رغم تأكيد مستشار الرئيس لشؤون الصحة الدكتور عوض تاج الدين في نهاية العام الماضي صدور "توجيهات رئاسية" بحصول المصريين على لقاح فيروس كوورنا المستجد مجانًا، فإن وزيرة الصحة هالة زايد أعلنت عن "فئات محددة" هي فقط التي لن تدفع مقابل التطعيم.
بحسب زايد، فإن من سيحصلون على اللقاح مجانًا هم طواقم الخدمة الطبية والمواطنون الذين تشملهم مبادرة تكافل وكرامة ويصل عددهم إلى نحو 3.6 مليون مواطن، بينما سيتعين على غيرهم من الراغبين في تلقي اللقاح دفع ثمنه، والذي قدرته وزيرة الصحة بمائة جنيه أو أقل مقابل الجرعة الواحدة من اللقاح الذي يؤخذ على جرعتين.
وتبلغ نسبة الفقراء في مصر 29.7% من إجمالي عدد السكان أي نحو ثلاثين مليون شخص، وفقًا لما أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء العام الماضي، ما يعني أن أكثر من 26 مليون مصري تعتبرهم الحكومة فقراء سيكون عليهم دفع ثمن اللقاح إذا اختاروا الحصول عليه.
نائب رئيس حزب التحالف الشعبي إلهامي الميرغني يعتقد أن ما أعلنته الوزيرة من إجراءات للحصول على اللقاح، تخالف نصوص الدستور والقانون التي جعلت الرعاية الصحية حقًا مكفولًا لكل مواطن، فاختصم في دعوى رفعها أمام القضاء الإداري كلًا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء وزيرة الصحة لإلزامهم بتوفير اللقاحات لجميع المصريين مجانًا، وهو ما اعتبره، على الجانب الآخر، عضو لجنة الصحة في مجلس النواب حسام الدين حلمي "مزايدة"، على اعتبار أن البلاد تمر "بأوقات صعبة".
"أوقات حروب"
الدعوى التي تقدم بها الميرغني حددت لها المحكمة جلسة 13 فبراير/ شباط الجاري لنظرها. وعنها يقول القيادي بحزب التحالف الشعبي للمنصة، إن الفترة التي نشهدها حاليًا أشبه بأوقات الحروب، لا مجال فيها للرفاهية "احنا عندنا فلوس تكفي منح اللقاح للجميع، منها الـ100 مليار اللي الرئيس أعلن عنهم في بداية الجائحة لمواجهة الأزمة، بجانب قرض صندوق النقد الدولي اللي حصلت عليه مصر وقيمته 7 مليار. ده العاصمة الإدارية في المرحلة الأولى اتكلفت 800 مليار، يبقى إزاي مش هنقدر نوفر جرعات اللقاح؟".
"لو تم تطعيم كل المصريين بجرعتين من عقار شركة موردنا الأمريكية، وهو أعلى عقار سعرًا في العالم، هتوصل تكلفة تطعيم مائة مليون مصرى 7.4 مليار دولار، ولو التطعيم بجرعتين من عقار شركة سينوفارم الصيني التكلفة هتكون 6 مليار دولار، ولو تم التطعيم بجرعتين من عقار شركة سبوتنيك الروسي التكلفة هتكون 2 مليار دولار، ولو تم التطعيم بجرعتين من عقار شركة أكسفورد- أسترازينيكا الانجليزية تكلفته هتكون 800 مليون دولار، وهنا احنا بنحسب على عدد الشعب كله اللي هو بزيادة، وفقًا للأسعار المعلنة للقاح".
يستند الميرغني في دعواه لمواد الدستور الذي يؤكد أن لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة، بحسب مادتيه 17 و18، وما ينص عليه أيضًا قانون التأمين الصحي الشامل في مادته الثانية بأن "التأمين الصحي الشامل نظام إلزامي، يقوم على التكافل الاجتماعي، وتغطي مظلته جميع المواطنين بجمهورية مصر العربية".
