تصميم: يوسف أيمن- المنصة

يومياتي مع كورونا| أنا حمزة حسين أو كيف اكشتفت كعامل نظافة أن العالم فيه صينيين وفرنساويين وأمريكان

منشور الأربعاء 13 مايو 2020

الاسم: حمزة حسين.* المهنة: عامل نظافة. مكان العمل: مستشفى النجيلة. السن: 40 سنة.

**حصلنا على هذه الشهادة بالتليفون وقمنا بتفريغها بنفس ألفاظها وطريقة حكيها.


أنا عرباوي من مطروح ماطلعتش منها من يوم ما اتولدت وبأشتغل عامل نظافة تبع شركة خدمات. الشركة جابتني مستشفى النجيلة قبل ما تبقى مستشفى عزل يوم 1 يناير كعامل نظافة أساسي من طقم المستشفى. واستلمت شغلي، وبعدين قالوا المستشفى هتتحول لعزل، بس محدش أجبرنا نكمل بصراحة.

كلام الدكتور محمد علي مدير المستشفى كان كويس قوي ومعاملته طيبة، ماكنش بيفرق بين الدكاترة والعمال، كلنا واحد، ومعاملة الدكاترة لي كأني منهم حسستني إن ده مكاني وإن واجبي أكمّل هنا، الكلمة الطيبة هي اللي بتُجبُر خاطرنا عشان نكمّل.

بدأنا نجهز المستشفى وننقل الحالات العادية اللي فيها، وجالنا ناس من فريق مكافحة العدوى، بدأوا يعلمونا إزاي نلبس البدلة الواقية، ونتعامل إزاي مع العيانين. لحد يوم 26 يناير كنت أسمع عن العربية الصيني، المكن الصيني، إنما دي كانت أول مرة أشوف رجل بني آدم صيني بحق وحقيقي، استقبلت المستشفى أول حالة مصابة بكورونا من الصين، لا هو فاهم لغتنا ولا أنا فاهمه، بس بقيت أتعامل معاه شوية بالإشارة وشوية نهزر ونضحك بالكلام كده، استقبلته وسكنته أوضته وأنا اللي كنت مسؤل عن نظافة وخدمة أوضته. بعدها بقى شوفت كل الأجانب فرنساويين وأمريكان وصينين كتير. كان في المستشفى 30 عامل نظافة غيري، كلهم شافوا الوضع وسمعوا كلام الدكاترة فخافوا ومشيوا، بقوا يشوفوا الحالات والأجانب يتخضوا. حقهم يخافوا على حياتهم برضه، أنا كمان كنت خايف، بس مش على نفسي، كنت خايف على ولادي إني أروح فأنقل لهم المرض علشان كده لحد دلوقتي لسه قاعد في المستشفى ماشوفتش الأسفلت، من يوم ماستقبلنا أول حالة في آخر شهر يناير اللي فات.

لما كانوا يقولوا لي إني هأطلع مبنى العزل وأروح ألبس البدلة كنت بأحس قلبي بيدق وعاوز أجري بسرعة، كأنهم بيلبسوني ونازل أحارب.

حاسس إني مهم

دايمًا محدش بيبقى مهتم بعامل النظافة، بس الوقت ده كنت بحس إني مهم قوي والدكاترة محتاجين لي وحاسين إني قد المسؤولية، ده بيخليني أشتغل من 8 الصبح لحد 2 بالليل. ألفّ أنضف الغرف وأعقمها وأعقم كل المسارات وأساعد الحالات، مكنش بيبقى وقت أنام أو أرتاح غير كام ساعة. كل يوم شغل فوق الـ 15 ساعة، بس كنت مبسوط وراضي وحاسس إني مهم بسبب معاملة الناس لي.

ماكنتش بأخلص خدمة الغرف وأقول دوري خلص لحد كده، لا. كنت بأكمل مع زمايلي من التمريض لو محتاجين حاجة، يشيلوا عيان ولا ينزلوه من الرعاية للغرف، أو حد من المرضى عاوز يغير، عاوز يدخل الحمام ومش قادرين يشيلوه. كل ده كانوا بيبلغوني بيه بالموبايل، وأرجع ألبس البدلة تاني وأطلع لهم حتى لو تعبان. بالرغم أن لبس البدلة دي حاجة متعبة قوي وكأني متكتف ورجليّ متعلق فيها تُقل مش قادر أتحرك كويس منها.

كل حالة بأدخل لها كنت بأحس إني أعرفهم. بأحاول أكلمهم وأحسسهم إنهم بخير وهيخرجوا كويسيين عشان ميحسوش بزهق، ولا إننا داخلين نقضي واجب ونخرج، لا. إحنا حاسين بيكم. كفاية عليهم إنهم مش شايفين وشنا، ومخضوضين من منظر البدلة.

