تبدأ في تعقيم أدوات المناكير والبادكير الخاصة بها بعد استيقاظها لتلحق بموعدها مع زبونة هاتفتها الليلة الماضية. ولكن بعد إتمام عملية التطهير وقبل استعدادها للتوجه إلى عملها، تتلقى صباح التي تعمل في أحد صالونات التجميل رسالة "آسفة مش هينفع النهاردة، حصلي ظروف نخليها يوم تاني وهبقى أكلمك".
يتكرر الموقف السابق مع صباح منذ بدء أزمة جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي، حيث أصبح الذهاب للكوافيرات أمرًا ينطوي على مخاطر انتقال العدوى، ليكون البديل هو خدمات "الدليفري"، ولكن يبدو أيضا أنها غير كافية لطمأنة السيدات، فالمخاوف مستمرة من انتشار الفيروس مع اقتراب عدد الحالات المسجلة في مصر من 20 ألف حالة.
تعمل صباح التي تبلغ من العمر 28 عامًا بأحد الصالونات في شبرا، ومنذ بداية عملها بتلك المهنة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، اعتادت الذهاب إلى العديد من السيدات في منازلهن "ستات كتير لما شافوني في المحل وعجبهم شغلي كانوا بياخدوا رقمي وأروح لهم اللي عاوزة تعمل شعرها أو تعمل ماسكات أو باديكير ومش حابة تنزل كنت بروح لها وصاحب المحل مش معترض بالعكس هو الخير بيجيله ويجيلي، الفلوس اللي باخدها بديها له وهو تقريبا كان بيقسمها معايا"، حسبما تقول للمنصة.
تقديم خدمات التجميل في المنازل أمر متعارف عليه بين السيدات منذ فترة طويلة، فتتصل السيدة بصالون التجميل وتطلب إحدى الفتيات إما بالاتفاق مع صاحب أو صاحبة الصالون أو بعيدًا عنه، ولكن مع تزايد مخاطر العدوى أصبحت هذه الطريقة في تقديم الخدمة أمرًا أكثر رواجًا.
حسني خليل صاحب أحد صالونات التجميل، يقول للمنصة إن شقيقته طلبت منه ذهاب أحد الفتيات من الصالون لمنزلها لكي شعرها وقصه، ولكنها تراجعت في اليوم التالي "لقتها بتكلمني بتقولي لا لا بلاش أنا خايفة أدخل حد البيت مش مشكلة بقى هعمله لنفسي أنا وخلاص".
خدمات الدليفري
اتخذ خليل في صالونه بعض الاحتياطات مع بداية الأزمة، منها التعقيم الدوري والمستمر بالكلور، وتعقيم الأدوات المستخدمة، وخاصة أدوات "البادكير" التي تلامس الأسطح المحيطة ثم الجلد. ولكن مع التعقيم المستمر يبقى "الحال مريّح" بحسب خليل الذي يضيف "من أول العاصفة اللي بدأت وفعلًا تقريبًا مفيش شغل، وحتى خدمات الدليفري اللي أعلنا إننا بنقدمها مش شغالة زي الأول، الستات خايفة تيجي الكوافير وكما خايفة تدخل حد البيت".
قرر حسني عدم الاستغناء عن الطاقم الذي يعمل معه في الصالون رغم تراجع أعماله بل وحافظ على رواتبهم "الدنيا صعبة عليا وعليهم فمش هقدر أقطع عيش حد لحد مربنا يكرم ويزيح الأزمة دي"، ولكن هذا الأمر اختلف في الكوافير الذي تعمل به صباح "كنا 5 بنات بس مع بداية الأزمة والشغل ريح صاحبة المحل مشت 2 وقالت لي أنا والـ2 التانين نبدل الوقت مع بعض طالما الشغل مريح هي كمان معذوره هتجيب فلوس ومرتبات منين".
محمود الدجوى رئيس شعبة الكوافيرات بغرفة القاهرة التجارية، قال إن الإقبال على صالونات التجميل تراجع للربع، مشيرا إلى أن حجم الإقبال بالأيام العادية يتراوح ما بين 10 و15 زبونًا وقد يصل إلى ما يقرب من 25 بأيام الأعياد والمناسبات العامة، وحاليا ما بين زبونين إلى ثلاثة زبائن يوميا، وفقا لجريدة البورصة.
وتقدمت شعبة الكوافيرات بطلب للاتحاد العام للغرف التجارية، لإعفاء الكوافيرات وصالونات الحلاقة من دفع الإيجارات بالمولات التجارية خلال الفترة وأيضا الإعفاء من دفع الفواتير الخدمية الشهرية مثل الكهرباء والمياه.
راتب صباح كما تصفه "مكنش هو الأساس، أنا باخد 1500 جنيه، بس كان ممكن يدخلي في الشهر زيهم من الستات، كل واحدة كانت تيجي تعمل حاجة تديني 5 ولا 10 جنيه، والكوافير كان شغال في أيام كان بيدخلنا أكتر من 20 زبونة، وكمان في أواخر رمضان كان الموسم وصاحبة الكوافير كانت بتجيب بنات كمان يساعدونا علشان الزحمة".
