بأمعاء خاوية بعد إعلان إضرابه عن الطعام، يواجه الناشط السياسي عبد الرحمن طارق (موكا) قرار تدويره للمرة الثانية وحبسه على ذمة قضية ثالثة، يواجه فيها قائمة الاتهامات المتكررة من انضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة، في وقتٍ كان ينتظر فيه تنفيذ قرار إخلاء سبيله الذي صدر قبل شهرين، ولم تنفذه الجهات المعنية طوال هذه المدة.
لم يملك عبد الرحمن طريقًا للاعتراض سوى إضرابه عن الطعام، يستعين بشرب الماء فقط منذ 13 يومًا حتى كتابة تلك السطور، يرفض العصائر أو المشروبات الساخنة، وفقًا لشقيقته سارة التي التقت بها المنصة في محيط قسم شرطة عابدين حيث كانت تزور شقيقها "ماكانش قادر يقف على رجله، وخايفه عليه، خايفة يحصل له حاجة، ومرضاش ياخد مني أي عصير ومبيشربش غير مياه بس، أنا نفسي أعرف أخويا عمل إيه لكل ده، وبيتعاقب على إيه؟".
تصارع سارة خوفها على شقيقها من تدهور حالته الصحية "شفت عبد الرحمن في القسم لمدة 10 دقايق ومكنتش عارفه أقوله إيه، نفسي أقول له يفك الإضراب علشان خايفة عليه، وفي نفس الوقت عارفه إنه بيواجه الظلم باللي يقدر عليه، والسلاح اللي في إيده، اللي هو أهون بكتير من أسلحة التدوير في قضايا يضيع عمره فيها".
وحُكم على موكا عام 2014 في قضية أحداث مجلس الشورى بالسجن ثلاث سنوات وثلاث سنوات أخرى من المراقبة يفترض أن يقضي خلالها 12 ساعة يوميًا في قسم الشرطة التابع له، ولكن أثناء أحداث مظاهرات سبتمبر/ أيلول 2019 التي دعا إليها المقاول محمد علي، أعيد القبض عليه ووجهت إليه الاتهامات التي تتكرر مع جميع الناشطين السياسيين والمعارضين؛ الانضمام لجماعة إرهابية لا يُذكر اسمها ونشر أخبار كاذبة لا تُوضّح طبيعتها، وحُبِس على ذمة القضية 1331 لسنة 2019، إلى أن صدر قرار بإخلاء سبيله في مارس/ آذار الماضي.
ولكن في أبريل/ نيسان أعيد تدويره في قضية جديدة حملت رقم 558 لسنة 2020، وبالاتهامات نفسها، وظل محبوسًا على ذمتها حتى سبتمبر/ أيلول الماضي حيث صدر قرار بإخلاء سبيله، لم تنفذه الجهات المعنية طوال الشهرين الماضيين وظل مختفيًا "لأكثر من 60 يومًا في قسم شرطة قصر النيل" إلى أن أعلن عن ضمه إلى قضية ثالثة مطلع هذا الشهر، حملت رقم 1065 لسنة 2020 ويواجه فيها نفس الاتهامات التي واجهها في القضايا السابقة وفقًا لمحاميه نبيه الجنادي الذي تحدثت إليه المنصة.
ولكن ماذا يحدث داخل الجسد؟
ما يقوم به عبد الرحمن يسمى "الإضراب الكُلي"، الذي يتناول فيه المُضِرب الماء فقط، بحسب الدكتور محمد حلمي استشاري التغذية، الذي يوضح للمنصة أن جسم الإنسان يحتاج يوميا 1200 سعر حراري من الطعام لكي تعمل أجهزة الجسم بكفاءة، ومع منع الطعام تتأثر تلك الأجهزة، وفي مقدمتها العضلات، وعند عدم وجود السعرات اللازمة لعمل جسم الإنسان يلجأ لاستبدال الدهون بها.
