للمصريين ربيعان في العام الواحد، ربيع في مارس/ أذار، وربيع مولد السيدة زينب حفيدة النبي في رجب، وإن كان في احتفالهما بالأول مع شم النسيم احتفاء بخلق الحياة من الجماد وفق الطقس الفرعوني، فإنهم في الثاني يعيدون الحياة لأرواحهم المتعبة، ورغم أن مولد السيدة يصادف حلوله اقتراب فصل الربيع، لكن الإجراءات الاحترازية التي تتبعها الدولة لمواجهة تفشي فيروس كورونا، قد تمنع الآلاف الذين يحجون من كل ربوع مصر إلى قلب العاصمة من لقاء أم العواجز للعام الثاني على التوالي.
خلال السنة الماضية منعت الإجراءات الاحترازية الشكل الكرنفالي المصاحب للمولد الذي يستمر انعقاده نحو أسبوع قبل حلول الثلاثاء الأخير من شهر رجب والمعروف بـالليلة الكبيرة، لكن محبي بنت بنت النبي تجمعوا رغم ذلك في فرق صغيرة على أطراف مسجدها وضريحها ومارسوا شعائرهم الاحتفالية، تمامًا مثلما جرى في يناير/كانون الثاني الماضي، أثناء مولد سيدي الرفاعي، الذي يحتل المشاركون فيه عادة القاهرة القديمة بداية من مدرسة السلطان حسن بحي القلعة وصولًا إلى حي سوق السلاح، ويأتون إليه في وفود يحملون رايات الطريقة الرفاعية، خلال مواكب احتفالية تنطلق من أحياء السيدة زينب والحلمية والإمام والخارطة، أو من محطة سكك حديد مصر في ميدان رمسيس بالنسبة لهؤلاء القادمين من المحافظات النائية، لكنهم هذه السنة التي تواكب اندلاع الموجة الثانية من الجائحة اضطروا لتغيير طقوسهم، ليكونوا فرقًا صغيرة اجتمعوا فيها مرتدين الكمامات يبتهلون بالذِكر، ويتناولون طعام الأضاحي في ولائم أعدها مريدو القطب الصوفي.
تشبه الموالد طقس الحج إلى حد كبير، خاصة بالنسبة لهؤلاء الذين لا يسكنون العاصمة ويتركون بيوتهم في رحلة قد تمتد إلى أكثر من أسبوع يبيتون خلالها في خيام ينصبونها حول أضرحة أقطابهم، وكنتُ وأصدقائي بحكم سكننا بمنطقة الدرب الأحمر القريبة من الكثير من أضرحة الصوفية وآل البيت النبوي، يثيرنا فضول كبير تجاه هؤلاء الذين يتركون حياتهم ورائهم ويخاطرون بأنفسهم، خاصة في ظل ما استجد من أمر الجائحة، لإقامة تلك الشعائر بغرض مشاركة همومهم وأمانيهم مع من يظنون أن في أيديهم الحل لكل مشكلاتهم.
السيد البدوي واللورد كتشنر
ليست الجائحة أول عائق يقف أمام إقامة الموالد ويدفع المصريون للتكيف مع آليات منعه لممارسة شعائرهم، حيث كان الاحتلال الإنجليزي لمصر، ممثلًا في هيئة اللورد كتشنر، يحاول التغلغل في البنى الثقافية للشعب بشكل أكبر، ولذلك فرض شكلًا من أشكال النظام ممثلة في وزارة الداخلية، التي كان غرضها الأساسي هو قمع الاضطرابات الريفية وفرض السيطرة عليها، ومن تلك العقبات الثقافية التي وقفت في طريقهم كانت الموالد، فالاحتفال الشعبي كان شيئًا مقدسًا بالنسبة للمصريين ولا يمكن التعرض له بأي حال، لكن البريطانيين قد تعللوا بالأخطار الصحية لتلك الظاهرة لمنعها.
