في هذا المقال الذي نشره موقع Tomdispatch، وتقدمه المنصة مترجمًا إلى العربية بإذن خاص من الكاتبة، تتناول ريبيكا جوردن* التي تُدرِّس الفلسفة في جامعة سان فرانسيسكو، الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي ستخلفها جائحة كورونا على النساء بشكل خاص.
قبل أن أجد نفسي "محتمية في مكاني"، كان مخططًا لهذا المقال أن يتناول أنشطة النساء حول العالم في يوم النساء العالمي 8 مارس/ آذار، فمن باكستان إلى تشيلي، امتلأت الشوارع بملايين النساء اللاتي يطالبن بأن نستطيع التحكم في أجسادنا وحياتنا، خرجن في العراق وقرغيزستان وتركيا وبيرو والفلبين وماليزيا. في بعض الأماكن خاطرن بالتعرض للضرب من قِبَل رجال ملثمين، وفي أماكن أخرى طالبن بإنهاء قتل الإناث، وهو الواقع المستمر منذ آلاف السنين حيث تُقتَل النساء في هذا العالم يوميًا لمجرد أنهن نساء.
1975: كان المستقبل أنثى
كانت فاعليات هذا العام نضالية بشكل خاص. فقد مرت 45 سنة على إعلان الأمم المتحدة 1975 العام العالمي للنساء ورعاية مؤتمرها الأممي الأول عن النساء في مدينة مكسيكو، والذي تلته مؤتمرات شبيهة كل خمس سنوات، وصولا إلى مؤتمر بكين عام 1995 الذي انتهى إلى منهاج عمل وجّه النسوية الدولية بطرق عدة منذ ذلك الحين.
انعقد مؤتمر بكين منذ ربع قرن. لكن هذا العام، بدا أن النساء حول العالم قد اكتفين. ففي التاسع من مارس، نظمت المكسيكيات إضرابًا لمدة 24 ساعة تحت شعار يوم بدوننا (un día sin nosotras) ليوضحن إلى أي درجة يعتمد العالم على عمل النساء المدفوع وغير مدفوع الأجر. وقد نجح هذا اليوم الخالي من النساء بكل المقاييس، إذ لاحظت وول ستريت چورنال – ربما بقدر من الدهشة – أن "المكسيك تكاد تقف، حيث شلت مئات آلاف النساء المكسيك في إضراب غير مسبوق في كل أنحاء البلاد للاحتجاج على الموجة المتصاعدة من العنف ضد النساء، وهو انتصار كبير لقضيتهن".
ولكن علاوة على الاحتشاد في الشوارع وإخلاء المصانع والمكاتب، كسرت بعض النساء أيضا نوافذ المتاجر وتعاركن مع الشرطة. عنف؟ من نساء؟ ما الذي أوصلهن إلى هذه الدرجة؟
ربما كان السبب هو مقتل إنجريد إسكاميا، وهي شابة عمرها 25 سنة تعيش في مدينة مكسيكو "طعنت وسلخ جلدها ونزعت أحشاؤها" في شهر فبراير/ شباط بحسب نيويورك تايمز. وربما كان إطلاق الرصاص على الفنانة والناشطة إيزابيل كابانياس دي لا توري في مدينة سيوداد خواريز، والتي ذكّر مقتلها العالم غير المكترث بأن النساء ظللن يختفين لعقود على الحدود المكسيكية الأمريكية. وربما الأمر يعود فحسب إلى الأرقام الرسمية لعام 2019 والتي كشفت أن هناك أكثر من ألف جريمة قتل أنثى في المكسيك، بزيادة نسبتها 10% عن العام الذي سبقه، رغم أن هناك عددًا أكبر من هذا النوع من الجرائم لا تسجّل من الأساس.
هل الجائحة أبوية؟
لولا هذه الجائحة، لربما تحقق ما تبنأت به وول ستريت چورنال، وأصبح يوم بلا نساء مجرد بداية للكثير من الانتصارات الكبرى. ربما كان النشيد النسوي العالمي (المغتصب [النظام الأبوي والشرطة والرئيس] هو أنت) سيستمر في إلهام النساء في كل مكان ليخرجن في تجمعات مفاجئة يرقصن وينشدن. وربما لما كان انتباه العالم سينصرف بهذه السرعة عن مشهد انتفاضات النساء في كل مكان. لكن الآن، في الولايات المتحدة وكل مكان في العالم، ينصب الاهتمام كله على الجائحة لأسباب وجيهة.
