بعد مرور 34 يومًا على اختفائه قسرًا، ظهر يوم أمس السبت الناشط عبد الله السعيد، عضو حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) في نيابة أمن الدولة، متهمًا في قضية تعود وقائعها إلى عام 2018، وفقًا لما أعلنه الحزب في بيان صادر عنه مساء أمس السبت.
في البيان ذكر الحزب أن نيابة أمن الدولة العليا قررت حبس السعيد 15 يومًا احتياطيًا، على ذمة القضية رقم 411 لسنة 2018، ووجهت له اتهامات "الانضمام لجماعة إرهابية وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار كاذبة"، وهي القضية التي تضم كلًا من المدون وائل عباس، والصحفيين مصطفى الأعصر وحسن البنا ومعتز ودنان.
اختفاءات متكررة
الظهور على ذمة قضية بعد فترة من الاختفاء القسري، أمر لم يتعرض له السعيد وحده، إذ سبقته بأيام الناشطة إسراء عبد الفتاح التي "اختطفها من أحد شوارع المهندسين رجال أمن بملابس مدنية، في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وظهرت في اليوم التالي كمتهمة أمام نيابة أمن الدولة العليا"، وفقًا لما ذكره بيان صادر عن منظمة العفو الدولية.
على مدار الشهور الماضية، تعرّض للاختفاء آخرون، بينهم ثلاثة زملاء للسعيد في حزب العيش والحرية وهم لؤي الخولي الذي ألقي القبض عليه من منزله مطلع أكتوبر الماضي، ومن قبله كل من محمد وليد الذي اختفى من داخل مطار القاهرة في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد ختم جواز سفره بختم المغادرة وقبل صعوده على الطائرة المتجه للرياض، وكذلك ممدوح مكرم المقبوض عليه من منزله بأسيوط منذ 21 سبتمبر الماضي.
وتعرّض للاختفاء أيضًا مراسل وكالة أسوشيتدبرس في القاهرة، مصطفى الخطيب، والذي قال عنه عمرو بدر عضو مجلس نقابة الصحفيين، في تصريحات سابقة للمنصّة، إن "قوات أمن بزي مدني ألقت القبض عليه من منزله".
"رَكن" المواطنين
خلال فترة اختفاء السعيد، لجأ حزب العيش والحرية لإجراءات تنوعت بين القانونية بإرسال تلغراف للنائب العام حول واقعة "اختطافه"، والإعلامية بإطلاق حملة تدوين عنه للمطالبة بالكشف عن مصيره، الذي اطمئن باكتشافه الآن أعضاء الحزب، حتى ولو كان سجنًا.
اطمئنان أعضاء الحزب مبعثه أن مصير السعيد صار معلومًا بعد أسابيع من "القلق على سلامته الشخصية" وفقًا لما لوكيلة مؤسسي "العيش والحرية" إلهام عيداروس، التي قالت للمنصة إن "الاحتجاز خارج إطار القانون وركن الناس فترة في مقار الاحتجاز الأمنية لحين ظهورهم في تحقيقات هو نمط متبع منذ وقت طويل، لكن زادت وتيرته خلال العامين الأخيرين، وصار منهجيًا على وجه التحديد منذ احتجاجات 20 سبتمبر".
تضرب عيداروس مثالًا على مثل هذا النمط "القديم" بالقضية 1739 لسنة 2018، بقولها "هذه القضية صارت معروفة لنا كأعضاء بالتيار الديمقراطي بعد اختفاء عضو العيش والحرية بالدقهلية هشام سليم وعضو حزب الدستور بالغربية خالد سويده في الفترة بين أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2018 وأوائل يناير (كانون الثاني) 2019، ليظهرا في النيابة بعد أسبوعين على ذمتها، وقد ضمت فيما بعد زميلنا في الحزب زياد أبو الفضل، وذلك بنفس النمط، إذ أنه اختفى 13 يومًا".
في أعقاب تظاهرات 20 سبتمبر، وثّقت المفوضية المصرية للحقوق والحريات حالات احتجاز واختفاء ما لا يقل عن 606 شخصًا، ظهر بعضهم فيما بعد كمتهمين في نيابة أمن الدولة.