زادت أعداد زوار مولد السيد البدوي في طنطا، الذي يعد واحدًا من أكبر التجمعات الشعبية في دول البحر المتوسط، بعد إنشاء السكك الحديدية التي ربطت طنطا بغيرها من المدن المصرية، ويشير تيموثي ميتشيل في دراسته استعمار مصر إلى أن عدد رواد المولد تجاوز في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع عشر النصف مليون زائر في السنة، وهو ما دفع السلطة الاستعمارية البريطانية لمنعه بدعوى أن الممارسات الدينية التي تجري فيه تتعارض مع القانون وتضر بالبلاد لما يسببه من "عطالة" تعوق الناس عن ممارسة أعمالهم، ولم يثنها عن قرارها تأكيدات التجار أن المولد يشكل سوقًا سنويًا ضخمًا تزدهر فيه الأعمال والتجارة، وفي العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر جرى كبت المولد تمامًا، باسم الصحة العامة، فقد تزايد القلق بدءًا من سبعينيات القرن التاسع عشر بشأن انتشار الأمراض والهواء الفاسد في أعقاب المناسبة كل عام، وقد ألقي اللوم على هذا الوضع بسبب البنية المادية للمدينة، وهو ما جعل بعض مبانيها تتعرض للتدمير من أجل خلق شوارع مفتوحة.
ورغم مقاومة المصريين لقرارات المنع لكنهم لم يستطيعوا الاحتشاد طيلة فترة المنع، فأصبحوا يحتفلون بمولد السيد البدوي على نطاقات ضيقة تضم الأصدقاء والأقارب، وبعد جلاء غيمة الاحتلال، عاد المصريين مرة أخرى للاحتفال بمولد السيد البدوي، وربما بأعداد تضاعفت عن القرن التاسع عشر، فلم تستطع الثقافة الكولونيالية بعللها العلمية والصحية أن تمحوا فكرة المولد من التكوين الميتافيزيقي للعقل المصري، فهم لم يفهموا القيمة التي يشكلها أولياء الله للمصريين.
مقهورون وأولياء
الكرامات هي ما يسمو بأولياء الله عن نظرائهم من البشر، وفي طبقات الشافعية الكبرى يعدد تاج الدين السبكي كرامات الأولياء، بين إحياء الموتى والمشي على الماء وتسخير الحيوان، وإبراء العلل وإجابة الدعاء والإخبار ببعض الغيب، والصبر على الجوع والعطش والحصانة من السموم.
و برزت الحاجة إلى أولياء الله الصالحين بدايةً من القرن السابع الهجري كما يؤرخ الدكتور عامر النجار في كتابه الطرق الصوفية في مصر، فقد بدء الحكام في تشجيع الطرق الصوفية مثل الظاهر بيبرس الذي كان يعلن تبركه وولاءه لمشايخ الطرق، وكان المصريين يجدون أن حاجات هؤلاء المشايخ ومصالحهم كثيرًا ما تقضى لدى الحكام، وفي وقت كانت الظروف الاقتصادية غاية في الصعوبة، بدأ الناس بالبحث عن متنفس للتعبير عن معاناتهم وآلامهم، وهو ما وجوده بالانضمام إلى الطرق الصوفية، ونتيجة لازدياد إقبال الجماهير على الانضمام للطرق الصوفية، انتشرت الكرامات العجيبة حول شيوخ الطرق، والتي اختلقها بعض المريدين، فظروف المجتمع المتدهورة ساعدت المريدين أن يضفوا على شيوخهم هالة من الأساطير، ينتفعون ويتكسبون منها على حساب سمعة شيخهم، بما يقدم لهم من صدقات ونذور وهبات أوقاف.
ومن هذا كله ظهرت فئة من المريدين والمتكسبين من الانتساب للطرق، وظهرت جماعات المتواكلين والدجالين والبله الذين يتكسبون من وراء لبس الخرق والهلاهيل والانتساب إلى الطريقة، وهذا كله عاد ليتخذ مكانًا قويًا ويكون من المآخذ التي تؤخذ على الطرق الصوفية والموالد، واتهامها بإشاعة الدجل والجهل بين الناس، بعد أن كانت طريقًا لتقويم النفس المذنبة، وإجلاء قلق النفس المهمومة.
