تستيقظ من نومها لتمسك بهاتفها المحمول، ثم تحاول الاتصال بزوجها فلا تسمع إلا الرسالة الصوتية نفسها التي تفيد بأن ذلك الرقم لم يعد موجودًا بالخدمة، فتدخل لتبحث عن صفحته على فيسبوك، لتجدها ما زالت مغلقة.
ما اعتادته منال أشرف منذ ما يقترب من خمسة أشهر، صار روتينها اليومي عقب طلاقها شفهيًا من زوجها المغترب في السعودية "جوزي سافر من أكتر من سنتين، وبدأت المشاكل تكتر بينا، المشاكل كانت موجودة قبل السفر، بس زادت لما سافر، وفي آخر مرة اتكلمنا فيها على النت الخناق زاد، ولقيته بيقولي إنه خلاص مبقاش قادر يستحمل، وإني طالق".
تخيلت الزوجة أن ما جرى بينها وزوجها مثل شجار عادي يقع بين أي زوجين ويأخذ وقتًا ثم ينتهي، لكن ما حدث كان مخالفًا لتوقعاتها؛ حظرها زوجها من رؤية ومتابعة حسابه على فيسبوك وغيَّر رقم هاتفه.
جدال ليس له آخر
ما تعيشه منال حاليًا تشاركها فيه العديد من النساء اللائي تعرضن للطلاق الشفهي، فصرن مطلقات أمام الشرع الذي يعترف به، وفي الوقت ذاته متزوجات أمام القانون الذي لا يعترف سوى بالوثائق الرسمية، فسقطت حقوقهن بالتالي ولم يعد في إمكانهن الزواج مرة أخرى، وهو الأمر الذي دفع العديد من المؤسسات النسوية للمطالبة باشتراط توثيق الطلاق لنفاذه حفاظًا على حقوق السيدات، ولكنها مطالبات لم تجد صدى حتى الآن لدى صانعي القرار.
غير أن الداعية الإسلامي خالد الجندي أعاد الموضوع إلى صدارة النقاش المجتمعي مؤخرًا، بعد نشره صورة على فيسبوك لوثيقة زواج قال إنه حضره، وضع الزوجان فيها بندًا يشترط عدم الأخذ بالطلاق مشافهة، مشيرًا إلى أن عقد الزواج به فقرة بعنوان الشروط الخاصة وضعتها وزارة العدل، مما يؤكد إباحة ما يضعه فيها الزوجان من شروط لإتمام الزيجة، ومنها ذلك الذي يخص الطلاق، ليثير ذلك المؤسسة الدينية، فيخرج أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الدكتور أحمد ممدوح، في بث مباشر عبر صفحتها الرسمية، مؤكدًا أن الطلاق الشفوي يقع طالما تلفَّظ به الزوج، وما توثيقه اللاحق إلا خطوة إجرائية.
لكن ذلك السجال القصير لم يكن الوحيد الذي طرأ على ساحة النقاش المجتمعي فيما يخص الطلاق، حيث سبقه سجالًا أطول منذ ثلاث سنوات بين الرئيس السيسي وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، حين طالب الأخير بإعادة النظر في إجراءات الطلاق الشفوي للحفاظ على الأسر المصرية مع ارتفاع نسب الطلاق، وبرَّر طلبه بأن توثيق الطلاق كشرط لوقوعه ربما يمنح الزوج وقتًا كاف للعدول عن رأيه، والتفكير وأخذ القرار السليم، وهو ما رفضته مؤسسة الأزهر التي أكدت أن الطلاق مشافهة يقع لحظة التلفظ به وفقا للشريعة الإسلامية، وهو أمر مستقر عليه منذ عهد النبي محمد.
ومثل ذلك السجال الدائر دون جدوى تبدو محاولات منال البائسة في الوصول إلى زوجها "عملت حساب تاني وحاولت أكلمه، ولما عرف إنه يخصني عمل لي بلوك برضه، وبدأت في دوامة مش عارفة إيه آخرها، أنا معايا طفل عنده 5 سنين، كان سفر جوزي من الأساس علشان يحسن دخلنا ونعرف نربيه، وأنا مش بشتغل، ومن وقت ما قال لي إني طالق على النت، ومبقاش بيبعت لي أي فلوس ولا مصاريف، ولا عارفة أدفع إيجار الشقة منين".
كذلك حاولت منال التواصل مع أهل زوجها الذين تنصلوا من تحمل المسؤولية أيضًا "قالوا لي إنه حر وهما مش هيقدروا يتدخلوا في حياته، ورفضوا كمان يساعدوني بأي مبلغ علشان أمشي بيه حالي أنا وابني اللي هو ابنهم برضه".
