بحقيبة داخلها منشفة وملابس داخلية و"شبشب"، وورقة صغيرة مدون عليها "اعتصام وإضراب جوع، تضامنا مع الزميل هشام فؤاد، ومن أجل حريته وكافة الزملاء الصحفيين، المحبوسين، ومعتقلي وسجناء الرأي من مختلف الاتجاهات"، ذهب الكاتب الصحفي كارم يحيى عصر الثلاثاء لمبنى النقابة، لم يُسمح له باستخدام الحجرة المخصَّصة للاعتصامات، فاضطر للصعود للكافيتريا، علق الورقة بها، وبدأ اعتصامه.
يحيى، المرشح السابق لمنصب نقيب الصحفيين، بدأ اعتصامه التضامني مع إضراء جزئي عن الطعام لمدة 24 ساعة من الثلاثاء 13 يوليو/ تموز، إلى مساء اليوم التالي، فيما أعلن عدد من الصحفيين والنشطاء دخولهم في إضراب عن الطعام، اليوم الخميس، للتضامن مع المضربين بالسجون، والمطالبة بإخلاء سبيلهم.
وألقي القبض على الصحفي هشام فؤاد في يونيو/ حزيران 2019 على ذمة القضية 930 المعروفة باسم تنظيم الأمل، التي تضم عددًا من المحامين والصحفيين والناشطين السياسيين، ووجهت لهم النيابة تهم نشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة إرهابية، وحبستهم احتياطيًا على ذمة القضية.
وعُقدت جلسة محاكمة اليوم محاكمة أمام محكمة أمن دولة طوارئ، جنح مصر القديمة، في القضية رقم 957 لسنة 2021 المتهم فيها زياد العليمي، وهشام فؤاد، وحسام مؤنس، وحسام ناصر كامل، ومحمد بهنسى مسعد، وفاطمة رمضان، وقال المحامي خالد علي، إن الجلسة إجرائية، دون حضور المتهمين للإطلاع، فيما قالت والدة البرلماني السابق، زياد العليمي، إكرام يوسف، التي حضرت الجلسة، إن المحاميان خالد علي ومالك عدلي طلبا اثبات إضراب هشام فؤاد، وطلبا، في حالة عدم إخلاء سبيله، ايداعه إحدى المستشفيات حفاظًا على حياته.
"المعركة تستاهل"
المنصة التقت كارم يحيى أثناء اعتصامه في نقابة الصحفيين، حيث أوضح أن الفكرة راودته بعد دخول زميله هشان فؤاد في إضراب عن الطعام لتخطيه العامين في الحبس الاحتياطي دون محاكمة، ليقرر مساندته في معركة "الجوع مقابل الحياة"، بحسب وصفه، ليبدأ مساء الاثنين الاتصالات مع الأطباء الذين يتابعون حالته الصحية، لتلقي نصائح بشأن ما عليه فعله لبدء الإضراب "في البداية حاولوا يثنوني على القرار وفي مقابل إصراري كان ردهم إني أتعشى خفيف يوم الاتنين وأفطر يوم التلات فاكهة، وأبدأ الإضراب، وخلاله آخد الأدوية الخاصة بتاعتي وأشرب مايه وعصاير، مع محلول معالجة جفاف".
بدأ يحيى تحضير حقيبته لبدء إضرابه ووضع بها كتابًا ليكون أنيسًا له، وبعد حديثه مع الدكتورة عايدة سيف الدولة لمعرفة الأثر الطبي على الجسد في مثل تلك الحالات، قالت له إن لديها نية أيضًا لإضراب تضامني الخميس "عدد من الأصدقاء حاول وطلب مني مدخلش في الإضراب أو أخليه يوم واحد بس علشان صحتي، بس كل ما أفكر في اللي في السجون، وإنه احنا قاعدين في تكييف على الأقل وهما بيموتوا من الحر، وكمان قرروا يموتوا من الجوع، إصراري بيزيد أكتر إني أكمل".
