قبل أسبوع من زواجه توجه إبراهيم عبد الستار إلى أحد مراكز الصحة في شرق القاهرة لإجراء تحاليل ما قبل الزواج، والحصول على شهادة طبية موثقة كأحد شروط إتمام عقد الزواج.
وقف إبراهيم أمام موظف الاستقبال متوقعًا الكثير من الإجراءات، لكنه فوجئ بسؤال من الموظف "عايز تعمل التحاليل ولا تاخد الشهادة؟" ليرد سريعًا "عايز الشهادة"، فطالبه الموظف بإحضار صورتين شخصيتين له ومثلهما للزوجة، ودفع 80 جنيهًا لكل شهادة.
دفع إبراهيم المطلوب وحصل على إيصال وتوجه إلى قسم التحاليل الطبية بالمركز وأعطاهم الصور وحصل على الشهادتين خلال 10 دقائق.
بشكل عام، لا تمنع نتيجة التحاليل الزواج فعلًا، بل هي مجرد شرط شكلي لإتمام العقد.
ما هي التحاليل المطلوبة
تتضمن قائمة التحاليل الطبية التي تعتمدها الوزارة لإصدار الوثيقة الطبية لراغبي الزواج حاليًا سكر عشوائي وصورة دم كاملة وكشف الأنيميا الوراثية، ولكن في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وافق مجلس الوزراء على إضافة تحاليل لاكتشاف احتمالات إنجاب أطفال يعانون من مشاكل صحية، من بينها الكشف عن فيروس الالتهاب الكبدي C وB، وفيروس نقص المناعة المكتسبة HIV، والثلاسيميا، ومرض الأنيميا المنجلية.
يتفق أطباء تحدثوا إلى المنصة على أهمية التحاليل المستحدثة، لكنهم أكدوا على ضرورة اتخاذ خطوات جادة لضمان إجرائها بالفعل، والتوقف عن اعتبارها مجرد إجراءً روتينيًا.
يؤكد الطبيب أحمد السعدي، استشاري الجلدية والتناسلية، أهمية إجراء هذه الفحوصات باعتبارها "خط الدفاع الأول للأسرة"، كونها تكشف جانبًا مهمًا من مستقبلها. وقال للمنصة إن هذه الفحوصات تساعد في الكشف عن الإصابة بالأمراض المعدية خاصة تلك التي تنتقل جنسيًا، كما تكشف أيضًا عن أي خلل وراثي.
وتبقى تحاليل على الورق
إبراهيم عبد الستار هو واحد من بين عشرة أشخاص تحدثت إليهم المنصة، ينتمون لأربع محافظات مختلفة، وثقوا جميعهم عقود زواجهم خلال السنوات الخمس الماضية. سبعة منهم أكدوا أنهم لم يقوموا بإجراء أي تحاليل، وأن المأذون أو أحد أقاربهم أحضر الشهادة الصحية بمعرفته بعد دفع مبلغ مالي مقابل ذلك، بينما أكد الثلاثة الآخرون أنهم أجروا تحاليل عادية عبارة عن صورة دم كاملة وتحليل بول.
وبالمثل، أجرى المجلس القومى للسكان دراسة في عام 2014 لرصد إقبال المتزوجين على إجراء التحاليل الطبية قبل الزواج، كشفت أن 41% من الشباب الذين تزوجوا حديثًا لم يجروا هذه الفحوص حقًا، وتحايلوا من أجل الحصول على شهادة مختومة من أحد المستشفيات بأنهم أجروا الكشف.
ونقلت الدراسة عن الشباب الذين تحايلوا على الفحص أنهم "اعتبروه شهادة روتينية ولا جدوى منها، كما أن ضيق الوقت حال دون ذلك، وأنهم فضلوا أن يدفعوا نقودًا ويوفروا جهدهم".
