منذ أن تلقت بدرية علي الجرعة الأولى من لقاح سينوفارم الصيني منتصف أبريل/ نيسان الجاري عبر عيادات وزارة الصحة المصرية، وهي تراكم إلى أحلامها الكثيرة التي عطلها الوباء، أمنيات جديدة لم يعد يفصل بينها وتحقيقها سوى أيام قبل الحصول على الجرعة الثانية من اللقاح مطلع الشهر القادم.
ويصادف موعد هذه الجرعة عيد الفطر، كمناسبة كان تبادل الأحضان فيها بديهيًا ولم يعد كذلك منذ الجائحة، وصار بالنسبة للجِدَّة الملتزمة بالإجراءات الاحترازية أولوية قصوى تضعها على قائمة أنشطتها بعد الحصول على جرعتيها كاملتين "أحلام كتير كانت متعطلة بسبب الوباء، مش عارفة أشوف ولادي ولا نتجمع، ولا أخدهم في حضني ولا أخد أحفادي في حضني زي الأول، أنا بحلم بالحضن ده، ودي أول حاجة هعملها بعد الجرعة التانية".
يخنق كوفيد-19 حياة البشر، حتى وإن لم يُظهروا احتياطًا كافيًا للوقاية من خطر الإصابة به، ومع بدء حملة التلقيح في مصر، وعلى الرغم من تخوف البعض من أعراض اللقاحات الجانبية، نمت لدى الكثير أمنيات بالخلاص من قبضته، لكن الملفت أن تلك القبضة المهلكة التي غيرت شكل الحياة خلال السنة الماضية لم يرتبط الخلاص منها بأحلام ضخمة أو أمنيات عسيرة التحقق. فقط أمنيات عادية. وكأن العودة إلى العادي صار بفعل الوباء أمرًا يتعذر وقوعه، فكما تمنت بدرية عودة "لمة العيلة" وتقبيل أفراد أسرتها، يتمنى آخرون أحلامًا كثيرة بسيطة، ربما لا تتعدى خروج وعودة آمنين من وإلى المنزل دون خوف من موت ينتظرون مواجهته في الخارج أو أن يحملوه إلى أحبائهم حين يعودون.
في الإحصاءات الرسمية التي تعلنها وزارة الصحة، يتجاوز أعداد المصابين بالفيروس في مصر منذ بداية الوباء 215 ألف مصاب، وتزيد أعداد حالات الوفاة عن أكثر من 12 ألف شخص، لكن مسحًا أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام بصيرة كشف أن هناك نحو 2.9 مليون مصاب بالفيروس منذ بداية الجائحة وحتى نهاية 2020، في المقابل أعلنت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، أن حملة التطعيم ضد الفيروس التي بدأت في مارس/آذار الماضي قد شملت تطعيم نحو 149 ألف مواطن حتى الآن.
لا ألتزم ولكني خائف
لا يمنع التطعيم، بشكل كامل، الإصابة بالفيروس أو نقل العدوى إلى الآخرين وإنما يخفف من أعراضه المميتة، لكن بدرية علي التي التزمت الإجراءات الاحترازية بشكل صارم حسب تأكيدها للمنصة، تملك أمالًا بالعودة إلى ممارسة حياتها الطبيعية في حرية كمكافأة على التزامها التباعد الاجتماعي تلك المدة كلها، في المقابل هناك كثيرون لم يتبعوا إجراءات الوقاية بشكل سليم ومارسوا نشاطاتهم العادية دون احتراز كاف، لكنهم يعولون أيضًا على اللقاح في أن يمنحهم بعض الإحساس بالأمان مثل مع محمد أشرف، 23 سنة، الذي سجل نفسه ووالديه على موقع وزارة الصحة لتلقي اللقاح خوفًا من أن يكون مصدرًا لنقل العدوى لهم.
يقول أشرف للمنصة "سجلت علشان محسش في يوم إني كنت سبب لنقل عدوى لأبويا وأمي لأنهم كبار في السن، أو لأخواتي البنات، بما إني بسافر وبخرج وبقابل صحابي عادي، فنفسي أخده وهما ياخدوه علشان ميبقاش في خوف من الإصابة عليهم مش عليا، أنا شاب وهستحمل، وكذا حد من صحابي جالهم الفيروس وخفوا عادي، الخوف على كبار السن بس".
