تخيّل أنك سافرت إلى بلدٍ لا تتحدث لغته ولا يتحدث لغتك، كيف تخبرهم أنك تائه وتريد العودة إلى مكان إقامتك الذي لا تعرف له عنوان واضح؟ أو كيف يمكنك أن تشرح المجاز لطفلٍ صغير وتصف له أنه صغير كالعصفور لكنه ليس عصفورًا حقًا؟ ماذا لو لم يكن طفلًا أو مواطنًا من بلدٍ آخر؟ ماذا لو كان كائنًا فضائيًا يكتب بلغة لا نعلم عنها شيئًا؟ وماذا لو أردت أن تسأله سؤالًا يعجز عن إجابته بعض البشر "ما هدفك من الوجود على الأرض"؟
هذه الفكرة طرحها السيناريست إيرك هايزيرر، في فيلم Arrival من إخراج ديني فيلينوف، الصادر عام 2016، والمأخوذة عن قصة Story of your life للكاتب تيد شيانج. يحكي الفيلم قصة 12 سفينة فضائية ظهرت في مواقع مختلفة من الكرة الأرضية، بداخل كلٍ منها كائنان فضائيان يشبهان الأخطبوط يُطلق عليهم اسم الكائنات سباعية الأرجل (Heptapod). يستعين الجيش الأمريكي الذي يحيط بإحدى السفن بعالمة لغويات تُدعى لويز (إيمي آدمز)، لتتمكن من فهم غرض هذه الكائنات من الوجود على الأرض.
في هذه الحالة نحن أمام مُعضلة تخص اللغة باعتبارها جسرًا ووسيطًا للتواصل بين البشر لمعرفتهم ببعض المعاني المشتركة بينهم، فكيف يمكننا شرح هذه المعاني لكائنات لا تشاركنا العيش على نفس الكوكب؟ كيف يمكننا فهم ما يريدون قوله إذا كانوا يكتبون لغة دائرية لم نر مثلها على الأرض؟ ثم كيف سنعلم أنهم يفهمون الصيغ والسياقات المختلفة للكلمات؟ هل يعون فكرة السؤال من الأساس؟
تشرح دكتورة لويز للعقيد ويبر (فورست ويتيكر) استحالة التواصل معهم بسرعة، لأننا يجب أن نتأكد من أنهم يفهمون ما نريد قوله وأننا نفهم ما يريدون قوله أيضًا، هل يفهمون معنى الهدف؟ هل تحركهم الغرائز أم النية والعزم؟ هل أخذوا قرارًا واعيًا بالنزول إلى الأرض؟ هل يفهمون أصلًا معنى الوعي؟
يقدم الفيلم شرحًا بصريًا لجملة الكاتبة مارجريت آتوود "الحرب هي ما يحدث عندما تفشل اللغة"، فعندما تعلم د. لويز أن الكائنات الفضائية تخبرها بأنها تحمل سلاحًا، تبدأ جيوش العالم في الاستعداد للحرب وضرب السفينة الفضائية. لكن دكتورة لويز تخبرهم أنها غير متأكدة من أنهم يعرفون الفارق بين الأداة والسلاح، لكنهم لا يستمعون إليها ويستعدون للحرب.
يمكنك أن ترى أيضًا تطبيقًا لما حدث في الفيلم حولنا حاليًا، حيث نحتاج بشدة إلى التواصل وإيجاد حلول جماعية لمواجهة الجائحة الحالية، لأن إصابة إنسان في أي مكان في العالم تعني احتمالية إصابة عدد كبير من العالم. ومع ذلك يمكنك أن تجد صعوبة في التواصل والفهم بين الجميع، من الرؤساء اللذين يُنكرون وجود الجائحة، إلى البشر الذين لا يرون فيها خطرًا حقيقيًا، حتى وإن قلت لهم بصورة واضحة جملة بسيطة مثل "الجائحة خطر".
