كثير من العناوين الصحفية الصادمة عن انتشار جائحة كورونا وما تخلفه يوميًا من ضحايا، فلم يسلم مكان في العالم تقريبًا من هذ الفيروس، الذي تحولت بؤرته من الصين (حيث ظهر للمرة الأولى) إلى أوروبا.
لكن مع كل هذه الأخبار السلبية، يبقى الأمر الذي لا ريب فيه أن الأزمة هذه سوف تنتهي، وهذا يمكننا معرفته من التجارب السابقة التي مرت على البشرية، ويبدو أن هذه المرة، هناك العديد من الدروس والجوانب الإيجابية، التي بدأ يخرج بها العالم بعد أقل من شهر في الحجر الاختياري، فصارت معدلات التلوث أقل، والتقارب الأسري أكبر، وتبادل المعلومات يمر بشكل أكثر سلاسة، مما مضى، بين أنظمة انعزالية ونقيضتها، بينما أصبح العلماء والأطباء هم الأبطال في عيون العالم، وليس لاعبي الكرة والمشاهير.
احتباس حراري أقل
هو واحد من أكبر المخاطر التي تهدد استقرار الإنسان، وبدأ العلماء في ملاحظته في منتصف القرن العشرين. يحدث الاحتباس الحراري نتيجة تزايد بعض أنواع الغازات مما يرفع من درجة حرارة الأرض، مثل بخار الماء والنيتروس أوكسايد والكلوروفلوركاربون، والميثان، أما الغاز الأقوى تأثيرًا فهو ثاني أكسيد الكربون الذي زاد تركيزه في المناخ بمقدار الثلث منذ الثورة الصناعية وهو أحد الضالعين الرئيسيين في التغير المناخي الحالي.
تقول وكالة ناسا إن تركيز ثاني أكسيد الكربون نتيجة النشاطات الصناعية في ال 150 عامًا الماضية، وأن هذا سيزيد من درجة حرارة الأرض وجفاف بعض المناطق حول العالم وغرق العديد من المدن في العالم.
هذا الأمر يتم إغفاله بشكل كبير من أغلب ساسة العالم نظرًا لانخراطهم في دعم شركات رأس المال التي تدعمهم بدورها، وكأنها حلقة مستمرة، لكن ما حدث أن أصيب العديد من الوزراء في بلدان كثيرة في العالم مثل الوزيرة بوزارة الصحة البريطانية، نادين دوريس، وغيرها كثير من كبار السياسيين في العالم، يمثل جرس إنذار أن الكوراث حين تقع تلحق الجميع.
بقدرة فيروس كورونا على الانتقال من شخص لآخر فرضت الحكومة الصينية حظر تجول، مما عطَّل الصناعة بشكل كبير مسببًا انخفاضًا ملحوظًا في الانبعاث الحراري بنسبة 25% في العالم، طبقا لتقرير صحيفة الجارديان البريطانية، ودراسة علمية وضحت النسب المختلفة لانخفاض المواد المنبعثة من الصناعة، ولم تشهد الكرة الأرضية انخفاضًا ملحوظًا منذ الأزمة العالمية في عام 2008.
هذا الانخفاض يدعو دول العالم وساسته إلى إعادة النظر في الرغبة الجارفة في زيادة نسب الإنتاج للحفاظ على المناخ لأن الأرض ليست ملكًا للجيل الحالي وحده، بل هي ملك لأجيال قادمة لهم الحق في حياة آمنة، بعيدة عن المخاطر والتهديدات من فرط الرغبة في التكسب وزيادة رأس المال في كل مكان.
زيادة الاهتمام بالنظافة الشخصية
من أهم طرق الوقاية من العدوى بفيروس كورونا هو غسيل اليدين بالماء والصابون بانتظام، وعدم لمس متعلقات الآخرين، وهو أمر سيظل عالقًا بالتأكيد في أذهان الجيل الحالي في العالم كله، وسوف يورَّث بطبيعة الحال للأجيال القادمة كأحد الأولويات الشخصية، مما سيقلل من حدوث الأمراض في المستقبل نتيجة العدوى.
يقول المركز الكندي للصحة والأمان إن غسيل اليدين بشكل منتظم هو واحد من أهم طرق الحماية من انتشار الأمراض بشكل عام، في حال حرص الإنسان على النظافة سوف يؤدي إلى خفض معدل الأمراض والتأثر بها والعيش في حياة أقل عرضة للأمراض والحد من التكاليف التي تتكبدها الدول نتيجة المزيد من مختلف أنواع العدوى، التي قد يتجنبها الإنسان بمجرد اتخاذه النظافة الشخصية واحدة من أولوياته.
الاهتمام بالصحة العامة والمناعة
تظل غريزة الإنسان في البقاء ورغبته في صحة جيدة هي أهم الأولويات، ولكن سلوك الإنسان الحديث وابتعاده عن النشاط البدني والأكل الصحي جعله عرضة أكثر للأمراض، مثل السكري وأمراض القلب، ولكن مع حلول هذه الأزمة وعدم توفر علاج أو لقاح لفيروس كورونا، كان واحدًا من أهم الأسئلة التي بحث عنها الأفراد هو كيف يقوي الإنسان جهازه المناعي لتجنب الإصابة بفيروس كورونا؟ حيث سجل موقع جوجل ارتفاعًا هائلًا في البحث عن كلمة Immunity (مناعة) في الولايات المتحدة الأمريكية، في شهر مارس/ أذار.
