من أكثر المصاعب النفسية التي واجهتني في بدايات حياتي المهنية كطبيب، صوت منشار العظام المستخدم في عمليات البتر وهو يقوم بعمله، خاصة وأن معظم المرضى الذين تبتر سيقانهم يجرون هذه العملية وهم خاضعون لتخدير نصفي يجعلهم يسمعون جيدًا صوت قطع عظامهم.
لا يشعر الأطباء بالحزن نفسه في كل مرة، فمع مرور الوقت يصبح الأمر أكثر اعتيادية، أشبه بالعمل اليومي الذي يعتادون عليه. المحاسبون تعوّدوا على جمع الأرقام والأطباء تعوّدوا على قطع الأرجل.
أحد المرضى لم يتجاوز عمره 45 سنةً، قال لي بعد إجراء عملية بتر لساقه إنه ما زال يستمع إلى صوت المنشار الذي نسميه منشار جيجلي، لم يفارق الصوت أذنيه لشهور. إنها صدمة تستحق العلاج النفسي. مع كل قدم قطعتها ترسب في داخلي حزن وعيت بعضه فقط.
أسئلة المريض وأقاربه لا تتغير. "هل هناك حل آخر؟". من تستوجب حالته البتر فوق الركبة يسأل عن إمكانية أن يحدث البتر من تحتها، ومن تستوجب حالته البتر من تحت الركبة يتساءل عن إمكانية بتر بعض الأصابع فقط. ومثلما تتكرر الأسئلة تتكرر الإجابات بروتين واحد؛ لو كان في إمكاننا الحفاظ على القدم كلها لما لجأنا إلى هذا الحل المؤلم.
حزن فوق حزن فوق حزن يترسب مرة تلو أخرى، وكلما صغر سن المريض كلما كبر الحزن أكثر.
بعض عمليات البتر تجرى بسبب تعرض المريض لحادث، ولكن هناك أشخاصًا آخرون معرضون لمخاطر إجراء هذه العملية إذا لم يتخذوا إجراءات الوقاية اللازمة على الدوام، وهم مرضى السكر.
عندما يتعرض مرضى السكر لعدوى بكتيرية في القدم أو الساق يكون الشفاء منها أبطأ من المعتاد، لأنه ومع مرور الوقت وخاصة إذا لم يكن المريض حريصًا على ضبط نسبة السكر في الدم بشكل دائم، يزداد ترسب الدهون على الشرايين، ما يقلل من كمية الدم التي تصل إلى الساقين والقدمين، وهو الأمر الذي يضعف من قدرة الجهاز المناعي على إيصال إمداده اللازم للتغلب على البكتيريا ومساعدة الجرح على الالتئام.
عدم التغلب على البكتيريا قد يؤدي في حالات كثيرة إلى إصابة القدم بالغرغرينا، وحينها لن يصل المضاد الحيوي إلى أنسجة القدم المصابة لأنها ماتت بالفعل.
لذلك، ومع ما يترتب على عملية البتر من آثار مؤلمة، بعضها بدني وبعضها الآخر نفسي، يجب على المصابين بالسكر الحفاظ على أقدامهم جيدًا. على مريض السكر أن يعي أن الوقاية خير من العلاج ليست مجرد عبارة مكتوبة على أغلفة كتب الدراسة، بل هي سلوك مستمر عليه الالتزام به لتجنب عواقب شديدة السوء.
جروح القدم ومرضى السكر
لا يعني ذلك أن كل مريض بالسكر سيصاب تلقائيًا بالقدم السكري. قد يعيش مصاب السكر عشرين سنة أو أكثر دون أي مضاعفات إذا نظم نسبة السكر في الدم بشكل دائم، وواظب على الرياضة وابتعد عن التدخين وأجرى فحوصات السكر في الدم بشكل دوري وتابع مع مختص واتّبع تعليماته الطبية.
كيف يبدأ الأمر؟
الإحساس بالخدلان (التنميل) في الأطراف وخاصة في القدمين، يعطي مؤشرًا على عدم انتظام نسبة السكة في الدم. هذا المؤشر يستلزم التوجه فورًا إلى طبيب مختص سيطلب في الغالب بعض التحاليل لقياس نسبة السكر في الدم؛ مثل تحليل السكر التراكمي وتحليل نسبة السكر أثناء الصيام وتحليل نسبة السكر العشوائي.
حدوث الخدلان يدل على التهاب في الأعصاب الطرفية وهو من نتائج عدم تنظيم نسبة السكر في الدم. يستدعي ذلك تغيير نوع الأدوية في حالة المريض الذي يحافظ على نظام صحي ويلتزم بمواعيد أدويته.
المشكلة الكبيرة تبدأ مع إصابة المريض بأي جرح في قدمه خلال فترة الخدلان، إذ من المتوقع ألا يشعر به من الأساس لأن التهاب الأعصاب الطرفية يقلل الإحساس أو يمنعه تمامًا في حالات الالتهاب الشديدة.
