جدد أطباء بمستشفى منشية البكري مطالبهم التي رفعوها قبل أيام لوزارة الصحة بعد قرار تخصيص أحد مباني المستشفى إلى مقر لفرز الحالات الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا المستجد وعزل من تثبت أصابته، والتي تتعلق بتوفير سُبل الحماية الطبية لهم بصورة "غير انتقائية"، وتدريبهم على التعامل مع الحالات كونها خارج اختصاصاتهم الطبية.
هذه المطالب التي تحولت لاحتجاجات بدأت مع نهاية الأسبوع الماضي، عندما أعلنت وزيرة الصحة هالة زايد الخميس تخصيص مبنىً بمستشفى منشية البكري لاستقبال بعض الحالات المشتبه بإصابتها بعد إجراء مسحات PCR انتظارًا للنتائج.
ويتكون مستشفى منشية البكري من مبنيين، ولكن أحدهما فقط في الخدمة بينما المبنى الآخر ما زال مغلقًا منذ بنائه.
إصابات سابقة
يقول الدكتور محمد مقبل، استشاري الجهاز الهضمي وأمين عام مساعد نقابة أطباء القاهرة، إن "مشكلة أطباء المستشفى موجودة بالفعل من قبل قرار تخصيصه بأسبوعين، وذلك بظهور حالات إصابة خلال اﻷسبوع اﻷول منهما في أقسام مختلفة بين النساء والرعاية، بالإضافة لإصابة موظفة دفتر الحضور والانصراف التي تتعامل مع كل العاملين، لتكون المحصلة النهائية هي ست حالات تقريبًا".
وأضاف مقبل للمنصّة "كانت مكافحة العدوى في المستشفى رخوة لدرجة عدم إجراء أي مسحات إلا بعد ضغوط كثيرة؛ لتكشف يوم الخميس الماضي إصابة 16 حالة أخرى وتكون محصّلة المصابين النهائية هي 22 حالة، بينهم حالتين تتعاملان مع كل العاملين وهما موظفة دفتر الأطباء المقيمين والاستشاريين ومسؤول التغذية. ومع هذا العدد كان يجب إغلاق المستشفى للتطهير وإجراء مسحات لكامل العاملين، خاصة التمريض والعمال".
وتابع الطبيب "لكن بدلاً من هذا فوجئنا في اليوم نفسه بصدور قرار وزارة الصحة لا نعرف له مُسمىً واضحًا ودقيقًا، فما قالته هو تحويل الحالات لمنشية البكري".
قرار بلا "مسمى"
يصف مقبل قرار وزارة الصحة بأنه "بلا مُسمى وغير مفهوم"، موضحًا للمنصّة "العزل يعني حالات ثبت أنها إيجابية سيتعامل معها الطاقم الطبي 14 يوم بالتبادل. والفرز يعني أن نقوم بما تفعله الحميات من إجراء فحوصات للحالة وحجزها لحين معرفة كونها سلبية فتخرج أو إيجابية فيتم حجزها. أما الحجر فهو أشبه بما يحد مع العائدين من السفر، من حجزهم 14 يومًا. وهو المُطبق مع مستشفانا".
يتابع الطبيب "هذا القرار صدر الخميس عصرًا، لنفاجأ بورود حالات للمستشفى مساءً من حميات العباسية، منها من لم يثبت بعد إصابته من عدمها فأصبحنا مقر فرز، ومنها ما ثبت إصابتها بعد يومين من ورودها فصارت مستشفانا عزل، وذلك بدون أي إجراءات عزل".
يتفق مع مقبل زميله الطبيب المقيم في قسم النساء حماده الجيوشي، الذي قال للمنصّة إن "قرار تخصيص المستشفى للعزل به مشكلة من الأساس، ﻷن مبناه مصمم كطرقة واحدة وسلم وأسانسير واحد، وبالتالي سنمر بالمكان نفسه الذي يمر به المصابون، وحاليًا المستشفى به ما لا يقل عن 40 حالة، مُضطرين للتعامل معها بلا أي جاهزية".
.. ولا جاهزية
يشكو مقبل أيضًا من القرار وتبعاته، بالقول "جاءت الحالات وكان الأطباء المتواجدون وقتها مخالطين لحالات سابقة وليس لديهم أي أدوات وقائية أو تدريب على التعامل مع كورونا ﻷن تخصصاتنا بين عظام ونساء، فاضطروا للمغادرة لعدم وجود واقيات وبقي المستشفى بلا أطباء حتى فجر السبت حين جاء أطباء غير متخصصين أيضًا".
وينفي الطبيب عن زملائه أي اتهام بالتقاعس قائلاً "اﻷطباء قالوا عايزين نشتغل لكن لينا مطالب وهي وجود فريق مكافحة عدوى، ورسم مسار آمن للفريق الطبي وآخر للمرضى، لكن التصميم الهندسي للمستشفى لا يسمح بهذا اﻷمر وهذه مشكلة. وانتداب أطباء بتخصص الحميات والصدر لتدريبنا على التعامل مع حالات كورونا".