لماذا يحدث عدم الفهم هذا وإن كنا نتحدث نفس اللغة؟ هل هي بالفعل "موهوبة في قدرتها على سوء الفهم" كما وصفها الشاعر حسين البرغوثي في كتابه الضوء الأزرق؟ أم أننا السبب في عدم الفهم واللغة بريئة من ذلك؟
اللغة والمعنى والسياق
اللغة ليست الطريقة الوحيدة التي ابتكرها البشر للتواصل فيما بينهم، فالتواصل يمكن أن يتم عن طريق الإشارة وتعبيرات الوجه أيضًا، وحتى رسائل الدخان اعتبرت في وقتٍ ما من التاريخ طريقة للتواصل وإرسال الإشارات الرمزية ذات المعنى. لكننا نتحدث تحديدًا عن اللغة كأحد أكثر طرق التواصل انتشارًا بين البشر. تتكون أغلب اللغات من حروف تُعرف باسم الأبجدية، تتراص الحروف بجانب بعضها بعضًا فتكوّن الكلمات، وتتراص الكلمات بجانب بعضها البعض فتُكوّن الجُمل، وتتراص الجُمل بجانب بعضها البعض فتُكوّن سرديةٍ ما، قصة أو أغنية أو شعرًا أو مقالًا.
تتطوّر اللغات الحية عبر الزمن، وتلك التي لا تتطور تندثر وتموت. نتفق بيننا، كبشر، بطريقة أو بأخرى على بعض المعاني والكلمات الدالة عليها، لكننا نختلف في تفسيرها بحسب السياق. مثلًا كلمة "العيش" تعني الحياة، لكنها أيضًا تعني الخبز في بعض البلدان العربية. والسياق وحده غير كافٍ في بعض الأحيان، لكننا سنتحدث عن ذلك الأمر في وقتٍ لاحق.
هذه اللغات تمتلك عدة قواعد، تنظم هذه القواعد العلاقة بين الكلمات وبعضها حتى تتسق وتؤدي إلى معنى مفهوم بين طرفين أو أكثر. كلمات مثل كلب ووردة وزجاجة وبحر لها جميعًا معانٍ معروفة ويمكن تخيلها بسهولة، لكن وضعها بجانب بعضها بعضًا لا يوصلنا إلى المعنى، لكن إذا قلت إنك سرت مع الكلب، ورأيت وردة، ثم اشتريت زجاجةً، ووضعت بداخلها رسالة، ثم ألقيتها في البحر، سيتضح المعنى من هذا السياق.
لكن، كما ذكرت سابقًا، فالسياق وصحة الجملة وحدهما لا يمنحا الفهم. مثلًا إذا ذهبت إلى بلدٍ آخر وقلت إنك شربت اللبن، سيفهم المُتلقي أنك تقصد اللبن الرائب أو المخيض، لكنك في الحقيقة تقصد الحليب. الجملة التي ذكرتها صحيحة وواضحة، لكن الشيء الذي تشير إليه لا يُسمى بنفس الاسم في بعض المناطق العربية، لذلك لا يمكنك أن تفصل اللغة عن السياق الجغرافي والثقافي، ما قد يؤدي إلى عدم الفهم المتبادل.
اللغة والفهم المتبادل
هل شعرت من قبل أنك لا تفهم من حولك ولا يفهمونك على الرغم من أنكم تتحدثون بنفس اللغة واللهجة؟ هل شعرت بأنك لم تكن تقصد ما قلت تحديدًا، وإنما كنت تطمح إلى معنى غير ما فُهم؟ هل شعرت بأنك لا تستطيع التعبير عن مشاعرك وأفكارك بصورة ممسوكة ومفهومة؟ هل شعرت من قبل بأنك لا تتمكن من وضع المشاعر في كلمات داخل سياق واضح؟ كل هذه المواقف حدثت لي مع أُناس يتحدثون بنفس اللغة التي أتحدث بها، فلماذا لم نفهم بعضنا البعض؟
تقول الدكتورة هيدي جرانت، الباحثة وعالمة النفس الاجتماعي، في مقالها المنشور على موقع هارفارد بيزنس ريفيو، إن الحقيقة المُرة هي أننا جميعًا لا نتمكن من رؤية أنفسنا والأخرين بصورة موضوعية، لذلك نميل، عادةً، إلى تحريف وتشويه ما يقوله غيرنا حتى يتناسب مع قناعتنا وأفكارنا ووجهات نظرنا، مما يؤدي إلى عدم الفهم.