ومثل محمد أشرف تنتظر منار خالد، 25 سنة، الجرعة الثانية بعد ثلاثة أشهر، تقول للمنصة "قررت أخد اللقاح علشان أحس إني حرة، قرايبي وأهلي بيوصفوني إني مستهترة لأن والدتي جالها كورونا قبل كده، وقالوا إني السبب لأن أنا اللي بروح الشغل وبخرج وعادي، فنفسي يبقى عندي رد للي يقولي البسي كمامة أقوله خلاص أنا خدت اللقاح".
لكن ذلك الخوف الذي حرك محمد ومنار للتسجيل لتلقي اللقاح، يقابله خوف آخر يتملك البعض من الأعراض الجانبية للقاح، في ظل غياب أي حملات توعوية بأهمية التطعيم والاختلافات بين كل لقاح وآخر والأعراض المصاحبة لكل لقاح على حدة، في الوقت الذي لا يملك المواطن المتقدم للتطعيم حرية الاختيار بين اللقاحات المتاحة، فيما يتوجب عليه الإمضاء بالموافقة على إقرار تتضمن بنوده علمه بجميع الآثار الجانبية للقاح والمضاعفات المحتملة وإعفاء الدولة من جميع المسؤوليات التي قد تنشأ عن تلقيه.
ذلك الشكل من الرهبة هو ما واجهه منتصر عبد الله، 61 سنة، الذي سجل بعد إلحاح من أولاده، وحصل على موعد بالفعل لتلقي التطعيم لكنه عدل عن قراره بمجرد وصوله العيادة التابعة لوزارة الصحة، يقول للمنصة "روحت لقيت اللقاح التاني اللي هو مش الصيني (يقصد أسترازينيكا) وبين الجرعتين 3 شهور، مشيت ومرضتش أخد".
ويضيف "مفيش إمكانية للاختيار. المتاح هو اللي بيتاخد، وفي إقرار بمضي عليه، ابني حاول يفهمني إن كل اللقاحات زي بعض، بس أنا خفت ومشيت، حسيت إن لو أخدت اللقاح ده وأنا واقف بطولي وبصحتي، هروح البيت بعربية إسعاف، وروحت وأنا مقتنع إن اللي ربنا كاتبه هشوفه بس مش هرمي نفسي في التهلكة، ولو لقدر الله حصل لي حاجة وأنا ماضي على إقرار مش هلاقي مكان يقبلني أصلا".
وعلى خلاف منتصر لم يثن بدرية خوفها من الأعراض الجانبية عن تلقي الجرعة الأولى من اللقاح "سألنا دكاترة كتير، قالوا إن الفيروس جديد واللقاح كمان جديد، وكان رد كل الدكاترة إن مفيش قدامنا اختيار، حتى لو بيسبب مضاعفات فاحنا بنختار ما بين مشاكل طبية محدودة أو الإصابة بوباء ممكن يؤدي للوفاة"، بيد أنها لن تنتظر حتى حصول أبنائها الذين سجلوا بالموقع الإلكتروني لوزارة الصحة على اللقاح، مقررة أنها ستمضي قدمًا في خطتها للم شمل العائلة تحت سقف واحد في عيد الفطر "إن شاء الله هكون خدت الجرعة التانية ومش هيحصل حاجة، أنا مش هقدر أستنى أكتر من كده علشان ألم الولاد وأتخلص من الوحدة دي، ويمكن من هنا لوقتها يكون الولاد كمان خدوا حتى الجرعة الأولى".
يجتمع المقبلون على تلقي اللقاح والخائفون من أعراضه الجانبية حول هدف واحد تقريبًا هو البحث عن سبيل للعودة إلى الحياة السابقة على الوباء، ولكن تشير براندون أمبروزينو في مقال نشرته بي بي سي، أن البعض يظن أن الحياة قد لا تعود كسابق عهدها على أية حال، لكننا قد نضع معايير جديدة للاعتياد على الحياة الطبيعية بعد الأزمة، حتى لو كانت مختلفة عما ألفناه قبلها، قائلة إنه "لو نظرنا مثلا في المعاجم، سنجد أن مرادفات طبيعي هي السوي أو المطابق للقياس أو النمطي أو غير المخالف للقاعدة أو المعتاد".
