فيلم العائد لليوناردودي كابريو فيلم "العائد".. ليو لا يستحق الأوسكار هذه المرة ثقافة_ محمد سيد عبد الرحيم منشور الخميس 31 ديسمبر 2015 في فيلم ليو الجديد تبرز قيمة العائلة كوحدة أساسية في المجتمع، يقاتل الرجال من أجل الحفاظ عليها. مع كل فيلم جديد للممثل الأمريكي ليوناردو دي كابريو يكرر عشاقه نفس السؤال: هل سيحصل ليو على جائزة الأوسكار أفضل ممثل عن دوره في هذا الفيلم؟ ومع فيلمه الجديد "العائد The Revenant" الذي أخرجه أليخاندرو جونزاليز إيناريتو نستطيع أن نقول إن دي كابريو لا يستحق الجائزة إلا أن تصاريف لجنة الأوسكار قد تأتي بما يشتهيه عشاقه. بالتأكيد ليو ممثل ممتاز وقد استحق عن جدارة الفوز بالجائزة عن عدة أفلام ومنها دوره الصغير في فيلم "ما الذي يضايق جلبرت جريب What's Eating Gilbert Grape" وأيضا "الطيار The Aviator" على الرغم من عدم نيله الجائزة على أي منهما. ولكن أداءه في فيلمه الجديد معتاد ومكرر حتى للشخصيات التي أداها هو نفسه من قبل؛ ففي أحد مشاهد فيلمه الجديد نراه يخرج من قبر بعد أن تم دفنه حيا ويزحف ويتأوه لنشهد نفس تعبيرات الوجه وخلجات الجسد التي شهدناها منه في فيلمه السابق "ذئب وول ستريت The Wolf of Wall Street" الذي أخرجه المخضرم مارتين سكورسيزي. في المشهد السابق ذكره يجر فيتز (توم هاردي) جلاس (ليوناردو دي كابريو) إلى حفرة ويرميه فيها ثم يهيل عليه التراب ليدفنه حيا. إلا أن جلاس لا يموت (للمرة الثانية بعدما لم يمت أثناء صراعه مع دب) فيستيقظ بعد فترة ويبدأ في الخروج من القبر بصعوبة واضحة نظرا إلى ضعفه بسبب معركته مع الدب والجروح الكثيرة والعميقة التي أصابته. وبعد أن يتأكد جلاس من مقتل ابنه (فورت جودلاك) على يد فيتز يبدأ جلاس في الزحف ثم الحبو وكأنه طفل خرج للتو من رحم أمه، وهي هنا الأرض/ الطبيعة. ثم يحاول المشي فيفشل ويحاول في اليوم التالي استخدام عكاز فيفشل. وأخيرا وخلال هربه من الهنود الحمر يسقط جلاس في النهر وحينما يخرج منه يستطيع أن يمشي بسهولة على الأرض فلقد تم تعميده بماء الطبيعة التي تحميه دائما عبر غاباتها وأنهارها وشلالاتها من الأخطار المختلفة التي تحيق به طوال مدة الفيلم التي تقترب من الثلاث ساعات. غدر الصحاب أمر من غدر الدببة فيلم "العائد" أو الترجمة الأفضل هي "البعث" ينتمي إلى أفلام الانتقام حيث يتُرك هيو جلاس وحيدا بعدما افترسه دب وبعد أن يتم قتل ابنه يقرر الانتقام من الرجل الذي قتله وحرض رفقاءه على تركه فريسة لوحشة الجبال والجليد والهنود الحمر. الفيلم ملحمة سردية وبصرية تأثر صناعه بمجموعة من أهم الأفلام في تاريخ السينما العالمية مثل "اقتل بيل Kill Bill" لكوينتن تارانتينو و"المصارع Gladiator" لريدلي سكوت وبالتأكيد الأفلام المستندة على رواية "الكونت دي مونت كريستو The Count of Monte Cristo" لألكسندر دوماس بالإضافة إلى التأثر الجلي - من الناحية الإخراجية والتصويرية – بأفلام مثل "Stalker" لأندريا تاركوفسكي و"McCabe & Mrs. Miller" لروبرت ألتمان و"الرقص مع الذئاب Dances with Wolves" لكيفن كوستنر و"رجل صغير كبير Little Big Man" لأرثر بن و"Dersu Uzala" لأكيرا كوروساوا. في فيلم ليو الجديد تبرز قيمة العائلة كوحدة أساسية في المجتمع، يقاتل الرجال من أجل الحفاظ عليها. فالبطل ينتقم لمقتل ابنه