غير القادرين وفرص النجاة
شخصيات عامة أعلنت انضمامها إلى الدعوى التي رفعها الميرغني ويباشرها المحامي الحقوقي خالد علي بعد طرح عريضة للتوقيع عليها، من بينهم الدكتورة منى مينا، الأمينة العامة لنقابة الأطباء سابقًا، والتي أوضحت للمنصة أن ترتيب الأولويات في منح اللقاح منطقي ومفهوم ولكن ما "طبعًا متفهمين جدًا إن ترتيب الناس لفئات مهم، نبدأ بالأكثر تعرضًا للخطورة، ثم الأقل لحد ما نوصل للكل، لأن لو حد خد وغيره مخدش الوباء مش هينتهي، ولازم نبقى فاهمين ده كويس".
ترى مينا أن المشكلة في نسبة الفقراء والمحتاجين، والذين حصرتهم الدولة في المسجلين ببرنامج تكافل وكرامة، وأعلنت منحهم اللقاح مجانًا "نسبة المستفيدين من البرنامج متجيش واحد على عشرة من نسبة الفقرا والمحتاجين الحقيقين في مصر، وده طبقًا لأرقام التعبئة والإحصاء. الحماية لجميع المواطنين تقتضي إعطاء اللقاح لـ70% على الأقل من المصريين".
وتضيف "كمان في مشكلة عندنا في توفير كميات كافية من اللقاح ، كان يتوجب على المسؤولين التعاقد على كميات أكبر من مدة طويلة، لأن التنافس شديد نظرًا للاحتياج للقاح، فالحصول حاليًا على احتياجاتنا صعب كمان".
وفي هذا السياق، كان الرئيس عبد الفتاح السيسي أشار في مداخلة هاتفية أجراها مع الإعلامي عمرو أديب عبر فضائية إم بي سي مصر، إلى أن أعداد اللقاحات المتوقع توفيرها ستغطي من 30 إلى 35 مليون شخص يحتاجون ما يقرب من 70 مليون جرعة، وقال إن الجرعات "موجودة وهتيجي".
في المقابل، لا يرحب حسام الدين حلمي عضو لجنة الصحة في البرلمان بالدعوى، ويجدها نوعًا من أنواع "المزايدة" بحسب وصفه في حديثه إلى المنصة "احنا في لحظات صعبة والقادر يشيل، لازم الأول نشوف الفئات الأكثر عرضة للخطر اللي بتختلط بالناس زي الدكاترة والقضاة والضابط ووكلاء النيابة وغيرهم، وبعدين نشوف الباقي، وزي ما الوزيرة قالت إن غير القادر هياخد اللقاح مجانًا".
"مش كل المحتاج محتاج"
يرى حلمي أن زيادة موازنة الصحة العام الحالي يصب في صالح غير القادرين "برنامج تكافل وكرامة بيدعم حوالي 4 مليون بس، وغير القادرين الحقيقيين أكتر من كده، علشان كده الزيادة دي لصالحهم، وكمان توفير اللقاحات مجانا مش مرتبط بميزانية الصحة بس، هو مرتبط بميزانية الدولة كلها".
الأزمة من وجه نظر حلمي، في عدم تحديد الأجور "مش كل اللي بيقول إنه محتاج بيكون كده فعلًا، ممكن يكون في البطاقة من غير شغل، وهو صاحب شركة، ودي أزمة كبيرة، وعلشان كده مينفعش نقول إن كل الناس تاخد اللقاح مجانًا، احنا بلد مش غني في النهاية".
زيادة الميزانية ليست مبررًا لمجانية اللقاح للجميع من وجه نظر حلمي، لأن هناك العديد من المشاريع سواء المرتبطة بوزراة الصحة أو الدولة ككل تحتاج للأموال "الموازنة مش بس واقفة على أدوية كورونا، في تطوير للمستشفيات نفسها علشان تواجه الأزمة وبنود كتيرة، واللي بيقولوا إن اتصرف فلوس في بطولة ولا كوبري، فدي ضروريات ولازم نبني في الناحيتين؛ في الصحة والبنية التحتية، لأنها دايرة واحدة".