العودة إلى ممارسة الحياة السوية
ممارسة الحياة السوية هو الهاجس الذي دفع جهاد شريف، 32 سنة، التي حصلت على الجرعة كاملة من اللقاح، للتفكير في الخضوع للتطعيم ضد الفيروس، تقول للمنصة "هو في حياة بعد الكورونا؟ أنا بقيت لما بشوف مشهد في مسلسل في اتنين في أوضة مقفولة ببقى مستغربة، وكأن العادي بقى الإجراءات الاحترازية، مش عارفة الحاجز ده هيروح ولا لأ"؟
كل ما ترجوه جهاد التي التزمت طوال السنة الماضية بالإجراءات الاحترازية بشكل صارم، أن تتمكن مرة أخرى من الذهاب بحرية للكوافير "أول حاجة هعملها هروح للكوافير، اعمل شعري واعمل بادكير ومانكير، وهتنفس الهوا من غير عازل".
وبعد تلقي الجرعة الأولى من اللقاح بدأت جهاد في البحث عن أحدث قصات الشعر وأحدث الألوان لتغير "اللوك" والبحث عن أسعار الفنادق للسفر وقضاء إجازة العيد في أحد الأماكن الساحلية "السنة اللي فاتت دي صعبة أوي، أنا وصحابي كنا بنسافر كتير وبنروح حفلات وخروجات، بس الأزمة غيرت كل ده، سنة صعبة مخرجناش فيها من القاهرة، ما بين عزل في البيت، والتدوير على أماكن تنفع نتقابل فيها ميكونش فيها خطر"، ورغم ذلك تستعد جهاد للسفر بمفردها في عيد الفطر، لأن كثير من أصدقائها لم يحصلوا على اللقاح بعد.
أما سمير محمد، 48 سنة، فلم تمهله إصابته بالفيروس بعد تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح وقتًا كافيًا ليضع قائمة بأمنيات ينفذها بعد تلقي الجرعة الكاملة من التطعيم، يقول للمنصة "بعد الجرعة الأولى، روحت البيت عادي وبنفس الطريقة أو شكل الحياة اللي كنت ماشي بيها من قبل اللقاح، لكن بعد 8 أيام لقيت عندي أعراض برد، ومعاها كحة وسخونية، والدكتور طلب مني أعمل مسحة للتأكد".
لم يكن الاندفاع في ممارسة الأنشطة الحياتية بحرية بعد تلقي اللقاح هو السبب في إصابة سمير بالفيروس، حيث إنه بحسب تأكيده للمنصة لم يغير من النمط الذي انتهجه للوقاية من الإصابة بكورونا قبل تلقي الجرعة الأولى من اللقاح، الذي يلخصه قائلًا "أنا بروح الشغل وأنا لابس كمامة في المواصلات، بيكون صعب ألبسها طول اليوم في الشغل، فبنفتح الشبابيك، وبحاول قدر الإمكان أبعد عن الأماكن المقفولة، بنتقابل أنا وأصدقائي بس في أماكن مفتوحة، مبنروحش سينما مثلا ولا مولات مع مراتي وولادي".
كان سمير يرغب في حضور حفل بدار الأوبرا بعد أن يتلقى الجرعة الكاملة من التطعيم، وأن يشاهد كذلك فيلمًا في السينما "السينما من الحاجات اللي بحبها جدا، وانقطعت عنها بسبب الكورونا، وكمان حفلات الأوبرا، اللي فكرت فيهم كأول حاجة ممكن تتعمل بعد إني أروح القهوة"، لكن الحماس الذي تحدث به عن قائمة أنشطته انطفأ حين تذكر المدة الطويلة التي صار عليه انتظارها حتى يحصل على الجرعة الثانية من اللقاح وذلك بعد أن يتعافى أولًا من الفيروس "اتصلت بالخط الساخن لوزارة الصحة قالوا إن الجرعة التانية مش هتنفع غير بعد ما أخف خالص من الفيروس"، لكن أكثر ما يؤلم سمير ليس تعطل حياته من جديد وإنما شعوره بالذنب بعد أن نقل الفيروس إلى ولديه الاثنين وزوجته التي كانت تنتظر مثل كثيرين تلقي الجرعة الأولى من اللقاح التي لم تعد مؤهلة لتلقيها حاليًا بسبب إصابتها بالفيروس، حيث يشير الإقرار الذي يوقعه الراغب في تلقي اللقاح ألا يكون قد أصيب بالفيروس خلال الثلاثة أشهر السابقة على تقدمه لتلقي جرعة التطعيم.