بينما البطل الضد الذي يقتل ابن جلاس نعرف عنه أنه أطلق النار على أبيه نفسه. في هذا السياق نجد تصنيفين لشخصيات الفيلم. أولها: من يحفظون العائلة، وثانيها: من لا يحفظونها. ينتمي جلاس وقائده أندرو هنري (دومهنال جليسون) والدب – كشخصية محورية في الفيلم - وعدة شخصيات هندية إلى الفئة الأولى بينما ينتمي فيتز وبعض الأمريكيين والفرنسيين ذوي البشرة البيضاء إلى الفئة الثانية. وبذلك يطرح صناع الفيلم تعريفا جديدا للتحضر والهمجية. فالتحضر في هذا الفيلم يعني حفظ العهد والعائلة، بينما الهمجية تعني نقض العهد ونبذ العائلة. بل ونجد اعترافا صريحا يعزز هذه الفكرة حينما يكتب الفرنسيون على صدر رجل هندي أراد أن ينتقم منهم لقتلهم عائلته "كلنا همجيون"! وفي زمان ومكان يغيب عنه القانون تصبح الغابة هي مسرح الأحداث وقانونها هو الواجب. وقانون الغابة هو قانون الحيوانات، وهو قانون الدب في هذا الفيلم، لذلك يتحول جلاس إلى دب بعد مشهد هجوم الدب عليه (والدب هاجم جلاس فقط حينما شعر أنه يهدد أبنائه الدياسم وبذلك فالدب أكثر تحضرا من أغلبية الشخصيات الإنسية في الفيلم، التي تقتل لأسباب تتعلق بالطمع والامتلاك). ويعتبر مشهد قتل الدب هو اللحظة التي انتقلت فيها روحه إلى جلاس ليولد من جديد كدب متحضر لا كأنسي همجي متوحش. فبعد أن يخرج من القبر يأكل جلاس نخاع الدب ويتلفع بفروته ويتقلد بمخالبه ويبدأ في مطاردة من قتل ابنه لينتقم منه بروح الدب. ويقوم المصور بأخذ لقطات مقارنة بزاوية منخفضة للدب وجلاس فيظهر الدب دائما ككائن ضخم وعيونه ممتلئة بالتصميم وفي نفس الوقت الحنو، وهو ما نشهده في العديد من اللقطات لجلاس خلال رحلة الانتقام، بل أننا نرى الدب وهو يتنفس في العدسة فيجعلها مضببة، ونرى نفس اللقطة مع جلاس حينما يجد ابنه الميت كرمز لمدى سيطرة رغبة الانتقام (وهو هنا قصاص عادل) على النفس. إذن، من يستحق الأوسكار؟ من يستحق الأوسكار عن جدارة عن هذا الفيلم هما المخرج إيناريتو ومدير التصوير ايمانويل لوبزكي، المكسيكيان الأصل، واللذين حصلا بالفعل على جائزتي أفضل إخراج وتصوير عن فيلمهما "الرجل الطائر أو الفضيلة غير المتوقعة للجهل Birdman or The Unexpected Virtue of Ignorance" العام الماضي. والجدير بالذكر أن إيناريتو هو ثاني مكسيكي يحصل على جائزة الأوسكار أفضل إخراج بعد المخرج ألفونسو كوارون عن فيلمه "الجاذبية Gravity" والذي قام بتصويره أيضا لوبزكي وحصل به أيضا على جائزة أفضل تصوير. وفي "العائد" قام لوبزكي بكل شيء يمكن للكاميرا أن تقوم به، بل وأبدع على غير مثال سابق في حركة الكاميرا فزحفت وطارت وقفزت فوق حصان وهو يجري ونزلت منه وسارت فوق المياه وفوق الشلالات وبين أشجار الغابة وتسلقت جبال بل وقفزت من فوق جبل شاهق سقوطا حرا. بالفعل استطاع الثنائي إيناريتو ولوبزكي في فيلمهما الجديد إبهارنا عبر القصة/ الملحمة وإيقاع الفيلم والتصوير والكادرات المتنوعة والمختلفة وزوايا الكاميرا الغنية والمتقنة والمعبرة وتكنيكات التصوير المعقدة، بالإضافة إلى الصورة التأملية للطبيعة، والمناظر التي تم إتقان عرضها عبر الديكور والممثلين والأزياء والمكياج، وأيضا المشاهد التي تمت معالجتها بالكمبيوتر حتى تخرج إلينا بالشكل الذي أراده صناع الفيلم بدون أن يشعر المشاهد بمثل هذه المعالجة الاصطناعية.