تُضيف جرانت أن الطريقة التي ننظر بها إلى بعضنا البعض أبعد ما تكون عن النظرة العادلة، في الواقع الكثير من عمليات الإدراك وتبادل المعاني والكلمات بيننا ليست عمليات عقلانية، بل متحيزة، وغير مكتملة، وغير مرنة أيضًا، كما أنها في بعض الأحيان تكون تلقائية. نسمع بعض الكلمات سيئة المعنى بالنسبة لنا فنستشيط غضبًا، دون حتى أن نحدد السياق والتوقيت الذي قيلت فيه هذه الكلمات.
يمكنك أن تسقط كلمات جرانت على فيلم Arrival وستجد أنها تناسب أحداثه بالضبط. فعندما ترجَم اللغوييون كلمات الكائنات الفضائية على أنها "سلاحًا"، لم تفهم الجيوش إلا تفسيرًا واحدًا لكلمة سلاح وهو الحرب، فالسلاح بالنسبة لهم أداة هجوم أو دفاع. على الجانب الآخر، فسرت الدكتورة لويز كلمة سلاح على أنها أداة يمكن استخدامها في بناء جسور للتواصل مع الدول الأخرى لمنع حدوث كارثة، كقيام حربٍ بين الكائنات الفضائية والبشر.
في مقالٍ منشور على موقع Psychology Today يقول أستاذ الفلسفة في كلية ستاتن آيلند بنيويورك، الدكتور مارك وايت، إن الفلاسفة أدركوا منذ وقتٍ طويل أن اللغة بطبيعتها غامضة وغير كاملة، خاصةً في تعبيرها عن الأفكار والمشاعر، فنحن نخدش فقط سطح المعنى بنطقنا للكلمة، أما ما نشعر به ونفكر فيه حقًا يمكن أن يكون أعمق وأكثر تعقيدًا من كلماتنا.
ما جعل الأمر أكثر تعقيدًا من هذا، فكل المناطق الجغرافية والمجتمعات العرقية المختلفة لديها قاموسًا خاصًا بها، وقد تختلف مع غيرها في طريقة بناء الجُمل ومعنى الكلمات واختلاف نبرة الصوت وما تُعبِّر عنه حقًا. فاللغة التي يتحدث بها سائقو الميكروباصات والأتوبيسات (الحافلات) مع بعضهم بعضًا تختلف عن لغة حديث مديري شركة تكنولوجيا مثلًا، والقاموس المشترك بين الصيادين يختلف عن القاموس المشترك بين السينمائيين، وهكذا.
كل ذلك لا يجعلنا نفهم بعضنا البعض رغم أننا نعيش في نفس الحيز الجغرافي، وقد يجمعنا حيز ثقافي واحد، وقد يجمعنا مكان عمل أو سكن واحد أيضًا، لكننا لا نتمكن من تفسير ما نقوله لبعضنا البعض إلا بصورة فردية تخص أفكارنا ومعتقداتنا والبيئة التي نشأنا بداخلها والأهم من هذا كله كيفية تعاملنا وتعاطينا مع هذه الأشياء. فالأخ يمكن أن ينشأ في نفس بيئة أخيه وداخل نفس المنزل ويشاركه نفس المعتقد الديني أو الثقافي أو السياسي، لكنه يظل شخصًا مختلفًا عنه، يمتلك شخصية متفردة وأفكارًا خاصة عن هذه الأشياء المشتركة، وهو ما يجعل المعاني تفلت أحيانًا وتسقط صريعة بين المتحدثين دون أن تُشكل سياقًا مفهومًا بينهم.