ولفتت عيداروس إلى أن "من يتعرضون للاختفاء بيظهروا في النيابة بعد أيام أو أسابيع بأمر ضبط وإحضار يصدره الأمن بتاريخ ظهور الشخص، وكأنه لم يتعرض للاختفاء، كما حدث لعبد الله السعيد، بإصدار أمر الضبط بحقه بتاريخ 16 نوفمبر بينما هو مختفٍ منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأول)؛ فيما يمثّل ممارسة منهجية تحرر الأمن من قيود الإجراءات القانونية المنضبطة، من قبيل إصدار الضبط والإحضار قبل القبض على المواطن، والكشف عن مصيره، وتمكينه من الاتصال بمحاميه"
هذا النمط في التعامل ليس بالجديد، لكن وتيرته "ارتفعت خلال العامين الأخيرين"، وفقًا لعيداروس التي تقول "في السابق، كان عرض المحتجزين يكون أمام النيابات الجزئية بمختلف المحافظات حتى في القضايا الكبيرة مثل مظاهرات تيران وصنافير، لكن بعد 2017 وتركيز أغلب القضايا في يد نيابة أمن الدولة، صار الوضع هو إخفاء المواطنين بالمقار الأمنية، وما ساعد في انتشاره عدم إجراء تحقيقات في بلاغات الإخفاء القسري، والذي لا أرى له جدوى لدى السلطة سوى أنه وسيلة لترويع المواطنين".
في عام 2017، نفى رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، والذي أصبح لاحقًا نقيبًا للصحفيين، وجود أي حالات اختفاء قسري.
ما بعد قانون الإرهاب
يرى المحامي الحقوقي أحمد راغب إن ما يحدث حاليًا من اختفاءات قسرية ساهم فيها عدّة عوامل، يأتي على رأسها القانون رقم 94 لسنة 2015، تحديدًا المادة 40 منه.
تمنح هذه المادة للسلطات الحق في "التحفظ على المشكوك في ارتكابهم جرائم لمدة لا تتجاوز 24 ساعة" وهي المدة التي يمكن تمديدها بموجب المادة نفسها إلى أسبوعين.
يعلّق راغب على هذه المادة بقوله للمنصّة إنها "تخالف المادة 54 من الدستور، وكذلك المادة 36 من قانون الإجراءات الجنائية، والاثنين ينصان على وجوب استجواب المتهم أمام سلطات التحقيق في مدة 24 ساعة".
لاقت هذه المادة انتقادات حقوقية، باعتبارها "ذات صياغة فضفاضة، وتضفي صبغة قانونية على عملية الإخفاء القسري باعتباره نوعًا من أنواع التحفظ، والذي تمنحه كحق للنيابة أو المحامي العام لمدة تصل قرابة الشهر دون التحقيق مع المتهم، تحت مبررات خطر الإرهاب".
كانت إسراء عبد الفتاح "محظوظة"، بعرضها على النيابة بعد أقل من 24 ساعة تقريبًا من توقيت من اختفائها، وذلك على عكس متهمين آخرين، وفقًا لمحاميها راغب، الذي يقول "لم نشهد أبدًا في حالات الاختفاء الأخرى أن أعلن أن التحفظ عليه بموجب قانون الإرهاب، بل يتم إنكار اختفاء الشخص من الأساس، ثم يتم عرضه على النيابة بموجب أمر ضبط وإحضار يصدر خلال يوم عرضه، ولو كان الشخص مختفيًا منذ شهور".
من هذه النقطة، يلفت المحامي الحقوقي إلى أهمية تقديم تلغرافات وبلاغات بحالات الإخفاء القسري، باعتبارها "تثبت الواقعة، وعند عرضه أمام النيابة فإن هذه البلاغات تنفي عن محضر الضبط والإحضار- الذي غالبًا ما يصدر بتاريخ يوم العرض- الصحة والجدية، وكأنها بمثابة دليل على أنه محضر مزور، وهو ما اتبعناه في حالة إسراء عبد الفتاح".
وشدد راغب على أهمية بلاغات الإخفاء القسري بقوله "فضلاً عن كونها وسيلة ضغط قد تساهم في ظهور الشخص المختفي، فإنها أيضًا تعطي مساحة لجهات التحقيق للتأكد من الادعاءات الخاصة بالإخفاء والانتهاكات بحق الشخص المختفي، كما أنها بلاغات لا تسقط بالتقادم ويمكن التحقيق فيها ولو بعد سنوات، ويمكن معاقبة مرتكبها بجريمة ارتكاب جنحة التحفظ على مواطن بدون وجه حق".