تصميم يوسف أيمن- المنصة يومياتي مع كورونا| عن مبادرة التبرع بالبلازما والإبقاء على باب الأمل مفتوحًا مجتمع_ فريد جمال منشور الاثنين 6 يوليو 2020 الاسم: فريد جمال فريد.* المهنة: جرَّاح عظام- صاحب مبادرة التبرع بالبلازما. السن: 26 سنة. القصة بدأت بالصدفة، واحد صاحبي والده مصاب كورونا، وكان بين الحياة والموت، وبيدورله على بلازما و مش لاقي، فكلمني وقالي أكتب بوست على فيسبوك على أساس يتشاف و يتشير فممكن نلاقي متبرع، نص ساعة، ولقيت طبيبة زميلة متعافية كلمتني، وقالتلي إنها نفس الفصيلة و عاوزة تتبرع، ووصلتهم ببعض، وانتهى دوري كده، ما تابعتهمش، أنا دكتور عظام وبعيد عن التعامل المباشر مع كورونا، بس فجأة لقيت نفسي قدام المرض، وبتعامل معاه. بعدها بكام ساعة كده، جالي كمية رسايل بيسألوا و بيدوروا عن متبرعين للبلازما، بفاصيل دم مختلفة، في أماكن مختلفة، فأنا ماكنتش عارف أتصرف، وفكرة أن أنشر بوست لكل حالة الدنيا هتبوظ و محدش هيتابع، فكلمني صاحبي اسمه مينا، عمل بدج وعمل جوجل شيت بتطلب شوية بيانات عن المتبرع والمريض زي الفصيلة مثلًا، حاجات بسيطة جدًا بس نساعد بها الناس، تاني يوم الصبح لقينا 50 واحد سجلوا، منهم 45 حالة محتاجة بلازما، قصادهم بس 5 متبرعين، متخيلين الفرق في النسبة كبير إزاي؟ اللي بنستغربه فعلًا هو أعداد المتعافين اللي كل يوم الوزارة بتعلن عنهم، الناس دي بتروح فين؟ المفروض أن الوزارة معاها داتا كاملة للمتعافين دول، المنطقي اللي يتعمل إن بعد أسبوعين الناس دي تتجاب من بيوتها، أو يروحلهم فريق للبيت، ويتسحب منهم بلازما، بس إلزامي، لأن زي ما أنت اتعالجت وخفيت في غيرك من حقه عليك إنك تنقذه، بس ده مابيحصلش، وأنا كطبيب مش عارف ليه الحقيقة، مع أن الموضوع بسيط جدًا، والداتا كده كده موجودة في كل مستشفى، فسهل توصلهم يعني. بدأوا يتواصلوا مع بعض، وتاني يوم بقوا 500 مسجل، طبعًا الأعداد بتتضاعف بسرعة، والموضوع بقا صعب جدًا، لأننا شغالين مانويل، وأنا أساسًا عندي شغلي في المستشفى كطبيب، فأنا مش عارف أتابع طول اليوم مع الحالات المسجلة، كنت بفكر أوقف الموضوع، بس بدأ أصدقائي يقرروا أنهم هيساعدوا لحد مابقينا فريق كده بشكل ما عددنا أربعة، اتطوع زميلتين رنا نادي ومي محمد، ومايكل فهمي مطوّر ويب، تبرع من حسابه الشخصي، واشترى موقع، وبدأ يطوره، بحيث يكون سهل وخفيف ومتاح للجميع، كل الكلام ده حصل في عشر أيام تقريبًا بس، نصهم كنا بنحاول بس نشوف طريقة تنظيم، لأن كلنا عندنا شغلنا في أماكن تانية. بدأت الحالات تجيلنا ومتبرعين، وننسق الفصايل، ونوصل الناس ببعض، بنحاول نحط شوية ضوابط للموضوع، يعني هل فعلًا ده محتاج بلازما، في تقرير بيقول كده من المستشفى؟ طيب نشوف صور الأشعة، بس عشان نتأكد من الحالة لأن مافيش أصلًا متبرعين، فمش عاوزين نرهق ونهدر اللي معانا. اللي لفت نظرنا لموضوع بنوك الدم ده، حالة كانت بتدور لوالدها على بلازما، حالته كانت متدهورة جدًا، وللأسف كانت متبهدلة وبتحاول تلحقه بأي شكل، قدرنا نوصلها بمتبرع، وراحت بنك الدم في القاهرة، لقيت إنهم بيقولولها هاتي المتبرع واحنا هنعرض ورق والدك على اللجنة ونكلمك خلال خمس أيام، طيب ده مريض حالته متدهورة تمامًا هل هيقدر يستنى خمس أيام؟ ومين أصلًا يقدر يستنى، خصوصًا إن في وقت معين للبلازما، غير كده مش هتكون فعالة، فالسرعة هنا إلزامية وواجبة، ده غير أن الموظفة المسؤولة اتعاملت بأسلوب غير لائق وفيه تبلد، مش مقدّرة إن اللي متصل ده عنده حالة هي حد قريب منه وشايفة بيموت، وبيدق كل البِبان عشان يلحقه. طبعًا إنها تستنى خمس أيام وتلحق والدها ده كان عبث، بدأنا ندور على معامل بتفصل بلازما، كان في معمل في الدقي، قولنالها عليه، بس للأسف ده معمل خاص فبيطلب 2000 جنيه للسحب، طالما في متبرع، ده طبعًا مبلغ مش صغير، بس أفضل للمريض من الانتظار، وعلى عكس اللي اتقال، هي أخدت كيس البلازما و هي واقفة، والحمد لله حالة والدها اتحسنت. بعد ما كتبت عن الموضوع، كلمتني دكتورة فاطمة شومان من وزارة الصحة، وقالتلي هوصلك بدكتور وائل محمود مدير بنك الدمرداش، والحقيقة الراجل كان متعاون جدًا، وقال إن البنك بتاعه مفتوح لأي حالة معاها متبرع، وأن العملية دي بيتدفع عليها رسوم 500 جنيه، لكن الللي من المبادرة هيتعفى من الرسوم، بس ده مقابل أن كل متبرع بيطلع 4 أكياس بلازما، فالحالة تاخد كيس أو كيسيين حسب احتياجها، والمستشفى تاخد الباقي، وده في نظرنا كان اتفاق عادل جدًا، لأنه ع الأقل هيوفرلنا مكان يسحب البلازما بسهولة، ويفيد مصاب تاني بالكيسين التانيين، من المعزولين جوا الدمرداش نفسها. الأزمة الحقيقة أن الدمرداش شغال تلت أيام بس، لأن مافيش غير دكتورة واحدة هي اللي شغالة، فدي طاقته، فأنا عندي 1500 حالة قصادهم 300 متبرع، ومافيش أماكن بتقوم بالسحب وفصل البلازما غير المعامل الخاصة، فدي مشكلة كبيرة، ابتدينا نحول الناس على المعامل الخاصة، المفروض طبعًا الناس ماتدفعش حاجة لأن ده حقها في العلاج خصوصًا إن في متبرعين، لكن ده للأسف لنقص الإمكانيات، وبأكد أننا مش بناخد أي حاجه من المعامل دي، هي مجرد توصيل وهم بيتصرفوا مع الحالة والمتبرع. خلال 5 أيام عمل لحقنا تقريبًا 20 حالة محتاجين بلازما، ودول يعتبر أخدناهم من بوء الأسد، وبس طبعًا في حالات كتير تانية مابنلحقهاش، وحتى مبيبقاش سبب تأخير مننا إننا نوصله بمتبرع، لأ هو مابيبقاش في وقت أصلًا، حالة تدهورت فجأة عاوزين بلازما قبل مانوصل بتموت، وده حصل فعلًا، واحد كلمني عاوز بلازما لوالدته، بعد ساعة بكلمه لقيته بيقولي إنها توفت، ده اتكرر تلت مرات في يوم واحد، لدرجة أن زميلتنا مي جالها انهيار عصبي من كتر الصدمات وإحساس إنك مش عارف تلحق الشخص إنه يعيش. بتقابلنا مشاكل كتير مش بس الأزمة الوحيدة أن مافيش متبرعين، عندنا أزمة أكبر وهي نقص بنوك الدم، يا إما مافيش بنك قريب من مكانه، يا إما مفيش أصلًا وحدة فصل بلازما في البنك ده، في مثلًا واحد من أسيوط عاوز يتبرع لعمه، بس مفيش بنك في أسيوط بيفصل البلازما، أقرب بنك في الأقصر، وده سفر طبعًا، ناس كتير اضطرت تيجي من دمنهور والزقازيق تتبرع في القاهرة، ومش كل المتبرعين بيقدروا يسافروا من محافظاتهم، في الآخر الموضوع تطوعي فمحدش مُلزم يتحمل تكاليف أو متاعب السفر. في كمان إن مش كل المتعافين يقدروا يتبرعوا، طبعًا في أمراض كتير تمنع المتبرع عشان ماتسببش خطر على حياته، ومثلًا الحامل أو اللي كانت حامل، حتى لو أجهضت، ماينفعش تتبرع نهائي، لأن دمها اختلط بمواد تخليه يعمل أجسام مضادة وتضر الحالة، لازم يمر على التعافي 14 يوم، كل الحاجات دي احنا مكناش نعرفها، وعرفناها من خلال تواصلنا مع بنك الدمرداش، طيب دي حاجات مهمة جدًا، ليه مافيش إعلانات وتوعية بها في التلفزيون؟ ليه مفيش إرشادات في الشوراع زي إرشادات الوقاية؟ بقينا نقسم المتبرعين لتلت فئات، الأولى المتعافين بشكل حقيقي، وكان في مستشفى عزل وخرج ومعاه تقاريره، والفئة التانية الناس اللي اتصابت واتعزلت وكملت العلاج في البيت، طيب واللي جاله شوية أعراض ومش عارف ده دور برد عادي ولا كورونا، يعمل إيه، ودي الفئة التالتة، بيروح يعمل تحليل أجسام مضادة وده في أي معمل تحاليل جنب البيت، سعره مش عالي، في حدود 500 جنيه، وبيطلع في يومها، إذا كانت النسبة عالية، فأه ده ممكن يتبرع، مع الشرط السابقة، لو نسبة قليلة يبقا ماتصبش وماينفعش يتبرع. لحد دلوقتي مفيش حاجة مؤكدة إن البلازما علاج صريح للكورونا، لكن هي زيها زي غيرها من طرق العلاج، يعني مش شرط تنفع مع كل الحالات، هي موجودة كواحد من بين بروتوكولات علاج كتير بنحطها للتعامل مع الفيروس، المستجد، اللي كل العالم لحد دلوقتي مش لاقين له علاج فعال، بس كل محاولات لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح. من الحاجات المضحكة أن جالنا متبرعين متحمسين جدًا، واحنا بنسألهم إمتى تم التعافي؟ ومن تاريخهم المرضي بنكتشف إنهم مش مصابيين كورونا أصلًا. ولما بنقولهم، بنلاقي إنهم مكنوش فاهمين أصلًا إن كلمة "متعافي" تعني مصاب وخف، لأ هم فاكرين متعافي يعني ماجتلوش قبل كده، بس يعني ده يدينا شوية أمل أن الناس عاوزة تعمل خير وتلحق غيرها. أنا شخصيًا عرضت على الدكتورة فاطمة شومان إننا ندي الموقع للوزارة، ومش عاوزين أي حاجه في المقابل، والوزارة تكمل، وتدخل داتا المتعافين، وتعمل نقط محددة للتبرع، في كل المحافظات وتتحرك، لأني كطبيب مش مطلوب مني كل ده، واللي احنا بنعمله لو الوزارة اللي عندها إمكانيات أعلى مننا بكتير عملته بربع الجهد اللي احنا بنقوم به هتنجز أسرع وتلحق عدد أكبر من المرضى، زي ما الفنانة رجاء الجداوي اتوفرلها بلازما في وقت قصير جدًا، وده حقها طبعًا في تلقي العلاج، بس احنا بناخدها مَثَل عشان باقي الحالات تاخد نفس الحق بنفس الاهتمام. طول ما الوزارة مش ملتفتة للموضوع بجدية، طبيعي نلاقي متبرعين بالفلوس، وناس بتزوّر تقارير وتروح تتبرع عشان ياخدوا مبالغ من أهل المصاب، هتفتح مجال واسع للسوق السودا والاستغلال، وهنلاقي معامل بتطلب 10 آلاف جنيه لكيس البلازما، وناس مش هتلاقيها أو مش هتعرف تدفع وهتموت. إحنا خمس أفراد بنتعامل من موبايلاتنا الشخصية، محدش فينا مستني أي مقابل، وبنقابل ضغط نفسي رهيب، من حالات بتموت لحالات مش لاقين لها متبرعين، ومحاولات توفير أماكن سحب وغيرها، النهارده اتكلمنا أن عددنا لازم يزيد متطوعين معانا تساعدنا، عشان نقدر نكمل ونتحرك بشكل أسرع. كل ما حد مننا يتعب نقوله يروّح عشان ياخد باور يكمل، وبالرغم من الصدمات والضغط، بنفرح من قلبنا للحالات اللي بتتحسن، وبنحس بإنجاز حقيقي، وده بيخلينا ننكمل، رسايل الشكر والحب والدعوات اللي بتجيلنا بتحسسنا بالمسؤولية أكتر، واحدة من أهالي المصابين بعتتلي مسدج على فيسبوك، وأول مارديت عليها ردت بسيل من رسايل الشكر، لمجرد إني رديت، مع إني ماعملتش أي حاجه لسه، أنا يادوب قولتلها هندور، بس هي مكنش عندها أمل حد يرد عليها أو تلاقي، طبيعي يعني إنسان بيتعلق بأي حاجة عشان ينقذ اللي بيحبه. اللي مخلينا نكمل أن الناس بتخف، والناس بترجع بيوتها وبيبقوا كويسين، واحنا مش عاوزين أكتر من كده. * هذه شهادة لطبيب وصاحب مبادرة للتبرع بالبلازما، وتنشرها المنصة بعد التأكد من هوية الكاتب والتحقق من شهادته عبر اتباع الطرق المهنية والقانونية الملائمة، والحفاظ على خصوصية المرضى إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.