وزارة المالية أعلنت، تخصيص نحو 93.5 مليار جنيه لقطاع الصحة، مقابل نحو 73.1 مليار جنيه بموازنة العام الماضي، بزيادة نحو 20.5 مليار جنيه بنسبة 28%.
عدم قدرة الدولة على منح اللقاح للجميع بالمجان بسبب الإمكانيات المادية، كما أوضح عضو لجنة الصحة بالبرلمان، تراه الدكتورة منى مينا سببًا في اتجاه مصر لتصنيع اللقاح في الداخل كما فعلت الهند "استقبلت مصر شحنة من 50 ألف جرعة من لقاح أسترازنكا –أكسفورد، مصنَّع في الهند بموافقة من الشركة الأصلية، اللقاح رخيص ويحفظ في الثلاجة العادية، والكمية دي تكفي 25 ألف متلقٍ، يعني تقريبًا ربع الأطباء، فليه مصر متتعاقدش على إنتاج اللقاح زي الهند، خصوصًا إن الاتحاد الأوروبي، وغالبًا هتتبعه دول منتجة أخرى، يتجه لمنع تصدير اللقاح خارج الدول المنتجة قبل تلبية إنتاج هذه الدول نفسها".
ويتفق مع رأي مينا الدكتور علاء عوض، أستاذ الكبد في معهد تيودور بلهارس، الذي أكد للمنصة أنه في وقت الأوبئة وفقًا للقوانين الدولية، يتم تعليق حق الملكية الفكرية، ويجوز لأي دولة حق إنتاج اللقاحات إذا توفرت لها التكنولوجيا والخبرة المناسبة، فالإنتاج المحلي للقاحات هو الخيار الوحيد للخروج من دائرة الاحتكار الذي تمارسه الرأسمالية والتمييز ضد شعوب البلدان الفقيرة.
وتابع "في وقت الأزمات وفي الوقت الحالي الدول الكبرى والغنية بتستحوذ على القدر الأكبر من الإنتاج العالمي، وتبقى الدول الفقيرة تعانى من نقص شديد في الإمدادات، وفرص تمييز كمان بالداخل، فالحل الوحيد هو توسيع دائرة تصنيع اللقاحات في العالم، تصنيع اللقاح في مصر أصبح أمر ضروري لتلبية الاحتياجات المحلية وتوفير اللقاح لكل الجمهور المستهدف، واحنا عندنا خبرات بشرية تقدر تنجز المهمة دي".
التضارب في تصريحات الرئاسة التي وعدت المصريين بمجانية اللقاح وتصريحات وزيرة الصحة التي تحدثت عن دفع أثمانه، يراه الميرغني تضليلًا للمواطن، وعدم توفير القدر الكافي من المعلومات، إلا أن حلمي يقول إن الأمر متعلق بالأزمة "احنا في وباء عالمي، ومحدش يختلف إنه العلاج حق للجميع، لكن في النهاية احنا هنعمل إيه، احنا كلنا نفسنا الكل ياخد جرعة و2 و3 ببلاش، لكن اللي بيحكمنا وبيحكم الدولة هي الإمكانيات، والحسابات والتقارير وفي النهاية نقول نقدر نعمل إيه وفقا للإمكانيات اللي لو فاض منها نبقى نوزع على باقي الشعب، لكن المنطق بيقول في الفترة دي إن القادر يدفع والدولة توفر لغير القادر، لازم ناخد بالنا إننا في أزمة عالمية، أول مرة العالم كله يمر بيها".
أين ذهبت الـ100 مليار جنيه؟
السطور السابقة تدفعنا للسؤال حول الـ100 مليار جنيه، التي أعلن الرئيس تخصيصها في بداية الأزمة للجائحة، ووفقًا للبيانات الحكومية التي نُشرت بالصحف والمواقع، أعلنت وزارة المالية أن ما يقرب من 65 مليار جنيه من تلك المحفظة الرئاسية، استهدفت عددًا من الأوجه، من بينها تقليص العبء المالي وتحفيز القطاعات الاقتصادية المنتجة، و منح مميزات وحوافز ضريبية وتقليص مصروفات الإنتاج لتحفيز النشاط الاقتصادي، وزيادة الدعم الاجتماعي لتخفيف الأعباء علي المواطنين، ومكافحة فيروس كورونا تدعيمًا للقطاع الصحي.