فيروس كورونا فعل ما لم يستطع يوم بلا نساء أن يفعله؛ إيقاف الاقتصاد العالمي، بعد أن أصاب مئات الآلاف من البشر، وقتل عشرات الآلاف. وما زال مستمرًا في الانتشار كالنار في الهشيم حول العالم.
ككل الأحداث والمؤسسات الكبرى، تؤثر الجائحة على النساء والرجال بشكل مختلف. فرغم أن احتمالية وفاة الرجال الذين يصابون بالفيروس أعلى من احتمالية وفاة النساء المصابات، فإن العواقب الأخرى المتوقعة للجائحة ستكون أصعب على النساء. كيف؟ قدمت الكاتبة هيلين لويس بعض الإجابات في مجلة ذي أتلانتيك.
أولًا، وجود الفيروس بالإضافة إلى تدابير الحجر الصحي الشامل يعنيان بالضرورة وجود أعداد أكبر من الناس يحتاجون لرعاية، ويتضمن هذا كبار السن المعرضين بشكل خاص لخطر الموت، والأطفال الذين توقفوا عن الذهاب إلى المدارس ودور الحضانة. في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، يكتشف الناس المحظوظون بما يكفي للاحتفاظ بوظائفهم عن طريق العمل من المنزل، أن وجود أطفال يشعرون بالملل يجعل الأمر صعبًا.
ليلة أمس، استمتعت أسرتي الصغيرة حقًا بعرض غنائي راقص أدته طفلتان صغيرتان تعيشان بعدنا بمنزلين. قضى والداهما اليوم كله في مساعدتهما في التخطيط لهذا العرض، ثم دعونا لمشاهدته من الفناء الخلفي لمنزلنا. ماذا سيفعلان غدًا (وهو يوم عمل)؟ ليس لدي أدنى فكرة. عرضت صديقة ليس لديها أطفال أن تقدم دروسا يومية لمدة 15 دقيقة باستخدام برنامج زووم عن أي شيء يمكنها البحث عنه بواسطة جوجل، لكي تتمكن صديقاتها الأمهات من الراحة قليلًا.
قبل أسبوع واحد فقط، بدا الأمر وكأن المدارس المغلقة قد تفتح أبوابها مرة أخرى قبل نهاية العام الدراسي، مما سمح لكاتبة في نيويورك تايمز أن تكتب مقالا بعنوان "أرفض أن أقيم مدرسة كورونا في المنزل"، قالت فيه، وهي الأستاذة المساعدة للقيادة التعليمية، إنها تترك طفليها يشاهدان التلفزيون ويأكلان البسكويت لأنها تعلم أنها مهما درست بسرعة لن تصبح كمدرسي المرحلة الابتدائية. يعجبني موقفها، لكنني أظن أيضًا أن أطفال المهنيين سيكونون على الأرجح في وضع أفضل من أطفال العمال الأدنى أجرًا ليستطيعوا استكمال الكفاح الصعب من أجل البقاء في غابة التعليم (من مرحلة الحضانة إلى نهاية المرحلة الثانوية) التنافسية في هذا البلد.
كتبت هيلين لويس أنه بالنسبة الأسر المعزولة في المنزل والتي تتكون من رجل وامرأة، فإن المسؤولية الأكبر في رعاية الأطفال ستقع على عاتق النساء. يثير غضبها الخبراء الذي يشيرون إلى أن أشخاصًا مثل إسحاق نيوتن ووليم شكسبير أنتجوا أفضل أعمالهم أثناء وباء الطاعون الذي ضرب إنجلترا في القرن السابع عشر، فتقول إن "الاثنين لم تكن لديهما أية مسؤوليات في رعاية الأطفال". حاولوا أن تكتبوا الملك لير ومعكم كورديليا وريجان وجونريل يجذبون قمصانكم، ويشكون بصوت عال من الملل.