لماذا القدمان أكثر عرضة للإصابة دون باقي أعضاء الجسم؟
القدمان هما أكثر أعضاء الجسم المعرضة للتعرض للجروح لالتصاقها بالأرض وأيضًا لإمكانية دخول اجسام معدنية صغيرة (مثل إبر الخياطة أو المسامير صغيرة الحجم) دون أن يشعر المريض بها، ولأن شرايين الساقين هي الأطول في الجسم مما يسهل حدوث ضيق في أي جزء من أجزاء الشرايين ما يعيق تحرك الدم ووصوله إلى الأطراف بشكل كافِِ.
ما هي مخاطر التدخين على مرضى السكر بشكل خاص؟
يسبب التدخين بشكل عام أمراضًا مختلفة، ولكن بالنسبة للمصابين بالسكر يبدو الأمر أكثر صعوبة.
عندما يترسب النيكوتين في الأوعية الدموية، وهو من الآثار المعروفة للتدخين، يسهل انسداد الأوعية الصغيرة ثم الأكبر قليلًا. يسهّل التدخين شعور مريض السكر بالخدلان وما يترتب عليه من آثار.
عند إصابة مريض السكر بجرح في قدمه هناك ثلاثة معطيات هامة تحدد ما ستؤول إليه حالته؛ وضع الشرايين وما إذا كانت تعمل بكفاءة أم لا، وحالة عظام القدم وهل أصيب بالتهاب شديد أو لا، وأخيرًا حالة الأنسجة ما إذا حدث بها تعفن وفساد أو لا. بناء على ذلك كله يتخذ الطبيب قراره.
حالة الشرايين في الطرف السفلي هي الأهم. الشرايين في الطرف السفلي هي الأكثر طولًا. حالة الشرايين تنقسم إلى ثلاثة مستويات والمستوى الرابع يعني أن ما فسد لا يمكن إصالحه. في بعض الحالات يمكن تحسين عمل الشرايين من خلال الأدوية، وفي حالات أخرى يتطور الأمر إلى توسيع الشرايين عن طريق عمل قسطرة بالبالون أو بتركيب دعامات في الشرايين الكبيرة. حين يخبرك الطبيب المختص أنك بحاجة إلى توسيع الشرايين، فإنه في الغالب يحمل لك الأمل.
إذا أصبت بعدوى القدم السكري، ما الذي يجب عليَّ أن أفعله؟
كثيرًا ما يكتشف المرضى بعدوى القدم السكري أزمتهم عند وجود رائحة كريهة صادرة من القدم. عليك أن تتوجه حينها بشكل مباشر إلى طبيب جراح الأوعية الدموية الأقرب إليك. قد يطلب منك عمل أشعة موجات صوتية ملونة على الشرايين لقياس كفاءة الدم وأشعة عادية على القدم وبعض أنواع التحاليل مثل السكر في الدم. اتبّع تعليماته على الفور فإدراك الأمر في أوله والتعامل معه بجدية يجنبك الكثير من المضاعفات لاحقًا.
جرح القدم السكري يؤثر على نسبة السكر، فكلما ساءت حالة الجرح كلما ارتفعت نسبة السكر في الدم.
توصيات عامة للوقاية
- المحافظة على نسبة السكر في الدم باستمرار، بتناول الأدوية في موعدها وتجنب الإفراط في تناول الأطعمة التي تسبب ارتفاع نسبة السكر مثل الكربوهيدرات والسكريات.
- المواظبة على فحص القدم باستمرار، حيث يُفقِد الخدلان الإحساس الطبيعي، وقد يصاب بجرح لأيام دون أن يكتشفه. فالفحص الدوري بنفسه لظاهر القدم والفحص بالمرآة لرؤية أسفل القدم.
- تجنب ارتداء الأحذية الضيقة أو الأحذية الواسعة التي تسهل إصاب القدم بجروح.
- المواظبة على الحركة ورياضة المشي باستمرار ما ينشط حركة الدورة الدموية في شرايين الطرف السفلي.
- الإقلاع عن التدخين بشكل تام والابتعاد حتى عن التدخين السلبي.
- الإكثار من شرب السوائل كالماء والعصائر الطبيعية للحفاظ على نشاط الجسم بشكل عام وحالة الكلى. ينصح كذلك بتجنب المشروبات الغازية لاحتوائها على كميات كبيرة جدا من السكر.
- قص أظافر القدمين بشكل منتظم، مع مراعاة عدم الإفراط في قصها حتى لا تسبب جرحًا لنفسك.
- في حالة تناول مضادات حيوية طبقًا لتعليمات الطبيب، يجب تناول الجرعة الموصوفة كاملة وعدم قطعها مع الشعور بالتحسن.
- في حالة الإصابة بالتهاب فطري بين الأصابع، يوصى بالتقليل من غسلهم بالمياه مع التجفيف بشكل جيد.