انتقلت الزوجة للإقامة عند والدتها لعدم تمكنها من دفع إيجار الشقة التي تقيم فيها، لكن معضلتها في تدبير مصاريف تربية ابنها ما تزال دون حل "ابني السنة الجاية هيخش المدرسة، ومش عارفة هقدم له فين ولا بمصاريف منين، كل حاجة حسيت إنها اتهدت فجأة على دماغي، طيب هو أنا مطلقة ولا لأ، ووضعي قدام الشرع والقانون إيه".
نساء معلقات
عبء إثبات الطلاق الشفوي تتحمله الزوجة بمفردها كما توضح المحامية ومديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، جواهر الطاهر، التي قالت للمنصَّة إن حالة منال ومثيلاتها من النساء متكررة وتلجأ للمؤسسة بشكل مستمر "الست هنا بتبقى مش عارفة تثبت الطلاق إزاي، وبتبقى معلقة، لا عارفة تاخد حقوقها من نفقة أو مؤخر وغيرها، وكمان مش عارفة تثبت أنها مطلقة".
وأشارت الطاهر إلى أن المؤسسة قدمت مشروع قانون في عام 2017 لتعديل قانون الأحوال الشخصية، يشترط توثيق الطلاق لإثبات وقوعه، وقدمته النائبة عبلة الهواري، ونوقش في اللجنة التشريعية بالدورة السابقة من مجلس النواب لكن لم يصدر أي قرار بشأنه، وكان المشروع يستهدف تغيير كافة قوانين الأحوال الشخصية، ومنها الطلاق والخلع وحق الرؤية والحضانة وتقنين تعدد الزوجات وتقاسم العائد المشترك.
وترى الطاهر أن لجنة الفتوى بمجلس النواب تقع عليها مسؤولية كاملة في علاج هذه المشكلة والتقدم بحلول واقعية ومنطقية في ضوء ما تتعرض له الأسر وخاصة النساء والأطفال، كما أنه يجب على المجلس نفسه وضع تصور لحل هذه الثغرة بين القانون والرأي الفقهي، لأن عقد الزواج ليس عقد إذعان ولكنه اتفاق بين الطرفين، ورغم ذلك يطلق الرجل المرأة بإرادته المنفردة.
لا يمكن حصر عدد حالات التطليق الشفوي وفقًا لحديث الطاهر، التي أوضحت أن المؤسسة تتلقى أسبوعيًا مئات الشكاوى من سيدات تعاني من تلك الأزمة، في المقابل يشير رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، خيرت بركات، إلى أن عام 2019 شهد توثيق 225 ألف حالة طلاق، بزيادة 24 ألف حالة عما تم إحصاءه في 2018، موضحًا في تصريحات تليفزيونية، أن هناك حالة طلاق واحدة تقع كل دقيقتين و20 ثانية.
وكانت دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء حذرت من ارتفاع حالات الطلاق خلال العقدين الأخيرين، بين أعوام 1996 إلى 2015، وذكرت أن معدل حالات الطلاق خلال العقد الأول من فترة الدراسة (1996-2005) بلغ 1,1 لكل ألف نسمة من السكان، فيما ارتفع معدل الطلاق خلال العقد التالي (2006-2015) ليصل إلى 1,7 حالة لكل ألف نسمة من السكان.
الطريق الصعب
يمكن إثبات الطلاق الشفوي أمام المحكمة عبر وثيقة يكتبها الزوج تفيد بتطليقه زوجته أو من خلال شهود على الواقعة تحضرهم الأخيرة، حسبما يوضح المحامي مصطفى محمود، الذي يقول للمنصة إن كليهما صعب "لأن إحضار شهود صعب، الطلاق بيحصل في البيت بين الزوج والزوجة غالبًا، وكمان إثبات ده عن طريق رسالة أو ورقة بيكون صعب، وفي النهاية الست بتكون قدام الدين مطلقة لكنها قدام القانون مش مطلقة، لأن حتى لو جابت ورقة من الأزهر تفيد إنها مطلقة القانون مش هياخد بيها".
لكن يتبقى خيار اللجوء للخلع متاحًا أمام المرأة وإن كان غير منصف بحسب محمود الذي يرى أنه "بيحرمها من كل حقوقها، وفي ستات بتلجئ له، لأنه الأسلم خصوصا في حالة قيام بعض الرجالة لو الست فكرت تتجوز مثلا أو ترتبط تاني بعده برفع قضية زنا على زوجاتهم، وهنا الست هي اللي بتدفع التمن في كل القصة دي".
غير أن اللجوء للخلع في حالة منال غير ممكن "أنا مش بشتغل ولا معايا أي فلوس، أنا معنديش مانع إن الحياة بينا تنتهي وكل واحد يروح لحاله، بس يديني حقوقي وحقوق ابنه، أنا مقداميش حل غير إني أستني وأفضل أعمل حسابات أكلمه منها لحد ما أوصل لحل".