في السياق ذاته، تحكي جرانت عن دراسة سأل فيها الباحثون 400 من زملاء الغرف في الجامعة أن يصفوا شخصية من يعيشون معهم، ليروا إذا كانت تصوراتهم عن بعضهم البعض وعن أنفسهم ستتطابق أم لا. وجد الباحثون أن من عاشوا في نفس الغرفة لمدة تزيد عن تسعة أشهر يعرفون طبائع بعضهم أكثر من غيرهم. لكن النتيجة العامة للجميع جاءت محبِطة، حيث تراوحت نسبة معرفة زملاء السكن ببعضهم من 20% إلى 50% فقط. رغم أنهم يعيشون في نفس المكان ويتحدثون نفس اللغة، لكن طرق تعبيرهم عمّا يشعرون به ويفكرون فيه تختلف تمامًا عن بعضها.
التعبير عن المشاعر والأفكار صعب كما ذكرنا سابقًا، لأن اللغة قاصرة، واستخدامنا لها أقصر. فقبل أن نُعبّر عن الغضب، يجب أن نتعرف عليه أولًا، وأن نفرِّق بينه وبين الامتعاض والحنق والضيق، وقبل أن نُعبِّر عن خوفنا يجب أن نتعرف عليه، ونفرق بينه وبين الروع والخشية، وقبل أن نصف أحدهم بأنه صديق يجب أن نتعرَّف على معنى الصداقة، وأن نفرِّق بين الزميل والرفيق والأنيس وغيرهم. وبعد أن نعلم كل هذه الأمور، يمكن ألا يفهمنا من نحادثه، لأن تاريخه ونشأته والحيز الجغرافي والثقافي الخاص به تجعله ينظر إلى هذه المعاني بصورة مختلفة عما نعرفه نحن. فهل يمكننا حل هذه المشكلة باختراع لغة عالمية جديدة سهلة نتفق على معانيها جميعًا؟
لغة عالمية جديدة
قد يتبنى البعض الطرح الذي يقترح لغةً جديدةً يتفق الجميع عليها، لكن قبل أن نسير في هذا الاتجاه يجب أن نسأل سؤالًا هامًا، كيف نتفق على هذه اللغة التي تجمع تاريخنا وثقافتنا بصورة عادلة، وهي أشياء أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تكويننا؟ كيف سنتفق على المعاني ذاتها رغم اختلاف وجهات نظرنا؟ لنتخيَّل مثلًا أن هذه اللغة ستكون أقرب للغة الإشارة والرسم، فالإشارة لبيت قد تعني لبعض البشر الراحة والشعور بالأمان، وقد تعني للآخرين السجن أو العنف أو عدم الأمان، فكيف يمكن أن يتفق البشر على معنى واحد على اختلاف تجاربهم الحياتية؟
عام 1887 ابتكر طبيب العيون البولندي ليدفيج زامينوف، لغة أسماها إسبيرانتو، وهي مزيج من اللغات الرومانسية مثل الإيطالية والإسبانية والفرنسية والبرتغالية. فكرة زامينوف في أن تكون الإسبيرانتو لغة مساعدة (لغة ثانية) يمكنها مد جسر التواصل بين جميع البشر دون النظر إلى أعراقهم أو أجناسهم، لغة محايدة تخدم الجميع وتعمل على خلق فهم متبادل بين البشر. وهي لغة سهلة التعلم، خاصةً لمُتحدثي اللغات المذكورة، إذ أنها تحتوي على أبجدية معروفة نسبيًا للجميع، وتكوين الجمل بها سهل للغاية، ويتحدث بها بالفعل حاليًا عدد يُقدَّر بالآلاف في بعض المصادر ، فلماذا لم تنجح في أن تكون لغة عالمية مساعدة؟