في بلدان مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث غالبية الأمهات لديهن وظائف، ستعاني النساء من ضغوط جديدة للتخلي عن عملهن مدفوع الأجر. في معظم الأسر التي تتكون من رجل وامرأة لديهما أطفال وكلاهما يعملان ويحصلان على دخل، تعني اللامساواة التاريخية في الأجر أن وظائف النساء عادة تحصل على أجور أقل. لذلك، إذا كان ضروريًا أن يكرس شخص ما اليوم كله لرعاية الأطفال، فإن المنطقي اقتصاديًا أن تفعل المرأة ذلك. في الولايات المتحدة، 11% من النساء بالفعل يعملن بدوام جزئي فقط رغما عنهن، كثير منهن يعملن في وظائف مواعيدها غير منتظمة. وحتى النساء اللاتي اخترن موازنة عملهن المنزلي بعمل بدوام جزئي قد يجدن أنفسهن مضطرات لترك وظائفهن تحت الضغط.
كما تقول لويس، هذا كله "منطقي تماما من الناحية الاقتصادية"، وتشرح أكثر "على المستوى الفردي، اختيارات الكثير من الأزواج خلال الشهور القادمة ستكون منطقية تماما من الناحية الاقتصادية. ماذا يحتاج المرضى الذين أصابهم الفيروس؟ العناية. ما الذي يحتاجه كبار السن في العزل الذاتي؟ العناية. ما الذي يحتاجه الأطفال الموجودين في المنزل ولا يذهبون للمدرسة؟ العناية. كل أعمال العناية هذه – غير مدفوعة الأجر – سيقع الجزء الأكبر منها على عاتق النساء بسبب البنية القائمة لقوة العمل".
علاوة على ذلك، كما تعلم المرأة التي تختار ترك العمل بضع سنوات لرعاية أطفال صغار، فإنه من المستحيل تقريبا العودة للعمل مدفوع الأجر في موقع براتب ومكانة يماثلان ما تركته. وترك العمل بشكل إجباري لا يعني أن هذا الأمر سيصبح أسهل.
إعادة الإنتاج الاجتماعي؟ ما هي؟ ولماذا هي مهمة؟
هذا الفصل الدراسي، أُدرِّس مقررًا بحثيًا لطلاب تخصصهم الأساسي هو الدراسات الحضرية في جامعة سان فرانسيسكو. نركز على شيء يشكل كل حياتنا؛ العمل (ما هو؟ من لديه عمل ومن ليس لديه؟ من يحصل على أجر مقابله؟ ومن لا يحصل على مقابل؟ وعدد هائل من الأسئلة الأخرى عن النشاط الذي يشغل معظم وقتنا على هذا الكوكب).
استعرنا مفهومًا مفيدًا من النسويات الماركسيات وهو "إعادة الإنتاج الاجتماعي"، ويعني كل العمل – مدفوعًا أو غير مدفوع الأجر – الذي يجب أن يقوم به شخص ما لكي يتمكن العمال فحسب من الذهاب لوظائفهم والقيام بالمهام التي تجعلهم يحصلون على أجورهم ويحققون الأرباح لأصحاب الأعمال.
هذا الشيء يسمى "إعادة إنتاج" لأنه يعيد إنتاج العمال بالمعنى البيولوجي (الإنجاب) وبمعنى المجهود اليومي المطلوب لجعلهم أصحاء بما يكفي للقيام بالأمر نفسه مرة أخرى في اليوم التالي. وهو "اجتماعي" لأنه لا يمكن أن يقوم به شخص بمفرده، ولأن المجتمعات المختلفة تقوم به بطرق مختلفة.
