مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم أمس الثلاثاء، عزمه الاقتراب من خبز الفقراء ورفع سعر الرغيف المدّعم، أكدت غالبية الصحف المصرية أن الفقراء الذين ستزداد أعباؤهم الاقتصادية، ومعهم مسؤولين في جهات قدمت خلال أشهر سابقة توصيات للحكومة بعدم المساس بسعر الرغيف، جميعهم يرحبون بهذه التوجيهات الرئاسية.
هذا الإعلان الذي استنكر فيه الرئيس بقاء سعر رغيف الخبز دون زيادة منذ عقود، جاء خلال افتتاحه مدينة سايلو فودز الصناعية التابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، الذي استقبلته صحف ومواقع إخبارية مصرية اليوم الأربعاء بحفاوة وأفردت مساحات للحديث عنه، بالإضافة إلى رصد ردود الفعل، وكانت جميعها مرحّبة، بعد التوجيه الرئاسي برفع سعر الرغيف.
ديمقراطية ومسؤولية
موقع مصراوي، تحدث إلى رئيس شعبة المخابز الذي أعلن ترحيبه بقرار رفع رغيف الخبز، واصفًا إياه بأنه "تحرك صائب جدًا وتأخر أكثر من 30 عامًا"، إذ أنه "كان من المفترض تحريك السعر كل 10 سنوات، فالسعر الحالي موجود من عام 1984".
التصريحات الحالية لمسؤولي شعبة المخابز، تأتي بعد أقل من ثلاثة شهور من إصدارها تقريرًا أوصت فيه الحكومة بعدم المساس بسعر رغيف الخبز، وذلك "لأنه يوفر ما قيمته 100 جنيه لأسرة مكونة من 5 أفراد، وخط أمان لمحدودي الدخل حيث تساهم فى تخفيف 2 لـ 5% من الإنفاق".
لكن الآن، ومع تبدل المواقف، دعم رئيس الشعبة، عطية حماد، موقفه الجديد المؤيد للزيادة، بقوله إنه "أصبح لا يوجد موائمة للسلعة والـ5 قروش تم إلغاؤها فكان لا بد من إلغاء التعامل بها".
مصراوي لم يكتفِ بنقل تصريحات الرئيس بشأن رفع ثمن الخبز خبريًا فقط، إذ نشرت صفحته على فيسبوك فيديوهين يتعلقان بالقرار، ويشيدان بـ"حس المسؤولية" لدى الرئيس وكذلك "ديمقراطيته"، فكان الفيديو الأول مصحوبًا بتعليق "هشيل المسؤولية"، والثاني بقوله "أقبل اختلاف وجهات النظر"، في تكرار لخبر نشرته صفحة الموقع أيضًا يبرز ذلك التصريح.
كذلك حرص الموقع على إبراز حديث الرئيس عن مبررات اتخاذ القرار ممثلة في الزيادة السكانية، باعتبارها "المسؤول" عما آلت إليه أحوال الدعم. ولم يفت الموقع بالطبع نقل التصريحات الداعمة للحديث في أخبار تشيد به.
ومن مصراوي إلى الوطن، الذي أبدى حرصًا على نقل ما يدعم القرارات من تصريحات مسؤولين منهم حماد، الذي أعرب هذه المرة عن أمله في أن "يتم تحرير سعر الرغيف بالكامل، وليس تحريك السعر فقط".
النسخة الورقية لصحيفة الوطن رأت في تحذيرات الرئيس من مخاطر الزيادة السكانية موضوعًا أكثر أهمية من رفع سعر رغيف الخبز فاختارته مانشيت صفحتها الأولى "السيسي: الزيادة السكانية غير المنضبطة في منتهى الخطورة"، بينما تحدثت العناوين الفرعية عن سايلو فودز وأهميتها.
على العكس من الوطن، صدر عدد اليوم من صحيفة أخرى خاصة هي المصري اليوم بمانشيت صريح وبلون جاذب للنظر، الأحمر، كان نصّه "الرئيس: حان الوقت لزيادة سعر رغيف العيش"، وذكرت في العنوان الفرعي معلومة أخرى تتعلق بدراسة التموين للسعر الجديد المنتظر.
كذلك في صفحاتها الداخلية، اختارت المصري اليوم تكرار المانشيت مع صورة كبيرة للرئيس خلال افتتاحه المدينة الصناعية التابعة للقوات المسلحة، وذلك في الصفحة الخامسة، إحدى الصفحات الفردية التي تُعد مميزة بصريًا، التي نقلت في خبر آخر أسفل الخبر الرئاسي تصريحات مرتبطة بالخبز، وتمثّلت في حديث وزير التموين عن احتياطي القمح.