الوضع في الدور الثامن الذي تقع به الكافتيريا في النقابة، كان يتسم بالهدوء، العاملون يمارسون عملهم، ويحيى يجلس على الأريكة في نهاية الكافتيريا يقرأة كتابه، يمرون عليه فيمازحهم "تعالوا اشربوا شاي"، متابعًا أنه في الليلة الأولى، اقترب منه اثنان من رجال الأمن، وسمع أحدهما يقول "ده راجل كبير"، ولم يوجهوا له أي حديث وانصرفوا سريعًا، ليؤكد علمه أنه من الممكن أن يصدر له أمر ضبط وإحضار، أو يتعرض للإخفاء، ولكن في المقابل "المعركة تستاهل" كما قال.
هشام فؤاد أثبت أمام القاضي في جلسة تجديد حبسه الأحد الماضي دخوله في إضراب كلي عن الطعام منذ السبت الماضي، احتجاجًا على تخطيه العامين في الحبس الاحتياطي، وهي أقصى مدة يقرها القانون، ومن قبله دخل الباحث أحمد سمير طنطاوي في إضراب منذ أكثر من 20 يومًا احتجاجًا على حكم حبسه أربع سنوات، أما الناشط أحمد بدوي فأكمل شهره الأول في الإضراب وفقًا لما أكدته أسرته، لتخطيه العامين في الحبس الاحتياطي أيضًا.
يقول يحيى عن إضرابه "هي رسالة لازم توصل للمسؤولين إنه كفاية كده، الحبس سنتين تحت التحقيقات أصلًا جريمة، والجريمة الأكثر مخالفة للقانون استمرار حبس أصحاب الرأي بعد السنتين"، متابعًا "محدش كان يقدر يطلب من زملاء أو أهالي معتقلين المشاركة، لأنه طبعا كلنا عارفين المخاوف اللي ممكن تراواد الجميع"، وهنا أثناء حديثه ومحاولات تصويره، في حضور اثنين من رجال الأمن المكلفين بحراسة الطابق الثامن على مقربة منا، كان ينظر إلينا أحدهما ثم يتحدث في هاتفه المحمول، ليعلق يحيى مازحًا "بيبلغوا عننا".
ما اشتكى منه يحيى في اليوم الأول القليل من الصداع، والشعور بارتفاع درجة الحرارة، بجانب أن دورة المياه المتواجدة في الكافتيريا لا يوجد بها "دش"، للاستحمام، وأيضا أغلق العاملون بالكافتيريا التكييفات من العاشرة مساء وحتى الثامنة صباحًا، فاضطر للنوم ليلته الأولى على أريكة صغيرة في درجة حرارة مرتفعة، حتى فتح له محمود كامل عضو مجلس النقابة غرفته للمبيت بها في اليوم التالي، وفي المساء، اتصلت به الزميلة مديحة حسين، زوجة الصحفي هشام فؤاد، لتقنعه بتعليق الاعتصام خوفًا على صحته، وقالت حسين، إن خوفها على هشام مثل خوفها على غيره من الزملاء الصحفيين، وعلى صحتهم أيضًا، ولأن الأمر رسالة فمن الممكن أن تصل بشكل تضامني ورمزي.
تقاعس النقابة
يحيى قرر تعليق الاعتصام والإضراب عن الطعام، والانتظار حتى معرفة قرار الجلسة وما سيحدث في الأيام المقبلة، مؤكدًا أنه سيعاود إضرابه في حال عدم الإفراج عن الزملاء المحبوسين، والاستجابة لمطالبهم، فما دفعه للدخول في الاعتصام والإضراب وتعليقه وإمكانية العودة، هو ما وصفه بتقاعس النقابة في حماية أعضائها، فهناك عشرات من الصحفيين النقابيين وغير النقابيين المحبوسين الذين لا تتحرك النقابة من أجلهم "عندي ملف فيه 28 صحفي، ده كمان ممكن نضيف عليه غير النقابيين، ومفيش تدخلات من النقابة ولا حتى بيانات عنهم، ولا محامين يدافعوا عنهم".