أما زهرة عبد المنعم فاستطاعت القيام بذلك بعدما قام زوجها بتطليقها شفاهة لينهي زواجًا استمر سنة وشهرين "بعد خلافات كتيرة بينا، قالي إني طالق، ووقتها كنت حامل في الشهر الرابع، فطلبت منه نوثق الطلاق وكل واحد يروح لحاله، رفض وقالي أنا هسيبك كده متعلقة ومش هتعرفي مكاني".
لجأت زهرة للمحاولات الودية مع الزوج لكنها لم تكن مجدية "حاولت معاه أكتر من مرة بالحسنى إنه بلاش نوصل للسكة دي علشان خاطر الطفل اللي جاي، بس هو كان مصر، وأنا فضلت أدور على حلول ووسايط لحد بعد الولادة، ومكنش في حل، غير إني فعلا أرفع قضية خلع وأخلص، أنا حاولت معاه علشان يكون أب كويس لبنته، لو الحياة معايا فشلت فلازم يكون موجود في حياة بنته بس هو رفض".
رفعت الزوجة قضية الخلع التي منحتها الحرية رغم ما ينتظرها من مصاعب "أنا حاليًا بقيت حرة، آه التمن غالي، بس في المقابل أنا هقدر أتجوز تاني وحياتي متقفش، ويمكن هتعب شوية في الشغل علشان أقدر أوفر مصاريف بنتي، بس في كل الأحوال ده أسهل وأريح من علاقة مؤذية زي دي".
لا تتطلب إجراءات قضية الخلع وقتًا طويلًا مقارنة بقضايا الأحوال الشخصية الأخرى، فوفقا للمحامي مصطفى محمود " تستغرق قضايا الخلع عادة 3 أشهر، تذهب السيدة للمحكمة لرفع القضية دون إبداء أسباب سوى عدم رغبتها في استكمال الحياة مع زوجها، وتنتهي الإجراءات في خلال تلك الفترة".
وعلى الرغم من نيلها حريتها تنتظر زهرة في المستقبل القريب معاناة جديدة لتوفير نفقات طفلتها، هي ما تواجه هدير ناجي، المطلقة منذ عامين وتعول طفلين "الولد الكبير ميعاد دخوله المدرسة كان السنة دي، ورفعت فعلا قضية لإثبات إني مطلقة، بس جوزي محضرش ولا استقبل الدعوى والمحكمة اعتبرتني لسه على ذمته".
المحاولات الودية والصلح كانت الطريق الذي لجأت له هدير، لكنها مثل منال وزهرة لم تدرك من خلاله أي نجاح يذكر، تقول للمنصة "أنا سُقت طوب الأرض على جوزي علشان يديني حقوقي علشان العيال، ومفيش فايدة، ومامته بتقولي إنه مش عاجبها حاله بس مفيش في إيدها حاجة".
مع الأيام صارت الأم تواجه مصاعب أكثر، خاصة عندما حان موعد دخول ابنها الأكبر المدرسة "أنا مكنتش متخيلة إن كل ده هيحصل لي، المشكلة الأكبر كانت لما جيت أدخل ابني المدرسة، وهنا فوجئت أنه لازم الأب يكون موجود أو معايا ولاية تعليمية، وقلت لمديرة المدرسة إن أنا مطلقة قالت لي لازم ورق يثبت الكلام ده"، لكن إجراءات الحصول على تلك الولاية التعليمية أصعب من الحصول على حكم الطلاق كما أوضح لها المحامي "أنا مش عارفة أثبت إني مطلقة أصلًا علشان آخد الولاية التعليمية، وكده السنة راحت على ابني بسبب إن أبوه مش متحمل مسؤولية ومش عاوز يدفع الحقوق اللي ربنا قال عليها".
تبدو النساء الثلاث وغيرهن الكثيرات ممن تعانين من تبعات الطلاق الشفوي، كمن تحفر الصخر بأظفارها، ذلك أن نظام الطلاق في مصر قائم على التمييز، كما يشير مدير مركز المرأة للإرشاد القانوني، المحامي رضا الدنبوقي، الذي يقول للمنصة إنه مخالفًا لنص المادة 53 من الدستور المصري والاتفاقيات الدولية التي وقعت وصدقت عليها مصر "التمييز يتم ضد المرأة لكونها امرأة فقط، فالرجل المصري يتمتع بحق الطلاق غير المشروط وغير المبرر أيضًا".
وتابع في حديثه للمنصة، أن الطلاق الشفوي يعد عدوانًا صارخًا على حقوق المرأة، التي تظل سنوات طويلة في محاولات إثباته، أمام القانون الذي لا يعترف إلا بالطلاق الموثق، لذلك هي في حاجة ماسة لأن تتخذ الدولة والمشرع إجراءات حقيقية لصالح تعديل ذلك الوضع وإلا ستظل دائمًا تواجه "ذلك التمييز".