وفي مصر، لم يختلف الأمر، فازداد البحث عن كلمة مناعة في نفس الفترة، كما يبين الرسم البياني التالي:
ويوضح التقسيم التالي تفصيل البحث عن مواد متعلقة برفع المناعة سواء عن طريق الأغذية الطبيعية أو المكملات الغذائية أو الأدوية.
هذا الحرص في سلوك الإنسان في الوقت الحالي بشكل طبيعي، سيؤثر على سلوكه لاحقًا ويمنحه المزيد من المعرفة والرغبة في الحفاظ على صحة عامة جيدة، وجهاز مناعي قوي، مما يوفر عليه وعلى الحكومات المزيد من الجهود بعد تجاوز الأزمة الحالية.
ارتفاع قيمة الأخبار الحقيقية
مواقع التواصل الاجتماعي شهدت في كل مكان حول العالم الكثير من الأخبار الكاذبة، سواء لزيادة عدد المتابعين أو رغبة في لفت الانتباه، أو غير ذلك من الأسباب النفسية والشخصية، وفي كثير من الأوقات يتم نشر أخبار غير منطقية في ظل الأزمات، ومع مرور الوقت يظهر أن كثير من هذه المعلومات غير حقيقية، مما يثير رغبة الملايين في التعرف على الحقيقة دون تهويل، من مصادرها الموثوقة، وفي مصر تخطى عدد متابعي وزارة الصحة المصرية على فيسبوك النصف مليون، بينما وصل متابعي صفحة رئاسة الوزراء إلى قرابة المليونين، واهتمت إدارة فيسبوك بتوثيق حسابات هيئات حكومية لم تكن محل اهتمام قبل شهرين.
ضرورة توحد الكوكب
فيروس كورونا لم يصب الفقراء فقط، بل أصاب الساسة والأثرياء والمشاهير مثل الممثل الأمريكي توم هانكس، ونجم السلة، كيفن دورانت، ومهاجم يوفنتوس، باولو ديبالا، وغيرهم.
الرسالة هنا واضحة جدًا، سأنال من الجميع، الغني والفقير والجاهل والمتعلم، والحكام والمحكومين ما لم يكن هناك توحُد ورغبة في التعاون بين الجميع لأجل القضاء على ما يهددهم، وليس أحد بمعزل عن المرض مهما كان.
سننجو بالبحث العلمي
على الرغم من التطور الإنساني والمعرفي والعلمي وتقدم التكنولوجيا في العقود الأخيرة، إلا انه ما زال واضحًا الفرق في صناعة العلوم مقارنة بغيرها من المجالات الصناعية، وبالطبع هناك تفاوت كبير في الإنفاق فبينما تنفق الولايات المتحدة حوالي 476 مليار دولار على البحث العلمي، بنسبة حوالي 2.6% من الناتج المحلي، تنفق غانا 421 ألف دولار فحسب بنسبة 0.4% من الناتج المحلي، بحسب بيانات اليونسكو.
وفي مصر، بلغ الإنفاق على البحث العلمي 6.1 مليار دولار بنسبة 0.6%، وهذا أقل من المنصوص عليه في الدستور، إذ تنص المادة 23 من الدستور على ألا تقل مخصصات البحث العلمي عن 1% من الناتج القومي الإجمالى تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، التي تصل إلى 4 % في بعض الدول.
يعلو صوت العلم وقت الأزمات
ليس من عاقل يكره الترفيه بكافة أشكاله، فالإنسان حر في اختيار ما يشاء طالما أنه لم يسبب أذى وضررًا للآخرين، لكن المجتمعات التي تولي اهتمامًا بالثقافة والعلم، بالتأكيد أكثر إنتاجًا وحفاظًا على أنفسها وعلى البيئة من الأخطار والأمراض، وأكثر استجابة ورغبة في التقدم.
في تقرير أعدته صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية تقول إن مشاهدة التلفزيون لفترات طويلة يقلل من معدلات الذكاء، حيث تحتوي أغلب ما يتم عرضه على مواد ترفيهية، وإن زيادة مشاهدة التليفزيون بالطبع أدي إلى تقليل فترات القراءة طبقا لتقرير من جامعة نرويجية.
في ظل هذه الأزمة العالمية، يظل الانتباه للاستماع للعلم وانتظار العلماء في ما قدموا وفيمَ يبحثوا هو الشغل الشاغل لكل العالم، وبالتأكيد فإن النظرة للمجتمعات العلمية والبحثية والأطباء ستتغير للأفضل بشكل كبير في الفترات المقبلة.