يرى يحيى أن النقابة أصبحت تدار من خلال شخص واحد وهو النقيب، وهو ما يؤكد دومًا قيامه بوساطات للإفراج عن الصحفيين، ولكن بالنظر للمفرج عنهم مقابل عدد المقبوض عليهم، لا تتحقق تلك النظرية، كما أن هناك تجفيف لكافة أشكال الاحتجاج داخل النقابة للتحدث عن المحبوسين، وكأن النقابة أصبحت تبحث قانونية الحبس من خلال ممثلها.
من المفترض، كما قال يحيى في حديثه أثناء الإضراب، أن ترسل النقابة لقسم الشرطة لتحرير محضر ًا لتثبت إضرابه، وأيضًا حضور طبيب لمتابعة حالته الصحية، وهو ما لم يتم، وهنا قال خالد ميري الكاتب الصحفي، ووكيل نقابة الصحفيين، في تصريح مقتصب للمنصة، إن النقيب هو من يملك مخاطبة القسم وتحرير المحضر من عدمه بصفته الممثل القانوني للنقابة، كما أنه الممثل الإعلامي لها أيضًا وهو من يحق له إصدار التصريحات والبيانات، فيما يوضح المحامي أحمد راغب للمنصة، أنه لا يوجد نص قانوني يلزم النقيب في هذه الحالة بصفته الممثل عن النقابة بإبلاغ الشرطة أو تحرير محضر، إنما كان يمكنه التحرك من خلال هذا المنطلق باعتباره ممثل الكيان الذي يضم أحد أعضاءه المضربين، ولكن ليس بشكل إلزامي.
"رسالة للأبطال"
الدعوة التي بدأها يحيى من نقابة الصحفيين، لدعم الصحفيين المحبوسين وغيرهم أيضًا من سجناء الرأي واستمرت 24 ساعة، قوبلت بدعوة أخرى اليوم الخميس، تحت عنوان الإضراب التضامني مع السجناء السياسين المضربين عن الطعام، أعلن المشاركة بها الدكتورة عايدة سيف الدولة، الناشطة الحقوقية وإحدى مؤسسات مركز النديم، والدكتورة ليلى سويف والدة الناشط المعتقل علاء عبد الفتاح، وأيضًا إكرام يوسف والدة زياد العليمي، وآخرون.
قالت الدكتورة عايدة سيف الدولة، إن الدعوة جاءت في البداية بالتنسيق بينهم، بعد إعلان الصحفي هشام فؤاد إضرابه، ومن قبله سجناء أخرين دخلوا بالفعل في الإضراب، فقرروا التضامن الرمزي مع تلك المعركة، لينضم إليهم عقب ذلك مشاركين بشكل عفوي دون دعوة أو رسالة، وتؤكد سيف الدولة "الإضراب رسالة، عارفين إنه يمكن ميبقالوش صدى كبير ولا تأثير أوي، لكنه رسالة مننا للي جوه إننا مش هننساكم أبدا لحد متخرجوا".
وهو ما أكدته أيضًا إكرام يوسف والدة العليمي في حديثها للمنصة، بأنها رسالة لما وصفتهم بـ"الأبطال"، كما أن الصفحة التي تدعم نجلها عبر فيسبوك، وتنشر الأخبار الخاصة به وتطالب بحريته، أعلنت هي الأخرى المشاركة في الإضراب ، دون تنسيق منها أو دعوة.
الإضراب من الناحية القانونية، يجب إثباته في محضر شرطة رسمي ثم إبلاغ النيابة العامة، ومن حق أي شخص إثبات هذا الإضرب سواء كان سجينًا أو شخصًا عاديًا، وعقب ذلك يجري توقيع الكشف الطبي على الشخص المضرب، ومتابعة حالته الصحية، وفقًا لما أكده المحامي الحقوقي نبيه الجنادي.