في بداية الجائحة، وافق مجلس الوزراء على خصم 1% من صافي دخل العاملين بكل قطاعات الدولة، وخصم 0.5% من صافي الدخل المُستحق من المعاش لأصحاب المعاشات، للمساهمة في مواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا المستجد. وهنا نعود لحسام الدين حلمي، الذي يقول إن "مواجهة تداعيات الأزمة مش بس شراء اللقاح والأدوية، في منها إعانات لغير القادرين، وتطوير لمنشآت صحية تستوعب المرضى، إحنا لازم نعترف إننا مش بلد غني وعندنا مشاكل طبعًا".
دول أخرى بالمنطقة أعلنت توفير لقاح كورونا بالمجان لجميع المواطنين، منها السعودية، التي ذكر التليفزيون الرسمي بها، أن وزارة الصحة تأمل أن تغطي لقاحات فيروس كورونا 70 بالمئة من سكان المملكة بنهاية عام 2021.
ومن الدول التي تتوافق مع مصر في عدد السكان أيضًا، وتتيح اللقاح مجانا اليابان التي يتجاوز تعدادها 126 مليون مواطن، وأعلنت إعطاء الجرعة الأولى من لقاح كورونا المستجد للمواطنين مجانًا، وفقًا للائحة وزارة الصحة التي حصلت على موافقة لجنة مستشاريها.
كما احتلت إسرائيل المرتبة الأولى عالميًا في معدل توزيع اللقاح ضد فيروس كورونا على مواطنيها، فتمكنت من إعطاء اللقاح لأكثر من مليون شخص، وذلك مع تصاعد جهود التطعيم على المستوى العالمي، وبلغ المعدل في إسرائيل 11.55 جرعة لقاح لكل 100 شخص، تليها البحرين بمعدل 3.49 جرعة والمملكة المتحدة بمعدل 1.47 جرعة.
متى يحصل عليه السجناء؟
بيانات وزارة الصحة، عن الفئات المستحقة للقاح، وكيفية الحصول عليه، لم تتطرق للمحتجَزين سواء في السجون أو أقسام الشرطة، وهنا قال الميرغني "السجناء والموجودين في أماكن الاحتجاز لازم يكونوا الفئة رقم 3. في البداية نبدأ بالأطقم الطبية، وبعدين موظفي البريد والهيئات وغيرهم اللي بيختلطوا بناس يوميًا، وبعدين السجناء اللي هم من أكتر الفئات عرضة للإصابة ومحدش جاب سيرتهم في التوزيع أصلًا".
في تقرير نشرته دويتشه فيله، ذكرت أنه بعد انتقادات واسعة لإسرائيل لعدم إرسال لقاح لكورونا للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وافقت السلطات الإسرائيلية على دخول أول دفعة من اللقاح الروسي إلى الأراضي الفلسطينية، فيما أعلنت شرطة دبي، بدء تلقي نزلاء ونزيلات المؤسسات العقابية والإصلاحية، جرعات اللقاح، كما تعتزم الكويت حصر أعداد السجناء وإرسال كشوفات بأسمائهم لوزارة الصحة، لبدء تلقيهم اللقاح.
ينتظر أصحاب الدعوى الفصل بها، والتي حددت جلستها السبت المقبل، وأنهى الميرغني حديثه مع المنصة قائلا "مفيش أرقام بتعلن عن اللي خد اللقاح وتحديث للأمر باستمرار، والتوقيات اللي هتاخد فيه الشرايح المختلفة اللقاح زي باقي الدول، ولا حملات تطمن الناس منه وتأكد ضرورته، سايبنهم للشائعات اللي مش في صالح حد، مع إن الموضع مش اختياري ولا رفاهية".