معقّبًا "في ظروف الوبائيات يمكن للطبيب أن يعمل اضطرارًا في غيره تخصصه، لكن بعد التدريب. وفي حالتنا هذه نتعامل بقراءاتنا ومجهوداتنا الشخصية وهو ما قد يكون سببًا في وجود حالات وفيات، كان منها على سبيل المثال 4 حالات يوم الاثنين فقط، فنحن لسنا متخصصين ولا نعرف كثيرًا عن الحالات وتطورها ولا عن تداعيات علاجها".
وسجلت مصر أمس الثلاثاء 720 إصابة جديدة في حصيلة هي الأكبر منذ انتشار الجائحة، ليصل عدد إجمالي المصابين 13484 شخصًا، توفي منهم 659.
وقاية "انتقائية"
يتسق حديث مقبل اليوم عن المطالب مع بيان لأطباء المستشفى، رفع المطالب نفسها بالإضافة إلى "توفير وسائل الحماية الشخصية لهم PPE من بدلات واقية وأقنعة N95 وواقيات الوجهة والنظارات".
تم توفير هذا اﻷدوات، لكن وبحسب حديث مقبل وزميله "يتم توزيعها بصورة انتقائية ولا معايير، وذلك بسبب عدم وجود فريق لمكافحة العدوى يحدد بشكل مهني مَن أولى بالحصول على هذه الأدوات".
وهذه النقطة شكا منها الجيوشي، قائلاً "الأدوات الواقية لم يتم توفيرها إلاّ لأطباء الرعاية المركزة باعتبارهم يتعاملون مع المصابين ذوي الحالات الحرجة، أما نحن فلم يتوفر لنا إلاّ الماسك والجاون العاديين الخاصين بغرف العمليات، وبالتالي هناك أجزاء من الجسم مكشوفة".
ينتقد الطبيب هذا اﻷمر "هم يتعاملون بمنطق أننا نتعامل مع حالات مستقرة نسبيًا وعدد زياراتنا لها قليل، وهو التصور غير الحقيقي بالمرّة، فنحن نتعامل معهم بزيارات لهم لا تقل عن 5 مرات يوميًا لقياس وظائفهم الحيوية".
أمام "عدم درايته بكيفية التعامل الطبي السليم مع مرضى كورونا"، وكذلك كونه كان مخالطًا حالات إيجابية بين زملائه؛ يلزم الجيوشي منزله الآن "أنا منذ صدور قرار تخصيص المستشفى للعزل الجمعة الماضية، لم أعمل ﻷنني حاليًا في فترة عزل لمدة 14 يوم بعد أن أجريت مسحة".
لاقت مطالب الأطباء دعمًا من النقابة الفرعية بالقاهرة التي خاطبت الجهة التنفيذية، مديرية الصحة، لكن دون استجابة بحسب شكاوى الطبيبين للمنصّة.
عمل "تحت ضغط"
اتخذ الجيوشي قراره بالبقاء في المنزل، بعد ما لمسه من "تراخٍ" في طريقة إدارة المتستشفى للأزمة "الإدارة للأسف موقفها سلبي تمامًا باستثناء أفراد قليلة جدًا، وكل همها هو استمرار الأطباء في العمل؛ وبيخاطبونا بلهجة استعطاف وأن ما نفعله واجبنا، لكن دون إقامة أي اعتبارات في المقابل لحمايتنا وأماننا الشخصي، ولهذا قررت رئيسة القسم الذي أعمل به أن نوفر ﻷنفسنا وسائل الحماية".
والحماية هي الأمر الذي يؤرق مقبل، الذي يشدد على ضرورة توفيرها خاصة للعمال "المشكلة أن هذه الفئة ليست على وهعي كافي بسبل الوقاية أو المسارات الآمنة وهو ما يجعل منهم مصدر خطير لنقل العدوى، وبالتالي لابد من توفير أخصائيين مكافحة عدوى لتدريبهم ومراقبتهم، بالإضافة لضرورة إجراء مسحات للعاملين في مطبخ المستشفى".
عن المسحات يشير الطبيب إلى مشكلة أخرى يعانيها المستشفى "يفترض أن مديرية الصحة على علم بما يجري لنا، وأن الإصابات بيننا كفريق طبي بلغت حوالي 40 حالة، بينهم فنيين من المتخصيين في إجراء المسحات؛ وهو ما ترتب عليه عدم وجود عدد كافي منهم للقيام بهذا العمل، وهذا بالنسبة للأطباء والتمريض، فما بالنا بالعمال".
وفقًا لبيان ثان لأطباء المستشفى، فإنهم يعملون الآن تحت ضغوط "من جهات مختلفة"، وبلا تنفيذ لمطالبهم.
اختتم مقبل حديثه بالتأكيد على أهمية غلق المستشفى للتعقيم سواء بعد نقل المرضى خارجه أو وهم في أماكنهم، وإجراء مسحات للأطباء، محذرًا من عواقب التغاضي عن تنفيذ المطالب "أمس وصل لنا أتوبيس من الحميات مليان حالات، والمشكلة إن عندنا حاليًا نقص في التمريض، أما الأطباء فمؤخرًا بقى عملهم تحت ضغط وتهديدات من بعض مديريهم بتبليغ أسمائهم لمديرية الصحة لمعاقبتهم".