مساء أمس السبت، كانت العائلة تنتظر في قلق العودة المحتملة لابنها الذي طال غيابه في السجن، بعد أن لاح لهم الأمل الأسبوع الماضي بصدور قرار إخلاء سبيله على ذمة قضية ضمته لها السلطات من داخل زنزانته.
بالمثل، كانت صديقة العائلة واﻷم الروحية للشاب، المحامية عزّة سليمان، تشاركهم القلق، رغم ما اتخذته من إجراءات قانونية مثلت لها مؤشرًا على قرب سماع أخبار سعيدة بشأن موكلها شادي حسين أبو زيد. وبالفعل لم تمر الليلة على العائلة إلاّ وكان الابن في حضنها، يحتفل مع أفرادها بحرية انتظرها منذ 29 شهرًا، حين ألقي القبض عليه ليغيب ليس فقط عن العائلة، بل وعن حياته المهنية كمذيع ساخر شارك يومًا في واحد من أهم البرامج الكوميدية "أبلة فاهيتا".
فرحة حذرة
"احنا قعدنا أسبوع من وقت ما عرفنا الخبر يوم السبت اللي فات. كان عندي إحساس، ماعرفش جالي منين؟ وكمان شواهد وعلامات بتقول إن الإفراج عن شادي ممكن وإن إخلاء السبيل مش هيتم الطعن عليه، لكن رغم كده كانت التخوفات موجودة ولو بنسبة 1%".. تقول عزة سليمان للمنصّة عما انتابها من مشاعر حيال شاب لم يكن بالنسبة لها مجرد موكل تتعامل معه منذ عامين ماضيين.
في مايو/ أيار 2018، ألقت السلطات القبض على شادي أبو زيد وتقرر حبسه احتياطيًا، بعد نشره فيديو ساخر يهدي رجال شرطة واقيات ذكرية على أنها بالونات في ذكرى ثورة يناير، واتهم على إثره في القضية رقم 661 لسنة 2018 بـ"الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر شائعات وبيانات كاذبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية بالبلاد".
بالنسبة لشخص مثل شادي أبو زيد، على المستويين المهني والإنساني، تعدّ هذه الاتهامات غاية في الغرابة، فهو الشاب الذي قرر العمل في المجال الإعلامي، وبمرور الوقت صار مراسلًا للبرنامج الذي حقق نجاحًا جماهيريًا "أبلة فاهيتا"، ليقدم من خلاله فيديوهات مصورة من الشارع بأفكار كوميدية كان منها "المصريين عاوزين إيه من بابا نويل".
وقبل أبلة فاهيتها عُرف شادي على يوتيوب من خلال قناة المحتوى الغني، التي ناقش فيها عدد من الموضوعات الاجتماعية والقضايا التي تشغل بال المجتمع، بشكل ساخر من خلال خلال حوارات كوميدية مع الناس في الشارع.
قضية جديدة
بعد شهور السجن الطويلة، وفي فبراير/ شباط 2020، عقب صدور قرار بإخلاء سبيله على ذمة تلك القضية، كان شادي يستعد للخروج من محبسه حين تفاجأ بحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات في قضية جديدة هي 1956 لسنة 2019 ليصبح متهمًا بـ"مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها وأهدافها".
في تلك القضية، وجد شادي، الإعلامي الساخر، نفسه أمام تحريات من الأمن الوطني، أفادت بأنه "اجتمع مع كوادر إثارية داخل محبسه أثناء العرض على النيابات والمحاكم بالاتفاق على النظام الحاكم".
لهذا، وقبل أن يعلم بقرار إخلاء السبيل هذه المرّة، كان الشاب يجّهز نفسه للعودة إلى زنزانته في ليمان طره، وهذا فقط "ﻷنه كان مرتاحًا في زنزانة السجن مقارنة بزنزانة قسم شرطة حدايق القبة اللي فضل محبوس فيها من وقت ما انضم للقضية الجديدة"، وفقًا لما تذكره للمنصّة عزة سليمان عن وضع صار فيه المقارنة بين زنزانتين أمرًا طبيعيًا.
كانت عزة في تلك الأيام تحاول طمأنة شادي، وبث ولو قليل من الأمل في نفسه "كنت كل شوية أطمنه وأقوله إن شاء الله يا شادي بدل ما يرحلوك على السجن هيرحلوك على البيت. كانت مشاعر وأحاسيس عندي أكتر من كونها أي حاجة تانية".
