تحدث مصدر مطلع على تفاصيل أزمة وزارة الدولة للإعلام مع "جهة رفيعة المستوى" تدير الملف الإعلامي في مصر، عن وجود قناعة في أروقة الوزارة بأن السبب الحقيقي للهجوم الذي تشنه صحف وشاشات تلفزيون مملوكة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على الوزير أسامة هيكل، هو انتقاده أداء وسائل الإعلام الشهر الماضي عندما قال إنها تتناول نفس المواضيع بنفس الطريقة.
فيما كشف مصدر آخر كيف عرض التلفزيون الحكومي وهو وسيلة إعلامية يفترض أنها خاضعة بشكل مباشر لإشراف الوزير، تسريبًا لما قيل إنها مكالمة جرت عام 2011 بين هيكل ورئيس حزب الوفد حينها السيد البدوي، خلص منها مقدم برنامج التاسعة مساءً الإعلامي وائل الإبراشي إلى أن الوزير "استُخدم لتحقيق مصالح حزبية لا تعبر عن مصالح وطنية".
واستحوذت الشركة المتحدة في إبريل/ نيسان 2019 على مجموعة دي ميديا الإعلامية التي تمتلك قنوات دي إم سي، لتنضم إلى ممتلكاتها التي حصلت عليها من استحواذ سابق لمجموعة إعلام المصريين مالكة قنوات أون تي ڤي، والحياة، بجانب حيازتها حصة حاكمة في قنوات سي بي سي. وقبل هذا التاريخ بعامين، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، استحوذت شركة تدعى إيجل كابيتال على حصة رجل الأعمال أبو هشيمة في مجموعة إعلام المصريين، قبل أن يكشف تقرير منشور في موقع مدى مصر أن شركة إيجل كابيتال عبارة عن صندوق استثمار مباشر لجهاز المخابرات العامة المصرية.
ولم يظهر صوت هيكل في المكالمة ولكن قبل إجرائها يُسمع من قيل إنه السيد البدوي يطلب من سكرتيرته الاتصال بهيكل والكاتب الصحفي سليمان جودة، قبل أن يخاطب شخصًا آخر كان معه قائلًا "هنخليهم يقطعوهم" بسبب عدم دعوة الوفد إلى جلسات الحوار الذي دعا فيه نائب رئيس الوزراء الراحل يحيى الجمل في مارس/ آذار عام 2011 شخصيات من بينها المرشح السابق في الانتخابات الرئاسية عمرو موسى ورجل الأعمال نجيب ساويرس والقيادي الراحل في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان.
وقال الإبراشي إن أسامة هيكل "جاء على رأس حقيبة وزارة الإعلام من أجل مواجهة القنوات المعادية لمصر، ومنها منابر الإخوان وقناة الجزيرة، ولكنه تحول إلى بطل على هذه الفضائيات التي تعمل على إشعال الفتن".
هذا الهجوم على الوزير والذي بلغ ذروته مساء أمس، بدأ قبل أيام ردًا على تصريحات هيكل التي قال فيها إن الشباب الأصغر من 35 سنة، ويمثلون من 60% إلى 65% من المجتمع، لا يتابعون الصحف ولا يشاهدون التلفزيون، وهو ما اعتبره كثيرون "تشكيكًا" في الإعلام المصري الذي "يدافع عن الدولة المصرية الوطنية ومؤسساتها".
السبب الحقيقي: ضرورة التنوّع
مصدر مطلع على تفاصيل الأزمة الحالية بحكم عمله في وزارة الإعلام أوضح أن هذه التصريحات التي أدلى بها الوزير في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي خلال مشاركته في الموسم الثالث من حوارات صوت مصر.. تغيير الواقع ليست السبب المباشر في الهجوم عليه، ولكن إشارته في الفعالية ذاتها إلى حتمية انصراف المشاهد عن المحتوى الإعلامي المكرر وضرورة إدارة وسائل الإعلام بالخبرة والعقل لا بالعضلات.