أول تغسيل ميت

أصعب موقف مر علي لحد النهاردة هو غُسل واحد ميت من كورونا. كانت صدفة، لأن المغسلة ملهاش عمال ثابتين، ومفيش في الوردية دي عامل غيري. كلموني التمريض أطلع أقفّل الحالة معاهم. في الأول بنشيل الأجهزة ونحطه في كيس الموتى وننقله للمغسلة تحت، وبعدين قالوا مافيش حد هنا يغسله، وإنت اللي هاتغسّله يا عم حمزة. حسيت إن دي حاجه بيني وبين ربنا، فقولت لهم ماشي. قالولي البس البدلة وتعالى. كنت لسه في الأول محدش عارف إذا كان الميت ده بيعدي ولا لأ. لبست البدلة وجه حد من التمريض أخدني، فضل يخوفني ويقول لي خللي بالك ماتخليش حاجة منه تلمسك. وأنا رايح قلبي بيدق كأنه هيطلع من مكانه. أنا على طول بأتعامل مع عيانين حية من لحم ودم وروح، بس دي أول مرة أشوف مصاب وجثة، لا قادر ينطق ولا قادر أتفاهم معاه.

سميت الله و دخلت المغسلة، وقفلوا علي الباب من بره. وأنا واقف قدام ترابيزة التغسيل، وبأبص للجثة وخايف، وبأقول دي حاجة بيني وبين ربنا محدش شايفني. بدأت أشوفه كراجل عجوز بس.

بدأت الغسل وأنا خايف. مش عارف خايف أتعدي ولّا خايف من الموقف وأنا لوحدي وأنا بأغسّله. الوسواس مش سايبني من الخوف وبأفكر إنه لسه عايش. وأنا بحط له القطن في مناخيره حسيت بنفسه، جريت على الباب وخبطت، فزميلي دخل لي، وكشف وإتأكد إنه ميت ودي وساوس. وبعد ماخلصت كفنته، وطلعنا صلينا عليه بره. وأول ما خلصنا صلاة، رجعت جري لأوضتي. أول ما قفلت الباب ماقدرتش أمسك نفسي وقعت على الأرض من العياط والزعل. خصوصًا الراجل ده أنا شوفته وهو داخل ماشي على رجله وأخدت منه شنطته ووصلته للأوضة وهزرت معاه إنه بكره هايخرج و يبقى كويس وقعدت أكلمه أن الفيروس بسيط و علاجه سهل بس هو يتجدعن معانا ويشد حيله. أفتكرت كل ده وحسيت إن البني آدم صغير ومايملكش نَفَسه اللي داخل طالع.

رزق العيال المقطوع

خلال المدة دي (من يناير حتى الحصول على كتابة الشهادة أول مايو) كل شوية نسمع أن هيجي لنا مكافآت أو يوميات رمزية فوق مرتبنا، وأنا فرحت لما قالوا لي كده في الأول أهو رزق عيالي وحاجة تساعدني في تعليمهم علشان يطلعوا يلاقوا شغل أحسن مني، وبعدها طلبوا مني أعمل فيزا عشان ينزلوا لي مكافآت، بس لحد دلوقتي مانزليش جنيه فوق مرتبي. وكل الكلام عن الزيادة محدش عارف هيتنفذ ولا لأ، وعمومًا أنا عارف إن مافيش حاجة هتحصل.

العزل هنا خسرني الناس، أنا خايف أخرج بعد اللي حصل مع الدكتورة اللي ماتت و مكنش حد راضي تدفن، مش عارف لما أخرج من هنا الناس هتقبلني ولا إيه. أصحابي وقرايبي من ساعة لما عرفوا إني جوا العزل محدش فيهم بقا بيكملني خالص حتى في التليفون، واللي بأكلمه مش بيرد علي، وقاطعوا عيالي محدش بيروح يزورهم. كل ما آجي أفكر أتفق مع مدير المستشفى إني أخرج أجازة أخاف من الناس وعلى عيالي فابأقعد وأكمل هنا في العزل.


* هذه شهادة لعامل في مستشفى العزل الطبي بالنجيلة، وتنشرها المنصة بعد التأكد من هوية الكاتب والتحقق من شهادته عبر اتباع الطرق المهنية والقانونية الملائمة، والحفاظ على خصوصية الأشخاص إن أتى ذكرهم، مع عدم التدخل في صياغة الشهادة من جانبنا إلا لضبط اللغة إن كانت بالفصحى.