بعد أربعة أيام من الحكم بحبس الباحث أحمد سمير سنطاوي أربع سنوات من محاكمته أمام محكمة استثنائية، توجهت أسرته يوم الأحد الماضي لزيارته في سجن طرة، لتجده قد أعلن إضرابًا مفتوحًا عن الطعام للمطالبة بإلغاء الحكم الصادر بحقه والإفراج عنه.
وأدين سنطاوي، باحث الماجستير في الجامعة المركزية الأوروبية CEU بالنمسا، يوم الأربعاء الماضي بتهمة "ترويج أخبار كاذبة من الخارج عن الأوضاع الداخلية للبلاد" بعد محاكمته أمام محكمة أمن الدولة طوارئ، وهي إحدى الجهات القضائية الاستثنائية التي تباشر أعمالها في ظل إعلان حالة الطوارئ، ولا يمكن الطعن على أحكامها أمام أي جهة قضائية أخرى.
أحد المحامين الذين يتولون الدفاع عن سنطاوي أخبر المنصة مفضلًا عدم ذكر اسمه، أن قرار الإضراب "جاء عفويًا دون الترتيب له"، موضحًا أن موكله "اتخذ أعلى درجات الاحتجاج بعد صدور القرار الذي لم يتوقعه، ودخل في إضراب كلي عن الطعام، فقط يتناول الماء، منذ الأربعاء الماضي".
تقدم فريق الدفاع ببلاغ للنائب العام، لإثبات إضراب سنطاوي والمطالبة بنقله لمستشفى السجن لمتابعة حالتة الصحية، التي لا يعلم المحامي الذي تحدثت إليه المنصة الكثير عنها بسبب تجاهل الطلب الذي تقدم به لزيارته، موضحًا "لا نملك سوى الطريق الذي بدأنا السير فيه وهو مخاطبة النائب العام لبدء التحقيق في الأمر، ونقل سنطاوي للمستشفى، وننتظر حاليا رد النيابة".
قبل القبض عليه، كان سنطاوي يعمل على رسالته عن تجريم الإجهاض في مصر بين القانون والشريعة والمجتمع، وبعد عودته في إجازة نصف العام يناير/ كانون الثاني الماضي، داهمت قوة من الأمن منزله وطلبت من أسرته حضوره لمكتب الأمن الوطني في قسم التجمع الخامس، وبالفعل توجه الشاب في 1 فبراير/ شباط إلى هناك، ليختفي بضعة أيام قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة على ذمة القضية 65 لسنة 2021، والتي يواجه بها التهم المعتادة "نشر أخبار كاذبة"، و"الانضمام لجماعة إرهابية".
وأثناء حبسه وضع على ذمة قضية جديدة، التي أدين بها، بناء على صور ضوئية لحساب منسوب إليه على أحد مواقع التواصل الاجتماعية، نفى سنطاوي صلته به، وأحيلت القضية للمحاكمة.
فريق الدفاع دفع أثناء المحاكمة ببطلان الدليل المستمد من التقرير الصادر عن الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعدم مشروعيته، بالإضافة لثبوت عدم اطلاع محرر التقرير على الحساب المنسوب للمتهم، وعدم إخضاعه للفحص، ولاقتصاره على إبداء رأيه في الصور الضوئية المرسلة من النيابة العامة والمُقدمة من المُبلِغ فقط، وفي المقابل لم يحصل فريق الدفاع على حيثيات الحكم حتى الآن.
لا يعرف المحامي الحالة الصحية لسنطاوي تحديدًا "والده مقدرش يوصف حالته بالضبط هل كان باين عليه الإضراب ولا لأ أو أثر على صحته إزاي، لأن الموضوع بالنسبة له كان مفاجأة، ولأن الزيارات بقت شهرية بسبب جائحة كورونا، فبقى التواصل قليل والمعلومات كمان قليلة، فلازم نستنى الزيارة الجاية علشان نعرف معلومات جديدة ونطمن، أو إننا كفريق الدفاع نحصل على إذن زيارة واحنا مقدمين عليه بالفعل".
عبد الرحمن شقيق سنطاوي قال المنصة إنه عند إحالة القضية للمحاكمة توقعت الأسرة أن يصدر حكم بالحبس بين 6 أشهر إلى سنة "دي قضية نشر أخبار كاذبة، كنا متخيلين وأحمد نفسه كان متخيل إنه هيتحكم عليه بسنة ولا 6 شهور، وهو بالفعل قضى 6 شهور، فقلنا الباقي مش هيكون قد اللي فات، وبقى عندنا أمل إن الوضع غير المفهوم ده ينتهي".
وبينما يقر قانون العقوبات المصري عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز سنة واحدة لنشر الأخبار الكاذبة، فإنه يشدد العقوبة إذا وقع ذلك خارج البلاد، فيكون الحد الأقصى الحبس خمس سنوات.
ويواصل عبد الرحمن "الحكم قاسي وغريب، أنا مسمعتش قبل كده حد اتحكم عليه في قضية نشر بـ4 سنين".