يؤكد الجنادي للمنصة، أن في الكثير من الأحيان ترفض أقسام الشرطة تحرير محضر إثبات الإضراب، وأيضًا تحاول السجون الضغط على المعتقلين لفك الإضراب، كما أن توثيق الإضراب يمثل نوعًا من الضغط على الجهات المسؤولة، وطريقة جيدة لتعريف الرأي العام بها، ويمكن للمضربين عن الطعام من خارج أماكن الاحتجاز تحرير محضر داخل قسم الشرطة، أو تقديم بلاغ للنيابة العامة مع توضيح الأسباب التي أدت للقيام بالإضراب عن الطعام، أو بإخطار النائب العام من خلال التلغرافات، وعند تدهور حالة الشخص المضرب ونقله للمستشفى تخطر الشرطة أيضًا.
مقاومة سلمية
يُنظر إلى الإضراب عن الطعام على أنه شكل من أشكال المقاومة السلمية، ويرى العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان على المستوى الدولي أنه أحد حقوق حرية التعبير المكفولة والتي نصت عليها المادة 65 من الدستور المصري. وباعتبار الإضراب عن الطعام أحد مظاهر حرية التعبير يصبح واجبًا على الدولة احترام هذا الحق وعدم المساس به، حتى وإن تعارض مع حقوق السجناء المنصوص عليها في المادة 55، كما تمنع المواثيق الدولية الموقعة عليها مصر ما يطلق عليه الإطعام القسري، أو محاولات فك الإصراب عن الطعام بالعنف والإجبار.
عضو مجلس نقابة الصحفيين، محمود كامل، قال للمنصة، إن الزميلة مديحة حسين زوجة الزميل هشام فؤاد، أرسلت له مذكرة بصفتها عضوة النقابة، وزوجة عضو نقابة أيضًا ودخوله في إضراب عن الطعام، قام بإرسالها للنقيب ضياء رشوان، الذي أصدر خطابان موجهان للنائب العام والمستشار رئيس نيابة أمن الدولة العليا يطلب فيهما، اتخاذ الإجراءات القانونية والطبية المتبعة للإشراف على حالة الزميل الصحية للحفاظ على صحته وحياته، وكذلك الإفراج عنه.
وأضاف كامل أنه تقدم بطلب لنيابة أمن الدولة، للحصول على تصريح بصفته عضوًا بمجلس النقابة مع الزميل أيمن عبدالمجيد عضو المجلس لزيارة الزميل هشام فؤاد في محبسه للاطمئنان على وضعه الصحي.
لا تملك مديحة حسين سوى انتظار رؤية زوجها والاطمئنان عليه، من خلال الزيارة الشهرية التي تنتظرها لمعرفة أخباره وهو الحال التي تتبعه باقي أسر المحبوسين، وحتى موعد تلك الزيارة المقرر في 23 من الشهر الجاري، لا تعرف ماذا ستقول له بعد لقائه به وهو مضرب عن طعامه، وماذا سيحدث في جلسة اليوم أيضًا، هل ستدعمه في قراره، أو تطلب من التوقف خوفًا على صحته، خاصة مع إصابته بارتجاع في المريء، وتدهور حالته بعد السجن، فقالت في مكالمتها الهاتفية مع المنصة "مش عارفة هيحصل إيه، ومش قادرة أفكر"، مع دعوات بحصوله على حريته في أقرب وقت.
وعن المحاولات النقابية قالت حسين، إنها منذ بداية القبض على زوجها وقبل عامين، قدمت العديد من المذكرات للنقابة، وكان الرد الدائم أن هناك محاولات ودية لإخلاء سبيله، وهو ما لم يتم، وبعد فترة من الصمت للزوجة التي تحمل مشاعر مركبة بين خوفها على زوجها لتدهور حالتة الصحية، وأيضًا إيمانها بحقه بالمطالبة بحريته، وهو ما يضعها في موقف لا تعرف من خلاله كيف تتصرف كما وصفت، فشريكها ورفيق عمرها بين جدران السجن، دخل في معركة الأمعاء الخاوية، تخشى على حالته الصحية، فقالت إن تلك الأزمة جعلتها أيضًا لا تعرف هل سيمكنها مشاركته القرار أم لا، فكل ما يمكنه فعله حتى الآن انتظار موعد زيارة زوجها، وأيضًا انتظار قرار جلسة المحكمة، لتحل دائرة الانتظار محل زوجها الذي تغيّبه أسوار السجن.