في كتابه التخلف الاجتماعي، يحاول الدكتور مصطفى حجازي الاقتراب من عقلية إنسان العالم العربي المسلم الذي سماه بالإنسان المقهور، من خلال سرد بعض الممارسات الدفاعية والطقوس التي ينتهجها لتعينه على وضعية القهر والعجز المزرية التي يعيشها ويورثها لأبنائه، وهذا ما جعله يربط بين حالة القهر ولجوء الإنسان إلى الدوائر الصوفية وأولياء الله الصالحين.
يرى حجازي أن الإنسان ليس في مقدوره تحمل وضعية القهر والعجز أو الاستسلام لها، وهذا ما يدفعه للبحث عن حل يستوعب مأساته، ليشعره بالسيطرة عليها جزئيًا، وفي حال عجز الإنسان عن الوصول إلى حل مادي لمشكلته، فهو يلجأ إلى الحلول الخرافية والسحرية على حد تعبيره، فيتوسل الأوهام ويعلل بها النفس ويجمل بها الواقع، ويستعين بتصوراتها على تحمل أعباءه، وهو ما يساعده إلى الوصول لشيء من التوازن الوجودي الضروري، الذي يسعفه ويمنحه القدرة على الاستمرار.
ويناقش حجازي علاقة الحكام بتلك الممارسات، فيرى أنها علاقة تبادلية، من صالح الحكومة أن ترعى الأولياء والمقامات والموالد، ومن صالح الناس الاستمرار في اللجوء إلى تلك الظواهر، مما يجعلهم يوكلون مشكلاتهم إلى غير محلها، ويتخاذلون في توجيه السخط إلى حكوماتهم، فتتأصل السيطرة الخرافية على المصير في نفسية الإنسان المقهور، كي تبلغ مرتبة الإيمان الذي لا يتزعزع والعقيدة التي لا تمس، والذي يساعد هذا الأمر ما يحاط به من ممارسات على اختلافها لها طابعها الديني، مما يدخلها في فئة المقدَّس، ويزيد سطوته على الإنسان المقهور.
ويرى الباحث أن الإنسان المقهور يُسقط على الولي صورًا مثالية للأم الحنون المعطاء، والأب الحامي الرحيم، وهي صور تغرس في أعماق لا وعي طفولته وتشكل نماذج للخير والمحبة والأمل والرجاء والأمان، وتساعده في مجابهة الدهر و تقلباته.
فيما يحصر ظاهرة الأولياء على القطاعات الأكثر قهرًا في السكان، حيث تنتشر مقاماتهم وأضرحتهم في المناطق الشعبية النائية، ويكون مريدوهم من البسطاء الفقراء، وتلك الأضرحة تشكل نواة للتجمعات السكانية، ويجاور الناس الأولياء طامعين في أن يصيبهم قسطًا من بركاتهم.
ويرى مصطفى حجازي أن تلك الصورة الخيِّرة للأولياء وكراماتهم وأدعيتهم، تستطيع أن تمنح الإنسان المقهور تعويضًا يملأ خواء عالمه العاجز المحدد، وتمنحه الشعور بأنه لديه القدرة على التصدي لواقعه والتحكم بمصيره، بقدر ما يتخذ من هؤلاء الأولياء حلفاء له، فيحتل جبروت الرجاء محل قوة الفعل التغييري، وتحتل روحية الاستجداء والحماية، محل المطالبة بالحق وانتزاعه.
التواقون إلى الحرية
وفي مقابل قراءة حجازي المادية للظاهرة، يرفض أستاذ ومنسق الدراسات العربية بجامعة يورك الكندية، الدكتور وليد الخشاب، الذي أعد أكثر من دراسة عن الحركات الصوفية، قصر الظاهرة على الطبقات الدنيا من المجتمع، ويرى فيها وجهًا إيجابيًا بالنسبة لممارسيها، فهي تنبع أساسًا من الحاجة للتعزية والطمأنينة عند كافة الطبقات، نتيجة للمصاعب التي يواجهونا في حياتهم العادية، ونتيجة أيضًا للقلق الناجم عن تغير أنساق القيم بفعل التحديث، وقول في تصريحات للمنصة، إن ذلك ما يدفع بالناس من طبقات كثيرة إلى اللجوء لبعض الممارسات الصوفية، في حلقات الذكر أو الدروس أو الموالد.