وبحسب طبيبة تعمل في معمل تحاليل بأحد المراكز الصحية في القاهرة، تحدثت إلى المنصة بشرط عدم ذكر اسمها، فإن أغلب المقبلين على الزواج الذين يترددون على المركز الذي تعمل به، يحصلون على الشهادة دون إجراء التحاليل، وأضافت "الموظفين بيخلصوا الشهادات بالفلوس.. والكل عارف".
وقالت الطبيبة إن المعمل لا توجد به الكثير من الأجهزة التي تستطيع إجراء التحاليل المطلوبة، مثل جهاز عد صورة الدم، وتضيف أن التحاليل التي يمكن إجراؤها في المركز الذي تعمل به هي فقط السكر العشوائي وفصيلة الدم، بالإضافة إلى إمكانية إجراء سونار الرحم.
وبسؤال المتحدث باسم وزارة الصحة حسام عبد الغفار عن نقص أجهزة الفحوصات اللازمة في بعض المراكز المخصصة لإصدار الشهادات، أكد أن "الوزارة تعمل على توفير جميع الأجهزة"، مضيفًا "لدينا قائمة حالية بأكثر من 300 مركز صحي على مستوى الجمهورية يستطيع أي مواطن استخراج شهادة فحص ما قبل الزواج منها".
ولم ينكر عبد الغفار أن هناك عددًا كبيرًا من المقبلين على الزواج يتحايلون للحصول على الشهادة الصحية دون إجراء التحاليل، لافتًا إلى أن "الأمر يحتاج إلى توعية وأن يعرف المقبلون على الزواج أهمية هذه التحاليل".
لماذا لا يُعاقب المزورون؟
يعدُّ توثيق عقود الزواج دون إجراء التحاليل المطلوبة مخالفة قانونية بالنسبة لموظف الصحة الذي يقوم بـ "تخليص" الشهادة وكذلك لمن يحصل عليها، وفق قانون العقوبات الذي يعاقب بالسجن عشر سنوات على جرائم التزوير في المحررات الرسمية، ومن ضمنها التقارير الطبية الصادرة عن القطاع الطبي الحكومي.
أما بالنسبة للمأذون الذي يوثق زواجًا دون إجراء التحاليل اللازمة، فيتعرض لعقوبة تأديبية وفق تعديل جرى عام 2008 على قانون الأحوال المدنية رقم 143 لسنة 1994.
ولكن المتحدث باسم وزارة الصحة حمل المسؤولية على المواطنين، معتبرًا الموظفين جزء منهم، كونه يرى أن ظاهرة القفز فوق التحاليل الطبية من الأمور التي "لا يصلح معها التشديد القانوني فقط، وإنما يتعلق بوعي المواطنين سواء الموظف أو المقبل على الزواج".
وتابع المسؤول الحكومي أن حل المشكلة يكمن في "عدم اعتبار التحاليل مجرد إجراء روتيني بل ضروري للاطمئنان على أنفسهم أولًا، وكذلك حماية أطفالهم من العديد من الأمراض"، وفق رأيه، لكنه استدرك أن "من يُضبط بإصدار شهادة دون تحليل يتم إحالته إلى النيابة العامة".
ولفت عبد الغفار إلى أن الوزارة تعمل حاليًا من جانبها على تحويل تلك الشهادات إلى إلكترونية مميكنة ومدعومة بالـ"QR Code" الذي سيحول دون حصول أي مواطن على شهادة إلا بعد إدخال نتائج التحاليل الحقيقية إلى السيستم، في إجراء يرى أنه سيحد من تزوير الشهادات.
الثمن الغامض لشهادة شكلية
بينما تتضارب التصريحات الحكومية بشأن ثمن إجراء التحاليل المطلوبة للحصول على الشهادة، يعتقد الأشخاص الذين تحدثت إليهم المنصة، أن الهدف من فرضها هو منح الموظفين فرصة لتحصيل المزيد من الأموال.
فوفقًا لعبد الله الجمال المقيم في القاهرة، والذي تزوج عام 2019، "الحكومة مش خايفه علينا يعني"، موضحًا أن المأذون هو من أنهى له هذه الإجراءات مقابل 500 جنيه إضافية على أجرة توثيق عقد الزواج.
