغير المتوقعة.