وقال المصدر الذي طلب من المنصة عدم نشر اسمه أن هناك "اعتقادًا لدى من يعملون في الوزارة وقناعة كبيرة لدى الوزير هيكل، أن النقطة التي أثارت الغضب ضده، ليس فيما قاله عن انخفاض نسب المتابعة فقط، ولكن حديثه في نفس المؤتمر عن أن المشاهد حين يرى عددًا من القنوات تتحدث في كلها في نفس الموضوع وبنفس الطريقة، سينصرف عنها، حيث قال الوزير إن فكرة العافية غير موجودة بالإعلام، الإعلام يدار بالخبرة والعقل وليس بالعضلات والناس تثق في وتتجه إلى من يحترم عقلها ويقدم لها معلومة حقيقية".
وسبق للوزير أن تحدث في مقابلة متلفزة أجراها الشهر الماضي مع فرانس24 عن رفضه لسياسة حظر نشر بعض الموضوعات، وهي المقابلة التي أعرب فيها كذلك عن اعتقاده أن وضع منظمة مراسلون بلا حدود مصر في المركز 166 في تصنيفها العالمي لحرية الصحافة "ظلم" من المنظمة.
ولكن للأزمة الحالية لها جذور تعود بنا إلى يونيو/ حزيران الماضي، عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا بتشكيل الهيئات الإعلامية الثلاثة وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام، حيث تولى الكاتب الصحفي كرم جبر رئاسة المجلس الأعلى للإعلام، وحسين زين استمر في منصبه كرئيسا للهيئة الوطنية للإعلام وظهر عبد الصادق الشوربجي كرئيس للهيئة الوطنية للصحافة.
بحسب المصدر المقرب من هيكل، فالوزير قدم ترشيحات بشأن أسماء رؤساء وأعضاء الهيئات الإعلامية الثلاث رفضت غالبيتها وعيّنت أسماء أخرى لم تكن مدرجة على قوائمه، ومن هنا عبر الوزير عن غضبه كونه مُكلفًا بحكم منصبه في اختيار الأسماء الأقرب لتطوير المشهد الإعلامي.
ولكن كيف أذيع التسريب؟
كل هذا الهجوم الذي واجهه هيكل بسبب تصريحاته، والذي رد عليه أولًا بالتأكيد على أن "أخطر أنواع الفساد أن يترك الكاتب قلمه لغيره"، ثم لاحقًا بدعوة من هاجموه إلى لقاء في مكتبه بالوزارة يوم غدٍ الأربعاء، لا يفسر كيف ظهر تسريب كهذا على على شاشة التلفزيون الحكومي الذي يتبع إداريًا وزارة الدولة للإعلام.
غير أن مصدرًا يعمل بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية طلب عدم نشر اسمه، أوضح للمنصة أن برنامج التاسعة مساءً تشرف عليه الشركة بعد حصولها على حق تطوير محتوى التلفزيون المصري مدته خمس سنوات، حيث تتعاون الخبرات الموجودة في التلفزيون المصرى مع مجموعة إعلام المصريين والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وبناء عليه فإن كل ما يذاع من مواد على الشاشة ليس للهيئة الوطنية للإعلام بحكم وظيفتها أى تدخل فيه، وبالتبعية لا يملك الوزير أي قرار بشأنه.وإلى جانب تحكمها في محتوى التلفزيون الحكومي، فقد
وبالتالي تضم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية أصول جمعتها على مدار السنوات وهي مجموعة قنوات الحياة، وأون تي ڤي، وحصة حاكمة من مجموعة سي بي سي، بالإضافة لشركات بريزنتيشن، وبي أو دي للعلاقات العامة، بجانب صحف اليوم السابع وصوت الأمة وعين.
وتضم أيضا ممتلكات المجموعة التى يرأسها المنتج تامر مرسي، مجموعة قنوات دي ميديا، وصحف أبرزها الوطن والدستور وموقع مبتدأ الإلكتروني.