ما الذي تتضمنه عملية إعادة الإنتاج الاجتماعي؟ هناك أمور واضحة يحتاجها أي عامل مثل الطعام والملبس والنوم (ومكان آمن ينام فيه)، ناهيك عن مستوى معين من النظافة. لكن هناك المزيد؛ الترفيه جزء منها حيث إنه ينتج شخصًا قادرًا على العمل بفاعلية. التعليم أو الرعاية الصحية أو رعاية الأطفال أو الطبخ أو التنظيف أو شراء الاحتياجات أو تحضير الطعام والملابس – كلها أمور أساسية للحفاظ على العمال وعملهم. إذا كنتم تريدون معرفة المزيد عنها، يمكن البدء بداية جيدة بكتاب تثي باتاتشاريا عن نظرية إعادة الإنتاج الاجتماعي Social Reproduction Theory: Remapping Class, Recentering Oppression.
ما علاقة هذا بلحظة الجائحة التي نعيشها؟ كيفية تنظيم إعادة الإنتاج الاجتماعي في الولايات المتحدة تجعل بعض الناس أكثر عرضة للخطر من الآخرين في وقت الأزمات الاقتصادية. لنضرب مثالًا واحدًا؛ طوال عقود كثيرة اضطلعت المطاعم بأجزاء كبيرة من أعمال تحضير وتقديم وتنظيف الطعام بشكل جماعي (هادف للربح)، وهذه الأعمال كانت إلى حد كبير تتم في كل منزل بمفرده. بالنسبة للنساء العاملات، حلَّ توافر طعام رخيص يمكن شراؤه جاهزًا وأخذه للبيت في بعض الحالات، محل الحاجة للتخطيط والشراء والتحضير لإعداد وجبات سبعة أيام في الأسبوع. إن الخدمات الغذائية قطاع مقسم طبقيا يجمع بين مؤسسات الطعام السريع والمؤسسات الفاخرة، لكنه يتضمن الآن العديد من العمال منخفضي الأجور الذين فقدوا وظائفهم، أما من ما زالوا يعملون في أماكن تبيع الوجبات الجاهزة (Take away) أو الوجبات التي يتم طلبها واستلامها من السيارة يخاطرون بصحتهم حتى يستطيع الآخرون أن يأكلوا.
إحدى الطرق التي تعامل بها الأزواج من طبقة المهنيين في الولايات المتحدة مع مهام إعادة الإنتاج الاجتماعي هي أن يعهدوا بأجزاء كبيرة من الأعمال الخاصة بهم للنساء الفقيرات. هل تتشاجران على من يقوم بالكنس وغسيل الملابس في المنزل؟ لا تجعلا المرأة تقوم بكل شيء، بل وظفا امرأة أخرى لتقوم بهذا العمل من أجلكما. تريدان أن يكون لديكما أطفال وحياة مهنية في نفس الوقت؟ وظفا مربية.
بالطبع، المرأة التي تقوم بتنظيف منزلكم أو المربية التي تعمل لديكم على الأرجح سيبقى عليها أن تقوم بأعمال إعادة الإنتاج الاجتماعي الخاصة بها حين تعود إلى منزلها. والآن، حيث توقف أطفالها عن الذهاب للمدرسة، عليها العناية بهم أيضا. في الكثير من الحالات سيكون هذا ممكنا، ولكن نظرا لأن عمل هؤلاء النسوة لا يعتبر "خدمات أساسية" وفقا لأوامر الاحتماء في المكان shelter-in-place orders الصادرة عن بعض الولايات، فإنهن سيخسرن دخولهن.
على الأقل هنا في كاليفورنيا، الكثير من النساء اللاتي تقمن بهذه الأعمال مهاجرات غير مسجلات. حين تنجح إدارة ترامب والكونجرس في تمرير قانون الإغاثة، فإنهن - مثل الكثيرين من عمال المطاعم غير المسجلين - لن يحصلن على الدعم الذي هن في أمس الحاجة إليه ليدفعن الإيجار أو يشترين الطعام. تتدخل المنظمات المعنية بحقوق اللاجئين لتحاول سد جزء من العجز، لكن ما في إمكانهم سيكون على الأرجح مجرد قطرات قليلة في دلو كبير جدا. لحسن الحظ، العمال المهاجرون من أكثر الناس ذكاء وحسن تدبير في هذا البلد، وإلا ما كانوا قطعوا هذا الشوط الكبير.