ويذهب الخشاب في دراسة بعنوان الصوفية المادية: ممارسة الشعوذة أم سياسة الأمل؟ أن لتلك الظاهرة وجهًا إيجابيًا آخر، فهو يرى أن الصوفية تسعى لتجاوز الوساطة المفروضة من الدولة على الإنسان وعلاقته بالدائرة الإلهية، ورغباته، فالمفهوم الفكري للصوفية يؤسس لسياسة جذرية مستقلة عن الدولة، فهي تطرح نفسها كبديل لتسلط الدولة، أو كمجال على هامشها.
ويرى أن الصوفية تهدف لإشاعة مناخ ديموقراطي يعتمد على مبدأ قد طرحه ابن عربي في أن كل إنسان يحمل في نفسه شيئًا من روح الله، ويتجلى ذلك المناخ في ظاهرة المولد، التي تتيح مساحة لتواجد الجماعات التي تنتمي للمهمشين، فهي تنطوي على غير المسلم واللص والتائب والمثلي والراقصات، ويعد كل ذلك تجليات لفكرة الضيافة وفكرة المساواة.
فيما يعتبر أستاذ الدراسات العربية أن ما تتعرض له تلك الظاهرة من نقد متأثر بعقلانية الغرب، حيث ينظر إليها بتأفف من المثقفين التنويريين باعتبارها عالم تتجلى فيه صور الشعوذة والتخلف، متغاضين عما تتيحه تلك الممارسات الصوفية من مساحة لممارسة قدر من التحرر، مع تقبله لمشروعية النقد العقلاني التنويري فيما يخص الاحتفالات الجماعية والمعتقدات الشعبية في الشفاعة والمعجزات، ولكنه يرى أن هناك مكانًا للفهم والاحتواء بين نقد الشعوذة، وبين تقبل ممارسات غير عقلانية طالما أنها تتيح لممارسيها فرصة الترويح عن النفس، خاصة في أوساط الطبقات الشعبية، وشرائح عديدة من الطبقة الوسطى.
ويقول الخشاب إن فكرة "سياسات الأمل" تستوعب توظيف ذلك التفاؤل الصوفي في أيام الموالد، وفي الحوار مع سكان الأضرحة، كأداة من أدوات الشحن العاطفي الإيجابي ليس كأداة تغيبية تكرس الجهل، ففي فترات الهزائم والركود، تشتد حاجة الفرد إلى التعزية، وتلك التعزية التي تتيحها الصوفية هو ما جعلها تتطور من دعوات وعاظ إلى طرق منظمة تضم أعدادًا كبيرة من المجتمع، كفلت لها استمراريتها حتى الآن.
ويصف المولد كتظاهرة احتفالية تعلق فيها القوانين وتتوقف سيطرة المؤسسات على الفضاء العام طوال انعقادها، وهو ما يحقق مساحة من الحرية التي ينشدها المحتفلون، فيشعر الناس بمسؤوليتهم عن تنظيم حياتهم باستقلالية عن الدولة، ولا يتعدى دور الشرطة أكثر من تأمين حدود أماكن الاحتفال، دون انخراطها وسط الجموع.
المولد سوق
عبر قرون من إحياء الشارع المصري للموالد، تجاوز الاحتفال الشعبي فكرة الطقس الروحاني إلى لعب دور هام في الاقتصاد المنظَّم وغير المنظَّم للشارع المصري، ويعتبر الصحفي مصطفى عبيد المولد وسيلة من وسائل السياحة الدينية، التي تشترك وزارة الأوقاف في إعداد خطط لاستقبال زواره من العرب والأجانب سنويًا.
