منكفئين على ماكينات الخياطة، أكثر من 800 عامل، بمصنع فيرتيكال جينير أو الهندية القديمة، في المنطقة الصناعية، بمحافظة الإسماعيلية، جميعهم منهمكون في العمل، ولا صوت يعلو فوق نقر الإبر، ولكن تسود جلبة مختلفة تقطع صوت الماكينات، بعد دخول لجنة من وزارة الصحة، في زي التعقيم الكامل، تسأل عن العمال المخالطين لزميلتهم التي نُقلت للعناية المركزة منذ عشرة أيام، إثر إصابتها بالإغماء.
بدا الأمر جليًا، لكن الخوف يصيب الجميع بالإنكار، شكوك حول حالة زميلتهم، التي تشير كل المعطيات إلى أنها وقعت فريسة الإصابة بفيروس كورونا.
افتكروها غيبوبة سكر
تقول أميرة السيد*، عاملة بالمصنع، للمنصة "من عشر أيام زميلتنا هدى.ع كانت أغمى عليها فجأة، وافتكرناها غيبوبة سكر، لأنها مريضة، طلبنالها الأسعاف، ونقلتها للمستشفى الجامعي، و هناك حجزوها في العناية المركزة، محدش فينا كان يعرف إنها كورونا".
وتكمل "امبارح الصبح، دخلت لجنة من وزارة الصحة، سألوا مين المخالطين لها، وأسئلة عن كل حاجه تخصها، فين الماكينة اللي بتشتغل عليها، الشغل بتاعها بيروح فين، ومين بيستلم منها، و هكذا، وبعدين عرفنا منهم إن تحليلها طلع إيجابي، واتنقلت لمستشفى أبو خليفة للحجر الصحي".
سجلت مصر 5268 حالة إصابة بكورونا، منها 380 حالة وفاة، حتى 29 أبريل الجاري، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الصحة، وخلال هذا الارتفاع الملحوظ مؤخرًا في عدد الإصابات، صرح مدير مستشفى أبو خليفة للحجر الصحي بالإسماعيلية، الدكتور علي حطب، أن المستشفى سجلت 257 حالة مصابة، منذ بدء العمل يوم 7 مارس/ أذار.
اللي خايف ياخد أجازة
تواصل أميرة "بعد ما اللجنة قالت كلنا لازم نتعزل أسبوعين، أخدهم المدير مكتبه، وبعدين مشوا من غير مايطمنونا، وبعد كده صاحب المصنع منح العمال اللي كانوا معاها في نفس خط الإنتاج بس إجازة، وكلنا نشتغل عادي، فعملنا إضراب ووقفنا المكن، لكن في الميكروفون قالنا اللي خايف ياخد أجازة على حسابه ومايجيش واللي هيتكلم هيترفد".
تخشى أميرة انتقال الفيروس إليها أو لعاملات أخريات "إحنا كلنا كنا بنخالطها، بعيد عن الشغل نفسه، كنا بناكل سوا وبنستخدم نفس الحمام، والمصلية، كل يوم لحد يوم نقلها بالإسعاف الصبح، أكيد كلنا معرضين للإصابة، إذا مكناش أُصبنا بالفعل".
وتكمل "كلنا خايفيين على نفسنا وعلى أهالينا، كل واحد مننا بيرجع لأهله يمكن يكون حامل للمرض و مش عارف، ويعدي حد كبير في السن من أهله، أو عيل من عياله، بنتهدد بأكل عيشنا ومضطرين إننا نرجع الشغل عشان رزقنا مايتقعطش".
لم يكن إضراب مصنع فيرتيكال الأول في مدينة الإسماعيلية، فقد سبقه إضراب 4500 عامل، في إحدى الشركات الاستثمارية الكبرى بالمنطقة الحرة بالمدينة، في بداية مارس/ أذار، احتجاجًا على استمرار العمل في المصنع بنفس الطاقة بعد قرارات الحكومة المصرية بخفض طاقة العمل في المصانع والشركات.
لم يتخذ المصنع الإجراءات الوقائية العادية في هذا الظرف الاستثنائي، و إقتراب الخطر من كل عماله، وأصبح مهدد بالغلق التام، بعد رفض صاحبه الغلق المؤقت لعزل العاملين فقط.
ولا حد سأل فينا
يتقاسم رأفت منصور*، عامل بالمصنع، مع زميتله خوفها، ويقول للمنصة "ولا حد سأل فينا، كلنا طلبنا نتعزل في بيوتنا، و المكان يتعقم بشكل كامل، لكن صاحب المصنع مسألش فينا، ولا حد صرف لكل واحد إزازة كحول، كل اللي عمله وزع علينا كمامات قماش متفصلة في المصنع بردو، وقالنا دي تتغسل و تتلبس كل يوم، واللي هيضيعها مالوش تاني، والصحة كانت مأكدة أن الكمامة القماش دي مابتعملش حاجة".
يضيف منصور "يا هنموت بالكورونا أو نموت من الجوع، كلنا ظروفنا صعبة، وفي رقبتنا مسؤولية بيت و عيال، لما يقولي خد أسبوعين على حسابك يعني نص المرتب هيطير، هكمل الشهر منين؟ ولو حالات تانية اتصابت هيقفل المصنع خالص ومش هيبقى في شغل من أساسه".
مع ارتفاع أسعار المعقمات و مستلزمات الوقاية، لم يعد في مقدور الكثير شرائها. يقول منصور المصنع زي علبة السردين، مليان عمال، ومقفول علينا، كل واحد بيحاول يحمي نفسه، أنا مثلًا شايل ازازة كحول في دولابي، كل مابتعامل مع حد بروح أعقم أيدي، لكن طبعًا ده مش كفاية، بقا عندنا كلنا هاجس الإصابة، لو حد فينا كح أو عطس بنترعب، وبفتكر إنه خلاص مصاب، نحاول نتجنبه، الخوف مسيطر علينا ومخلينا بيتهيألنا الأعراض ونفضل مرعوبين".
الباقي ياخد أجازة ليه؟
تواصلت المنصة هاتفيًا مع صاحب المصنع، محمد نوفل، الذي يقول إن "الحالة اتنقلت لها العدوى من المستشفى، مش المصنع، ومرجعتش تاني، فأنا ماعنديش أي اشتباه بين العمال" و أكد " ط الانتاج المخالط لها اديتله أجازة لكن الباقي ياخد أجازة ليه؟" وعن الإجراءات الوقائية أكد على حرصه التام على رش الموقع يوميًا بالكلور، ولكنه أشار إلى أنه لا يستطيع تقديم المزيد.
وأنهى حديثه "إحنا قطاع خاص، يعني أنتج يبقا في دخل أدفع مرتبات، لما هقفلهم المصنع وياخدوا أجازة، هدفعلهم مرتب منين، وبعدين الحكومة قالت إن لازم عجلة الانتاج تدور عشان الاقتصاد مايقعش، وده دورنا كأصحاب مصانع فيها عدد كبير من العمال".
كان رئيس الحكومة، مصطفى مدبولي، صرح يوم 23 أبريل، بأن الحياة ستعود للعمل بشكل طبيعي تدريجيًا، بداية خلال فترة قصيرة، وأكد على ضرورة استمرار عجلة الإنتاج مع الالتزام بالإجراءات الوقائية للحد من انتشار العدوى.
* اسم مستعار بناء على طلب المصدر