مخاوف انتقال العدوى تواجه جيلان عزيز التي تعمل بأحد البنوك، لذلك قررت منذ بداية أزمة كورونا عدم الخروج من المنزل إلا للعمل فقط، فتوقفت بالتالي عن زيارة الكوافير. ولكن هذا سبب لها مشكلة في عملها "من وقت كورونا وأنا مرعوبة ومضطرة أنزل الشغل علشان ده الدخل الوحيد والمنصب اللي بقيت فيه بعد تعب، وبقيت أعمل شعري كيرلي ومروحش للكوافير اللي ممكن يكون فيه معدلات عدوى أعلى بس لقيت مديرتي في الشغل كلمتني في مرة وقالت لي إنه مينفش آجي الشغل بالكيرلي علشان ده مش مناسب وزي مبيكون في لبس معين في شكل معين كمان لازم نلتزم بيه".
الخروج للعمل كان أمرا صعبا على جيلان ولكنها كانت مضطرة له مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة من التعقيم والحماية، ولكن الآن أصبح هناك مشوارا إجباريا للكوافير كل أسبوع في يوم الإجازة الخاصة بها، ليكون هذا المشوار عبأ جديدا للحفاظ على منصبها في العمل "بحاول أقنع نفسي إنه خلاص منا بتعامل مع عملاء وبمسك ورق وفلوس فمش هتفرق بقى وكمان لو فكرت أجيب حد يعملي شعري في البيت فممكن كمان تكون اللي هتيجيلي مصدر للعدوى وأنا مبدخلش حد البيت علشان مفضلش انضف وراه كل شوية".
مشوار الكوافير يمثل واحدا من الأمور المهمة لقطاع كبير من السيدات، هناك ينفصلن عن العالم الخارجي إلى عالم الاهتمام بالبشرة والشعر وكل ما هو جميل، ولكن جاءت كورونا لتصبح تلك المنطقة التي تذهب إليها السيدات من المناطق التي من الممكن أن تكون سببا في نقل العدوى.
ويضم السوق المصري ما يقرب من مليون صالون رجالي وحريمي وعشرة آلاف مركز تجميل توفر جميعها نحو مليوني فرصة عمل، بحسب إحصائيات شعبة أصحاب الكوافيرات رئيس شعبة الكوافيرات بغرفة القاهرة التجارية.
زيزي علام تعاني من هذا الأمر، فهي واحدة من محبات مشوار الكوافير "محتاجة أصبغ شعري ومش عارفة أروح الكوافير علشان مفيش وقت أصلا المحلات بتقفل 5 والشغل بيخلص 5 ولو فكرت أجيب واحدة تعمل لي في البيت مش هيكون معاها نفس الأدوات اللي الصالون بيستخدمها ومش هتكون بنفس الجودة"، تعاني زيزي من غياب مشوار الكوافير كما تعاني أيضا من فيروس كورونا "إحنا بقينا بنتحرك زي الآلات من البيت للشغل للمطبخ مفيش جديد ومفيش حياة وفعلا دي مؤذي لنفسيتنا جدًا، بقينا محبوسين ومش عارفين حتى نعمل الحاجة اللي بتبسطنا".
مواعيد العمل أمر يعاني منه حسني أيضا، فغلق المحلات في الخامسة مساء، برأيه، أحد أسباب عزوف السيدات أو عدم تمكنهن بحسب وصفه من زيارة الصالون "قفل المحلات الساعة 5 صعب كل حاجة مبقاش في وقت عند الست أصلا أنها تفكر في زيارة الكوافير وبقت بتجري علشان تخلص اللي وراها".
العناية المنزلية
ما بين الخوف من الوباء، والرغبة في الاهتمام بالنفس، ظهرت فكرة العناية المنزلية البديلة للكوافيرات، وهو الأمر الذي تتبعه سارة جمال "من وقت أزمة كورونا وبقيت مش بخرج من البيت غير لمشوار الدكتور الأرقام بتاعت الإصابات والوفيات اللي بتزيد كل شوية ترعب وبتخليني مش عاوزة أخرج من البيت وبقيت بعوض مشوار الكوافير بالحاجات اللي بعملها في البيت زي ماسكات طبيعية للوش أو زيوت للشعر مثلا"، غياب مشوار الكوافير يؤثر على حياة سارة، ولكنه أقل تأثيرا من مخاوفها بسبب انتشار الوباء، فالأهم هو الحفاظ على النفس، في الفترة الصعبة التي تمر على الجميع.
علا عوض تراودها نفس المخاوف، ويراودها أيضا رغبة في الذهاب للكوافير، فما بين الخوف من كورونا والرغبة في الجمال تعيش "روحت في الشهرين اللي فاتوا مرتين، عقمت نفسي كويس، بس كنت حاسة إني لازم أفصل واعمل شعري ومرة منهم كان في عيد ميلادي والمرة التانية عملت بادكير وتنضيف بشرة، وكمان لقيت في الكوافير مهتمين بالنضافة والتعقيم برغم إنه كان تقريبا عدد الزباين مفيش، بس كل البنات لابسين كمامات وبيطهروا الأسطح كل شوية".
بالرغم من قلة عدد المترددين على صالونات التجميل، إلا أن حسني قرر وضع خطة للأيام المقبلة في موسم العيد، ووضع على الصفحة الخاصة به على فيسبوك ضرورة الحجز قبل الذهاب حتى لا تضطر السيدة للانتظار أو وجود أكثر من ثلاث سيدات بداخل الصالون.
كما أتاح حسني كذلك طلب الخدمات "دليفري" في المنزل من إحدى الفتيات العاملات بالصالون، مثلما يحدث في الصالون الذي تعمل فيه صباح التي ما زالت تنتظر مكالمة هاتفية من زبونة لن تؤجل موعدها في اللحظة الأخيرة.