التعليم عن بُعد
في ظل هذه الأزمة صار توجه معظم جامعات ومدارس العالم إلى التعليم عن بُعد، من خلال الإنترنت، وبذلك قللت من الكثافة المرورية ورفعت أعباء مادية وبدنية عن الطلاب، وووفرت الكثير من التكاليف البيئية، المتمثلة في استخدام أقل للورق والبلاستيك والتقليل من عوادم السيارات. هذا الواقع الذي نعيشه هذه الأيام في هذه التجربة يستدعي النظر المتعمق والدراسات، للتعرف على مدى نجاح التجربة.
في عام 2019 قُدر عدد الطلاب في الولايات المتحدة الأمريكية بأكثر من 50 مليون طالب و3.5 مليون مدرس، وفي حال توفير الدراسة عن بعد لأغلب هذه الأعداد سوف يؤدي ذلك إلى التقليل من التلوث البيئي.
فرصة لاكتساب مهارات جديدة
ويحتوي الإنترنت على العديد من المنصات التعليمية الشهيرة التي تقدم كورسات تعليمية وشهادات علمية، من خلال التعليم عن بعد من كبرى جامعات العالم، حيث يقدم موقع كورسيرا آلاف الكورسات العلمية، وأيضًا موقع إيديكس، وموقع جامعة هارفارد، والمنصة العربية رواق، وموقع إنجلش لايف لتعلم اللغة الإنجليزية.
كل هذه المواقع وغيرها، تقدم آلاف الكورسات المجانية، فلو كان عندك نقطة ضعف في أحد العلوم، أو عندك الرغبة في تعلم شيء جديد، فها هي الفرصة أمامك، الوقت ومصادر تعلم قوية يمكنك من خلالها تحصيل ما ترغب فيه.
تحسين ظروف العمل غير الآدمية أصبح ضرورة
ما يزيد عن 700 مليون عامل يعيشون تحت خط الفقر المدقع، على الرغم من وجودهم في أشغال بشكل دائم، إلا أن رواتبهم لا تكفيهم هم وأسرهم ولكن الحاجة للعمل وللدخل ولو بشكل محدود يدفعهم لهذه الأشغال.
يعيش العديد من موظفي العالم في أجواء عمل غير صحية، مع ازدحام شديد في الكثير من أماكن العمل حول العالم، حيث أظهرت العديد من التقارير التي أعدتها منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، عشرات التقارير عن ظروف العمل غير الإنسانية والمرتبات الضئيلة.
مع الفقر وتأخير الرواتب وظروف العمل غير الإنسانية والازدحام في أماكن العمل غير الظاهرة للمستهلك، كل هذه الأسباب ظروف خصبة لنشأة وانتقال الأمراض المعدية، حيث يقول المركز الأمريكي للوقاية من الأمراض، إن التجمعات هي بيئة خصبة لانتقال العديد من الأمراض المعدية، مثل الأنفلونزا والحصبة والالتهابات الكبدية الوبائية.
الأسر مع بعضها مجددًا
باتت الآن ايطاليا بشكل كامل تحت الحجر الصحي، حيث لا يخرج أحد من بيته إلا للحاجة الضرورية، ومن يخالف ذلك سيتعرض للمساءلة، تلحقها بشكل غير كامل فرنسا وإسبانيا، إضافة إلى تعطيل الدراسة بشكل كامل في أغلب المؤسسات التعليمية في العالم، مما يدفع الأسرة بكامل أفرادها إلى التواجد في بيت واحد، بعدما عصفت الظروف بكل واحد في مكان في ظل تقدم الإنسان وسعيه الدائم إلى العمل والمنافسة.
كثيرًا ما يفتقد الأبناء آباؤهم في التواصل واللعب معهم، وعمل بعض الأنشطة الترفيهية، أما الآن ونحن موجودون في منازلنا طوعًا أو كرهًا، فهي فرصة ذهبية لإعادة التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، وتوطيد العلاقات وإصلاح أي أزمات سابقة.
حاول أن تكتشف موهبتك
الغالب أن كل واحد منا له شيء ما يتميز فيه، قد يكون هذا ضمن مجال عمله أو بعيدًا عنه، لكن إن كان بعيدًا عنك فحاول أن تجده وتبدأ في ممارسته، قد يكون الرسم، أو العزف على أحد الآلات الموسيقية، أو الغناء أو القراءة أو كتابة القصص أو النحت، أو غير ذلك من عشرات القدرات التي تكمن داخلك.
الحقيقة الدامغة أن هذه الأزمة سوف تمر رغم شدتها، فقد تجاوز العالم أزمات كثيرة خلفت ملايين الضحايا، مثل الأنفلونزا الأسبانية والتي استمرت عامين، وكان ضحيتها ما يزيد عن الخمسين مليون شخص 1918-1920 وتجاوزها العالم، وسوف يتجاوز العالم كورونا في ظل هذا التقدم العلمي والمعرفة والتواصل بين البشر.
إن الأزمات التي تحل على البشر إن لم تجعلهم ينظرون إلى الأمور بحكمة وتعقل ورغبة في التوحد والإنسانية، فسوف تمر عليهم الأزمة ولن يجنوا منها إلا الخسائر البشرية والمادية.