موقع المصري اليوم، لم تكن تغطيته للأمر مشابهة لما ورد في الصحيفة، فبعد النقل السريع للخبر بصورة مباشرة مع فعاليات افتتاح سايلو فودز، بدأ الموقع وعبر حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي في نقل تصريحات المؤيدة لقرار الرئيس على ألسنة مسؤولين متنوعين كان من بينهم نائب رئيس شعبة المخابز، عبد اللطيف وهبة، الذي قال إن القرار "يهدف لحل مشكلة رغيف الخبز"، ولهذا وجه تحياته للسيسي لأن "جميع الرؤساء السابقين لم يقتحموا هذا الملف".
وفي تلك التصريحات التي نقلها موقع المصري اليوم، وجه وهبه اتهامًا لمواطنين بأنهم "يهدرون الخبز بنسبة تتراوح بين 60 إلى 80%، بينما البعض الآخر يريد الحصول على ثمن رغيف الخبز، وليس الخبز"، دون أن يوضح الإحصائية أو الدراسة التي رصدت هذه النسبة، كما أعرب عن سعادته لأن هذا القرار "من شأنه توفير الدقيق، ومنع بيعه في السوق السوداء من قبل أصحاب النفوس المريضة".
بالمثل، قال رئيس شعبة المخابز التابعة لاتحاد الصناعات، حسن محمدي، عن رفع سعر الخبز إنه "خطوة جيدة وفي صالح المواطن لأنها سترفع من جودة المنتج النهائي"، مُعلنًا في تصريحات نقلها موقع صحيفة أخبار اليوم أنه يجري حاليًا تشكيل لجنة من الشعبة للاجتماع مع وزارة التموين لدراسة "السعر العادل" للخبز المدعم.
رد اعتبار الرغيف
وبينما اختار موقع الأخبار والصفحات التابعة له على وسائل التواصل الاجتماعي إبراز قرار رفع ثمن الخبز ونشر تصريحات تؤيده، آثرت النسخة المطبوعة من الصحيفة وضع حديث الرئيس عن شرف الحكومة على صدر صفحتها الأولى إذ جاء مانشيت الصحيفة يقول "السيسي: نحن شرفاء ومؤتمنون على حياة الناس ومستقبلهم".
أما بقية العناوين الأربعة المتعلقة بفعالية الأمس، فتجاهلت أيضًا سعر الخبز وتطرقت إلى أحاديث الرئيس عن خطورة السمنة وأهمية اتباع نظام تغذية صحي، وبالطبع عن مشروع تغذية أطفال المدارس.
بالنسبة لحسين أبو صدام نقيب الفلاحين، فإن رفع ثمن الخبز المدعم "انتصار للغلابة"، مبديًا حرصًا واضحًا على كرامة رغيف الخبز، ومؤكدًا أن الرئيس أعاد الكرامة لهذا الرغيف "بعدما أُهدر حقه"، مضيفًا "ولّى زمن المسكنات، وبدأ زمن العمليات الجراحية لإصلاح الجسد المصري. الدعم كله فيه شبهة فساد مالي، الدعم لا يصل إلى مستحقيه.. إحنا بنقول الرئيس انتصر للغلابة".
لم يكتف أبو صدام بتصريحاته السابقة، بل نقلت عنه المصري اليوم تصريحات أخرى تعامل فيها مع القرار باعتباره مطلب شعبي استجاب له السيسي، وقال فيها "طالبنا منذ عام بضرورة النظر في سعر رغيف الخبز المدعم، واستجاب لنا الرئيس بعد عام كامل".
وفي تلك التصريحات التي أبرزها موقع صحيفة الشروق أيضًا، قال النقابي إن رغيف الخبز المدعم "يباع كعلف للمواشي والدواجن".
عن "الغلابة" والدعم الموجه لهم، نشرت صحيفة المصري اليوم تصريحات من المتحدث باسم وزارة التموين، ظهرت فيها التغذية المدرسية كمبرر لرفع سعر الخبز المدعم، بالقول إن "الدولة تعمل على إعادة صياغة فاتورة الدعم بحيث يشمل كافة الجوانب، وإن التغذية المدرسية للطلاب بنحو 7 أو 8 مليارات، أمر حتمي، وعليه فإن عملية إعادة صياغة فاتورة الدعم أمر ضروري".
وعلى العكس، خلت الصفحة الأولى لصحيفة الأهرام من أي إشارة للقرار، فقد جاء المانشيت الرئيسي لها من حديث السيسي عن مياه النيل "حصّة مصر من مياه النيل لن تقل".
ثم خصصت الصحيفة بقية عناوينها الفرعية في الصفحة الأولى للحديث عن افتتاح "أكبر مدينة صناعية بالمنطقة"، وما ذكره الرئيس حول مشروعات أخرى مثل "حياة كريمة"، ولومه للزيادة السكانية في التهامها لأي "إنجازات" تتحقق، وكذلك تأكيده الترحيب بأي رأي مختلف.