وبحسب من تحدثت معهم المنصة لا يوجد سعر موحد لاستخراج الشهادة الطبية، إذ تباينت التكلفة من مكان لآخر بحسب ما يحدده المركز الصحي أو المستشفى، لتتراوح بين 50 إلى 300 جنيه.
أما من جانب الحكومة فجاءت التصريحات بشأن التكلفة متضاربة. هذا الشهر؛ أكدت وزارة الصحة أن الفحوصات مجانية، إلا أن ذلك يتعارض مع قرار آخر أصدرته عام 2010 برفع تكلفة استخراج شهادة توثيق الزواج من 10 جنيهات إلى 80 جنيهًا، لصالح صندوق تحسين الخدمة فى الجهة التى تقوم بالفحص، على أن يزيد هذا المبلغ بنسبة 10% سنويًا.
ومؤخرًا أيضًا، أكد وزير العدل عمر مروان في تصريحات تليفزيونية، أنه وفقًا لقانون الأحوال الشخصية الذي يعدُّ حاليًا، ستكون تكلفة الفحوصات الطبية "زهيدة"، ما يعني أن هناك مصاريف للفحوصات، وإن لم يحددها.
وتوضح طبيبة في مركز صحة بالقاهرة أن الإيصال الذي يستلمه الشخص الذي يرغب في استخراج الشهادة لا يُكتب فيه أنه مقابل الحصول عليها، لكنه يثبت التحاليل والفحوصات التي يتعين عليه إجراؤها، وهي تكلفة يحددها كل مركز صحي "مركز النزهة مثلًا يحصل على 30 جنيهًا للشهادة، ومركز سراي القبة يحصل على 80 جنيهًا".
أزمة ثقة في تحاليل الوزارة
المفارقة أن حسن عبد الله، وهو أحد الشباب الذين تحدثت معهم المنصة وحصل على الشهادة الصحية دون إجراء التحاليل الطبية مقابل 200 جنيه إضافية، حرص على إجراء الفحوصات نفسها في مركز خاص قبل الزواج.
يقول حسن إنه عندما ذهب إلى مركز صحة في مدينته السويس، أبلغه الموظفون أن التحاليل المتوفرة للرجال هي صورة دم وسكر عشوائي، وأضاف "أنا كنت خايف جدًا لأني عندي عم عقيم ومحتاج أعمل تحاليل كاملة مش عايز أظلم عروستي معايا". فأجرى عبد الله التحاليل في معمل خاص وكلفته حوالي ألفي جنيه، يقول "آه مبلغ كبير بس الحمد لله اطمنت".
استفسرت المنصة من أحد أكبر معامل التحاليل الخاصة عن تكلفة تحاليل الزواج، فأشار موظف الاستقبال إلى أن هناك فحوصات مخصصة للمقبلين على الزواج من الأقارب، تُكلف الرجل 2310 جنيهات والمرأة 2325 جنيهًا، وأخرى لغير الأقارب مقابل 1640 جنيهًا للرجال و1775 جنيهًا للنساء.
يقول إبراهيم عبد الستار إنه لو كان يعرف أهمية التحاليل لأجراها قبل الزواج خاصة وأنه تزوج من قريبته، وسمع بعدها كثيرًا عن المشاكل الصحية التي قد تصيب الأطفال في حال كان الزوجين على صلة قرابة، لكنه يضيف "بس الأكيد كنت هعملها بره مش في الحكومة".
لا تقتصر الأزمة إذن في وجود عدد كبير ممن يرفضون إجراء التحاليل الحكومية على "عدم الوعي" كما يشير المتحدث باسم وزارة الصحة، وإنما هي "أزمة ثقة" فيما تقدمه الحكومة من خدمات، "إحنا عارفين إن القصة فلوس، فماشي هندفع اللي إنتو عايزينه وزيادة بس نخلص"، كما يقول إبراهيم.