تصاب العظام بالضعف بعد ما يقرب من أربعة أسابيع تقريبًا من بداية الإضراب الكلي، وذلك بسبب استغلال مخزون الجلايكوجين الموجود بالعضلات بالكامل والانتقال إلى البروتين، كما تصاب الأعصاب بسبب نقص المعادن والدهون اللازمة لعملها، والدماغ البشري أيضًا يحتاج للجلوكوز للعمل جيدًا دون ضرر، ويمكن أيضًا أن يصاب الشخص المضرب عن الطعام بالإسهال نتيجة خلل في عمل الجهاز الهضمي.
تبدأ أعراض الإضراب عن الطعام بتقلصات في المعدة تختفي مع اليوم الثالث، وتنخفض نسبة الجلوكوز في الدم فيقل بالتبعية إفراز الإنسولين، عندها سيقوم الجسم بإنتاج الجلوكوز من البروتين في العضلات، وهو ما سيؤدي إلى فقدان تدريجي للدهون والبروتين والبوتاسيوم والفوسفات والماغنسيوم.
وبعد شهرين من الإضراب عن الطعام سيزداد الجسم في المزيد من الوهن والتعب، فيفقد الشخص القدرة على التحكم في حركة العين، ويشعر بدوار وقد يصاب بالقيء، مع صعوبة في بلع الماء وازدواج في الرؤية، وفقا لحلمي.
استمرار الإضراب يؤدي إلى فشل أعضاء الجسم الداخلية وهو ما ينتهي بعد مدة بالوفاة، يوضح حلمي أنها تختلف من شخص إلى آخر "جسم الإنسان بيختلف من شخص للتاني، وكمان قدرته على التحمل، علشان كده منقدرش نقول إن في مدة معينة بيتوفى بعدها الإنسان بعد الإضراب عن الطعام، ده بيرجع لقدرة الجسم واستجابته".
الأعراض الخارجية للإضراب عن الطعام تظهر مع اليوم الثالث، فيفقد الشخص وزنه بشكل ظاهر، وتبدو عليه علامات الإعياء ويتشقق جلده ويبدأ الشعر والأظافر في التقصف بسبب نقص البروتين والزنك في الجسم.
مخاوف الإطعام القسري
تزداد مخاوف سارة على شقيقها بعد رفض القسم تحرير محضر بدخوله في إضراب عن الطعام "المحامي طلب من القسم أكتر من مرة نعمل محضر نثبت فيه إضراب عبد الرحمن عن الطعام، والقسم رفض يثبت ده، وده مخوفني أكتر إنه يتهدد إنه يفك الإضراب بالقوة، أو يتعرض لأي مخاطر تانية".
يؤكد الجنادي أن "من حق السجين المضرب عن الطعام إثبات الأمر في محضر رسمي"، بينما تخشى سارة من تدهور وضع شقيقها خاصة وأن "مفيش رعاية صحية في القسم ومفيش أصلا اعتراف بأنه مضرب عن الطعام، أخويا فعلا في خطر ولو كان في سجن مثلا كان ممكن يبقى فيه دكتور لو حالته اتدهورت أو حد يلحقه".
الإضراب عن الطعام حق معترف به ضمن حزمة حقوق الإنسان في المواثيق والشرعة الدولية التي وقعت عليها مصر بطبيعة الحال، ويندرج ضمن المقاومة السلمية التى يحق للأسرى استخدامها، وهو ما تم التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أوضحت في بيان سابق لها أنه عند إعلان السجين إضرابه عن الطعام، يتم تحرير محضر بالواقعة من إدارة السجن ويرسل إلى النائب العام، ولكن في كثير من الحالات تتجاهل إدارات السجون وقطاع السجون بوزارة الداخلية إضراب السجناء عن الطعام وتضغط عليهم لتعليق الإضراب أو تجبرهم على تناول الطعام بالقوة.
وتوضح المبادرة في تقرير آخر، أن مجموعات الناشطين سجلت 85 حالة إضراب عن الطعام في السجون، مع عدم التحقق من الرقم الفعلي، وذلك لمنع المراقبين المستقلين من الوصول للسجون، ورصد الحالات.