هناك نوع آخر من أعمال إعادة الإنتاج الاجتماعي تقوم به النساء في معظم الأحوال، وبطبيعته مناقض تماما للتباعد الاجتماعي، ألا هو العمل بالجنس. بالتأكيد، لن تتضمن أي حزمة إنقاذ النساء اللاتي تعملن في البغاء وهن من أفقر الفئات في هذه الأمة.
نساء في البيت وفي خطر
إنه تزامن أليم أن تعزل النساء في بيوتهن مع بدء حركة عالمية ضد قتل الإناث. فإحدى عواقب سياسة الاحتماء في المكان أن يصبح العثور عن ملاذ من العنف الأسري أكثر صعوبة. هل ستكونين أكثر أمانا بالخارج تخاطرين بالإصابة بكورونا أم داخل المنزل مع شريك ضجر غاضب؟ أكتب هذا وأنا أعرف أن هناك قطاعًا اقتصاديًا معينًا لم يتضرر من الجائحة، ألا وهو تجارة السلاح.
على سبيل المثال، شهد موقع ammo.com الذي يبيع الذخيرة عبر الإنترنت في أنحاء البلاد باستثناء أربع ولايات فقط، زيادة إيراداته بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال الشهر الأخير. ربما يتم شراء كل هذه الذخيرة لمحاربة الزومبي (أو غزو المهاجرين الذي يذكرنا به الرئيس على الدوام)، لكن البحوث تبين أن ملكية مسدس مرتبطة بشدة باحتمالية تحول العنف الأسري إلى جرائم قتل.
كل أسبوع، تستضيف كارولين هاكس التي تحرر عمود بريد القراء في جريدة واشنطن بوست خط دردشة على موقع الجريدة يقدم اقتراحات للمساعدة في موضوعات مختلفة. خلال آخر أسبوعين، أصاب قراءها (وأنا منهم) الرعب من رسائل مشاركة عالقة في الحجر الصحي داخل شقة صغيرة مع شريك خطير اشترى مسدسًا لتوه. النصيحة النموذجية للنساء اللاتي في وضعها ليست أن تهرب فحسب، وإنما أن تضع خطة للخروج وتجمع المستلزمات والنقود التي ستحتاجها وتؤمن مكانًا تذهب إليه. أوامر الاحتماء في المكان الإلزامية - برغم ضرورتها لتسطيح منحنى الجائحة - قد تسبب بشكل غير مباشر زيادة في حوادث قتل الإناث في المنازل.
وكأن النساء لم يتأثرن بشكل سلبي بجائحة كورونا بالفعل، حاول أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تسريب بعض من انحيازاتهم ضد النساء في نسختهم من قانون الإنقاذ. ففي نفس الشهر الذي خاطرت فيه الباكستانيات بحياتهن في مظاهرات شعارها (جسدي.. اختياري)، يريد الجمهوريون استغلال الجائحة في محاولة أخرى لغلق عيادات تنظيم الأسرة المعروفة باسم بلاند بيرنتهوود (Planned Parenthood).
كشف الكاتب جريج سارچنت في واشنطن بوست مؤخرًا أن الـ350 بليون دولار أمريكي المقترحين لدعم المشاريع الصغيرة التي لا تسرح العمال تستثني المشاريع غير الهادفة للربح التي تتلقى الدعم من برنامج ميديك إيد للرعاية الصحية. عيادات بلاند بيرنتهوود التي تقدم الرعاية الصحية لملايين النساء غير المشتركات في نظام للتأمين الصحي أو تأمينهن غير كامل هي بالضبط هذا النوع من المشاريع غير الهادفة للربح.
معاونو أعضاء الكونجرس الديمقراطيين الذين لفتوا انتباه سارچنت لهذا الأمر يشيرون إلى أن هذه العيادات لن تكون المنظمة الوحيدة المتضررة. ويعتقدون أيضا أن "هذه اللغة ستستثني مجموعة كبيرة من المشروعات الأخرى غير الهادفة للربح والتي تحصل على تمويل برامج فيديك آيد، من هذه المساعدات المالية، أبرزها تلك التي تقدم خدمات رعاية المعاقين في الأسرة والمجتمع المحلي، ودور المسنين في المجتمع المحلي، ومقدمي خدمات الصحة العقلية، والمراكز الصحية، ودور الإقامة الجماعية للمعاقين، وحتى مراكز دعم ضحايا الاغتصاب".