الجانب الآخر من المتوسط: خايفة أخسره
في النمسا، كانت سهيلة يلدز حبيبة سنطاوي تتواصل، قبل صدور الحكم، مع أساتذته في الجامعة لضمان استمرار تسجيله في الماجستير رغم حبسه، في انتظار خروجه واستكمال دراسته، إلى جانب تنظيمها بعض الفعاليات المختلفة في عدة دول أوروبية منها وقفات احتجاجية تحمل صوره، والتواصل مع منظمات حقوقية للمطالبة بحريته.
تعتقد سهيلة أن هذا هو الطريق الوحيد الذي قد يمكّنها من استعادة شريك حياتها "مفيش أي طريق ممكن نسلكه حاليًا غير إننا نفضل نتكلم عن أحمد ونطالب بحريته، الأمل الوحيد هو تدخل من الرئاسة وعدم التصديق على الحكم أو طلب إعادة المحاكمة، فهنفضل نتكلم لعل صوتنا يوصل ويحصل أي تغيير"، حسبما قالت للمنصة.
بعد صدور الحكم، تواصلت سهيلة مع أصدقائه الذين نظموا وقفة احتجاجية أمام السفارة المصرية بفيينا، مطالبين بإلغاء الحكم الصادر ضده، كما شهدت عدة جامعات منها لوفين وأنتورب تعليق لافتات لتسليط الضوء على القضية وللمطالبة بالإفراج الفوري عنه، وقبل الحكم عليه، نظم عدد من أصدقاء سمير وأساتذته بالجامعة مسيرة انطلقت من أمام المركز الثقافي المصري في فيينا تطالب بإخلاء سبيله.
أصدقاء سنطاوي دشنوا هاشتاج بعنوان "عفو رئاسي لأحمد سمير"، يطالبون فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي بعدم التصديق على الحكم.
https://www.facebook.com/plugins/post.php?href=https%3A%2F%2Fwww.facebook.com%2Frawda.elaskary.1%2Fposts%2F1492044557814110&show_text=true&width=500وتابعت سهيلة "أحمد كان قلقان ومتوتر وخايف عشان مش متخيل إنه ممكن يروح عليه الترم الجاي أو يحصل مشكلة في إقامته الدراسية، مكنش متخيل لحظة انه يقعد ترم واحد حتى مش أربع سنين، أساتذته في الجامعة والدكاتره منتظرينه، لأنه كان طالب مميز ومحبوب ومجتهد، لكن برضه مفيش في إيديهم حاجة غير المطالبات بإخلاء سبيله".
مكالمات يومية تتم بين سهيلة فريق الدفاع، للنقاش حول الطريق القانوني الذي يسلكه المحامون بالشق القانوني "أنا عارفة أحمد كويس وعارفة إنه مش هيتراجع وهيكمل في إضرابه علشان كده أنا خايفة أخسره"، وبجانب المخاوف التي بدت واضحة في صوت شريكته خلال المكالمة الهاتفية التي أجرتها معها المنصة، إلا أنها أنهت المكالمة بقدر من التفاؤل.
كانت الأسرة تأمل أن تكون إحالة القضية إلى المحكمة مخرجًا من دائرة الحبس الاحتياطي التي تبتلع الآلاف، ولكن هذه الآمال تبددت بعد هذا الحكم القاسي.
وتتوسع السلطات المصرية منذ عدة سنوات في حبس الآلاف على ذمة قضايا تحركها نيابة أمن الدولة العليا، ولا تحيلها عادة إلى المحاكم، ففي عام 2020، فتحت فيه نيابة أمن الدولة العليا تحقيقات في 1116 قضية على الأقل، أحالت منها إلى المحاكم المختصة 20 قضية بعدد متهمين بلغ 548 شخصًا حُكم ببراءة 40 منهم وانقضت الدعوى الجنائية بحق 23 متهمًا لوفاتهم، وأدين البقية وعوقبوا بأحكام تتراوح من الحبس 6 أشهر والإعدام شنقًا.
منظمات حقوقية استنكرت "الحكم التعسفي" واعتبرته "تأكيدًا على إصرار السلطات المصرية على مواصلة نهجها في التضييق على المجتمع الأكاديمي المصري، وقمع الباحثين المسجلين بجامعات خارج البلاد".
الأسرة تعلم جيدا كما وصفت للمنصة "سجل تعامل السجون مع حالات الإضراب"، التي قد لا تأتي بنتائج مثمرة أو محاولات وقف المعتقلين عن الإضراب بالعنف وأيضا الإهمال الطبي، فهناك العشرات من السجناء دخلوا في إضراب من قبل، منهم من قضت المعركة على حياته مثل مصطفى قاسم الذي توفي بعد سنوات من الإضراب، ولكن سنطاوي قرر استكمال معركته، وأنهى زيارة أسرته، يوم الأحد الماضي، قائلًا "أنا مش مجرم يا بابا.. يا أطلع يا أموت".