وداخليًا، وعلى صفحتين هما الرابعة والخامسة، أفردت الأهرام مساحة لتغطية افتتاح سايلو فودز، كما تحدثت عن رفع رغيف الخبز في عنوان فرعي نصّه "حان الوقت لرفع سعر رغيف العيش.. وغير معقول أن يُباع 20 رغيفًا بثمن سيجارة واحدة"، لتلحقه بعنوان آخر عن "توجيه قيمة رفع سعر الخبز المدعم لتمويل خطة تحسين التغذية المدرسية".
تكلفة الرغيف
الترحيب بالزيادة المقبلة في سعر الخبز، لم يأتِ من ممثلي أصحاب المخابز أو الفلاحين فقط، بل من فئة أوسع هي نواب الشعب، الذين نقلت عنهم الصحف بيانات وتصريحات تحتفي بالقرار الرئاسي وتدعمه.
من بين هذه البيانات، ما صدر عن النائب البرلماني علاء عابد، الذي اعتبر أن الرئيس "تحمل مسؤولية كل القرارات الصعبة، التي شهدتها مصر في السنوات الثمانية الماضية، بداية من إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي مرورًا بتعويم الجنيه"، واصفًا قراره في بيان نقلته الأهرام بـ"الشجاع"، ومقدّمًا التحيات للسيسي "على صراحته مع الشعب المصري وقدرته على الخوض في القضايا الشائكة".
وبجانب إشادة عابد بقرار سعر الخبز، كانت هناك إشادة أخرى من جانبه وحفاوة بالمدينة الغذائية العسكرية سايلو فودز، وهو ما اتفق فيه عدد من زملائه في المجلس، ممن وصفوها بعبارات اختلفت بين كونها "أكبر قلعة صناعية لسوق الصناعات الغذائية"، و "إضافة حقيقية للمشروعات القومية في الجمهورية الجديدة".
تقارير صحفية أخرى أبزرت حديث الرئيس عن "التكلفة الحقيقية لسعر الخبز"، مثل موقع صحيفة الوفد الحزبية، الذي لم يكتف بهذا الأمر، بل نشر تقريرًا آخر عن "الخبز والسجائر" اللذان استشهد بهما الرئيس.
بالمثل، تحدث موقع اليوم السابع، في تقرير يحمل عنوان "رغيف العيش .. حكاية إنتاج 250 مليون رغيف مدعم يوميًا لصرفه ببطاقات التموين"، عن إنتاج الدولة للخبز باعتباره "قصة نجاح"، أبرزت فيه الصحيفة تكلفة رغيف الخبز، لكن دون الإشارة إلى ما يعتزم الرئيس فعله.
تحذيرات والتماس
بالإضافة إلى الترحيب من النواب بقرار رفع سعر الرغيف، كانت هناك تحذيرات بشأنه، لكن لا تتعلق برفع السعر، بل بتصريحات الرئيس نفسها.
ففي تصريحات نقلها موقع مصراوي، حذرت النائبة ريهام عفيفي عضو مجلس الشيوخ، من "محاولة البعض اجتزاء تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي أدلى بها على هامش افتتاحه للمدينة الصناعية الغذائية، وأشار فيها إلى ضرورة تغيير السعر الحالي لرغيف الخبز المدعم، أو إخراجها من سياقها لتشويهها وخلق حالة بلبلة في الشارع المصري".
في تصريحها، حذت النائبة حذو الرئيس المصري، الذي حذر في رسالة للإعلاميين نشرها عدد اليوم من صحيفة الأهرام، من "إساءة استخدام تنظيم دعم رغيف الخبز". وقال السيسي وفقًا لما نشرته الصحيفة القومية "أرجو ان يصل فهمنا لتنظيم دعم رغيف الخبز إلى الناس، ولا تتم إساءة استخدامه بأننا نهدف إلى نقلة كبيرة في الأسعار".
الأهرام، وكذلك الأخبار والجمهورية، الصحف القومية الثلاث، اتفقت أعدادها الصادرة اليوم على تخصيص الصفحة الأولى بالمناشيتات والعناوين والصور لتصريحات الرئيس خلال افتتاح سايلو فودز، وفي الصفحات الداخلية لأعداد هذه الصحف، أفردت المساحات لتصريحات الرئيس والوزراء، خاصة المتعلقة بالسمنة والدعم وما يفرضه من أعباء على خزانة الدولة. وكذلك لما تعتزم الحكومة تطبيقه بشان تغذية المدارس، بينما تابعت صفحاتها ووسائل إعلامية أخرى نقل كل ما يدعم القرار الرئاسي.
بالتوازي، وفي عدد صادر اليوم الأربعاء، لكن في صحيفة أخرى هي الأهالي، التابعة لحزب التجمع اليساري، تصدرت تصريحات السيسي حول الخبز وسعره واجهة العدد. لكن بجوارها وفي مربع صغير عنوانه "الخبز طعام الفقراء"، كانت هناك كلمات بتوقيع الأهالي، لم تعرب فيها الصحيفة الحزبية عن رفضها للقرار، بل فقط التمست تأجيله لأن "التوقيت والظرف السياسي غير مناسبين الآن".