في نفس الوقت، تسعى ولايات ميسيسيبي وأوهايو وتكساس لاستخدام فيروس كورونا كحجة للحيولة دون تمكن النساء من إجراء عمليات الإجهاض. أمر المحامي العام لتكساس كين باكستون مقدمي خدمات الإجهاض أن يتوقفوا عن إنهاء الحمل على أساس أن هذه ليست إجراءات طبية ضرورية. وسابقا، المحامي العام لأوهايو داڤ يوست أرسل خطابات لمقدمي خدمات الإجهاض في الولاية مانعا كل عمليات الإجهاض الجراحي "غير الضرورية".
العودة للوضع الطبيعي؟
حين ترشح وارين هاردنج (الذي اشتهرت إدارته بفسادها) للرئاسة في سنة 1920، كان شعار حملته "العودة للوضع الطبيعي"، أي لما كانت عليه الأمور قبل الحرب العالمية الأولى. ما كان يعنيه هو العودة للحيوية الاقتصادية. وكما نعلم، "العشرينيات الهادرة" حققت هذا بمستويات عالية حتى حصل ذلك الانهيار المسمى بالكساد العظيم.
واليوم، مثل هاردنج، يقدم رئيس فاسد آخر وعودًا بعودة سريعة للوضع الطبيعي، ويتذمر بالفعل من فترة الـ 15 يومًا من التباعد الاجتماعي التي أعلنها في منتصف مارس. في المؤتمر الصحفي الذي عقده في 23 مارس، أشار إلى أن الولايات المتحدة ستكون مفتوحة للعمل في وقت قريب، وفي اليوم التالي، اقترح أن تفتح البلاد في عيد الفصح قائلا: "إنه يوم خاص جدا بالنسبة لي"، وقال إنه يريد أن يرى "الكنائس ممتلئة في مختلف أنحاء البلاد". إنه لا يستطيع أن ينتظر حتى يعود كل شيء – بما في ذلك نظامنا الاقتصادي ونظام الرعاية الصحية المتسمين بلامساواة عميقة – إلى الوضع الطبيعي، أي الوضع الذي كان قائما قبل انتشار فيروس كورونا، أي أن نعود لحالة عدم الجهوزية للأزمة التالية التي ستقع بكل تأكيد.
على عكس الرئيس، لا أريد أن نعود للوضع الطبيعي. أتمنى أن يستمتع الناس في ڤينيسيا أخيرا بقنواتهم الصافية وبالدلافين التي عادت للظهور. أتمنى أن يعتاد بقيتنا على الهواء الأقل تلوثا وانخفاض الانبعاثات الكربونية. أتمنى أن نتعلم تقدير حياة النساء.
بدلا من العودة للوضع الطبيعي، أتمنى أن نعترف بأن بقاءنا كنوع يعتمد على تغيير كل شيء تقريبا بما في ذلك كيف ننتج ما نحتاج وكيف نعيد إنتاج أنفسنا كبشر كاملين. أتمنى عندما ننجو من هذه الجائحة أن نأخذ ما تعلمناه كشعوب في هذا العالم عن الفعل الجماعي العالمي أثناء هذه الأزمة ونطبقه على الأزمة الأخرى المتوقعة، وهي الأزمة التي تهدد كل الحياة الإنسانية في كوكب تزداد حرارته بشكل واضح.
* ريبيكا جوردن: تُدرِّس في جامعة سان فرانسيسكو، ومن كتبها
American Nuremberg: The U.S. Officials Who Should Stand Trial for Post-9/11 War Crimes (نورمبرج الأمريكية: مسؤولون أمريكيون يجب أن يحاكموا بسبب جرائم الحرب فيما بعد 11-9)، 2017.
Mainstreaming Torture: Ethical Approaches in the Post-9/11 United States (تعميم التعذيب: مقاربات أخلاقية في الولايات المتحدة ما بعد 11-9)، 2014.