وفضلًا عن السياحة الخارجية، تتسبب الموالد في إنعاش السياحة الداخلية، فأصحاب مكاتب وشركات السياحة يرون في مناسبة المولد فرصة ملائمة للتشغيل المثالي خلال فترات الركود للسياحة الخارجية، فمن خلال تنظيم رحلات منتظمة خلال موالد مشاهير أولياء الله الصالحين، تقوم الشركات بنقل الملايين من المصريين من الأرياف لزيارة الأضرحة، وتنظم المكاتب السياحية تلك الرحلات بالتنسيق مع فنادق صغيرة وشقق مفروشة لتسكين زوار الموالد والأضرحة القادرين، بينما هناك آخرون من الباعة الجائلين الذين يعدون المولد "موسمهم" ويحصلون على التراخيص من الحكومة التي تسمح لهم بالتجارة والبيع في مختلف الأنشطة التي يحتاجها رواد المولد، فضلًا عن صناعة "المراجيح" والألعاب التي تعد بمثابة "ديزني لاند" البسطاء وأولادهم في احتفالاتهم بالمولد، فضلًا عن أن مناطق الموالد تعد مناطق حيوية، لا تنقطع القدم فيها، وهو ما ينعكس على أسعار تأجير المساكن والمحلات التجارية، كمنطقة السيدة زينب بالقاهرة، التي قد يصل متوسط إيجار بعض المحلات فيها إلى 50 ألف جنيهًا في الشهر.
وأثر المولد أيضًا في الثقافة الفنية في مصر، ويشير د.عامر النجار في كتابه الطرق الصوفية في مصر، إلى أن رجال الطرق الصوفية لعبوا دورًا بارزًا في حفظ أصول الغناء العربي من الضياع، خاصةً بعد سقوط بغداد على يد التتار، وسقوط الأندلس، كان أن انقضت مجالس الغناء العربية الساهرة، ونسى الناس كل شئ عن الغناء العربي وصناعته، لكن تلك الأنغام ظلت تتردد في مجالس الصوفية ومحافلهم، خاصة في الموالد من خلال التواشيح التي يغنوها وينشدونها، بل أن بعض مجالس الصوفية تحولت من مجالس ذكر إلى مجالس فنية يتردد خلالها التواشيح والأناشيد الدينية وغيرها مما تمتاز بها الموالد، ولازالت لتلك الظاهرة آثارها حتى اليوم يمكن أن نلمحها في المنشدين الذين يحيون ليال الموالد مثل لشيخ ياسين التهامي والمنشد الراحل الشيخ أحمد التوني الذي تخطى حدود المحلية إلى التعاون مع بعض الملحنين الأجانب، وإقامة حفلات في الخارج.
اللافت للنظر أن التقدم التكنولوجي وما يعايشه العالم من تطور مطرد في وسائل التواصل، بدلًا من أن يتجاوز ظاهرة المولد باعتبار الأول تطور لعلم مادي والأخير تمسك بما هو معنوي وغيبي، فإن ساعد في ازدهار الطقس، كما يرى الخشاب الذي يقول للمنصة إن "ثورة الانترنت بدأت تدريجيًا منذ حوالي ربع قرن، وقد زاد عدد حاضري الموالد والحضرات، واتسعت الدوائر الطبقية التي يأتي منها هؤلاء، فلم تعد تقتصر على طبقات شعبية أو طبقات وسطى من أصول ثقافية شعبية، فالعولمة والتكنولوجيا قد تساهم في نشر ممارسات المولد".
ويلفت الخشاب إلى أن من بين عشرة آلاف يحضرون المولد ، مثلًا، فإن ثلاثة آلاف منهم على الأقل يملكون هاتفًا ذكيًا يسجلون من خلاله الاحتفالات وينشرونها على الإنترنت، فيراها ثلاثون ألفًا، ويزداد عدد المتفاعلين مع المولد، مستشهدًا بتجربته الشخصية في هذا الصدد، حيث يحرص على حضور مولد سيدنا الحسين من كندا سنويًا، عبر مقاطع محملة على موقع فيسبوك، بفضل هاتفه المحمول.
ولعل تلك التكنولوجيا تمثل سلوى أو حلًا لهؤلاء الذين قد لا يستطيعوا حضور المولد هذا العام بسبب الجائحة، ويمكن كذلك إقامة احتفالية الليلة الكبيرة التي يحرص كبار المنشدين على إحيائها عبر بث حي، لكن سيظل ذلك التطور رغم ما يتيحه من إمكانات قاصرًا في الوقت نفسه على توفير التجربة الروحية التي يخوضها المريد أثناء أيام المولد السبعة.