السبب الأول في عدم النجاح هو أن الإسبيرانتو غير مستخدمة في سوق العمل مثل الإنجليزية والفرنسية مثلًا، فالعديد من البشر يتعلمون اللغة بالأساس كي يستخدمونها في الحصول على وظائف أفضل، أو قراءة كتب والأبحاث بلغات مختلفة عن لغتهم الأم. بهذا المنطق فاللغة الإنجليزية ستكون بالنسبة إليهم أكثر عملية من الإسبيرانتو. والسبب الثاني أن الدول والمنظمات لم تدعم نشر الإسبيرانتو على نطاق واسع، فلماذا يدعمونها وهم ليسوا بحاجة لها؟ فاللغات الأصلية التي اشتقت منها الإسبيرانتو لا تزال موجودة ومنتشرة على نطاق أوسع، فلماذا ندعم لغةً جديدةً حتى وإن كانت أسهل في التعلم قليلًا؟
وحتى إن دعمتها المؤسسات التعليمية الرسمية، ستصبح اللغة الجديدة المبتكرة قاصرة أيضًا ولا تعبر بصورة دقيقة عن تعقيدات مشاعرنا. وإذا فرضنا مثلًا أنها ستنجح بالفعل في ذلك، فكيف نتأكد أنها لن تتغير وتتبدل مع الوقت؟ وأنها لن تتفرق مرةً أخرى إلى لغات عديدة مختلفة تخص جماعات مختلفة من البشر. وإذا أردنا أن نجعلها لغةً محفوظة لا تتطور فهذا يعني أنها ستولد ميتة غير قابلة للتطور ولا الاستخدام. معنى ذلك أننا يمكن أن نعتبر الإنجليزية مثلًا اللغة العالمية الجديدة؟ لا، فالإنجليزية تنطبق عليها نفس معايير اللغات الأخرى بالضبط، فهي أيضًا لغة قاصرة وإن كانت أكثر انتشارًا من غيرها حاليًا.
هل هذا يعني أننا لن نفهم بعضنا البعض أبدًا؟ بالطبع لا. قد نتمكَّن في بعض الأحيان من تحقيق الفهم المتبادل، لكن ذلك يحتاج إلى مجهود من الطرفين. المتحدث عليه أن يتعلم كيف يُعبِّر عن أفكاره ومشاعره بصورة أقرب قليلًا لما يشعر به ويفكر فيه حقًا. أما المُتلقى فعليه ألا يقفز إلى الافتراضات وأن يسأل المتحدث عن المعنى الذي يريد إيصاله، حتى لا يدحرج سوء الفهم بينهما ككرة جليد يزداد حجمها مع الوقت.
وضعت جرانت بعض الأفكار التي قد تساعدنا على فهم ما يحدث خلال المحادثات من افتراضات، حتى نتمكَّن من إدراكها وفصلها عن الحديث للوصول إلى أكبر قدر من التفاهم. مثل أن من يحادثك يضع تصوره عنك وعن أفكارك بناءً على تجربته السابقة معك، وأن الانطباع الأول الذي تعطيه له هو "الصحيح" من وجهة نظره، وهو ما يشكِّل أيضًا الطريقة والكيفية التي سيتعاطى معك عبرها، وإذا كنت تنتمي لجماعة ما فسيتعامل معك على أنك مثل جميع أعضاء هذه الجماعة، وإذا رأى أنك تمتلك صفة جميلة، فسيُخمِّن أنك تمتلك العديد من الصفات الإيجابية الأخرى.
النقطة الأهم بالنسبة لي في طرح جرانت هو أننا جميعًا، سواء كنا متحدّثين أو متلقين، قد نتشارك الآراء والمشاعر ونقاط الضعف ذاتها، لكن مع ذلك قد لا نتشارك المعايير الأخلاقية والقدرات، وهو ما يجعل لكل منا شخصيته المتفردة. وما يجعلنا أيضًا نتعاطى مع اللغة والمعاني بصورة مختلفة عن غيرنا. وما يضعنا أمام معضلة اللغة، وأنه لا سبيل إلى فهم بعضنا البعض إلا عن طريق السؤال عن المعنى المُراد والبُعد عن الافتراضات.
في النهاية يمكننا القول إن الفهم والتفاهم يعتمدان بصورة أكبر على مدى صبرنا على فهم غيرنا، وأن اللغة حتى وإن تطورت ستبقى قاصرة إلى حدٍ ما، لأن العالم من حولها يتطور بصورة أسرع من تطورها، ولأنها، كما ذكرنا، لا يمكنها أن تُلم بجميع الاختلافات البشرية.