واستندت في مهمتها هذه على أمور حكت عنها الآن "كان من الشواهد بالنسبة لي إننا قدمنا للمحكمة الكلية معارضة استئنافية في قضية (فيديو الكاندوم) اللي اتحكم عليه فيها بـ6 شهور حبس. وبالمعارضة دي حسيت إننا عملنا كل الحاجات اللي قانونًا تخليه يخرج. ﻷنه لو هما مش عايزين يخرّجوه، ماكنوش سمحوا بالمعارضة".
.. وحلم يتحقق
بينما كانت المحامية تتخذ الإجراءات القانونية وتطمئِن شادي وفقًا للعقل والمنطق والشواهد، كانت في قرارة نفسها، كصديقة، تشعر بالخوف عليه "رغم كل ده، كان فيه جوايا ولو 1% مخاوف من إنه يستمر حبسه. كل المخاوف الشيطانية كانت بتظهر لي".
وجرّاء هذه المخاوف؛ حظرت عزة على رولا حسين شقيقة شادي الإعلان عن الخبر السعيد إلاّ بعد أن يصير أمرًا واقعًا "لما عرفنا إنه أخد إخلاء سبيل، ورولا من فرحتها عايزة تكتب على فيسبوك الخبر ده، قولت لها ﻷ أوعي تكتبي. كنت خايفة بعد الفرحة نتصدم تاني".
ما تقصده عزة سليمان بالصدمة في مثل هذا الموقف القانوني هو الاستنئاف على قرار إخلاء السبيل، والذي لو تم قبوله فسيعود شادي مرّة أخرى إلى زنزانته.، أو ربما تكرار تدويره على ذمة قضية جديدة.
وعلى الرغم من ذلك القلق، حاولت المحامية طمأنة العائلة على الشاب "امبارح لما أخته قلقت من عدم إخلاء سبيله، قولت لها هما غالبًا يا رولا هيدوله فلوس ويخرجوه، وتلاقوه فجأة جاي بيخبط على الباب.. وقد كان".
بالفعل، تحقق حديث عزة ومعه تحققت فرحة العائلة وفقًا لما تذكره الآن بصوت مبتهج "يعني أنا روّحت من عندهم لبيتي حوالي الساعة 10 بالليل، وبعدها بأقل من ربع ساعة، لقيتهم متصلين بيا بيصوتوا ويهللوا من الفرحة، وبيقولوا شادي دخل علينا البيت؛ فرجعتلهم تاني".
هناك في البيت، اجتمعت العائلة حول شادي، رأوه واطمئنوا على أحواله، وجدوه على ما كان عليه قبل شهور السجن، وفقًا لما تحكيه عزة "شادي لما قابلته لقيته صحيًا كويس رغم قلقي عليه بقلب الأم. ونفسيًا ما زال محافظ على كل لياقته من السخرية والمرح والفكاهة، كان بيهزر معانا كلنا، ولما أصحابه وصلوا بدأ يتكلم معاهم عن حياتهم ماشية إزاي.. مين اتجوز، ومين اشتغل".
خطوات للأمام
"ماكنش فيه أي كلام في أي حاجة عميقة".. تقول عزة عن وقت طال انتظاره بالنسبة لهم ولشادي، حين قرر الجميع وباتفاق ضمني غير معلن بينهم على عدم الحديث ليلة أمس عن الآتي، حتى لو كان يتعلق بشادي نفسه من تدابير احترازية فُرضت عليه.
قرار إخلاء السبيل الذي صدر بحق شادي أبو زيد كان مقترنًا بتدابير احترازية فُرضت عليه، وتتمثل في تسليم نفسه للقسم التابع له، حدائق القبة، يومين في الأسبوع.
ورغم هذه التدابير، كانت الفرحة غير منقوصة، سعادة حقيقية بعودة الشاب، وفقًا لما شعرت به عزة ولمسته في عيون وتصرفات الآخرين "فرحتنا مش متكدرة خالص، وماكناش بنفكر في ده خالص (التدابير الاحترازية) باعتبارها أزمة، ﻷن خروجه أحسن من مفيش، واحنا اتقهرنا كتير. فكفاية بالنسبة لنا إنه يخرج وينام في بيته، ويشوف شغله وحياته".
وفي سبيل أن يلتفت شادي لعمله وحياته، تخطط المحامية لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات في سبيل إبعاد شادي عن الزنازين، وفق ما اختتمت به عزة "طبعًا كل مرة هيكون فيه جلسة تجديد تدابير هو هيحضر ﻷن كل شيء بيتم في الجلسة وكأنه محبوس. واحنا هنطعن ضدها، وساعتها ممكن تقلّ يوم أو تتلغي تمامًا، وده اللي بنتمناه".