الصحفي عبد الله الشامي مراسل قناة الجزيرة، الذي أضرب عام 2014 عن الطعام لنحو 140 يومًا، حتى صدر قرار بالإفراج عنه من النائب العام، ونشرت صوره وهو يتناول الطعام من مائدة عامرة، ووصفت أسرته الأمر حينها بأنها إطعام قسري، واستغلال لضعفه وإعيائه.
قبل الشامي دخل العديد من النشطاء في إضراب، للمطالبة بحقوقهم والاعتراض على سوء المعاملة، أو التعنت مع إدارة السجن في التعامل معهم، ومنهم المبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح، والمحامية ماهينور المصري، وأحمد دومة، ومحمد عادل، ومحمد سلطان الذي دخل في إضراب عن الطعام لمدة 240 يومًا، وغيرهم من النشطاء، وآخرهم مصطفى قاسم، الذي توفي بداية العام الحالي، بعد إعلانه دخول إضرابات متكررة.
قاسم البالغ من العمر 54 عامًا ويحمل الجنسية الأمريكية إلى جانب جنسيته المصرية، أضرب عن الطعام في 2018 بعد الحكم عليه في القضية المعروفة إعلاميًا بأحداث رابعة، وبعدها أعلن الإضراب عن تناول السوائل التي كان يعيش عليها، لتتدهور حالته الصحية، وينقل إلى مستشفى السجن ومنه إلى مستشفى قصر العيني حيث توفي هناك.
شيوعيون وأسرى
في الأول من أغسطس/ آب 1927 توفي أنطون مارون، أول أمين عام للحزب الشيوعي المصري، بعد ستة أسابيع من إعلانه إضرابًا عن الطعام احتجاجًا على الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بسبب نشاطه السياسي في محاكمة صورية، حسبما يؤرخ الكاتب سعيد العليمي، ليكون أول ضحية موثقة للإضراب عن الطعام في مصر.
أما أشهر الإضرابات فهي تلك التي نظمها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ومن أبرزها إضراب سجن نابلس أوائل عام 1968، واستمر هذا الإضراب ثلاث سنوات احتجاجًا على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على يد الجنود الإسرائيليين، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية.
إلا أن المعركة الأبرز التي تسلح فيها عشرات الأسرى الفلسطينيين أبرزهم خضر عدنان وبلال ذياب بسلاح الإضراب، هي معركة الأمعاء الخاوية التي انطلقت عام 2012، احتجاجًا على أوضاع الأسرى داخل السجون والسماح لأسرهم بزيارتهم ووقف اقتحام غرفهم وتفتيش أهلهم بشكل مذل.
ماذا بعد الإضراب؟
يحذِّر استشاري التغذية في حديثه للمنصة من إنهاء الإضراب فجأة، لأنه قد يؤدي لمضاعفات خطيرة تصل للوفاة "مهم قوي لما الشخص يقرر ينهي الإضراب عن الطعام يبدأ بسوايل لمدة 3 أيام وأكل زي مهلبية أو جيلي، وكميات بسيطة قوي وكل ساعة مثلا أو ساعة ونص الشخص ياخد معلقة أو اتنين، وبعد كده نبدأ نزود الأكل تدريجي ونبتدي بنوع واحد خضار، لمدة 3 أيام كمان، علشان المعدة تتهيأ لاستقبال الأكل من غير مضاعفات".
يوصي الطبيب أيضًا بتناول ما لا يقل عن زجاجتي مياه يوميًا عند الإضراب عن الطعام، ووضع كمية قليلة من الملح بأحدهما، وكمية قليلة من السكر أيضًا في الزجاجة الأخرى، مشيرًا إلى أن مضاعفات الإضراب عن الطعام ربما تستمر مع الشخص بعد فك الإضراب، والآثار الصحية من الممكن أن تستمر لفترة إذا وصلت مضاعفات الإضراب للأجهزة الداخلية، فمن الممكن أن يظل الجهاز الهضمي غير منتظم لفترة، مع وهن العظام أيضا التي تحتاج لوقت للعودة لطبيعتها.